نظرة تاريخية حول تطور قانون حقوق المؤلف

بقلم : د . محمد عبد النبى السيد غانم
قسم قانون المرافعات كلية الحقوق جامعة طنطا. مصر

خلق الله تعالى اﻹنسان وميزه على كثير من مخلوقاته، و يكفى التطرق بالحديث لجانب واحد للتدليل على صحة ذلك؛ العقل : هذا العضو الهام الذى حمل على عاتقه مهمة رقى اﻹنسان وتطوره. والمتحكم فى الفرد وفى سلوكه مكن اﻹنسان من عمارة الأرض، و من حماية نفسه ضد أى خطر يواجهه.

من هذا المنطلق نجد أن اﻹنسان يسجل دوماً مسيرة رقيه، وتطوره، فكانت الكتابة خير سبيل للقيام بتلك المهمة، فكل يعبر عن فكره، وأرائه بكتاباته أو بمساهمته فى كتابات الأخرين.

ولكن بمراجعة التاريخ وفصوله نجد أن الكثير من أعمال اﻹنسان لم تكن تنسب ﺇليه، حيث كانت أفكار اﻹنسان فى فترات كثيرة عُرضة للنهب، والسلب، وغنيمة شائعة للكافة ، ولاتجد من التشريع ما يحميها.

ﺇلا أن الأمر لم يستقر على حاله حيث شهد العَالم تطوراً غير مسبوق بظهور بَوادر نًهضة كبرى فى أواسط القرنْ الثامنْ عَشر، سَعت لتنظيم الوضع متناولة فى سبيل ذلك النظم السياسية، واﻹجتماعية بالدراسة والنقد، والتحليل، لتضع بذلك الخطوة الفاعلة فى سبيل الحفاظ على حُقوق الأفراد.

وما لبثت الحال أن قامت الثورة الفِرنسية و عصفت بالأوضاع القديمة مرسية بذلك القواعد الأولى لحقوق اﻹنسان، ومتناولة بالرعاية حق المُؤلف، فكانت البداية بظهور قانون 3/1/1791م لحماية حق المُؤلف ، ثم تتابعت القوانين بعد ذلك مثال ذلك :- قانون (11/7/1793م ، وقانون 5/2/1810م، وقانون 8/ﺇبريل/ 1854م، ثم صدر قانون14/ يوليو/1866م) وبالنسبة لبلجيكا فقد صدر قانون لحماية حقوق المُؤلفين فى 22/ 3/ 1886م. على غرار أخر قانون فرنسى، ثم توالت التشريعات فى الأخذ بمسلك المشرع الفرنسى، حتى أصبح قانون حماية حق المُؤلف سمة واضحة لمعظم أمم العالم المتمدين.(1 ).

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل عقدت ﺇتفاقيات دولية عديدة، بهدف المشاركة من دول أكثر تسعى ﻹدخال التشريعات الملائمة لحماية حقوق مُؤلفيها. ومن هذه اﻹتفاقيات الدولية؛ مُعاهدة برن التى أبرمت فى 9/ سبتمبر/ 1886م. ﺇلى جانب عدة مؤتمرات منها على سبيل المثال مُؤتمر باريس 4/ مايو/1896م. وكذلك مُؤتمر برلين3/ نوفمبر/1908م. ومُؤتمر روما فى 3/ يونية/ 1928م. وﺇنتهاءاً بمُؤتمر بروكسل الذى ﺇنتهت أعماله فى 26/ يونية / 1948م.

كما تم ﺇنشاء جهات متخصصة تسعى ﻹسباغ الحِماية الملائمة للمُؤلف، ﻠﻺفادة من اﻹتفاقيات الدولية التى تتم بغرض الوصول للتشريعات المُلائمة للحماية، ومن ذلك ﺇنشاء الجمعية الأدبية والفنية الدولية لتقرير حُقوق المُؤلفين فى بَاريس فى شهر ديسمبر سنة 1878م. ومكتب اﻹتحاد الدولى لحِماية المُؤلفات الأدبية والفنية فى سويسرا.

أما عن الوضع فى مِصر فقد ظل المُؤلِفون محرومين منْ تشريع يحمى حُقوقهم ﺇلا أن الواقع يؤكد أن المُشرع المِصرى كان على بصيرة من أمره، فرغم عدم وجود تشريع ينظم الأمر بداية ﺇلا أنه قد أشار فى تشريعاته ﺇلى الرغبة فى وضع تشريع خاص لحماية حقوق المُؤلف. فنجد أن المادة 12من القانون المدنى الوطنى الصادر فى سنة 1883م؛ قد أشارت وبما لايدع مجالاً للشك أنه فى حال وجود نزاع ما متعلق بحقوق المُؤلف فى ملكية مُؤلفاته، وحقوق الصَانع فى ملكية مصنوعاته، ﻓﺈن الحُكم فيها سيكون على حسب القانون المُخصص لذلك، وفقاً لما أشارت ﺇليه المادة 86 من القانون المدنى الصادر فى 16/ يولية/ 1948م.( 2).
وقد جاء فى قانون العقوبات فى المواد من 348 ﺇلى 351. نصوص تعاقب من يعتدى على حق المُؤلف، ومقررة عقوبات جنائية ملائمة.(3 ).

ومن الملاحظ أن تلك النصوص كانت معلقة لحين صدور تشريع فعلى لينظم الأمر، ﺇلا أن الواقع العَملى قدْ أثبت وبما لايدع مَجالاً للشك أن القضاء لم يقف مكتوف الأيدى ﺇزاء ذلك، فقد رأى أن حق المُؤلف حق ملكية حقيقى تحميه قواعد العدل ومبادئ القانون الطبيعى التى توجب المواد 39 من لائحة ترتيب المحاكم الوطنية، و11من القانون المدنى المختلط، و52 من لائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة الملغاة على القضاة أن يحكموا بها ﺇذا لم يوجد فى القانون نص أو كان النص قاصراً أو غامضاً.(4 ).

ﺇلى أن ﺇنتهى الأمر بوضع القانون رقم 354 لسنة 1954م، ليكون بذلك النقلة الفاعلة لمجاراة التطورات. ومن هذا التاريخ توالت التشريعات المنظمة لحماية حق المُؤلف، فحدثت عدة تعديلات عام 1968م ، و1971م، و1992م، و 1994م، حتى جاء عام 2002م، ليصدر القانون الجديد رقم 82 لسنة 2002م.

الهوامش

(1)) راجع المذكرة اﻹيضاحية للقانون رقم 354 لسنة1954م. ﺑﺈصدار قانون حماية حق المؤلف. وانظر كذلك عبد الرزاق أحمد السنهورى. الوسيط فى شرح القانون المدنى، الجزء الثامن، حق الملكية، الطبعة الثانية ( نادى القضاة).1991م. ص354، عبد الرازق أحمد السنهورى. الوسيط فى شرح القانون المدنى. الجزء الثامن. حق الملكية، شرح مفصل للأشياء والأموال وقانون حماية حقوق الملكية الفكرية. تنقيح المستشار : أحمد مدحت المراغى. طبعة تحتوى على آخر المستجدات فى التشريع والقضاء والفقه. منشأة المعارف. ط 2004م. ص 243 وما بعدها.
– راجع : ” تنظيم حق التأليف على المستوى الدولى”. د/ محمد عبد الظاهر حسين. حق التأليف من الناحيتين الشرعية والقانونية. وفقاً لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية الجديد رقم 82 لسنة 2002م. دار النهضة العربية. ط 2002– 2003م. ص 74 – 77.

(2)والسابق اﻹشارة ﺇليها والتى تنص على اﻹحالة لقوانين خاصة بقولها : ” الحقوق التى ترد على شئ غير مادى تنظمها قوانين خاصة ” المادة 86 من القانون رقم 131 لسنة 1948 ” . ﺑﺈصدار القانون المدنى، والمنشور بالوقائع المصرية، عدد 29/7/ 1948م. العدد 108 مكرر.
– وبمراجعة الأعمال التحضيرية للقانون سالف الذكر نجد أنه قد جاء بمذكرة المشروع التمهيدى :” قصد المشرع بهذه المادة مجرد التذكير بالحقوق غير المالية التى ترد على شئ غير مادى وهى حقوق الملكية الأدبية والفنية والتجارية والصناعية …الخ ..، وقد ترك تنظيمها ﺇلى قانون خاص”.

– راجع أيضا مقدمة العلوم القانونية. مرجع سابق. ص 70 ، أد/ سهير منتصر. المدخل للعلوم القانونية. ط 1994م. مرجع سابق. هامش ص 167.

– وقد تم تنظيم الملكية الفنية والأدبية بالقانون رقم 354 لسنة 1954م. الصادر فى 24/6/ 1954م. بشأن حماية حق المؤلف. كما نظم الملكية التجارية بالقانون 11لسنة1940م الخاص ببيع المحال التجارية ورهنها، والقانون رقم 55 لسنة1951م؛ الخاص بالأسماء التجارية، والقانون رقم 219لسنة1953م. المعدل بالقانون رقم 219 لسنة1960م. الخاص بالسجل التجارى، كما نظم الملكية الصناعية بالقانون رقم 57 لسنة1939م, الخاص بالعلامات والبيانات التجارية المعدل بالقوانين 143 لسنة 1949م، والقانون رقم 453 لسنة 1953م. و 569 لسنة 1954م، و205 لسنة 1956م. و69 لسنة 1959م، كما صدر القانون 132 لسنة 1949م. الخاص ببراءات اﻹختراع و الرسوم و النماذج الصناعية المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955م. ثم وافق بالقانون رقم 165 لسنة 1950م. على المعاهدات الدولية المبينة به المبرمة فى هذا السبيل ثم أصدرها بموجب المرسوم بالقانون الصا در فى 21/5/ 1951م.
– راجع تفصيلاً : محمد كمال عبد العزيز. التقنين المدنى فى ضوء القضاء والفقه، الجزء الأول فى اﻹلتزامات، الطبعة الثانية. طبعة نادى القضاة. ص 229، 230.

(3)) مع ملاحظة أن تلك المواد قد تم ﺇلغائها بموجب القانون رقم 354 لسنة 1954م المتعلق بحماية حق المؤلف .

(4)راجع التنظيم التشريعى للحقوق الذهنية فى مصر. د/ رمضان محمد أبو السعود. الموجز فى شرح مقدمة القانون المدنى. المدخل الى القانون. النظرية العامة للحق. منشأة المعارف. ط 1995م. ص 350 .
– راجع تفصيلاً المذكرة اﻹيضاحية للقانون رقم 354 لسنة 1954م.

– وانظر كذلك الطعن رقم 471 لسنة 25 ق جلسة 26/10/1961م. س12 ص 602. والذى ينص على ” ﺇذ نص الشارع فى المادة 12 من القانون المدنى القديم على أن ” يكون الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف فى ملكية مؤلفاته على حسب القانون المنصوص بذلك ، وﺇذ جاء فى قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937م. بنصوص فى المواد 348، 349، 350، لحماية هذه الحقوق عن طريق فرض عقوبات جنائية على من يعتدى عليها، ﻓﺈن ذلك يدل على أنه قد ﺇعترف بحق المؤلف على مصنفاته، ووصف هذا الحق بأنه حق ملكية مع ما فى هذا الوصف من تجوز – وﺇذا كان التشريع الخاص بتنظبم حماية هذا الحق، والذى أشارت اليه النصوص المتقدمة لم يصدر ﺇلا فى سنة 1954م بالقانون رقم 354 سنة 1954م، مما أدى ﺇلى تعطيل نصوص قانون العقوبات فى هذا الشأن ﻓﺈن ذلك لاينفى ﺇعتراف الشارع بحق المؤلف و كل ما فى الأمر أنه ترك تنظيمه للتشريع الذى وعد ﺑﺈصداره ، وذلك على ما قصده النص الفرنسى للمادة 12 من القانون المدنى الملغى ” .

– راجع الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض المصرية منذ ﺇنشائها عام 1931م. للأستاذين حسن الفكهانى، وعبد المنعم حسنى. اﻹصدار المدنى. الجزء الخامس. 1982. الدار العربية للموسوعات. ص 337 .