مدى إمكانية إيقاع الحجز التحفظي على الحساب البنكي – المغرب

بقلم : ذ. عبد الله المتوكل أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالدار البيضاء و محام بهيئة الدار البيضاء.
صدر بتاريخ 2013/1/29 في الملف عدد 2013/728 أمر عن السيد رئيس المحكمة الاجتماعية بالدار البيضاء قضى برفض الطلب على إجراء حجز تحفظي على حساب بنكي بعلة إن الطلب يهدف إلى حجز تحفظي على حساب بنكي و ليس حجز ما للمدين لدى الغير مما يكون معه الطلب قد وضع في غير إطاره القانوني. لهذه الأسباب نصرح برفض الطلب.

و نظرا لما يثيره هذا الأمر من تساؤلات حول جواز أو عدم جواز الإذن بالإجراء المطلوب و مدى ملائمة القانون للواقع في النازلة ارتأينا أن نناقش بعض جوانب هذه الإشكالية بالوقوف على مفهوم الحجز التحفظي و مراميه وشروط تحقيقه بعد عرض الوقائع بإيجاز.

الوقائع :

تتلخص وقائع النازلة في إن المدعى السيد عبد الرحمان الناقى استصدر من المحكمة الاجتماعية حكما قضى له بتعويض اجمالى محدد في مبلغ 191.961.15 درهم وانه بلغ هذا الحكم إلى الشركة المدعى عليها ولم تستأنفه إلا بعد فوات الأجل القانوني وبعد ولجوئها إلى تقديم دعويين استعجالين من اجل اطعن في التبليغ ثم من اجل الصعوبة في التنفيذ كان مآلهما الرفض استشعر المدعى أن دينه في خطر من احتمال لجوء المدعى عليها إلى تنظيم عسرها فبادر إلى تقديم طلب إلى السيد رئيس المحكمة الاجتماعية من اجل إجراء حجز تحفظي على حسابها البنكي في حدود ما قضت له به المحكمة ; إلا إن طلبه قبل بالرفض.

التعليق :

يعكس الامر الصادر عن السيد رئيس المحكمة إلا اجتماعية واقع الممارسة القضائية في ميدان تطبيق النصوص الإجرائية بصفة عامة التي غالبا ما تعرف تضاربا وفق قراءة متباينة وضيقة للقانون، بعيدا عن الواقع الذي ينصب عليه هذا القانون كما هو الحال في النازلة.

فاستقراء لفصول القانونية المنظمة للحجز التحفظي في قانون المسطرة المدنية و ما نصت عليه القواعد الموضوعية (المادة 500 من مدونة التجارة والفصل 138 من ق ل ع) وكدا ما ىسارعليه التشريع والممارسة في القانون المقارن لأزيد من عقدين من الزمن أو اكثركفيل ليبين بان مسلك الأمر موضوع المناقشة جاف و غير سليم, ليس فقط من الناحية القانونية, حيث حرم طالب الحجز من ضمان الحق المخولة له قانونا , بل حتى من منظور الواقع الذي عرف تحولا خطيرا بفعل العولمة والمعلوميات , حيث اصبح من السهل جدا جرد هذا الطالب من إمكانية غل مدينه من خلال تحويل ماله من حساب إلى حساب بل من بلد إلى بلد في لمح البصر, وبالتالي جعل الفصل 452 م من قانون المسطرة المدنية حبرا على ورق .

ولبيان ذلك أكثر سوف نذكر بعجالة بمفهوم “الحجز التحفظي” في مراميه وأثاره وشروط تحقيقه وتمييزه خاصة عن الحجز لدى الغير ومدى سلامة الأمر الرئاسي الذي قضى برفضه في النازلة .

1: مفهوم الحجز التحفظي و مراميه

الحجز التحفظي حسب ما استقر عليه الفقه , إجراء مؤقت يتم بموجبه ضمان حق الدائن على المدين من خلال وضع يد القضاء على ممتلكاته المنقولة والعقارية ومنعه من التصرف فيها تصرفا يضر به(امراستعجالى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء 21/7/85 م رابطة القضاة العدد20/21 المحكمة التجارية بالدار البيضاء حكم 20/11/03 م المحاماة العدد25 م الأعلى قرار 19/11/05 م الحقوق المغربية العدد7) هذا المعنى الذي يغطى حالات مختلفة والذي لا يهمنا منه إلا الحجز على الحساب البنكي هو نفسه الذي يستشف من مقتضيات قانون المسطرة المدنية (الفصل 148 و 452 و ما يليه) لكن في إطار صياغة غامضة يرجع سببها ربما لعدم استيعاب المعنى الحقيقي للنص الفرنسي للمفهوم والذي اخذ منه النص العربي.

فالمشرع المغربي لم يعرف فعلا “الحجز التحفظي” بل اكتفى بذكره ضمن طرق التنفيذ في صورتين : الحجز على المنقولات والحجز على العقار ت. وقد حاول القضاء, فك جوانب هذا الغموض, فاعتبر بداية بان الحجز التحفظي” لا يكون بالضرورة من اجل دين في ذمة المحجوز عليه, وإنما قد يقع من اجل شيئي أخر”, إلا انه لم يفصح عن المقصود في نظره عن هذا الشيء الأخر ثم صرح بعد ذلك, بأنه “بمقتضى الفصل 452 من ق م م فان الحجز التحفظي يقع من اجل ضمان أداء مبلغ مالي وليس للحفاظ على حق عيني عقاري ( م الأعلى قرار10/3/04 م ق ق العدد 64/65)

لكن لا نوع الحق الذي يهدف الحجز إلى المحافظة عليه ولا التصرف المضر الذي قد يلحق بالدائن لم يرد فيهما اى إفصاح فقد اكتفى قانون المسطرة بالإشارة إلى” الدين ” فقط فى الفصل 452 من المسطرة المدنية.

وعلى التفويت بعوض أو بغير عوض لممتلكات المدين من منقول أو عقار، كان الضرر قد ينجم من هذا التفويت لا غير كما قد يستنتج من الفصل 453 من المسطرة المدنية الذى ينص على ما يلي “لا يترتب عن الحجز التحفظي سوى وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه و يكون نتيجة لذلك كل تفويت تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز باطلا وعديم الأثر”.

لكن هل يمكن حصر الضرر في التفويت للمنقولات والعقارات لوحدها؟ بالطبع لا ; لأن الضرر قد ينجم كذلك عن ممارسات كيدية مثل اللجوء إلى مساطير قانونية متعددة للمماطلة والتسويف، واللجوء إحداث مؤسسات صورية لكسب مصداقية الدائنين، أو تهريب أمواله أو سحبها كليا من الابناك أو تحويلها إلى الخارج . هناك إذن مفارقة كبيرة بين القانون والواقع يتعين على القاضي بصفته الساهر على حقوق الإفراد الانتباه إليها من خلال تفعيل ملائم للقاعدة القانونية حتى ولو أدى ذلك إلى استبعاد القاعدة القانونية إذا ما أصبحت متجاوزة و أصبحت غير ملائمة درء الخطر المحدق للحق والسهر على إفشال محاولات المدين الذي قد يلجا إلى وسائل احتيالية أو صورية للإفلات من التزاماته هما إذن الإطار والمعيار اللذان يجب أن يقودا القاضي أثناء بثه في الطلبات التي تستهدف حماية الدائن.

2- الإطار القانوني و شروط التحقيق

لقد عاب الأمر على طالب الحجز كونه لم يضع طلبه في إطاره القانوني الصحيح تم أضاف بان هذا الإطار هو الحجز لدى الغير.ا لحقيقة إن ما قضى به الأمر من رفض الإذن بإجراء حجز تحفظي، لا يبرره التعليل الذي يرتكز عليه, لان الحجز التحفظي شيء والحجز لدى الغير شيء أخر فالأول يرمى إلى ضمان مؤقت لحق قد يكرس وقد لا يكرس، وأثاره ردعي أو تخويفي، بينما يرمى الثاني إلى إجبار المدين على الأداء وأثاره تنفيذي ولطالب الحجز إن يختار الأنسب إليه فقد يجد مصلحة في اللجوءالى الحجز التحفظي عوض الحجز لدى الغير حتى ولو كان بيده سند تنفيذي لتجنب مساوئ الحجز لدى الغير.

صحيح إن هناك تقاطع بين الحجرين إلا إن ثمة جوانب تميز احدهما عن الأخر. إن الحجرين يشتركان في مسالة الاختصاص إذ يصدران عن رئيس المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص النوعي والترابي لكنهما يختلفان في شروط التحقيق إذ يشترط في الحجز التحفظي إن :

يكون الدين عبارة عن مبلغ مالي (محكمة الاستئناف التجارية بفاس القرار42 بتاريخ 16/6/99).
-يكون الدين في مبدئه محددا ولو على وجه التقريب ( نفس المحكمة القرار 75 بتاريخ 8/2/2000 ), وان يكون جديا. ويلمس هذين الطابعين من ظاهر الأوراق, كما جاء في قرار لمحكمة النقض “يفرض ( الحجز التحفظي) لضمان دين محقق وله ما يرجح جديته وتحققه”(3). وفى نفس الاتجاه قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ” بان الحجز التحفظي ينصب على مبدأ ادعاء الدائنية ولذلك استوجب الفصل 452 من ق م م ضرورة الإدلاء ببيان ولو تقريبي عن مبلغ الدين.

يكون محققا لا احتماليا.
-أن تكون هناك حالة استعجال ناتجة عن خشية إتلاف الحق من جراء ممارسات المدين في تنظيم عسره أو تفويت أملاكه أو تحويل أمواله.(انظر الحجوزات التحفظية والعمل القضائي اللقاء التواصلي عن طريق المناظرة عن بعد وزارة العدل والحريات 6/7/2012)

ولا يشترط في الإذن به، أن يتوفر طالب الحجز على سند تنفيذي, خلافا للحجز لدى الغير،بل يكفى ا ن يكون في يد الطالب ما يفيد المطالبة بالدين ; كما أن الاستناف لحكم قضى بمديونية المدين تجاه الطالب، لا تحول دون الإذن به و إجرائه،خلافا للحجز لدى الغير.

بقى أن نشير إلى جانب أخر من الغموض الذي طبع مقتضيات ق م م المتعلقة الحجز التحفظي ألا وهوان المحجوز محصور في المنقول والعقار.

فإذا كان العقار واضحا ولا يطرح اى إشكال على المستوى الاصطلاحي, فان عبارة “المنقول” تحتاج على العكس إلى توضيح . فهذه الكلمة تغطى شيئين : المنقول المجسد مثل الآلات والسيارات والقمح والشعير سواء كانت هذه المنقولات ثابتة أو متحركة والمنقولات الغير المجسد مثل الأصول التجارية و الأسهم الخ…

ولما كان المنقول والعقار يقدران بالمال في نهاية المطاف، فان المبالغ المالية ورصيد الحساب البنكي من أهمها، تدخل ضمن هذه الزمرة ويجوز حجزها، وليس في القانون المسطري ولا في القاعد الموضوعية ما يمنع ذلك , بل إن المادة 500 الفقرة 2 من مدونة التجارة تنص صراحة على جواز الحجز على الرصيد البنكي للمدين كما أن الفصلان 456 و457 من ق م م حينما يتكلمان عن الغير يكرسان العلاقة الثلاثية) الدائن –المدين-الغير) التي يعتبر البعض أنها لا تكون إلا في الحجز لدى الغير وبالتالي من موانع الحجز على حساب بنكي .

3- مخالفة الأمر للقانون وعدم ملائمته للواقع .

إن أمر السيد رئيس المحكمة الاجتماعية قد خالف القانون والواقع في ما قضى به فمقتضيات قانون المسطرة المدنية لا تمنع في اعتقادنا الحجز على الحساب البنكي أي أن الحجز يستهدف الحساب كإطار أو كوعاء بل الرصيد الموجود في حساب المدين. و ما دام هذا الرصيد مبلغ من المال وما دام للدائن حق متابعة مال المدين أين ما كان وما دام يشترط أن يكون الدين مبلغا من المال التجارة فإن الحجز التحفظي عليه جائز ولا شك في ذلك.

إن ما يضلل السبيل ويحول دون قبوله هو في اعتقادنا الطريقة التي اعتمدها قانون المسطرة المدنية بحصر الحجز التحفظي على المنقول وعلى العقار وعلى التنصيص عليه فى القسم المتعلق بطرق التنفيذ, والتفسير الضيق لتلك المقتضيات من قبل القضاء عامة .

لقد تجاوز القانون المقارن الفرنسي منه و الأوروبي هذه الإشكالية وسمح بإجراء الحجز التحفظي على الحسابات البنكية. فقد تم في فرنسا الأعمال بهذا الإجراء منذ 24 سنة طبقا لقانون 9 يوليو 1991 اما على صعيد الاتحاد الأوروبي فقد تم في سنة 2011 إصدار ما يسمى ” « Règlement du parlement européen et du conseil portant création d’une ordonnance européenne de saisie conservatoire des comptes bancaires destinée à faciliter le recouvrement transfrontalier de créances en matière civile et commerciale »

وقد أخذت دول منظمة توحيد قانون الأعمال في إفريقيا( OHADA) أيضا بنفس النظام من خلال تبنيها لمسا طير سهلة وبسيطة وفعالة لفائدة الدائنين باستخلاص ديونهم بواسطة إجراء حجوز تحفظية على حساباتهم البنكية لقد آن الأوان أن ينفتح الاجتهاد القضائي المغربي ويجب أن يغير القانون المسطري ليس في هذا الجانب فقط بل في جوانب كثيرة لمواكبة ركب الدول المتقدمة ومواجهة مخاطر العصر بمنح مزيد من الطمأنينة للمواطن وجلب الاحترام للمؤسسة القضائية .

المملكة المغربية

وزارة العدل والحريات

محكمة استئناف الدار البيضاء

المحكمة الابتدائية الاجتماعية

بالدار البيضاء

أمر قضائي

ملف المقالات المختلف

عدد728/2013

بتاريخ 29/1/2013

أمر 728 باسم جلالة الملك

و طبقا للقانون

نحن ذ/عبد الحق سليك نيابة عن رئيس المحكمة الابتدائية الاجتماعية بالدار البيضاء، بناء على المقال المسجل بكتابة الضبط بهذه المحكمة 28/1/2013 المقدم من طرف السيد عبد الرحمان الناقى بواسطة دفاعه ذ/ عبد الله المتوكل المحامى بهيئة البيضاء فى مواجهة شركة اندوماباك إجراء حجز تحفظي حيث أن الطلب يهدف إلى إجراء حجز تحفظي على حساب بنكي حجز ما للمدين لدى الغير مما يكون معه الطلب قد وضع فى غير إطاره القانوني.

لهذه الأسباب

نصرح برفض الطلب

و حرر بالبيضاء فى 29/1/2013.