نظام المنافسة  و حماية المستهلك

د. ملحم بن حمد الملحم
يكثر الحديث عن المستهلك وحمايته، وتتوسع دائرة المشاركين في النقاش عنه لأنه موضوع يمس أي شخص يدخل في معنى المستهلك، وعلى الرغم من أهمية قضية المستهلك إلا أن مفهوم المستهلك أعتقد أنه بحاجة إلى توضيح وتوحيد أكثر. أحاول في هذه المقالة أن أثير مسألة الترابط بين الهيئة العامة للمنافسة وأنظمة حماية المستهلك وبالتالي الترابط بين مجلس المنافسة والجهة المفترض أن تكون لحماية المستهلك سواء كانت جهة مستقلة أو انضمت للهيئة العامة للمنافسة.

يشترك نظام المنافسة وحماية المستهلك في كونهما يمثلان الوجهين للمعادلة الاقتصادية وهي معادلة العرض والطلب كما أشارت إلى ذلك منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، ويعتبر نظام المنافسة نظاما يأتي لينظم المنافسة من زاوية العرض فيتأكد أن المتنافسين يقومون بالتنافس بناء على منافسة شريفة ومشروعة. أما أنظمة المستهلك فتأتي لتحمي المستهلك من زاوية الطلب فتتأكد أن المستهلك يقوم باختيار حاجاته ويوفي بطلباته ورغباته ويختارها بطريقة سليمة دون خداع أو تدليس أو استغلال.

ونجد أن المنافسة في نهاية المطاف تسعى لإيجاد بيئة تنافسية عادلة بحيث تكون المحصلة الأخيرة هي وجود خيارات متعددة ومتنوعة من السلع والخدمات والمستفيد الأخير هو المستهلك حيث ينتج عن هذا التنافس العادل خفض في الأسعار وزيادة في الجودة والابتكار إلى غيرها من المكاسب التي سيحصدها المستهلك في نهاية المطاف. وفي الجانب الآخر نجد أن أنظمة حماية المستهلك تأتي لتحمي المستهلك من أي تلاعب أو خداع أو إغراء وهمي يؤثر في المستهلك في اتخاذ قرار حر بناء على معطيات صحيحة. فنجد أن أنظمة حماية المستهلك كذلك جاءت لتحمي مسألة الخيار الحر للمستهلك.

وبناء على هذا الترابط والتداخل – الذي هو محل نقاش كبير بين الأكاديميين وصناع السياسات وراسميها – تأتي مسألة النقاش في مقترح ضم جهاز حماية المستهلك للهيئة العامة للمنافسة، وفي هذه المسألة قد ينقسم الناس إلى عدة توجهات أهمها اثنان، وهما من يرى ضم المجالين في هيئة أو مجلس يعنى بالمحافظة على المنافسة العادلة وحماية المستهلك، ومن يرى ألا يتم دمج وضم المجالين وقد يكون من مسببات هذا التوجه أن حماية المستهلك مفهوم عام.

وسواءٌ كان التوجه بدمج وضم مجالي المنافسة وحماية المستهلك تحت هيئة واحدة أو في فصل المجالين في هيئتين مستقلتين، فإن الجهد الأكبر الذي سيمثل خطوة البداية الأولى والخطوة الجوهرية هي تحديث وتوضيح أنظمة حماية المستهلك وطرق تنفيذها وإناطتها بجهة واحدة إضافة إلى وضع الضمانات والإجراءات الواضحة والعادلة التي تضمن حماية المستهلك من جهة وتضمن من جهة أخرى عدم التعسف أو العشوائية التي قد يواجهها القطاع الخاص والمستثمرون بشكل عام.

2-حماية المستهلك و المعلومات المقدمة له – ( الاتحاد الاوروبي )

حماية المستهلك هي إحدى الكلمات الرنانة التي تأخذ حيزا في مجموعة من المحافل الرسمية أو في الخطابات أو المؤتمرات، وتعد أحد المصطلحات الذي يمكن استخدامه على نحو إيجابي أو سلبي حسب غرض المتكلم. وفي كل الأحوال تعطي الدول عادة حماية المستهلك عناية كبيرة، أو على الأقل تظهر الاهتمام به بشكل عام، وتظهر أولويته للجمهور بكل مشاربه، بما في ذلك المستهلكون أنفسهم.

تختلف الدول في تنفيذ وسائل الحماية للمستهلك بالطبع تبعا لما هو منصوص عليه في القانون، وهذا مبني على افتراض وجود نصوص قانونية واضحة. وفي هذه المقالة أود أن أعرض تجربة مختصرة لأسلوب من أساليب حماية المستهلك التي يطبقها الاتحاد الأوروبي، وهي تجربة تزويد المستهلك بكل المنتجات المخالفة بشكل محدث ومستمر. مع أني أدرك فرق حجم الاتحاد الأوروبي مع غيره من الدول الأخرى، الأمر الذي يجعل هذا الأسلوب مهما للاتحاد الأوروبي بالذات، إلا أنه يمكن الاستفادة من هذه التجربة.

يقوم الاتحاد الأوروبي بمراقبة السلع والمنتجات من خلال عدة قنوات ليتأكد أنها لا تضر بالمستهلك، كما يسعى الاتحاد لحمايته من أي منتج مضر به. فعندما يقوم الاتحاد الأوروبي بمنع أو بالعثور على منتج ما مضر بالمستهلك أو مخل بالمعايير أو القوانين ذات العلاقة، فإنه علاوة على ما يتخذه الاتحاد الأوروبي من منع لهذا المنتج من الإنتاج أو البيع، فإنه يقوم بخطوة إضافية على ذلك بأن أوجد نظاما إلكترونيا يمكن من خلاله نشر المنتجات المضرة بالمستهلك، لكي يمكن للمستهلكين الرجوع إليها للتأكد من منتجات معينة بشكل عام أو للتأكد من منتج معين بعينه.

وهذه الآلية قد تحتاج إلى جهد إضافي، لكن ستوفر على الجهة المختصة في عدة جوانب، وإحدى أهم الفوائد لهذه الآلية أنها حتى إن كانت الجهة المختصة ــ مثلا وزارة التجارة والاستثمار ــ قد أوقفت بيع منتج معين لأضراره الجانبية، لكن قد تكون هناك كمية من هذا المنتج لا تزال تباع في أماكن أخرى، أو أن يكون هذا المنتج لا يزال في مخازن ولم تتم إزالته أو استبداله، وبالتالي هذه الآلية تسعى لأن تجعل المستهلكين على اطلاع بالمنتجات المضرة من خلال مصدر رسمي، كما تمكنهم من تجنب منتج معين يمكن وصفه وصفا دقيقا يمكن تجنبه بسهولة.

وأختم بجزئية أن حماية المستهلك باب كبير، وأحد أهم مقومات نجاحه هو وضوح أنظمته وقواعده، وإجراءاته بما في ذلك كيفية التعامل مع المتضررين من المخالفة الناتجة عنه. والوضوح أعني أن تكون أنظمة حماية المنافسة واضحة للمستهلكين والجهات التنفيذية لهذه الأنظمة. وأعتقد أن هذا هو أول خطوة لتقدم وتطور مفهوم حماية المستهلك.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت