ماهية العدالة الضريبية

باتفاق جميع النظريات والآراء، تعتبر العدالة من المبادئ الأساسية التي يجب أن تتحلى بها كل ضريبة كي تكون ملائمة وسليمة، ولكن ما معنى العدالة الضريبية؟ سؤال لم تجد العلوم المالية إجابة واضحة عنه، ولعل السبب الأساسي في عدم طواعية هذا المفهوم يرجع لبنية العدالة كمفهوم فلسفي والذي يتوقف على القيم السائدة والإديولوجيات الحاكمة سواء أكانت قيما سياسية أو اقتصادية والتي تتغير حسب الزمان والمكان، مما يجعل من الصعب تعريف مفهوم العدالة وبالتالي تعريف العدالة الضريبية والذي يبقى هو الآخر معيارا ذاتي غامض ونسبي.

ورغم هذا فقد حاول بعض الفقهاء القانونيين تعريفها مثل Jacque PereceBois والذي يقول على “أن العدالة الضريبية هي التي تعمل على أن تكون منصفة équitable وذلك بتوزيعها للعبء الضريبي بحيث يتحمل كل واحد جزءه العادل” وهي بالتالي أداة يتم من خلالها تقسيم عبء النفقات العامة على كل الملزمين وتعمل على التخفيف من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، وبذلك فهذا الفقيه يحاول تحديد مفهوم العدالة الضريبية وذلك من خلال الغاية التي تسعى لتحقيقها .

أما جون رولز فيعتبر العدالة الضريبية هي تلك العدالة التوزيعية التي تعتمد على فكرة أن المجتمع يجب أن ينظم بمقتضى بنيان توزيعي ولا يسمح بالتضحية ببعض أفراده باسم تحقيق المنفعة لعدد أكبر من أفراده، كما يؤكد على أن العدالة الضريبية لا تشكل هدفا في حد ذاتها بل هي عبارة عن محاولة إيجاد مؤسسات ترتكز على منطق تعاقدي يتسم بالتفاوض شبه الدائم بين أفراد عقلانيين إلى درجة تجاهلهم لأحكامهم المسبقة وكذلك لمصالحهم

أما بيرنارد ديفيناي فقد ذهب لربط العدالة الضريبية بدخول المكلفين حيث يرى أن هذا المفهوم يتحقق عندما يسهم كل الخاضعين للضريبة في تغطية النفقات العامة بما يتناسب مع دخل كل منهم، وقد وضع بيرنار دفيناي عدة شروط لتحقيق العدالة من وجهة نظره.

ورغم صعوبة تعريف العدالة الضريبية فقد ظهر مبدءان أصبحا من أهم معايير العدالة الضريبية، فالمبدأ الأول يتمثل في العدالة الأفقية Equité horizontal ويقضي هذا المبدأ أن تتم معاملة الأفراد ذوي الظروف الاقتصادية المتماثلة معاملة ضريبية متساوية فيقومون بتسديد ضرائب متماثلة، وهو ما يشكل أساسا لمبدأ العدالة أمام الضريبة، غير أن تحقيق العدالة بهذه الصورة يقتضي بداية محاولة تحديد المقصود بالظروف الاقتصادية المتماثلة تحديدا دقيقا وذلك عبر إمكانية قياسها إحصائيا وعدديا، وذلك عبر استعمال معيار معين كمعيار الدخل أو الثروة أو الإنفاق أو الاستهلاك ويتطلب أيضا إلى جانب تحديد معيار المقارنة تحديد الوحدات التي ستتم بها هذه المقارنة كالأسرة أو الفرد.

أما المبدأ الثاني فهو العدالة العمودية équité verticale ، التي تعني أنه يجب معاملة الأفراد ذوي الظروف الاقتصادية المختلفة معاملة ضريبية مختلفة، فمن هم في وضع أفضل يجب أن يدفعوا مزيدا من الضرائب، والعدالة الضريبية بهذا تصبح جزءا من العدالة الاجتماعية وتصبح أداة أخرى لإعادة توزيع الدخول والثروات.

ومن خلال هذين المبدأين يتضح أن العدالة الضريبية وهي تضم العدالة الأفقية فهي تضم مبدأ المساواة أمام الضريبة، غير أن العدالة الضريبية تبقى أشمل من مبدأ المساواة أمام الضريبة لأنها تتضمن أيضا العدالة الرأسية أو الأفقية، ومن تم فهي تساير الانتقال من المساواة أمام القانون (القانون الضريبي) إلى المساواة عن طريق القانون الضريبي.