وسائل تنفیذ عقوبة الإعدام :

لقد اقترن تنفیذ عقوبة الإعدام في المجتمعات القدیمة بأسالیب التعذیب الجسدي ، كالإحراق بالنار وتقطیع أعضاء الجسم ودفن الإنسان حیا والصلب حتى الموت وكانت تختار بما یتلاءم مع المجرم ودرجة خطورته ،ولكن كل الأسالیب اختلفت بتطور المجتمع البشري فقد عرف القانون الروماني العدید من الوسائل لتنفیذ عقوبة الإعدام وكانت تختلف باختلاف نوع الجریمة والجاني .فقد كان اللص المضبوط في حالة تلبس والذي یتعقبه المجني علیه یلقي من أعلى، وفي عصر الألواح 12 كان یوجد أسلوب أخر إذ یسمى أحیانا بعقوبات الحرمان من حمایة القانون مؤداه أن المحكوم علیه یصبح قتله مباحا لأي شخص كما عرف القانون الروماني عقوبة الحرمان من الغذاء والماء كوسیلة لتحقیق الموت البطيء وذلك فضلا عن الوسائل الأخرى المشھورة كالشنق ، الصلب وقد اشتھر الإمبراطور “بترون” فقیه الرومان بإلقاء أعدائه في حلبة الأسود الجائعة كي تلتھمھم . وكانت نفس الوسائل موجودة في القانون الیوناني القدیم كما عرف الیونانیون كذلك وسیلة تنفیذ الإعدام باستخدام السم وقد تم إعدام سقراط بھا.(1) تختلف الدول في تشریعاتھا الحدیثة بالنسبة لطریقة تنفیذھا لعقوبة الإعدام فحیث تنطق بالحكم محكمة عسكریة ینفذ الإعدام رمیا بالرصاص إذا كان المحكوم علیه ضمن أفراد القوات المسلحة أما أذا كان الحكم صادرا من القضاء العادي ینفذ الإعدام في مصر شنقا بالنسبة للمدنیین ، مثل : إنجلترا ینفذ الشنق عن طریق فصل الفقرات وتسمى الطریقة long driq كما تنفذ نفس الطریقة في بعض جمھوریات روسیا ، الھند السودان وأثیوبیا ، كما توجد الجیلوتین وھو عبارة عن المقصلة وھذه الصورة یطبق بھا الإعدام في فرنسا الیونان ، وسویسرا ، وفنلندا أیضا تنفذ عن طریق السم كما في الصین ولتوانیا وأسبانیا ، كما توجد طریقة الطعن بالكھرباء عن طریق الكرسي الكھربائي مثل نیویورك وتحذو حذوھا غالبیة الدول العربیة ففي المملكة العربیة السعودیة ینفذ الإعدام فیھا بقطع الرأس بحد السیف، وتستعمل بعض الولایات الأمریكیة الكرسي الكھربائي أو عن طریق التسمیم بالغاز(2).

________________

1 – انظر: الكیلاني (عدالله عبد القادر )، عقوبة الإعدام في الشریعة الإسلامیة والقانون المصري ، ط 1 ، دار الھدى للمطبوعات ، 19 ، ص . 12 .

2- انظر: شحاتة (احمد محمد) ، الإعدام في میزان الشریعة والقانون وأحكام القضاء ، ط 2007 ، ص . 66 .

عقوبة الإعدام في العصور البدائیة :

كان الإنسان یعیش في عزلة عن بقیة أفراده من بني البشر وأي اعتداء یقع علیه یحرك لدیه غریزة حب البقاء تدفعه للثار لنفسه من المعتدي دون ضوابط أو معاییر لنوع ذلك الثار أو مقداره ، فكان الفرد ھو قاضي نفسه ،لكن بعدھا عرفت العقوبة . بالنسبة للعقوبة في مجتمع الأسرة فقد استمر الانتقام الفردي سائدا في علاقة الأسر ببعضھا ،أما داخل العائلة فكان لرب الأسرة تولي سلطة تأدیب أفرادھا إذا ما وقع من احدھم سلوك أو اعتداء على فرد أخر منھا وكانت تصل العقوبة إلى حد الطرد أو القتل(1) وبظھور التقارب بین الأسر على أساس الاعتقاد بأنھم ینحدرون من أصل واحد سواء صلة الدم أو الدین نشأت العشیرة بانضمام مجموعة من العائلات ثم في مرحلة تالیة تكونت القبائل بتجمع عدة عشائر داخل القبیلة الواحدة وكان لزاما لھذه الجماعة من قیادة ورئاسة تنظم شؤونھا وتجمع كلمتھا وكانت تناط في الغالب لأكبرھم سنا وتمنح رئیس الجماعة ” شیخ القبیلة ” سلطة التصرف في الشؤون العامة التي تخص الجماعة . كان الدفاع عن القبیلة من أي اعتداء خارجي أولى تلك المھام ثم إدارة شؤونھا الداخلیة من تقسیم للعمل ووضع الأعراف التي تتضمن الأسس والقواعد التي تنظم حیاة الأفراد فیھا (2) ، فإذا ما أتى الفرد فیھا سلوكا یعد خروجا على الأعراف السائدة فیھا كان لرئیس الجماعة مع رجالھا “مجلس قیادتھا ” سلطة التأدیب بتوقیع الجزاء المناسب لسلوك المخطئ وفقا لدرجة جسامة ما فعل. ومن ھنا ظھرت فكرة القصاص في صورتھا الأولى (3) داخل الجماعة فللمجني علیھ أن ینزل بالجاني الشر الذي یعادل في نوعه ومقدار جسامته الشر الذي أصابه من جراء الجریمة التي لحقت به ،ومن ھنا ظھرت فكرة المصلحة المشتركة للجماعة واتسع نطاق نظام التأدیب داخل القبیلة واتخذت العقوبات تبعا لذلك صورة الانتقام الجماعي الذي بموجبه أرسى نظام القصاص في ضمیر الجماعة كوسیلة لا غنى عنھا لدفع مخاطر الانتقام الفردي الذي كان یھدد كیانھا . فكان أمر تنفیذ القصاص یوكل إلى المجني علیھ أو أولیاء الدم في حالة عدم مقدرته على توقیعه أو في حالة ما إذا كان فعل الجاني قد أودى بحیاتھ تحت إشراف رئیس الجماعة، و نظام القصاص الذي تم إرساء قواعده على ھذا النحو اقتصر نطاق تطبیقه داخل الجماعة في حالة ما إذا كان الجاني منتمیا إلیھا أما إذا كان الجاني منتمیا لقبیلة أخرى فلا مفر من الحرب بین القبیلتین ، ذلك أن نشأة القصاص لم تمس نظام الانتقام البدائي عند اختلاف القبائل ، وكل ما یترتب علیه ھو أن یحول الانتقام من فردي إلى جماعي إذ تھب كل جماعة لحمایة كل فرد من أفرادھا ولو كان جانیا ، ومن ھنا ظھرت الصورة الأولى لعقوبة الإعدام في ظل نظام القبیلة وفي إطار قاعدة القصاص التي استقرت في ضمیر الجماعات البدائیة كوسیلة لدفع مخاطر الانتقام . وبتطور المجتمعات القبلیة التي كانت نواة نشأة المدن واتساعھا ، والذي أدى في النھایة إلى ظھورالدولة الحدیثة في شكلھا الحالي ومن خلال ذلط التطور على مر العصور تغیر المفھوم بالنسبة لعقوبة الإعدام(4) كما أعطي تفسیر لمفھوم الجریمة على أنھا بتقمص الأرواح الشریرة والشیاطین لجسد المجرم ودفعه إلى اقترافھا إغضاب الآلھة ، والعقوبة ھي الوسیلة الوحیدة التي تؤدي إلى تھدئة الآلھة واسترضائھا للتكفیر عن الجریمة (5) ، واستمر الحال كذلك بعد ظھور المدن وحتى تكوین الدولة الحدیثة وازدیاد نفوذھا وسیطرتھا على جوانب الحیاة.

__________________

1- انظر: صالح عبد الله عامر ( وائل لطفي ) ، عقوبة الإعدام وموقف التشریع الجنائي منھا ،رسالة ماجیستر،،جامعة النجاح ، 2009 ،ص. 161

2- انظر: المرجع نفسه ، نفس الصفحة .

3 – انظر: الكیلاني (عبد الله عبد القادر) ، عقوبة الإعدام في الشریعة الإسلامیة والقانون المصر دراسة مقارنة ،الطبعة الأولى ، دار الھدى للمطبوعات ، الإسكندریة ، مصر 1990، ص . 22 .

4- انظر: الخلق( علي حسین) و الشاوي (سلطان عبد القادر) ،المبادئ العامة في قانون العقوبات ، توزیع المكتبة القانونیة، دون مكان نشر، دون طبعة ، ص . 14

5- انظر: المرجع السابق ، ص . 22

عقوبة الإعدام في القوانین الشرقیة القدیمة :

كان لعقوبة الإعدام تواجدا كبیرا في القوانین الشرقیة القدیمة حیث وردت على العدید من الجرائم وھذا ما ستتم دراسته في ھذا المحور . القوانین العائلیة السومریة في مجموعة ” انا ایتو”(1) معنى انا ایتو في اللغة السومریة ” نحو رأي محترموتتضمن المجموعة ست لوحات تتعرض لموضوعات مختلفة ومن بین ما تنظمه قوانین العائلة السومریة عقوبة الإعدام أو إزھاق الروح التي كانت تطبق على حالة الزوجة التي تتبرا من زوجھا حیث كانت تلقي في النھر لتموت غرقا . بالإضافة إلى قانون ” بلالما ” (2) وھو من التشریعات التي كانت في بلاد ما بین النھرین والذي سبق قانون حمو رابي بقرنین من الزمان من التشریعات الأحادیة وقد نص ھذا القانون على جرائم مختلفة وطبق عقوبة الإعدام على القتل خاصة وعلى اغتصاب الفتیات وفض بكارتھن وزنا الزوجة، حیث عد القانون ھذه الأفعال من الجرائم الكبرى التي یجب العقاب علیھا بالموت . أما قانون “حمورابي “(3) وھو یعود لعام 1700 ق.م وقد نص على العدید من الأفعال التي یعاقب على ارتكابھا بعقوبة الموت ومنھا: عقوبة خطف ابن رجل حر، نصت علیھا المادة 14 من قانون حمو رابي ، من اتھم أخر بالقتل ولم یستطع إقامة الدلیل المادة( 01 ) ، من شھد زورا ولم یستطع إثبات شھادتھ فعقوبته الموت المادة(3) كما خصصت عقوبة الإعدام للسرقات الكبرى والقتل والزنا والاغتصاب ، وتطبق على من یسرق من المعابد أو من أموال الدولة أو یخفي أشیاء مسروقة …الخ ، كما نصت المادة( 21 ) من قانون حمو رابي على أن من احدث صدعا بمنزل یعاقب فاعلھ بحشره داخل ذلك الشق الذي أحدثھ حتى یقضي علیه . ما نلاحظه على قانون حمو رابي وھو الأشھر بین القوانین القدیمة انھ كان یتصف بالقسوة والصرامة لأنه نص على عقوبة الموت أربعا وثلاثین مرة وكانت طرق تنفیذه لھذه العقوبة تتسم بالوحشیة ،فھي تنفذ إما عن طریق الغرق أو الحرق أو وضع المذنب على العامود، وفي نطاق الجرائم الموجھة ضد الدولة فقد عوقب كل من یخفي متآمرا ضد الدولة ولا یقوم بالقبض علیھ بالموت (م 109 )، وكذلك عوقب بالموت كل من یتخلف عن أداء الخدمة العسكریة أو یستأجر بدیلا عنه لیؤدیھا (م 26 ) ، كذلك یعاقب الرئیس العسكري الذي یغتصب أموال الجندي أو یحرمھ منھا كان المالك قد منحھا إیاه بالموت أیضا( م 34 ).أما المادة(153) فقد عاقبت بالموت الزوجة التي تقتل زوجھا من أجل رجل آخر(4) كما ظھرت في المجتمعات القدیمة في وادي الرافدین عقوبة الإعدام التي اعتبرتھا أداة لتنظیم حیاتھا فنصت بعض التشریعات على عقوبة الإعدام فیما یخص الجرائم الخطیرة التي یرتكبھا الأفراد، مثل قانون “أور نمو” الذي یعتبر أقدم قانون مكتشف حتى الآن ، لیس في العراق فحسب بل في تاریخ العالم وقد سبق ھذا القانون شریعة لیت عشتار بثلاثة قرون ( خامس ملوك أسرة ” لینس “) و شریعة حمو رابي بأكثر من 150 سنة (5) كما یوجد ” قانون أشنونا ” (6) ، وینب ھذا القانون إلى مملكة أشنونا إحدى الدویلات التي حكمت في منطقة دیالي بعد العصر البابلي وقد نص على عقوبة الإعدام في نطاق الجرائم الأخلاقیة، فعاقبت المادة( 26 ) بالموت كل من یغتصب فتاة مخطوفة دون رضاھا ، وفي نطاق السرقات عاقبت المادة (10)بالموت كل من لم یتمكن من إقامة الدلیل على شرعیته الأموال التي بحوزتھ ، وجاءت المادة 14 لتبین حكم سرقة الأطفال وعقوبتھا الموت ، أما المادة 16 و 15 فقد عاقبتا كل من یساعد الرقیق على الھروب إلى خارج المدینة أوإخفائھم بالإعدام . ومن الأفعال التي كانت تستوجب عقوبة الإعدام لدى المصریین القدماء كل من حلف یمینا باطلا لأنه یعد مرتكبا لاثم في حق الآلھة وكل من رأى نفس أشرفت على الھلاك ولم ینقذھا وكان مقدوره فعل ذلك.و من یأكل عیشه عن طریق غیر شریف ، كما سلطت مصر الفرعونیة عقوبة الإعدام على الأفعال التالیة : قتل الحیوانات المقدسة، السحر وعدم إفشاء مؤامرة ضد الفرعون ،التصریح الكاذب ، عن الموارد المالیة ، وعدم إعانة من تعرض لھجوم قطاع الطرق واللصوص في الطریق (7) ویعتقد” دیدور الصقلي”(8) أن الإعدام في العصور الأولى للفراعنة ، كان عقوبة اغلب الجرائم، ثم أخذ یتقلص ابتداء من (منیا) أول ملوكھم حین وضعت القوانین المكتوبة وكان الإعدام وقتھا ینفذ بطریقتین : إعدام بسیط وإعدام مصحوب بالتعذیب، وقد طبق الإعدام البسیط على : عقوبة عصیان أوامر الملك ،التستر على المؤامرات ضده ، القتل ،اللعب في المقدسات ،السحر، الاغتصاب وبعض أحوال الكذب، أما الإعدام مع التعذیب فقد كان عقوبة للزنا إذا ما حصل مع سیدات الطبقة الأولى في المجتمع، وكان التعذیب بالنار عقابجریمة قتل الوالدین أما الإعدام بالصلب فكان عقابا للخونة والمتمردین ، و كان القاضي یتدخل في اختیار طریقة إعدام المجرمین، كما أن العقاب بالموت لم یكن قاصرا على شخص الجانبي وإنما كان یمتد لأھله . كما نص “القانون الآشوري”(9) على تطبیق عقوبة الإعدام على العدید من الأفعال مثل مواقعة المرأة دون رضاھا والزانیان تسلط علیھما العقوبة نفسھا إذا علم الرجل أن المرأة كانت متزوجة ، وتطبق العقوبة ذاتھا على جریمة السحر والضرب المفضي إلى الإجھاض واغتصاب العذراء وفض بكارتھا. و من ابرز القوانین التي طبقت عقوبة الإعدام” قانون مانو”(10).وھو من القوانین الھندیة التي كتبھا رجال من البراھما ، ولقد تناول ھذا القانون الذي وضع سنة 1200 ق.م عقوبة الإعدام وطبقھا على أفعال عدیدة كالسرقة ، والزنا ، وإتلاف أموال الملك وكانت العقوبة نفسھا تطبق على من قتل برھمیا .

_____________________

1- انظر: القدسي (بارعة)، عقوبة الإعدام في القوانین الوضعیة والشرائع السماویة ،محلة جامعة دمشق ، المجلد 19 . العدد الثاني- 2003 ، ص. 6

2- انظر: ساسي (سالم الحاج )، عقوبة الإعدام بین الإبقاء والإلغاء ، دار الكتاب الجدید ، ط1 2005ص19

3- انظر: القدسي (بارعة) ، المرجع السابق، ص . 7 ، انظر أیضا : العزاوي ( رضا مزھر) ، المرجع السابق ، ص 64 .

4- انظر:، المرجع السابق ،ص. 72 .

5- الكیلاني (عبد الله عبد القادر) ، عقوبة الإعدام في الشریعة الإسلامیة والقانون المصر دراسة مقارنة ،الطبعة الأولى ، دار الھدى للمطبوعات ، الإسكندریة ، مصر 1990، ص. 24.

6- انظر: وائل (لطفي صالح عبد الله عامر) ، عقوبة الإعدام وموقف التشریع الجنائي منھا ، رسالة ماجستیر ، جامعة النجاح ، فلسطین ، 2008، ص . 162.

7- انظر: : صالح عبد الله عامر ( وائل لطفي ) ، المرجع السابق ، ص . 162 .

8- انظر: القدسي ( بارعة ) ، عقوبة الإعدام في القوانین الوضعیة والشرائع السماویة ، مجلة دمشق ، المجلد 19 ، العدد الثاني ، 20،ص . 8 .

9- انظر: الكردي ( اومید عثمان )،عقوبة الإعدام في الشریعة الإسلامیة ، مؤسسة الرسالة ، ط 1، 2008 ص . 73

10- عرف على ھذ القانون انه كان طبقیا حیث لم تشمل العقوبة طبقة البراھمة انظر: المرجع السابق ، ص 74.

عقوبة الإعدام في القوانین الغربیة القدیمة :

كغیرھا من القوانین الأخرى فلقد تضمنت القوانین الغربیة القدیمة عقوبة الإعدام في نصوصھا فیما ترى ھل أدرجت عقوبة الإعدام ضمن مجموعة جرائم لم تتضمنھا القوانین الشرقیة أم أنھا حذت حذوھا ؟ من أشھر القوانین عند الإغریق المعروفة بصرامتھا في ھذا الموضوع “قوانین سولون” 524 ق.م ، ثم “قوانین درا كون” عام 624 ق.م (1)، وفي كل القوانین كانت عقوبة الموت في ارض الوطن وللمجرم إذا أراد النجاة منھا أن یغادر البلاد ویختار المنفى إلى الأبد ، أما أموال الجاني تصادرھا الدولة سواء كان مصیره الإعدام أم النفي المؤبد أما في حالة جریمة قتل الأصول فلم یكن لفاعلھا عقوبة سوى الإعدام ،ومن مآثر شریعة الإغریق أنھا كشریعة المصریین القدامى لم تكن تفرق بین دم العبد ودم الحر فعقوبة القتل واحدة ومع ذلك فقد وجد لھذه العقوبة بعض أسباب التبریر والإباحة التي تمحو عن القتل صفة الجریمة وتمنع عقوبة الموت ومثال ذلك : قتل الطغاة الذین یغتصبون حقوق الشعب في أثینا ، وكذلك القتل دفاعا عن النفس وعن الآخرین أو عن المال أو عن الشرف والقتل في الألعاب العامة ،كما عاقب الإغریق بالإعدام الخونة والسحرة والقتلة والنساء سیئات السلوك والغریب في تلك القوانین الإغریقیة أنھا كانت تقضي بمعاقبة أدوات القتل من الجماد(2). وقد قامت محاكم التفتیش بتطبیق عقوبة الإعدام في المستعمرات الإغریقیة فمازالت مدینة قرطاج بتونس وساحة المدن الخمس في بنغازي بلیباي شاھدا علیھا. تمیزت شریعة الرومان بأنھا عدت القتل من الجرائم الماسة بالنظام الحقوقي العام وأول قانون اھتم بتنظیم أحكام جرائم القتل ھو قانون ” نوما “(3) ،حیث كان یعاقب بالإعدام على جریمة القتل المقصود وبعد ذلك تطورت تلك القوانین وأھمھا قانون “كورنیلیا ” ، إذ تتجلى أھمیة ھذا القانون في أمرین اثنین : انھ إذا ارتكب جریمة قتل شخص ینتمي إلى طبقة عالیة أو یشغل منصبا سامیا عوقب على جریمته ھذه بالنفي أو التعذیب إما إذا كان الفاعل ینتمي إلى الطبقات المتوسطة فیعاقب بقطع عنقه وإذا كان من الطبقات الدنیا یعاقب بالصلب ، ثم ما لبثت عقوبة الشنق أن حلت محل الصلب في عھد الإمبراطور “تریبونیان ” . أما قتل الأصول فكان یعاقب علیھ بعقوبة شدیدة حیث إن فاعله یجلد أولا ثم یلف رأسه بغطاء من جلد الذئب وتوضع في رجلیھ أحذیة من خشب ویزج في كیس من جلد البقر ویحشر معھ في الكیس عدد من الأفاعي والقرود والكلاب ثم یطرح في نھر التیبر لیموت ومن معھ في أمواج النھر. إن من أسباب التبریرات التي أوجدتھا لجریمة القتل ونفت عن فاعلھا العقاب أن یكون الفاعل قد قتل عبدا أبقا أو قتل من ھتك عرض امرأة . وقد اصدر الإمبراطوران “فانتینان وتیودور” قانونا أضاف إلى أسباب التبریر الدفاع المشروع عن النفس . .وكان الإعدام عند الرومان یجري د اخل ما یعرف باسم الحلبات، وھي ساحات مفروشة بالرمال، تستخدم للمصارعة لإعدام المجرمین ، فإذا كانوا رومانیین كان الإعدام یتم إما بقطع الرأس أو بإلقاء المحكوم علیھ للوحوش. ومازالت مثل ھذه المسارح شاھدة على ذلك كمسرح لبدة ومسرح مدینة مصر في شمال إفریقیا . ونلاحظ من التطور التاریخي لعقوبة الإعدام إنھا كانت مبنیة على الانتقام الإلھي ، حیث امتازت القوانین العقابیة بأسرھا بنظام القصاص الذي ھو ألم یجب أن یلحق بكل مجرم اضر بالآخرین نتیجة الجریمة التي ارتكبھا (4)

______________

1- انظر: ساسي ( سالم الحاج ) ، عقوبة الإعدام بین الإبقاء و الإلغاء ، دون طبعة، ص. 20 .

2- انظر: القدسي (بارعة ) ، المحكمة الجنائیة الدولیة ، طبیعتھا واختصاصاتھا ،موقف الولایات المتحدة الأمریكیة وإسرائیل منھا ، مجلة جامعة دمشق ، مجلد 2 ، العدد الثاني ، 200 ، ص 9

3- انظر:نفس المرجع ، نفس الصفحة .

4- انظر: الكیلاني (عدالله عبد القادر )، عقوبة الإعدام في الشریعة الإسلامیة والقانون المصري ، ط 1 ، دار الھدى للمطبوعات ، 1996 ، ص . 24

عقوبة الإعدام في الشرائع الاروبیة خلال القرون الوسطى :

بماذا تمیزت عقوبة الإعدام في ھذه الفترة ؟ من ناحیة وسائل التنفیذ والجرائم التي توقع علیھا العقوبة خاصة في ظل انتشار المسیحیة والمبادئ التسامحیة التي كانت تدعو إلیھا؟ تطور ت وسائل تنفیذ عقوبة الإعدام وأخذت شكلا قاسیا في العصور الوسطى على الرغم من ظھور الدیانة المسیحیة التي كانت تدعو إلى التسامح و التراحم ،فقد كان الھدف من العقوبة في ظل الدیانة المسیحیة تكفیر الجاني عن جریمتھ لیتطھر من خطیئته ، ولم یكن من أھدافھا الإسراف في تعذیب الجاني أو استعمال وسائل التنفیذ التي تنطوي على القسوة إذ قیل في ذلك أن الكنیسة تفزعھا الدماء المراقة. ولكن على الرغم من ھذه المبادئ التسامحیة اتسمت العقوبة خلال ھذه العصور بقسوة غیر عادیة ولا إنسانیة وابتدعت عقوبات قاسیة لم تكن تر مثلھا البشریة منھا على سبیل المثال قطع الرأس بالفأس أو السیف وقطع اللسان والكي والشنق وتمزیق الجسد بواسطة ربط الجاني بخیول تسیر في اتجاھات مختلفة. لم تكن ھذه العقوبة قاصرة على الآدمیین بل شملت الحیوانات فقد سجل تاریخ القضاء في أوربا خلال القرون الوسطى عددا من المحاكمات العجیبة مثل محاكمة الذئاب في زیوریخ عام 1442 والخیل في مدینة ریجون الفرنسیة عام 1639 وكانت مثل ھذه المحاكمات ترجع لاعتقاد الناس في أوربا بالسحر والتقمص(1) وكان القاضي یرى أن لكل مجرم نوعا من الإعدام أو طریقة تناسب جرمه ومثاله الحكم الذي صدر في فرنسا عام 1776 على شاب یبلغ 18 سنة اتھم بإھانة الدین حیث حكم علیه بقطع لسانه من جذوره وبتر یده الیمنى على باب الكنیسة الرئیسیة في المدینة ثم الحرق حیا على نار ھادئة لكن تم تخفیف الحكم بعد النطق به إلى قطع رأسه وحرقه بعد إعدامه، لقد كانت عقوبة الإعدام مقررة لعقوبات تافھة في انجلترا حتى أواخر القرن 18 حیث ھناك جریمة یعاقب علیھا بالإعدام وھي سرقة أكثر من شلن من شخص إذ یروى عن ” كاترون” احد قضاة القرن 17 انه خلال أربعین عاما منذ أن تولى منصبھ حكم بالإعدام على عشرین ألف شخص . وھكذا وعلى الرغم من أن المسیحیة سادت في أوربا فان العقوبات اتصفت بالقسوة البالغة والسبب في ذلك یعود إلى حرص الحكام المستبدین على الاستعانة بالعقوبة كأداة توطید السلطان والانتقام من الخصوم فكانت في أیدیھم وسیلة للإرھاب والبطش . وبعد القرون الوسطى تطورت عقوبة الإعدام تطورا ھاما فأصبحت قاصرة على الآدمیین وحدھم وعلى ذوي الأھلیة الجنائیة إذ اقر مبدأ شخصیة العقوبة و مساواة الجمیع أمام القانون .

________________

1- انظر: القدسي ( بارعة ) ، عقوبة الإعدام في القوانین الوضعیة والشرائع السماویة ، مجلة دمشق ، المجلد 19 ، العدد الثاني ، 20 ، ص 12 .

عقوبة الإعدام في الشرائع السماویة :

تعرضت جمیع الشرائع السماویة إلى الأفعال التي تشكل خرقا لحقوق الله ولحقوق العباد ووضعت العقوبات المناسبة لتلك الجرائم ، فھل كان لعقوبة الإعدام محل في نصوص الشرائع السماویة ؟ لقد كان القصاص لعقوبة الإعدام بشكل خاص موجودا في التوراة وقد اخبرنا القران بذلك في قوله تعالى: ” إنا أنزلنا التوراة فیھا ھدى ونور یحكم بھا النبیون الذین اسلموا للذین ھادوا والربانیون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا علیه شھداء فلا تخشوا الناس واخشون ، ولا تشتروا بآیاتي ثمنا قلیلا ومن لم یحكم بما انزل الله فأولئك ھم الكافرون وكتبنا علیھم فیھا أن النفس بالنفس والعین بالعین والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فھو كفارة له ومن لم یحكم بما انزل الله فأولئك ھم الظالمون “(1) . و جاء في سفر العدد في التوراة ما نصه: ” أن القاتل یقتل …”.(2) و بذلك نجد أن شریعة سیدنا موسى فصلت في أحكام القتل ، فھي تعاقب على القتل المقصود بالإعدام وتعده من اشد الجرائم خطورة ولا تعترف للقاتل قصدا بحق الملجأ، أما القتل غیر المقصود فلم یفرق بین القتل الناجم عن الخطأ والقتل المرضي الذي لا یمكن تلقى مسؤولیته على احد لأنه من فعل القدر وقد أجازت أیضا لولي الدم في جمیع جرائم القتل أن ینتقم من الجاني دون أن ینتظر حكم القضاء ما لم یكن ھذا الجاني قد فر إلى أحد الملاجئ ( 3) ، وقد نصت شریعة سیدنا موسى على معاقبة الحیوان إذا قتل إنسانا وھذا ما ورد في سفرالتكوین الإصحاح التاسع عدد (6) فالشریعة الیھودیة ترى أن عقوبة الإعدام إلى جانب كونھا عقوبة للقتل أو الضرب المفضي للموت فإنھا في الوقت نفسه عقوبة تفرض على الشروع في قتل الإنسان غدرا وضرب الأب أو الأم أو شتمھما أو خطف إنسان وبیعه ومواقعة الحیوان والاغتصاب وبعض الجرائم الدینیة كالسحر وعبادة الأوثان والردة وتحقیر الرب والعمل یوم السبت وبعض الجرائم الجنسیة كالزنا واللواط وإخفاء الفتاة عن زوجھا أنھا لیست عذراء . أما في الدیانة المسیحیة فقد كان السید المسیح علیه السلام یقول :” إن أردت أن تدخل الحیاة فأحفظ الوصایا لا تقتل…..”..(4) . ولما اعتنقت الإمبراطوریة الرومانیة الدیانة المسیحیة لم یكن لدیھا في بدایة أمرھا أي توجه نحو التخفیف من عقوبة الإعدام أو إلغائھا، وقد رفض رجال الدین المسیحیون الأوائل اقتتال المصارعین والأنظمة التي لا تقدر كرامة الإنسان وحریته وعارضوا نظام الرق وھاجموا عقوبة الإعدام بضراوة ،وبذلك خففت العقوبات البدنیة كالتعذیب والجلد وقللت كثیرا من تطبیق عقوبة الإعدام إلا في الجرائم الخطیرة خاصة جریمتي الشعوذة والسحر والجرائم التي تمس سلامة المجتمع وقد ظھر ذلك في المجتمعات الجرمانیة التي كان ھدفھا حمایة الأمن والسلام . ویذكر البعض واقعتین في ھذا الصدد : في إحداھما كان السید المسیح مدعوا إلى النطق بالإعدام وتعرض ھو نفسه في الواقعة الأخرى إلى النطق بالإعدام ضد نفسه ففي الأولى جاء له الفریسیون (ذات صفة دینیة في الیھودیة) بامرأة زانیة وطلبوا إلیه الحكم علیھا بالرجم طبقا لشریعة موسى علیه السلام فقال لھم من كان منك بلا خطیئة یرجمھا بحجر فانصرفوا عنه جمیعا ملقیا كل واحد منھم على الأرض ما كلن بیده من أحجار، أما في الواقعة الثانیة فكان الكتبة والفریسیون متحاملین على السید المسیح وزعموا أمام الحاكم الروماني ” بیلاطیس” إن السید المسیح قد تجمع ورائه الشعب الیھودي وانه صار خطرا على امن الدولة الرومانیة ورأى بیلاطیس أن السید المسیح صامت أما ھذه الادعاءات ،فقال لھ لماذا لا تنطق بكلمة ألا تعلم أن لي سلطة في تقدیمك للموت وفي أن اخلي سبیلك فأجابه قائلا: “بأنه ما كانت لتؤول إلیه السلطة لو لم یكن قد منح إیاھا من أعلى” أي الله (5) واستخلص المستشھدون بھاتین الواقعتین على صدق ما زعموه من دلالتھا على أن السید المسیح لا یوافق على عقوبة الإعدام ، غیر أن الفریق الأخر رد على ھؤلاء بان كل من یستفاد من الواقعة الأولى ھو أن السید المسیح علیه السلام یدعو إلى العفو والغفران ولا ینكر احد إن للحاكم الحق في العفو ، وقالوا أن الواقعة الثانیة تقتصر دلالتھا أن صاحب السلطة في إصدار الحكم علیه أن ینطق به ضد برئ . ومما ھو جدیر بالنظر في ھذا الخصوص ما نادي بھ القدیس “اوغسطینوس”(6) من انھ یجب الفصل بین اعتبارات الحیاة الزمنیة واعتبارات الحیاة الروحیة ویؤدي بالفصل بین علاقة الفرد بالفردوبین علاقة الفرد بالسلطة الحاكمة ، فما نادي به المسیح من ضرورة الصفح والغفران أمر یخص العلاقة بین فرد وفرد في حین تنفیذ الإعدام في القاتل تأسیسا على كونه قد شكل خطرا على النظام الاجتماعي قابلا للتكرار من جانبه لو أن حیاته بقیت له، ذلك لان ما یعود على المجتمع من ضرر في حالة إبقائه حیا یوفق بمراحل النفع الذي یرجى منه لو ترك حیا یرزق. و إذا كان الفرد مدعوا إلى الصفح عن فرد أخر اخطأ في حقه فان الدولة لا یحق لھا الصفح عن قاتل أھدر حیاة غیره لأنھا ھي المكلفة بالحفاظ على الأمن الاجتماعي وصیانة حیاة المواطنین . وذھب القدیس” توما الاكویني” إلى القول (7) : أن توقیع عقوبة الإعدام من حق السلطة الزمنیة لاعتبارات اجتماعیة عملیة تمس حق المجتمع ممثلا في الدولة في أن یدافع عن نفسه والإنسان الذي یقتل غیره لا یخطئ في حق قتیله یقدر خطیئة قبل الدولة ونحو حقھا في صون حیاة مواطنیھا فھو یھدر حقا عاما أكثر مما یھدر حقا خاصا ، ویرد توماس الاكویني على القائلین بان ھدف العقاب الذي توقعه الدولة على الجاني ھو تقویمه لیصیر عضوا نافعا في المجتمع : أن ھذا الاعتبار ینھار أمام معاصي شدیدة مثل القتل إذ أن القاتل یفوق إضراره بالحق الاجتماعي ما یرجى من نفعه للمجتمع نتیجة تقویمه ، لا سیما وان ھذا التقویم لیس أمرا مؤكدا بالنسبة لأنواع خاصة من الجناة مثل القتلة .

أما في الشریعة الإسلامیة فقد فرضت عقوبة الإعدام على الجرائم التالیة : زنا المحصن، الحرابة، الردة والبغي ، فبالنسبة للزنا فقد اتفق الفقھاء على انه (8): الوطء المحرم عمدا ومنه لا بد من توافر ركنین :احدھما الوطء المحرم والأخر انعقاد النیة على الوطء واتجاھھا إلیه وقد انزل الله عقوبة الجلد لكل من الزاني والزانیة غیر المحصنین وذلك في قوله تعالى: “”الزانیة والزاني فاجلدوا كل واحد منھما مائة جلدة ولا تأخذكم بھما رأفة في دین الله إن كنتم تؤمنون بالله والیوم الآخر ولیشھد عذابھما طائفة من المؤمنین ،الزاني لا ینكح إلا زانیة أو مشركة ، والزانیة إلا زان لو مشرك وحرم ذلك على المؤمنین.” (9) كما ان ثبت أن رسول الله –ص- أمر برجم ماعز و الغامدیة لأنھما زنیا وھما محصنین ،فالرجم إذا سنة فعلیة أمر بھا الرسول. الحرابة (10) ھي جریمة موجھة إلى امن واستقرار المجتمع مباشرة حیث مفادھا أن یقوم شخص أو أكثر بتخویف الناس ونھب أموالھم وقتلھم في الطرقات وترویعھم .وھم ما نقول علیھم الیوم قطاع الطرق القراصنة ،كما تصدق الجریمة على الأعمال الإرھابیة نقسم ھذه الجریمة من حیث العقوبة إلى أربعة أنواع عقوبة النفي، القطع ( الرجل واو الید)، عقوبة القتل اذا قتل المحارب ولم یأخذ مالا ، عقوبة القتل مع الصلب إذا قتل المحارب ونھب الأموال . أما الردة (11) فھي تعني الرجوع عن الإسلام أي ترك العمل بالشریعة الإسلامیة والتصدیق بھا سواء كان ذلك قولا أو فعلا أو بالعمل السلبي كالامتناع عن عمد ، ولقد اجمع الفقھاء على أن جزاء المرتد ھو القتل عملا بحدیث الرسول –ص- :” من بدل دینھ فاقتلوه.” إلا أنھم اختلفوا بشان ردة المرأة ، إذ ذھب جمھور الفقھاء مالك والشافعي واحمد بن حنبل إلى وجوب قتلھا وذلك عملا بعموم حدیث الرسول –ص- أما الإمام أبو حنیفة فذھب إلى أن المرأة تستتاب فان لم تتب حبست ، وحجتھم أن النبي نھى عن قتل المرأة الكافرة وعلتھم أن المرأة لا حول لھا ولا قوة ویمكن دفع ضررھا بحبسھا . أما جریمة البغي.” (12) فھي الخروج على الإمام مغالبة ( أي باستخدام القوة) و عن قصد ، واصل ھذه الجریمة وعقوبتھا منصوص علیھا في الكتاب : ” وان طائفتان من المؤمنین اقتتلوا فأصلحوا بینھما فان بغت إحداھما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله .” (13) القصاص (14) في اللغة ھو المساواة ، والتتبع وقیل انه مأخوذ من قص بمعنى قطع و شرعا معناه : تتبع الجاني فیفعل به مثل ما فعل بالمجني علیه على اعتبار انه عقوبة مساویة للجریمة أما إصلاحا فھي عقوبة فرضھا الله في حق مرتكب جریمة القتل عمدا ، وھو یعتبر أحدا من حدود الله ، إلا انه مقدار للأفراد ولیس حقا مقدرا لله ، إذ تجب عقوبة القصاص عند توافر أركان جریمة القتل العمد ویستوي أن یكون القتل مصحوبا بسبق الإصرار والترصد أو غیر مسبوق بذلك أو صاحب القتل ارتكاب جرائم أخرى أو اقترن بجنایة أو جنحة وسواء كانت ھناك ظروف مخففة أم لا . إلا أن الشریعة الإسلامیة قررت العدید من الموانع التي تحول دون تطبیق عقوبة القصاص(15) على القاتل واھم ھذه الموانع أن یكون القتیل جزءا من القاتل كالوالد إذا قتل ابنه فیمتنع القصاص والعكس صحیح، أما بالنسبة للزوجین فجمھور الفقھاء یعتبرون أن الزوجین شخصان متكافئان فیقتل كل منھما الآخر. كما أن الشریعة الإسلامیة وضعت ضمانات خاصة بعقوبة الإعدام في مرحلة المحاكمة من حیث وسائل الإثبات والتي تختلف بحسب نوع وطبیعة الجرائم ، فبالنسبة لجریمة الزنا شروط الإثبات محددة على سبیل الحصر وھي:(16) الإقرار – شھادة الشھود – الذكورة ، أما بالنسبة لجریمة الحرابة حصرت وسائل الإثبات فیھا في طریقتین ھما البینة و الإقرار بارتكاب الجریمة ، وفیما یخص لجریمة القتل العمد : لا یختلف حكمھا عنھ في جرائم الحدود فتعد البینة والإقرار وسیلتي إثبات بالنسبة لجریمة القتل العمد أما فیما یخص عدد الشھود فانه یكتفي بشاھدین فقط . أما بالنسبة لأشكال التنفیذ (17)عقوبة الإعدام فیكون في جریمة زنا المحصن عن طریق الرجم ،في جریمة القتل العمد ینفذ حكم الإعدام بقطع رقبة الجاني بالسیف أما في جریمة الحرابة إذا قتل الجاني شخصا أو أكثر دون سلب المال یكون القتل بقطع الرقبة بالسیف ،أما إذا ارتبط ترویع الناس وإرھابھم بسلب الأموال والقتل سواء في ذلك أكان القتل عمدا أم حدث بطریق الخطأ یكون القتل مع الصلب. وقد أفتت لجنة الفتوى بالأزھر الشریف حیث قالت انه لا مانع شرھا من استیفاء القصاص بالمقصلة والكرسي الكھربائي وغیرھا مما یفضى إلى الموت بسھولة وإسراع ولا یتخلف عن الموت عادة ولا یترتب علیه تمثیل بالقاتل ولا مضاعفة تعذیبه (18) أما بالنسبة لباقي الحدود والتي تقام بغیر الرجم فیھا أیضا العلانیة ، وفي تنفیذ القصاص فان العلانیة تقتضي في استیفائه حضور ولي الدم سواء أكان واحد أم جماعة وشاھدان وذلك على وجه الاستحباب لئلا یجحد الولي الاستیفاء والأعوان وكذا الحاكم أو نائبھ كما أن الإعدام تعزیرا یتطلب ھو الأخر العلانیة(19) .

__________________

1- سورة المائدة ، الآیة 44 .

2- انظر: القدسي ( بارعة ) ، عقوبة الإعدام في القوانین الوضعیة والشرائع السماویة ، مجلة دمشق ، المجلد 19 ، العدد الثاني ، 20، ص. 13 .

3- انظر: بن براھیم فخار (حمو) ، عقوبة الإعدام دراسة مقارنة ، رسالة ماجستیر ، جامعة الجزائر، كلیة الحقوق ، سنة 200 ، ص 21.

4- انظر: القدسي (بارعة) ، المرجع السابق ، ص. 15 .

5- انظر: الخوري (ملكار) ، الإعدام في لبنان بین الواقع والمرتجى ،ندوة إقلیمیة مناھضة عقوبة الإعدام في العالم العربي ، عمان 2/3/ 2007 ، ص. 5

6- أوغسطینوس، 13 نوفمبر 354 م/ 28 أغسطس 430 الجزائر أحد آباء الكنیسة البارزین وشفیع المسلك الرھیاني الأغسطیني ، بلغت كتاباتھ 232 كتابا أھمھا : الاعترافات .

7- توما الإكوني: 1227 / مارس 1247 إیطالیا قدیس كاثولیكي إیطالي ، یعرف بالعالم المحیط والعالم الأنغیكاني ،یعرف بعمله” اللاھوت” .

8- انظر: عبد السلام (محمد الشریف العالم) ، المبادئ الشرعیة في أحكام العقوبات في الفقھ الإسلامي ، 2002 ،ص 89،88 .

9- سورة النساء الآیة 15

10- انظر: عودة (عبد القادر) ،التشریع الجنائي الاسلامي مقارنا بالقانون الوضعي ، الجزء الثاني ، بیروت ، درا الكتاب )العربي ، ص . 14،15

11- انظر: الكردي ( اومید عثمان) ، عقوبة الإعدام في الشریعة الإسلامیة ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الاولى ، 200، ص . 104 .

12- انظر: عثمان (محمد فتحي) ،حقوق الانسان بین الشریعة والفكر القانوني الغربي ، الطبعة 1، درا الشروق، 1982 ) ص . 67

13- سورة الحجرات ، الآیة ( 1 )

14- انظر: القیسي (مران إبراھیم ) ، موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام ، دون مكان نشر ، 2005 ،ص. 153

15- انظر: الرشیدي ( احمد) ، حقوق الانسان دراسة مقارنة في النظریة و التطبیق ،القاھرة،الطبعة الثانیة ، مكتبة الشروق الدولیة ، 2005 ، ص 64

16- انظر: القدسي (بارعة ) ، المرجع السابق ، ص . 20 .

17- انظر:عطا الله ( إمام حسانین) ،حقوق الإنسان بین العالمیة والخصوصیة ، الإسكندریة ، دار المطبوعات الجامعیة ، 2004 ص . 75

18- انظر: رباح ( غسان) ،الوجیز في عقوبة الإعدام دراسة مقارنة حول نھایة العقوبة ، ط 1، منشورات الحلبي، 2008 ص. 50

19- انظر: التعزیر یطلق على التقییم واصلھ من العزر بمعنى الردع والزجر ،وھو یختلف عن الحدود فھي مقدرة شرعا

المؤلف : جودي زينب .
الكتاب أو المصدر : عقوبة الاعدام بين التشريعات الوطنية والقانون الدولي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .