نفقة الزوجة والأبناء في القانون المصري

المتعة للمطلقة بعد الدخول :

لما كان من المستقر عليه شرعا أن الطلاق حق للزوج وكان القانون القائم لا يوجب المتعة المالية للمطلقة بعد الدخول وحسبها أنها استحقت المهر كله بالدخول ولها نفقة العدة أما المتعة فهي مستحبة ولا يقضى بها.
وإذا قد تراخت المروءة في هذا الزمن وانعدمت لاسيما بين الأزواج إذا انقطع حبل المودة بينهما وأصبحت المطلقة في حاجة إلى معونة أكثر من نفقة العدة تعينها من الناحية المادية على نتائج الطلاق وفي المتعة ما يحقق المعونة وفي الوقت نفسه منع الكثيرين من التسرع في الطلاق.
ولما كان الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر وكانت مواساتها من المروءة التي تطلبتها الشريعة وكان أسس تقديرها قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتدر قدره) ومن الآية 236 من سورة البقرة وكان إيجاب المتعة هو مذهب الشافعي الجديد حيث أوجبها للمطلقة بعد الدخول إن لم تكن الفرقة منها أو بسببها وهو قول لأحمد اختاره ابن تيمية كما أن إيجابها مذهب أهل الظاهر وهو قول لمالك أيضا المذهب للشيرازي فقه شافعي (جـ 2 ص 67 – 68 والمحلى لابن حزم ج 10 ص 245 – 249).
وعلى هذا وضعت المادة 18 مكررا بمراعاة ضوابط أقوال هؤلاء الأئمة وللقاضي أن ينظر في تقديرها عدا ما سبق إلى ظروف الطلاق وإلى إساءة استعمال هذا الحق. ووضعه في موضعه ولا تقل في تقديرها على نفقة سنتين وتخفيفا على المطلق في الأداء أجاز النص الترخيص له في سداد جملة المقرر للمتعة على أقساط.

نفقة الصغير :

في فقه المذهب الحنفي المعمول به الآن في نفقة الولد على أبيه أقوال وتفاصيل في استحقاق النفقة بسبب الاشتغال بالتعليم تعرضت لنوع العلم وحال طالبه، وتبعا لذلك اختلفت اتجاهات المحاكم.
ولما كان الاشتغال بطلب العلم يشمل ما هو ضروري لتكوين الشخص وإعداده للحياة سواء أكان دينيا أو دنيويا وهذا القدر من العلم بمنزلة الطعام والكساء، كما يتناول ما ليس بضروري للطالب في الدين أو حياته وقد يكون الملزم بالنفقة أحد الأبوين أو غيرهما من الأقارب وتعليم الولد أيا كان ذكرا أو أنثى يراعى فيه وسع أبيه وما يليق بمثله ولا يلزم الإنسان بتعليم ابن أخيه مثلا إلى المستوى الواجب لأبنه.
من أجل هذا كان من المصلحة أو العدل تقريرا أن الاشتغال بالتعليم يعتبر عجزا حكميا موجبا للنفقة إذا كان تعليما لعلم ترعاه الدولة ولا ينافي الدين وبشرط أن يكون الطالب رشيدا في التعليم وفي قدرة من وجبت عليه النفقة الإنفاق عليه في التعليم. ونفقة الأنثى على أبيها حتى تتزوج أو تتكسب ما يفي بنفقتها لأن الأنوثة في ذاتها عجز حكمي.
ولا مراء في أن نفقة الأولاد على أبيهم تكون بقدر يساره وبما يكفي لهم العيش اللائق بأمثاله وتشمل النفقة توفير المسكن لهم

تعزير المطلق إذا أخل بواجباته :

التعزير عقوبة مفوضة إلى رأي الحاكم كما يقول فقهاء المذهب الحنفي ويختلف باختلاف الجريمة وأجاز الفقهاء التعزير بالحبس ويجوز أن تكون العقوبة الوحيدة وأن يضم إليه عقوبة أخرى كالتغريم وهذه العقوبة الأخيرة أجازها الإمام أبو يوسف وأجازها بعض فقهاء الشافعية وأجيزت في مواضع مذهب الإمام أحمد.
وإذا كان الفقهاء قد قرروا أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة وكان تنظيم أمر توثيق الطلاق وإعلام المطلقة بوقوعه ووصول سنده إليها من المصالح العامة فإن تجريم المطلق إذا أخل بالواجبات المنوطة به في المادة الخامسة مكررا من هذا المشروع يكون أمر ذا سند صحيح شرعا وكذلك الحال بالنسبة للواجبات المبينة في المادة السادسة مكررا.
كما يعاقب الموثق أيضا إذا أخل بالتزاماته التي فرضها عليه هذا القانون بالعقوبات المبينة بالمادة 23/2/ مكررا.
إذ لا يكفي في الأمور التنظيمية تقريرها بل لابد من حماية هذا التنظيم حتى يؤتي ثماره.

نفقة الزوجة:

قضت الفقرة الأولى من المادة الثانية بأن تجب نفقة الزوجة على زوجها من مبدأ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما موسرة كانت أو مختلفة معه في الدين وهذا هو ما قضى به القانون القائم في المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 ثم جاءت الفقرة الثانية من النص بأنه لا يمنع مرض الزوجة من استحقاقها للنفقة، وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به العرف.
ولذا جاء هذا النص في فقرته الأخيرة بما ذهب إليه مذهب الزيدية وتقتضيه نصوص فقه الإمام مالك من أن ثمن الأدوية وأجرة الطبيب من نفقة الزوجة وعدل المشروع بهذا عن مذهب الحنيفة في هذا الموضع.
ومن المقرر لدى جميع الفقهاء أن الزوجة المريضة إذا لم تزف إلى زوجها لا تستحق نفقة قبله في حالة عجزها عن الانتقال إلى منزل الزوجية.
ثم أبان المشروع في الفقرة الرابعة من هذه المادة أحوال سقوط نفقة الزوجة في حالة ارتدادها عن الإسلام أو امتناعها مختارة عن تسليم نفسها لزوجها بدون حق أو اضطرارها إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج كما إذا حبست ولو بغير حكم أو اعتقلت أو منعها أولياؤها من القرار في بيت زوجها.
كما أفصح المشروع الأحوال التي يعتبر فيها خروج الزوجة بدون زوجها سببا مسقطا لنفقتها عليه فقال إنها الأحوال التي يباح فيها ذلك بحكم الشرع كخروجها لتمريض أحد أبويها أو تعهده أو زيارته وإلى القاضي لطلب حقها كذلك خروجها لقضاء حوائجها التي يقضي بها العرف كما إذا خرجت لزيارة محرم مريض أو تقضي به الضرورة كإشراف المنزل على الانهدام أو الحريق أو إذا أعسر بنفقتها ومن ذلك الخروج للعمل المشروع إذا أذنها الزوج بالعمل أو عملت دون اعتراض منه أو تزوجها عالما بعملها.
وذلك ما لم يظهر أن عملها مناف لمصلحة الأسرة أو مشوب بإساءة الحق وطلب منها الزوج الامتناع عنه.
وغني عن البيان أن الفصل عند الخلاف في كل ذلك للقاضي.
ثم في الفقرة السادسة نص المشروع على أن نفقة الزوجة تعتبر دينا على الزوج من تاريخ الامتناع عن الإنفاق مع وجوبه ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء وهذا هو الحكم القائم وهو مأخوذ من فقه المذهب الشافعي.

النفقة المتجمدة :

أخذ المشروع بقاعدة جواز تخصيص القضاء فنص على ألا تسمع دعوى النفقة عن مدة ماضية الأكثر من سنة غايتها تاريخ رفع الدعوى.
ذلك لأن في إطلاق إجازة المطالبة بالنفقة عن مدة ماضية سابقة على تاريخ رفع الدعوى احتمال جواز المطالبة سنين عديدة كما أن المدة التي كانت مقررة في المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة المحاكم الشرعية وهي ثلاث سنوات نهايتها تاريخ رفع الدعوى غدت كثيرة مما رأى معه هذا المشروع الاكتفاء بسنة واحدة عن طريق منع سماع الدعوى ولا يضار صاحب الحق بهذا الحكم إذ يمكنه المبادرة إلى طلب حقه حتى لا تمضي عليه سنة فأكثر.
وظاهر أن هذا الحكم خاص بنفقة الزوجة لا يتعداه إلى غير هذا من الحقوق.
ولما كانت المقاصة جائزة بين أرباب الديون وقد تكون الزوجة مدينة لزوجها فإنه حماية لحقها في الحصول على ما يفي بحاجتها وقوائم حياتها نص المشروع على ألا يقبل من الزوج التمسك بالمقاصة بين نفقة الزوجة وبين دين الزوج عليها إلا فيما يزيد على ما يكفيها ويقيم أود حياتها كما أن امتياز دين نفقة الزوجة عند تزاحم الديون على الزوج وضيق ماله عن الوفاء بالجميع أمر تقره قواعد فقه المذهب الحنفي وهذا ما قررته الفقرة الأخيرة في هذه المادة.

قواعد تقدير نفقة الزوجة :

جاءت المادة 16 من المشروع بهذه القواعد فنصت على أن تقدر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسرا أو عسرا على ألا تقل في حالة العسر عن القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية.
ومن هذا يظهر أن المناط أصلا في تقدير النفقة هو حالة الزوج المالية في اليسر والعسر وهذا أمر نسبي غاية الأمر أن النفقة إذا كانت عن المدة الماضية على تاريخ الحكم وتغيرت حال الزوج كان التقدير على قدر حالة وقت الاستحقاق لا وقت القضاء.
وهذا إذا كان قد حدث تغير في الحالة المالية والقدر الذي يفي بحاجتها الضرورية هو ما يعبر عنه في العرف القضائي بنفقة الفقراء لا أن يكون فوق طاقته لأن المعيار هو قول الله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله) من الآية السابعة من سورة الطلاق.
ثم قرر المشروع ضرورة القضاء بنفقة مؤقتة للزوجة وأوجب على القاضي في حالة قيام سبب استحقاق النفقة وتوفر شروطه أن يفرض للزوجة في مدى أسبوعين على الأكثر من تاريخ رفع الدعوى نفقة مؤقتة بحكم غير مسبب واجب النفاذ فورا إلى حين الحكم بالنفقة بحكم واجب النفاذ.
والملحوظ في هذا هو ألا تترك الزوجة مدة قد يطول فيها القاضي دون أن يكون لها مورد تعيش منه فكان من واجبات القاضي أن يبادر إلى تقرير النفقة المؤقتة بالمقدار الذي يفي بحاجتها الضرورية في ضوء ما استشفه من الأوراق والمرافعة مادامت قد توافرت أمامه أسباب استحقاق الزوجة للنفقة وتحققت الشروط.
هذا الحكم المؤقت نافذ فورا إلى حين صدور الحكم من محكمة أول درجة في الدعوى وعندئذ يكون النفاذ لهذا الحكم الأخير دون المؤقت على نحو ما هو وارد في نصوص لائحة ترتيب المحاكم الشرعية في هذا الموضوع ثم رخص المشروع للزوج في حالة سداده نفقة لزوجته بمقتضى الحكم المؤقت أن يجري المقاصة بين ما أداه فعلا وبين المحكوم به عليه نهائيا على ألا يقل ما يفي للزوجة وتقبضه فعلا عن القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .