رسوم الوافدين .. نقاط في الاعتبارات
كل قرار اقتصادي يستهدف تأثيرات. ولكن بعض التأثيرات الناتجة يتفق مع هدف مصدر القرار وبعضها ليس كذلك. ذلك أن الاقتصاد كالفيزياء لكل فعل رد فعل. والعبرة بمقارنة المحاسن بالعيوب وقوة كل منهما في حال وجود أو عدم وجود القرار. ومن ثم يتحول النقاش إلى معرفة الغلبة في التأثيرات. لكن تحصيل هذه المعرفة يجب أن تسبقه معرفة جيدة بالاعتبارات. القرار يبنى على اعتبارات كثيرة. ويتقاطع العلم بها وتقييمها بين درجات من العلم والفهم والعدالة في النظر. وهنا محاولة لتجميع شتات الاعتبارات.

سأذكر ما أراه أهم الاعتبارات. وكل اعتبار يتطلب تفصيلات كثيرة، ليس المقال مجالها.. لكن يمكننا القول بشكل إجمالي إن هناك ما يتعلق بالمدى القصير جدا كالأسابيع والشهور، وهناك القصير إلى المتوسط كثلاث سنوات.

وهناك المدى الطويل كـ15 عاما. وهناك المدى البعيد لعقود من الزمن، فكلما زادت المدة كان تغيير الأوضاع القائمة على الاعتماد على الوافدين أسهل. لكن السهولة لا تكفي. ماذا عن التكلفة؟ طول المدة يقلل التكلفة في جوانب، لكنه يزيدها في جوانب، مثل إطالة مدة البطالة. والاعتبارات الأخرى تؤثر في تحديد أهمية التقليل والزيادة في التكلفة. ولذلك طبعا صلة بالمرونة، أي مدى استجابة التوطين لتأثير الرسوم. وهذه الاستجابة يمكن تقسيمها أو النظر إليها من عدة اعتبارات، أهمها نوع المهنة والوقت. أما نوع أو طبيعة المهنة، فما مدى رغبة أو تقبل المواطنين للعمل في مهنة كذا التي يشغلها وافدون؟ وكلما كانت رغبة المواطنين بالوظيفة أقل، كان انتفاع التوطين من جراء رفع الرسوم أقل. ومن ثم فزيادة التدرج في رفع الرسوم مبلغا ووقتا أنسب.

وأما الوقت فما مدى الاستجابة وقتيا؟ لأنه مع طول الوقت يفترض أن يوجد مواطنون يعملون في كل مهنة. ولا يتعارض ذلك مع استمرار غلبة عدد الوافدين في مهن بعينها. ففي بعض المهن يقبل المواطنون عليها قطعا، لكن توفير ما نحتاجه منها يتطلب وقتا. ومع الوقت يزيد عدد السكان. ومن ثم فالحاجة رقم (1) ليست إلى مغادرة وافدين موجودين “أقصد مغادرة نسبة كبيرة منهم”، ليحل مواطنون بدلا منهم.

ولكن الحاجة رقم (1) تكمن في سد باب استقدام مزيد، إلا لحالات أو ظروف خاصة. وربما كانت مهن الطب والمحاسبة والهندسة أمثلة مشهورة. لكن سد أو شبه سد باب الاستقدام إلا لحالات خاصة ينبغي أن يصاحبه تساهل قوي في حرية تغيير الوافدين لأصحاب العمل، ضمن ضوابط وقيود. وقد سبق أن كتبت عن هذا الموضوع أكثر من مرة. ومن جهة ثانية، ينبغي أن تنعكس الكفاية على سياسات الرسوم. ينبغي التفريق بين المهن في قدر الرسوم على الوافدين وعوائلهم. وينبغي التفريق بين فرض الرسوم على الوافدين ومرافقيهم مقابل بعض تكاليف خدمات الحكومة، والفرض بهدف دعم التوطين. أما المقابل المادي، فيمكن التساؤل عن مدى تأثير مبلغ الرسوم على أربعة أطراف. الأول الوافد “نفسه و/أو أفراد عائلته إن كانوا معه”. والثاني صاحب العمل. والثالث تكاليف الإنتاج. والإنتاج هنا بمعناه الواسع الذي يعني كل جهد يسهم في توفير سلعة أو خدمة بمقابل. والرابع الأسعار النهائية التي يدفعها المستهلكون. ومن الخطأ ظن أن البائع سيحمل المشتري أو المستهلك كل هذه الرسوم. ذلك أن قدرة البائع على رفع السعر بما يغطي تكاليف الرسوم ليست مطلقة، بل تعتمد على اعتبارات أهمها مرونة العرض والطلب.

ذلك أن رفع السعر يؤدي إلى إضعاف الطلب، طالما أن القوة الشرائية للمشتري لم ترتفع. ولو كانت قدرة البائع على رفع الأسعار مفتوحة لرفع الأسعار حتى دون فرض الرسوم. والذي نراه أن التكاليف زادت عما سبق. إيرادات الدولة غير النفطية. ويتعلق بهذا ثلاثة أمور: الأول: مبرر فرض رسوم خلاف مبرر التوطين. والثاني: قدر ما تحققه للدولة من دخل. والثالث: مدى الاعتماد على هذا الدخل مستقبلا. وجواب الثاني والثالث يعتمد على فهم الاعتبارات الأخرى. أما الأول فيمكن اعتباره مقابل أو بعض مقابل خدمات توفرها الدولة، يستفيد منها كل سكان البلد من مواطنين وغير مواطنين كالأمن والطرق وخدمات أخرى. والقرار هنا سيادي، بمعنى أن عدم أخذ الدولة مقابلا لهذه الخدمات من دخول المواطنين والمنشآت الوطنية لا يلزم الدولة بعدم أخذه من غيرهم.

وفيما يتعلق بطبيعة النشاط وحجمه أي: “المنشآت” وما مدى تأثرهما بالقرار. فبصفة عامة، كلما كانت المنشأة أصغر أو طبيعة نشاطها معتمدا على توظيف الوافدين، كان تضررها من الرسوم أقوى. وأهم أسباب هذا يعود لنظام الإقامة وسياسات الاستقدام اللذين جعلا المجتمع والقطاع الخاص عبر عشرات السنين مفضلين توظيف الوافدين. والكلام هنا على الغالب وليس على كل حالة.

من أهم وسائل حل مشكلة الطبيعة والحجم تقليص باب الاستقدام تقليصا كبيرا. وفي المقابل، تسهيل حرية الوافد الذي يعمل حاليا في البلاد، حريته في تغيير صاحب العمل تحت اعتبارات وضمن ضوابط وشروط. من ناحية أخرى تسهم الرسوم في خفض حجم التحويلات من جهة وزيادتها من جهة. فالأولى عبر تقليل جاذبية سوق العمل السعودية للوافدين. وأما الثانية فبسبب سفر عوائل كثيرة من الوافدين. ما الصافي؟ يحتاج إلى نظر متعمق.

د.صالح السلطان
إعادة نشر بواسطة محاماة نت