عدم نظامية فصل الموظف بسبب احتساب ساعات التأخير

جريدة الرياض، الجمعة 14 جمادى الأولى 1425العدد 13160 السنة 40

احمد بن عبدالرحمن الزكري[1]

الوظيفة العامة عبارة عن مجموعة من الواجبات والمسؤوليات يلتزم بها الموظف طيلة حياته الوظيفية مقابل تمتعه ببعض الحقوق والمزايا المترتبة عليها. ومن اهم هذه الواجبات والتي اكدتها نصوص نظام الخدمة المدنية واجب الانضباط والتقيد بمواعيد الحضور والانصراف. فالمادة 11(ج) من نظام الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم 49وتاريخ 1397/7/10هـ نصت على انه “يجب على الموظف تخصيص وقت العمل لاداء واجبات وظيفته”.

وهو ما يفهم منه ان الموظف يجب عليه التواجد في مقر العمل طيلة الساعات التي يقتضي تواجده فيه، وليس هذا فحسب بل يجب عليه ان يكون خلالها فعالاً لاداء مهام واجبات وظيفته بكل دقة وامانة وعليه ان يتجنب كل ما يخالف هذا الواجب كالغياب او الحضور متأخراً او الخروج بدون اذن، لما يترتب على تلك التصرفات من ا ضرار بالوظيفة العامة وتعطيل مصالح الناس كما انها تؤدي به الى الاثراء على حساب الادارة التابع لها دون سبب مشروع.

وقد عالجت المادة 21من نظام الخدمة المدنية حالة الغياب دون عذر عندما نصت على “مع مراعاة ما تقتضي به الانظمة لايستحق الموظف راتباً عن الايام التي لايباشر فيها عمله”. اما اذا انقطع الموظف عن عمله بدون عذر مشروع لمدة (15) يوما متصلة او (30) يوما متفرقة فان ذلك يؤدي الى انهاء خدماته وفقاً للمادة 12/30من اللائحة التنفيذية لنظام الخدمة المدنية.

لكن السؤال المطروح في هذا الشأن هل تحتسب ساعات تأخر الموظف في طي قيده اذا بلغت المدة المحددة في الفقرة السابقة؟
اولاً: المادة 12/30من اللائحة التنفيذية لنظام الخدمة المدنية المعدلة بقرار مجلس الخدمة المدنية رقم 510/1في 1418/8/2هـ اجازت للجنة الادارية طي قيد الموظف اذا انقطع عن عمله مدة خمسة عشر يوماً متصلة او ثلاثين يوماً متفرقة خلال السنة اذا كان غيابه دون عذر مشروع. بمعنى ان طي القيد في هذه الحالة يدخل في باب السلطة التقديرية للادارة، اي ان الادارة غير ملزمة بتطبيق حكم الفقرة السابقة في حالة تحقق سببه فقد ترى الادارة ان الموظف المتغيب يعد من خيرة الموظفين عملاً وسلوكاً وملفه الوظيفي جاء خالياً من اية سوابق تأديبية او غيرها وبالتالي قد ترى عدم ضرورة هذا الاجراء والاكتفاء فقط بمجازاته تأديبياً ان كان له محل مع حسم الايام التي انقطع فيها. وعلى النقيض من ذلك فالموظف الذي لديه سوابق ومخالفات تأديبية ولم يرتدع من اية عقوبة فان من مصلحة الادارة استخدام هذا الحق حتى لايتم شغل الوظيفة بموظف فقد ثقة الادارة فيه بسبب تصرفاته واستهتاره بواجبات وظيفته والانظمة التي تحكمها. ويمكن القول ان طي القيد يرجع فيه الى تقدير الادارة فهي صاحبة القرار في تقدير كل حالة على حده مع التنبيه في هذا الشأن الى ان ديوان المظالم يراقب سلطة الادارة في اصدارها لقرار طي القيد من عدة نواحي:
– التحقق من انقطاع الموظف (غياب يوم كامل).
– ان الغياب وقع خلال السنة السابقة لاصدار القرار.
– ليس هناك عذر مشروع.
ثانياً: القاعدة العامة هي الاجر مقابل العمل ويترتب على ذلك عدم استحقاق الموظف اجرا عن الايام او الساعات التي لم يباشر فيها العمل وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة 21من نظام الخدمة. وقد ذهب ديوان المظالم في هذا الخصوص في حكم له رقم 29/د/ف/ 2لعام 1415هـ عندما اشار الى انه “…. ولايعني ذكر المادة للأيام عدم جواز الحسم عن غياب الموظف جزءا من تلك الايام، وهي الساعات ذلك لان ذكر الايام انما ورد في المادة من باب ذكر العام الغالب ومن ثم فانه يجوز لجهة الادارة حسم راتب الايام او الساعات التي لايباشر فيها الموظف عمله ولكن يبقى للموظف حقه في راتب الساعات التي عمل خلالها، ولهذا لايجوز لجهة الادارة حسم راتب يوم كامل لقاء غياب الموظف جزءا من ذلك اليوم لان حقهايقتصر على الساعات التي ترك فيها الموظف عمله. اما بالنسبة لاستناد الوزارة المدعي عليها في اجراء حسم راتب يوم كامل بدون تنقلات عن غياب جزء من اليوم على تعميم هيئة الرقابة والتحقيق رقم 2015/10/1/1/خ بتاريخ 1393/7/28هـ فان هذا التعميم صادر في ظل نظام الموظفين السابق وقد صدر بعده نظام الخدمة المدنية في عام 1397هـ. وقد صدر في ظل هذا النظام تعليمات واسس جديدة توضح كيفية الحسم على الموظف. ومن ذلك ما اشار اليه خطاب مدير ادارة علاقات الموظف بالديوان العام للخدمة المدنية رقم 24426في 1415/6/17والذي اشار فيه الى ان الرأي المستقر عليه في الديوان والمتفق عليه مع هيئة الرقابة والتحقيق هو ان الموظف الذي ينصرف قبل نهاية الدوام بساعة يمكن الحسم من راتبه مقابل عدد الساعات التي لم يباشر فيها على اساس ان ساعات العمل النظامية في الشهر الواحد (155) ساعة وفقاً للمادة 21من نظام الخدمة المدنية.
ثالثاً: تعميم هيئة الرقابة والتحقيق المشار اليه اعلاه كان يتضمن بعض القواعد التي تنظم عملية حضور وانصراف الموظفين حيث نص في المادة الثالثة منه على “يحسم يوم كامل من مرتب اي موظف يتخلف عن الحضور بعد الموعد المحدد بنصف ساعة او ينصرف قبل الموعد المحدد للانصراف بربع ساعة.. ما لم يقدم عذراً اضطرارياً يقبله رئيسه كتابة…” وكما ورد في حيثيات الحكم السابق فان هذا التعميم اصبح في حكم الملغي بصدور نظام الخدمة المدنية لعام 1397وما اعقبه من تعليمات تنظم عملية الحسم.
رابعاً: الموظف الذي يغيب عن عمله دون سبب مشروع، يحسم عليه عدد الايام التي لم يباشر فيها دون الحاجة الى اجراء تحقيق معه او سماع اقواله كتابياً لان الحسم في هذه الحالة لايعتبر عقوبة وانما هو اجراء نصت عليه المادة 21من نظام الخدمة المدنية لقاء انقطاع الموظف عن عمله. وهو ما انتهى اليه الحكم الموضح اعلاه عندما ذهب الى انه “وهذا الحسم من الراتب لايعد جزاء تأديبياً ومن ثم يجوز ايقاعه دون الحاجة الى اجراء تحقيق مع الموظف”.

ويجب التنبيه في هذا الشأن انه اذا تكرر من الموظف واقعة الغياب اكثر من مرة وترتب عليه تعطيل مصالح الناس وبالتالي الاضرار بالصالح العام ورأت الجهة الادارية التابع لها الموظف بان الحسم لايكفي، فانه ليس هناك ما يمنع الجهة الادارية من مجازاته بالحسم من راتبه طبقاً للمادة 32فقرة (3) من نظام تأديب الموظفين الصادر بالمرسوم الملكي رقم // 7وتاريخ 1391/2/1هـ. ولكن يجب اجراء تحقيق كتابي مع الموظف تسمع فيه اقواله وفقاً للمادة 35من ذلك النظام، مع الاستمرار في حسم ايام الانقطاع طبقاً للمادة 21من نظام الخدمة المدنية.

خامساً: حسم ساعات التأخير تتم من خلال تجميع الدقائق والساعات التي يتأخر فيها الموظف بحيث اذا اكتملت سبع ساعات فانه يحسم عليه غياب يوم كامل لان ساعات العمل النظامية في الشهر 155ساعة وهو ما جرى عليه العمل في الوقت الحاضر من خلال التفاهم بين هيئة الرقابة والتحقيق ووزارة الخدمة المدنية ريثما تنتهي الدراسة في مجلس الخدمة المدنية بخصوص هذا الموضوع.

سادساً: احتساب الغياب يجب ان يكون في السنة السابقة على اصدار القرار وليست في السنة المالية بمعنى آخر يجب على الجهة الادارية ان تتأكد في حالة ممارسة حقها في طي القيد ان يكون غياب الخمسة عشر يوماً متصلة او الثلاثين يوماً متفرقة قد وقع خلال السنة السابقة على صدور القرار. ولايمكن الاحتجاج بالسنة المالية قياساً على الاجازات في نظام الخدمة المدنية لان النص واضح لايحتمل التأويل وهو ما اكدته المادة 12/30من نظام الخدمة المدنية عندما نصت على انه “لايجوز للادارة ان تنهي خدمة الموظف في الحالات التالية:
2- اذا انقطع عن عمله دون عذر مشروع مدة خمسة عشر يوماً متصلة او ثلاثين يوماً متفرقة خلال السنة السابقة لاصدار القرار”.
ويترتب على ذلك انه لايجوز للجهة الادارية اضافة عدد الايام التي تغيبها الموظف قبل بداية السنة السابقة على صدور القرار على عدد الايام التي تغيبها خلال تلك السنة لاجل تكملة النصاب المقرر لطي قيد الموظف لان العبرة هو وقوع الغياب خلال السنة السابقة لصدور القرار وليس قبله.

سابعاً: اما بخصوص السؤال المطروح حول جواز احتساب ساعات التأخير في طي قيد الموظف اذا بلغت المدة المحدد وهي (30) يوما متفرقة فيمكن الرجوع في هذا الشأن الى حكم ديوان المظالم رقم 22/د/ف/ 4لعام 1422هـ والذي اشار فيه الى ان “اما عن الموضوع فان الثابت من الاوراق ان مدة غياب المدعي الحقيقية هي تسعة ايام ومائة واحدى وسبعين ساعة تأخير والتي اعتبرتها المدعي عليها انها تصل الى ثلاثة وثلاثين يوماً وثلاث ساعات.

وحيث ان اللائحة التنفيذية لنظام الخدمة المعدلة بقرار مجلس الخدمة المدنية رقم 510/1في 1418/8/2هـ اجازت للجهة الادارية طي قيد الموظف اذا انقطع عن عمله مدة خمسة عشر يوماً متصلة او ثلاثين يوماً متفرقة خلال السنة اذا كان غيابه دون عذر مشروع.

فالنص يفيد الحصر ولم يعط الجهة الادارية سلطة تقديرية في تحديد متى يعتبر الموظف منقطعاً عن عمله ومتى لايعتبر ولم يعطها حق تحديد معنى الانقطاع انما حصر الانقطاع بخمسة عشر يوماً متصلة او ثلاثين يوماً متفرقة ولم يعتبر التأخر، فالمنظم عبر بالانقطاع ولم يعبر بالتأخير فالانقطاع يفيد عدم الحضور كلية والمنظم اعتبر الانقطاع ليوم كامل – اي مدة ساعات الدوام لليوم الواحد – ولم يعتبر اجزاء اليوم انقطاعاً كأن يتأخر الموظف ساعة او اكثر او اقل ولا اجتهاد في مورد النص اما ماحتجت به المدعى عليها من تعميم المقام السامي رقم 95/م في 1421/1/21هـ فانه بالنظر فيه لم يرد به ما تذكره المدعى عليها فلم يتضمن احتساب ساعات التأخر في طي القيد ولم يطلب ذلك فهو استنتاج من المدعى عليها بشيء لم يرد في التعميم…. لذا فان الدائرة ترى ان القرار الصادر من المدعى عليها قد خالف النظام وافتقد للسبب الصحيح الذي لابد ان يقوم عليه القرار لعدم غياب المدعي لخمسة عشر يوماً متصلة او ثلاثين يوماً متفرفة مما يعني ان القرار معيب ويستحق الالغاء وهو ما تحكم به الدائرة”.

ثامناً: التعميم الصادر من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله برقم 95/م وتاريخ 1421/1/21هـ يهدف الى التأكيد على الجهات الحكومية بتطبيق النظام على الموظفين المتخلفين عن الدوام او الذين لايتقيدون بمواعيد الحضور والانصراف بسبب ما لاحظته هيئة الرقابة والتحقيق من خلال الجولات الرقابية من تهاون بعض الجهات الحكومية في التصدي لهذه الظاهرة بحزم والاكتفاء فقط بالحسم على هؤلاء الموظفين دون اتخاذ اية اجراءات تأديبية رادعة بحقهم او تطبيق ما ورد في المادة 12/30من اللائحة التنفيذية لنظام الخدمة المدنية. وبالرغم من اهمية التعميم في حث الموظفين على الانضباط والتقيد بأوقات الدوام الا انه لايمكن التعويل عليه في احتساب ساعات تأخير الموظف لاجل طي قيده.

ونخلص من ذلك كله ان ساعات تأخر الموظف تحسم عليه وفقاً لما ذكر اعلاه الا انه لايمكن احتسابها في طي قيده اذا بلغت المدة المحددة في المادة 12/30للاسباب التي اوردها الحكم المبين اعلاه، كما يجب التأكيد على الموظف العام الالتزام باوقات الدوام الرسمي لاهميته في اداء واجبات وظيفته دون تأخير او تقصير حتى لايؤدي الى تعطيل مصالح الجهة الادارية التابع لها او مصالح اصحاب الشأن الذين يتعاملون مع تلك الجهة ولهذا الغرض فان المادة 12/30اعطت الجهة الادارية الحق في طي قيد الموظف لكن وفق ضوابط معينة تضمنتها تلك المادة، كما ان قرارها بطي قيد الموظف يخضع لرقابة ديوان المظالم للتأكد من خلوه من سوء استعمال السلطة والا حكم بإلغاء قرارها لمخالفته النظام.
*

[1] عضو هيئة التدريب – معهد الإدارة العامة [email protected]
د.إبراهيم محمد الحديثي

الإدارة القانونية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت