توضيحات قانونية حول نظام الصوت الواحد في الانتخابات

نظام الصوت الواحد هو نظام انتخابي يعتمد، في الأصل، الدوائر الضيقة بحيث يتم انتخاب مرشح واحد عن كل دائرة. ويسمى بالانجليزية (First hit the post) أي أول من يتمكن من تجاوز الحد المؤهل للنجاح.

تقسم الدولة بشكل كلي إلى دوائر بعدد أعضاء المجلس النيابي وبحيث يكون عدد الناخبين في كل دائرة متساوي مع عدد الناخبين في الدوائر الأخرى. أي أن التقسيم يقوم على التعداد السكاني وليس على المساحة الجغرافية. وبالتالي فمن الممكن لدائرة أن تضم مساحات شاسعة بينما دائرة أخرى هي عبارة عن حي في مدينة. والذي يحدد عدد الناخبين في دائرة ما هو عدد الناخبين الكلي على عدد المقاعد في المجلس النيابي وبالتالي تعكس هذه النسبة التمثيل النسبي الفعلي بحيث يتم من الناحية النظرية على الأقل انتخاب عضو المجلس النيابي بنسب متكافئة في كل دائرة.
ويتم النجاح في الانتخابات لمن يحصل على أعلى الأصوات من الناخبين الفعليين في الدائرة. أي حتى إن لم يحصل المرشح على 50% من أصوات الناخبين يكون قد نجح في الانتخابات عن الدائرة.

البلدان التي تطبق النظام

يستعمل هذا النظام في بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وغيرها من الدول التابعة للكومنولث أو كانت تحت الاحتلال البريطاني.
المشاكل في النظام
عندما يكون عدد المرشحين في دائرة كبيرًا نوعًا ما يؤدي ذلك إلى تشتت الأصوات وبالتالي يتم نجاح المرشح بعدد قليل جداً من الأصوات بالمقارنة مع من يحق لهم التصويت في الدائرة. وهذا يعني أن النائب المنتخب لا يمثل حقيقةً المنطقة الانتخابية التي يمثلها.

عند التشدد بالالتزام بعدد الناخبين في كل دائرة، يتم في بعض الأحيان تهميش المناطق ذات الكثافة السكانية القليلة وبالتالي لا يكون بوسعهم إيصال ممثلين لهم إلى البرلمان لأن عددهم القليل يعني أنهم وحتى لو اجمعوا على مرشح واحد فإن عدد الأصوات التي يمكنه الحصول عليها أقل من التي تمكنه من النجاح.

المشكلة التالية تنبع من تمثيل الأقليات في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية كالمدن الرئيسية والتي تنتشر الأقليات فيها ليس في دائرة واحدة ولكن عبر الدوائر الممثلة للمدينة. وبهذه الحال لا يكون لدى الأقليات القدرة على أن يتم انتخاب أعضاء ممثلين لهم في المجلس النيابي وحتى لو زادت نسبتهم الكلية عن 20% من الناخبين في المدينة. وبالتأكيد لو فرضنا أن أصوات الأقليات قد تجمعت في دائرة انتخابية واحدة فمن المؤكد أنهم سيتمكنوا من فرض مرشحهم وإيصاله إلى البرلمان، ويمكن في بعض الأحيان أن يتمكنوا من إيصال أكثر من ممثل واحد.

هناك مشكلة كبيرة في التمثيل الذي ينتج عن مثل هذا النظام. ففي البلدان التي تملك تراثًا حزبيًا مديدًا، يصبح النظام معيقاً للديمقراطية في الدولة. إذ يتم انتخاب المرشح بأقلية الأصوات لا بأكثرية الأصوات. فعلى سبيل المثال لنأخذ الحالة البريطانية حيث يوجد ثلاثة أحزاب كبيرة تتنافس على مقاعد مجلس العموم البريطاني. فإذا فرضنا أنه في دائرة ما تمكن مرشح حزب العمال من الحصول على 20,000 صوت بينما أخذ مرشح حزب المحافظين 18,000 صوت ومرشح حزب الديمقراطيين الأحرار 15,000 صوت بينما حصل مرشحين الأحزاب الصغيرة والمستقلين على ما مجموعه 15,000 صوت فمن الواضح بأن المرشح الناجح قد نجح بأقل من ثلث الأصوات الكلية للدائرة وبالتالي لا يمكنه الإدعاء بأي شكل بأنه ممثلاً للدائرة. وهذا ما حدث بالفعل في بريطانيا في انتخابات عام 2005 حين تمكن حزب العمال من حصد 413 مقعدًا من أصل 659 مقعدًا، أي ما يقارب ثلثي مقاعد مجلس النواب بينما كان الحزب قد حصل على أقل من 43% من نسبة الناخبين في بريطانيا.

بعض الحلول المقترحة :

ونتيجة لإصرار بعض الدول على الالتزام بنظام الصوت الواحد فقد حاولت أن تنفذ مجموعة من التعديلات الكفيلة بتجاوز بعض المشكلات التي يعاني منها النظام، ومنها:

حاولت بعض الدول ككندا والأردن مثلاً أن تجعل التقسيم التمثيلي معتمداً على التقسيم المناطقي لا على التقسيم المعتمد على عدد الناخبين. والهدف الأساسي من مثل هذا التقسيم أن يتم تمثيل عادل للنسيج الاجتماعي للدولة بحيث يتم تمثيل كل المناطق في البرلمان ولا يتم إهمال أي جهة أو منطقة. المشكلة مع هذا الحل أنه تمكن من توفير تمثيل للمناطق النائية والتي لا تملك عدد كاف من الناخبين وبنسب تتناسب مع عدد القاطنين في تلك المناطق، ولكنه في الوقت نفسه كسر قاعدة مهمة في الانتخابات الديمقراطية وهي في أن يكون الممثلين قد تم انتخابهم بعدد متقارب من الأصوات إلى المجلس بحيث لا يتم التمييز في وزنهم التمثيلي في المجلس. وفي التطبيق الفعلي للنظام نجد أن بعض النواب في هذا النمط من نظام الصوت الواحد قد وصل البرلمان بعدد يقل بكثير عن ألف صوت بينما نائباً آخر حصل على ما يزيد عن 30 ألف صوت. ومع ذلك فوزن النائبين تحت قبة البرلمان متساو.

اقترح البعض أن يتم تخصيص دوائر للأقليات لا تعتمد على مناطق سكنهم ولكن على أصلهم العرقي. وبالتالي يتم احتساب عدد الممثلين لهم بالبرلمان بالاعتماد على عدد الناخبين من تلك الأقلية العرقية. والمشكلة مع هذا التعديل هو أنه يخل بأسس الديمقراطية والتي تفترض عدم التفريق بين المواطنين على أساس العرق والنوع والجنس. فإذا تم الموافقة مثلاً على تحديد مقاعد خاصة لأقلية معينة فلماذا لا يتم تحديد مقاعد محددة لجنس معين؟

بالتأكيد فإن التعديل السابق على النظام مطبق في الأردن أيضاُ، ففي النظام الانتخابي هناك تحديدات للمقاعد كأن يكون هناك مقعداً لمسيحي في دائرة ما ومقعداً للشيشان وآخر للشركس. وبالتالي يتم انتخابه بغض النظر عن التركيبة الكلية للدائرة. أي يتم التنافس على عدد الأصوات التي يحصل عليها كأعلى أصوات من المتنافسين على المقعد من التحديد المعلن في القانون.

ولكن ونظراً لأن الدوائر هي دوائر لأكثر من مرشح واحد فإن التصويت لا يتم فقط من الفئة العرقية أو الدينية على المرشح ولكن من قبل كل الناخبين في الدائرة بغض النظر عن العرق والدين وبقاعدة الصوت الواحد لمرشح واحد. وهنا ينتج تعارض بين المقصود من التعديل في القانون وبين ما يتم التعامل معه فعلياً فقد يكون مرشحاً ما قد حصل على أكثرية أصوات الأقلية التي يطمح إلى تمثيلها لكنه لم يتمكن من الفوز بالمقعد لأن المرشح الخصم قد حصل على عدد أكبر من الأصوات من خارج الأقلية وبالتالي فهل يمكن فعلاً القول بأن هذا النائب هو ممثل الأقلية المحددة بالقانون؟

بالتأكيد هناك من يطالب بأن يكون التصويت للمقاعد المحددة على أساس عرقي أو طائفي للأفراد المنتمين إلى هذا العرق أو إلى تلك الطائفة. وبالتالي عندما يتم انتخاب احدهم فإنه يكون ممثلاً لأغلبية الطائفة أو العرق.

النظام الذي يبنى على التفريق في العرق والطائفة وعلى الرغم من أنه يساعد على تمثيل الأقليات إلا أن له محاذير ومشاكل كثيرة. فمن الممكن مثلاً أن يجعل البنية السياسية في البلد مبنية بشكل عضوي على التركيبة الطائفية. وعندما تكون الطوائف في الدولة لها أوزان مؤثرة يصبح النظام السياسي برمته معتمداً على هذه البنية الطائفية ويتم تعطيل الكثير من الأسس الديمقراطية في مقابل التعامل الطائفي. وهذا ما حدث فعلاً في لبنان حيث تحول النظام السياسي برمته إلى نظام طائفي تقيده العديد من القيود التي تجعل من الحراك السياسي الديمقراطي مسألة مستحيلة. وتحول العمل الحزبي بالرغم من مسمياته الكثيرة إلى عمل حزبي مرتبط بالطوائف المختلفة. فتيار المستقبل مرتبط بالسنة، وحركة أملترتبط بالشيعة، وتيار الإصلاح والتغيير بالموارنة والحزب التقدمي الاشتراكي بالطائفة الدرزية. وبالتالي لم يعد هناك أي معنى سياسي للشعار الذي يرفعه الحزب في مقابل المعنى الطائفي والفئوي. وتصبح الأحزاب غير ممثلة للمجتمع، بل أحزاب لطوائفها ولتمثيلها الفئوي.

هناك اقتراح آخر لتعديل نظام الصوت الواحد لتجاوز مسألة التمثيل ومفاده أن يتم تعديل النظام من نظام الصوت الواحد إلى نظام الصوت الواحد القابل للنقل (بالإنكليزية: Single transferable vote STV-system) ويتمثل هذا النظام بأن يقوم الناخب بالتصويت على المرشحين بحسب الأفضلية التي يعتمدها لهم كأن يقول بأن اختياره الأول لمرشح حزب العمال بينما اختياره الثاني لمرشح حزب الديمقراطيين الأحرار والثالث لآخر وهكذا إلى أن يختار خمسة خيارات. هذا النمط من التصويت يحل مشكلة التمثيل بنسبة أقل من النسبة الممثلة للدائرة. ويفتح المجال لتحالفات سياسية من نوع جديد ولجبهات يتجمع بها الأحزاب والمستقلين. وللتوضيح، إذا أخذنا المثال السابق في أحد الدوائر الانتخابية في بريطانيا وكان قد حصل المرشح من حزب العمال على 20000 صوت والأحرار على 15000 صوت والمحافظين على 18000 صوت، فإذا اعتمد التصويت على الصوت الواحد القابل للنقل فإن الاختيار الأول سيحصل على قوة صوت تعادل 100% بينما الاختيار الثاني سيحصل على قوة صوت تعادل 80% والثالث على قوة صوت تعادل 60% وهكذا. وهنا تدخل لعبة الاحتمالات.

فإذا اختار المحافظين خيارهم الثاني الأحرار لأن العدو التقليدي للمحافظين هو العمال واختار العمال الخيار الثاني الأحرار لكي لا يفوز المحافظين فإن الكاسب الأكبر من المعادلة هو الأحرار لأنهم عندها سيكونوا قد حصلوا على الرتبة الثانية من كل من ناخبي العمال وناخبي المحافظين وبالتالي سيكون نصيبهم الكلي يزيد عن 50% من ناخبي الدائرة وهم من سيفوز. بالتأكيد سيكون هناك الكثير من الصعوبة في تحديد من الفائز قبل فرز كل الأصوات وتحديد الأصوات المنقولة وكيفية حسابها بشكل دقيق. لكن في النهاية يصبح هناك احتمالية أن يتم تحديد المرشح الذي ستجمع عليه أكثرية الأصوات الناخبة في الدائرة.

على الرغم من أن الصوت القابل للنقل يستطيع أن يحل بعض معضلات نظام الصوت الواحد إلا أنه يعقد عملية الاختيار وعملية التحالفات السياسية وطرق تنظيم الحملات الانتخابية إلى الدرجة التي يصبح معها الانتخاب عملية تحتاج إلى تدريب، أو هذا ما يقوله على الأقل معارضو تطبيق الصوت المنقول في نظام الصوت الواحد. ولكن يرد عليهم المؤيدون بالقول بأن الإدعاء بأن الناخب لن يكون قادراً على التصويت السليم إنما هو ازدراء بقدرات الناخبين العقلية. فالناخب يعرف في النهاية ما هو في مصلحته ويستطيع أن يحدد أولوياته. فإذا كانت هذه الأولويات ليست في صالح هذا الحزب أو ذاك فهذا لا يعني أنها ليست في صالح الناخب، ولا يؤدي أن يتم تنحية العمل بنظام الصوت القابل للنقل.

تأثير نظام الصوت الواحد على العمل السياسي

ينفذ نظام الصوت الواحد على الدولة ولكن تأثيره يبقى في إطار الدوائر إلى أن يتم تجميع الأعضاء المنتخبين إلى البرلمان تحت قبة البرلمان. أي أن الحملات الانتخابية يمكن أن تنفذ على مستوى الدوائر الانتخابية. ويمكن من حيث المبدأ أن يتم انتخاب أي شخص يمكنه أن يجمع أكثر الأصوات في دائرة ما إلى البرلمان بغض النظر إذا كان له امتداد في الدوائر الأخرى أو لم يكن له مثل هذا الامتداد. هذا يعني أن العمل الحزبي سيكون صعباً ما لم يكن الحزب منتشراً بنفس الكثافة والقوة في جميع الدوائر الانتخابية.

ويساهم نظام الصوت الواحد في تفتيت العملية السياسية وتمزيق المجتمع ما لم يحفظ التوازن وعي سياسي واجتماعي عالٍ. وفي حالة الأردن ونتيجة للتأثير الكبير للعشائر، فقد لعب نظام الصوت الواحد دوراً بارزاً في تزكية النزعات العشائرية وفي تفتيت الأصوات الانتخابية بحيث لا يتم الإجماع على المرشح صاحب البرنامج السياسي أو الانتخابي القوي بل على المرشح العشائري أو المناطقي.

أما الأحزاب فقد همش دورها كثيراً ولم تتمكن أغلبها من تحقيق الشروط الجديدة التي فرضت لتصحيح الوضع الحزبي في الأردن. سنفصل هذه النقطة في مكان آخر من هذا الدليل.

ولكن ما يهمنا هنا أن النظام الانتخابي المنفذ لم يساعد هذه الأحزاب على النمو والتطور. فلو أن الانتخابات مثلاً تعتمد على التمثيل النسبي الحزبي لكان جميع المرشحين ومؤيدوهم قد انضووا تحت هذا الحزب أو ذاك ولكان هناك محاولات لوضع برامج تنسجم مع تطلعاتهم وبالتالي سيتم التوصل لمجموعة من البرامج التوافقية لمجموعة محددة من الأحزاب التي تمثل في الواقع قطاعات معينة من المجتمع.
لكن ضمن الوضع القائم حالياً لا يوجد في الواقع برامج موحدة ولا يوجد أطروحات سياسية تتناسب مع الواقع السياسي للأردن لأن الترشيح لا يقوم على أسس سياسية أو برامجية بل على أسس عشائرية وفئوية ضيقة.