ورقة بحثية حول جرائم الغش الدوائي

مقال حول: ورقة بحثية حول جرائم الغش الدوائي

( هذه الورقة كانت جزءا من مداخلتي في الندوة العلمية التي عقدت بتاريخ الأحد 26 / 1 / 2014 م بمدينة الخمس بمستشفى الخمس التعليمي تحت عنوان الغش الدوائي بإشراف المنظمة الليبية للدراسات والتمنية وبالتعاون مع نقابة الصيادلة ومستشفى الخمس التعليمي )

الغش الدوائي بين الوقاية والحماية

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

مفهوم الغش وتعريفه

ــــــــــــــــــــــــــــــــ : الغش لغة غش ( بالفتح ) صـــــدره غشا ( بالكسر ) انطوى على الحقد والضغينة وصاحبه غشا زين له غير المصلحة وأظهر له غير ما يضمر والغشش المشرب الكدر ، والمغشوش غير الخالص يقال لبن مغشوش وذهب مغشوش ــ انظر المعجم الوسيط

فالغش كما يبين تزين لغير المصلحة ، وإظهار لغير المضمر ، وعدم نقاء الشيء وخلوصه ، فهو في الاصطلاح قريب من هذا المعني حتى أن شراح القانون المدني يعرفون الغش والخداع المدني بأنه كل حيلة أو مناورة كلامية يقصد منها فاعليها التأثير على شخص آخر وإيهامه بأن ما يعرضه عليه من مال أو بضاعة هو في غاية الجودة والإتقان ــ انظر كتاب النظرية العامة للموجبات والعقود د / جورج سيوفي ص 111 ، 112

أساليب وأنواع الوقاية من الغش

ومن هنا يمكننا أن نخلص إلى أن الغش هو إيهام الغير بغير الحقيقة للتأثير على ركن الرضى لديه وحمله على التعاقد باستخدام أساليب احتيالية مختلفة ـــ ولأن الغش مفسد للرضا ولما تحمله بعض أنواع الغش من مضار تلحق بالمصلحة العامة فإن المشرع وإن لم يجرم جميع أنواع الغش تاركا لأصحاب المصلحة أن يلجئوا إلى القضاء المدني لإبطال العقود التي عقودها بناء على غش أو تدليس أوقعهم فيهم الطرف الثاني من العقد فإنه قد جرم بعض أنواع الغش مراعاة للمصلحة العامة وإضفاء حماية أكبر على المصالح الخاصة كما فعل في جريمة النصب التي لا تخرج عن كونها استحواذ على مال الغير بطريق الخداع ـــ وهكذا فعل فيما يتصل بحماية المستهلك في بعض أصناف البضائع الضرورية للإنسان كالطعام والدواء

كما اتخذ المشرع بعض الإجراءات الاحترازية حماية للمستهلك فنظم الاتجار ببعض السلع كالأغذية وحضر تداول الغير صالحة للاستهلاك الآدمي أو كانت مغشوشة أو غير مطابقة للمواصفات المقررة ( المادة 7 من القانون الصحي ) وكان الدواء من بين السلع التي لقيت عناية خاصة من المشرع بحيث جعل لوزارة الصحة حق الإشراف على تداول الأدوية ومزاولة المهن الطبية والمهن المرتبطة بها إذ نص في

المادة الثانية من القانون الصحي

تشرف وزارة الصحة على الصحة العامة، والصحة الوقائية، والطب العلاجي، والمؤسسات العلاجية، والمنشآت الصيدلية، وتراقب تداول الأدوية، ومزاولة المهن الطبية والمهن المرتبطة بها.

كما اشترط لتداول أي دواء واستيراده إلا بعد الموافقة من وزارة الصحة وفقا لما هو مبين بنص المادة 100 من القانون الصحي التي تقضي بأنه { لا يسمح باستيراد أو دخول النباتات أو المتحصلات الطبية أو المواد الدوائية ولا بالإفراج عنها إلا بعد موافقة وزارة الصحة وبشرط أن تكـون متداولة في البلد المصنع لها.}

واشتراط تداولها في بلد المنشأ هي زيادة في الاحتراز وضمان جودتها وعدم انطوائها على مخاطر قد لا يكون في مقدور معامل التحليل بليبيا أن تكتشفها .

وزيادة في الاحتياط فقد اشترط لتداول الدواء أو أي مستحضر إقراره من قبل لجنة متخصصة في الطب والصيدلة مانعا من حصول أي تعديل في محتوى المنتج بعد تسجيله إلا بموافقة الوزارة ـــ وهذا من باب سد الذرائع وقفل الباب أمام أي تلاعب في المنتج مستقبلا لضمان أن يصل إلى المستهلك بالجودة والنوعية التي أعلن عنها وقت تسجيله كما هو مبين بنص المادة 102 من القانون الصحي

كما أعطى بموجب نص المادة 103 من نفس القانون الحق في حظر استيراد أو تداول أي مستحضر طبي يرى أنه ضار بالصحة ويلغى في هذه الحالة تسجيله وتعدم الكميات الموجودة منه

أساليب وأنواع الحماية من الغش

بعد هذه الإجراءات الاحترازية التي خص بها الدواء من حيث الاستيراد والانتاج والتداول بحيث جعل ضرورة قيدها في سجلات وزارة الصحة أمرا أوليا إذ لا يجوز استيرادها إلا إذا كانت مسجلة كما قرر ضرورة فحصها من لجنة مختصة قبل القيد وأعطى الحق في حظر استيرادها وشطبها من السجل إذا تبين أنها ضارة أو لها انعكاسات سلبية قوية متخذا من شرط تداول الدواء في البلد المنتج كؤشر أولي على جودته وصلاحيته

بعد هذا كله قرر المشرع العقاب على مخالفة هذه القواعد من خلال نصوص منها نص المادة 138 / 8 * 9 حيث نصت على أن { يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.
1)……………….

2)……………………

8) كل من استورد أو تداول أو أدخل نباتات أو متحصلات طبية أو مواد دوائية بالمخالفة لأحكام المادتين (100) و(103) من هذا القانون.

9) كل من تداول مستحضراً طبياً خاصاً غير مسجل بوزارة الصحة.}

دون أن تخل هذه العقوبات بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات ومن هنا تعين أن نعود إلى قانون العقوبات لتقص النصوص والمواد التي يمكن اللجوء إليها وقت اكتشاف غش في الدواء

ونظرا لأن الغش كلمة فضفاضة مرنة تصلح للإطلاق على الغش اليسير الذي قد يكون أثره محدود وقد يكون متسامحا فيه وتصلح لوصف الغش الجسيم الذي من شأنه أن يؤثر تأثيرا جسيما على الصحة والسلامة العامة لهذا فإنه يمكن مواجهة الغش الدوائي الجسيم بموجب نص المادة 301 عقوبات المعنونة بالاعتداء على السلامة العامة والتي نصت على الآتي

{ مع مراعاة أحكام المواد السابقة يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات كل من عرض للخطر سلامة وسائل النقل العـامة أو أربك المواصلات أو سبب انقطـاعها أو عرقلها أو ارتكب فعلاً ضد صيـانة المنشآت أو الوسـائل الأخـرى المعدة للإنتاج أو توزيع الطاقة الكهربائية أو غاز الإنارة أو الصناعة، إذا نجم عن الفعل خطر على السلامة العامة.
وتطبق العقوبة ذاتها على من قام بعمل يرمي لهدم بناء أو جزء منه أو لوقوع كارثة أخرى إذا نجم عن الفعل خطر على السلامة العامة}

فهذا النص يمكن أن يلجأ إليه القاضي إذا تبين له أن الغش الدوائي قد وصل من الجسامة بحيث يشكل خطرا على السلامة العامة وكان الفاعل متعمدا لذلك بقصد مباشر أو بقصد احتمالي أي اتجهت إرادته نحو تحقيق النتيجة أو لم تتجهه ولكن كان يتوقع حدوثها ولم يبالي

وربما هذا النص العقابي هو أشد النصوص التي يمكن أن نلجأ إليه في حالة الغش الدوائي في الظروف الاعتيادية ـــ وأقصد هنا أن لظروف الحرب أو الظروف السياسة أحكامها التي يمكن أن تطبق على جريمة الغش الدوائي في تلك الظروف كنص المادة 298 عقوبات

جريمة الغش بطريق الإفساد والتقليد

هذا النوع من الغش اعتنى به المشرع من خلال نص المادة 307 عقوبات وجعل العقوبة بالنسبة لغش أو تقليد الأدوية الحبس مطلقا أي الحبس من يوم إلى ثلاث سنوات

حيث نص على

مادة ( 307 ) غش المستهلكات وتقليدها
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين كل من أفسد أو غش أو قلد مياهاً أو مواد غذائية أو غيرها مما هو معد للاستهلاك العام قبل سحبها أو توزيعها أو الإتجار بها فصيرها خطرة على الصحة العامة.
وتكون العقوبة الحبس إذا وقع الغش أو التقليد على مواد طبية.

جريمة حيازة الأدوية المغشوشة

كما عاقب على حيازة المواد الدوائية المقلدة او المغشوشة من خلال نص المادة 308 التي تقضي

مادة ( 308 ) الإتجار بالمواد المسممة أو المغشوشة أو المقلدة
يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادتين 306 و 307 كـل من حاز للتجارة أو عرض للبيع أو وزع للاستهـلاك مياهاً أو مواد أو أشياء أخـرى كان قد سممها أو غشها أو قلدها غيره بحيث أصبحت خطرة على الصحة العامة مع علمه بذلك وذلك إذا لم يكن شريكاً في الجرائم المنصوص عليها في المادتين المذكورتين.

جريمة الاتجار بالأدوية المغشوشة

مادة ( 309 ) الإتجار بأغذية أو أدوية فاسدة
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين كل من حاز للتجارة أو عرض للبيع أو وزع للاستهلاك أو أعطى مـواد غذائية خطرة على الصحة العامة دون أن تكـون مقلدة أو مغشوشة مع علمه بذلك.
وتكون العقوبة الحبس إذا كان محل الجريمة أدوية فاسدة أو معيبة.

التوصية

وبالرغم من كل هذه النصوص إلا أن هذه التشريعات النافذة والمنظمة لعملية استيراد الأدوية والاتجار بها تبقى في حاجة للمراجعة والنظر في مدى كفايتها اليوم لمواجهة الأساليب المتنوعة والمتطورة للغش فقد جاءت هذه النصوص في زمن غير هذا الزمن وتعاملت مع شريحة من الجانحين لو عاشوا بيننا اليوم ربما عددناهم من الفضلاء ولهذا ينصح بمراجعة هذه النصوص والنظر في مدى كفايتها لمواجهة الغش الدوائي من خلال لجنة من الصيادلة والأطباء والتجار ورجال القانون ليكون في المقدور حصر أنواع وأساليب الغش وتجريمها ليكون بين أيدينا تشريعا يضمن سلامة وصلاحية الأدوية المتداولة

المحامي

محمد مفتــــــــــاح اليسير

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.