يقصد بهذا النظام أنه يقوم على أساس تعدد الضرائب المفروضة وتنوعها بحسب تعدد الأوعية والإيرادات القابلة لفرض الضرائب عليها وتوافر شروط فرض الضرائب عليها(1) . ويتناول هذا النوع من الضرائب فروع الدخل على أساس أنه ليس هناك علاقة لأحد النوعين بالآخر ، فيكون نظام كل منهما مختلفاً عن نظام الآخر(2) . وعليه يقسم الدخل بحسب مصادره، فقد يكون مصدره العمل أو رأس المال أو قد يكون ناتجاً من تفاعل العمل مع رأس المال ، وهذه المصادر بدورها قد يتم تقسيمها الى أقسام ثم تفرض الضريبة على الدخل الناتج من كل منها.

ويحقق نظام الضرائب النوعية مزايا متعددة أهمها(3) :-

أولا- من حيث قاعدة الملاءمة :- فإن هذا الإيراد أقرب الى تحقيقها إذ يسمح باختيار أنسب الطرائق وأكثرها ملاءمة لكل إيراد على حدة بحيث يفرض ضريبة تتلاءم مع طبيعة كل ايراد على حدة .

ثانياً – من الناحية الاقتصادية :- عن طريق هذا النوع تستطيع الدولة تحفيز أحد أوجه النشاط الاقتصادي وذلك بتخفيف العبء الضريبي عليه وزيادته على إيرادات اخرى .

ثالثاً – من ناحية اعتبارات العدالة :- يمكن السلطة المالية من معرفة أنواع الدخول ومصادرها ومن ثم يمكن التمييز بين هذه المصادر بحيث يمكن تشديدها على مصدر رأس المال وتخفيفها على مصدر العمل .

رابعاً – أخف وطأة على المكلف وذلك أفضل من ان يقوم بدفعها مرة واحدة .

خامساً – من حيث الحصيلة للدولة تكون أوفر لأنها تصيب سائر نواحي يسار الأفراد ويمكن لبعضها إصلاح البعض الآخر .

أما عيوب نظام الضرائب النوعية فيمكن إجمالها بما يأتي(4) :-

أولاً – يحتاج هذا النوع من الضرائب الى جهاز إداري كفوء والى عدد كبير من الموظفين .

ثانياً – يصعب على المكلف من الالمام بكافة الأحكام والاجراءات والتعديلات المتعلقة بالضرائب المتعددة التي يقتضيها هذا النظام .

ثالثاً – يكلف هذا النظام نفقات كثيرة نظراً لتعدد الأجهزة الضريبية بتعدد طبيعة الايرادات وكذلك كثرة عدد العاملين في الجهاز الإداري .

رابعاً – نظراً لخضوع كل ايراد على حدة لضريبة خاصة به ، فأنه يصعب إجراء التصاعد على النحو الذي يتم به في نظام الضريبة الموحدة .

المفاضلة بين النظامين :-

بعد استعراض نظام الضريبة الموحدة ونظام الضرائب النوعية لاحظنا بأن لكل من النظامين مزايا وعيوباً وان الأخذ بأي من النظامين إنما يرجع الى طبيعة النظام الاقتصادي للدولة . أي أن الدول لا تسير على اتجاه واحد في اختيار النظام الضريبي الذي تطبقه ، إذ يختلف هذا النظام من دولة الى اخرى بما يتناسب مع النظام والفلسفات التي تتبع في كل دولة، بل ويختلف النظام الضريبي الذي يطبق في دولة واحدة من وقت لآخر بما يتلاءم والنظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي القائم في تلك الدولة وفي ذلك الوقت . ومما تجدر الإشارة إليه أن المجتمعات حديثة العهد بالنظام الضريبي غالباً ما تفضل الأخذ بنظام الضرائب النوعية على فروع الدخل ويكون هذا النظام أكثر ملاءمة لظروفها وأوضاعها الاقتصادية لكون التقدم الاقتصادي بها على درجة من التواضع إذ لا تنوع في الدخول ولا تعدد في مصادرها وكذلك عدم تركز الثروات تحت أيدي مجموعات من أفراد المجتمع والدخول المحققة في هذه المجتمعات تكون على درجة من التقارب ولا تفاوت بينها . أما المجتمعات التي تتقدم اقتصادياً فتقوم بالعدول عن نظام الضريبة النوعية والأخذ بنظام الضريبة الموحدة لذلك فالضريبة الموحدة على الدخل هي التطور الطبيعي لنظام الضريبة النوعية ، إذ أن تطبيقها يؤدي الى شمول الضريبة لكل فروع الدخل ومصادره وعن طريقها يتم اقتطاع جزء من هذه الدخول بتطبيق السعر التصاعدي بما يحقق المساواة في إطار من العدالة الاجتماعية إذ تراعي ظروف المكلف الشخصية والعائلية ومركزه المالي . وتأسيساً على ما تقدم يميل الباحث الى الأخذ بنظام الضريبة الموحدة على الدخل لما يختص به هذا النظام من مزايا فضلاً عن أن الضريبة الموحدة هي التطور الطبيعي للأنظمة الضريبية ، وقد أوصت المؤتمرات الضريبية(5). والمؤتمرات التجارية والعلمية الدول بضرورة الأخذ بالضريبة الموحدة على الدخل ، تفادياً لما تنصف به الضرائب النوعية من عيوب وأخيراً فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما علاقة وعاء الضريبة بالعدالة الضريبية(6) ؟ للإجابة عن ذلك سوف نجزأ السؤال إلى ثلاثة أسئلة فرعية ونجيب عنها على النحو الآتي:-

1- أيهما أكثر عدالة ضريبية الضرائب على الأشخاص أم الضرائب على الأموال ؟

من خلال دراستنا للضرائب على الأشخاص اتضح لنا بأنها ضريبة غير عادلة كونها تفرض بمبلغ متساوٍ على كل فرد من أفراد المجتمع دون تمييز بسبب الجنس أو السن كما في ضريبة الفردة البسيطة وكذلك تفرض بالقدر نفسه على كل فرد من أفراد الطبقة الاجتماعية وعلى الرغم من اختلافها من طبقة إلى أخرى تبعاً للثروة أو لنوع الدخل كما في ضريبة الفردة المدرجة إلا أن عدالتها غير كاملة لأن المبلغ نفسه يدفعه أفراد كل طبقة على الرغم من اختلافهم في ثرواتهم ودخولهم(7) . لذلك تخلت معظم المجتمعات عن هذه الضريبة واتجهت نحو الأخذ بالضرائب على الأموال ، أي أن يكون وعاؤها الأموال فقط. لكونها أكثر عدالة ضريبية من سابقتها .

2- أيهما أكثر عدالة ضريبية نظام الضريبة الوحيدة أم نظام الضرائب المتعددة ؟

هناك من يرى بأن العدالة التي تحققها الضريبة الوحيدة هي عدالة ظاهرية بعيدة عن الواقع العملي(8) . وذلك لأنها تقتصر على نشاط اقتصادي واحد أو مال معين أو إحدى طبقات المجتمع وهذا يعني أن الخطأ إذا ما وقع في نظام الضريبة الواحدة لا يمكن تلافيه على عكس نظام الضرائب المتعددة إذ يمكن تصحيح الخطأ إذا ما وقع فضلاً عن أن نظام الضرائب المتعددة يحافظ على مصدر النشاط الاقتصادي لأنه يمكن من المعاملة الضريبية المتنوعة بما يتفق وطبيعة هذا المصدر وظروفه وهو ما يتفق مع العدالة الضريبية(9) ، لذلك انتهوا الى أن نظام تعدد الضرائب يفضّل على نظام الضريبة الوحيدة وهذا ما أخذت به معظم دول العالم ونحن مع رأي الأكثرية من القانونيين والاقتصاديين ولكن بشرط عدم الإفراط في عدد الضرائب المفروضة .

3- أيهما أكثر عدالة ضريبية الضريبة العامة على الدخل أم الضرائب النوعية على الدخل؟

الضرائب النوعية على الدخل تعني تعدد الضرائب حسب مصادره وإذا علمنا أن مصادر الدخل هي (عمل ، رأس مال ، مختلط) وإن المشرع الضريبي يشدد الضريبة على المصدر الناتج من رأس المال ويخفض الضريبة على المصدر الناتج عن العمل ويتخذ مركزاً وسطاً في المصدر المختلط وهذا بدوره يعتبر ميزة الضرائب النوعية على الدخل من ناحية العدالة الضريبية(10) . ويقابل هذه الميزة في الضرائب النوعية على الدخل من ناحية العدالة الضريبية ناجم عن تفتيت الدخل الخاضع للضريبة الى فروع لا يمكن من تحديد المقدرة التكليفية للمكلفين ، فقد يحصل المكلف على دخل كبير من مصدر لا يخضع للضريبة في حين يحصل مكلف آخر على دخل أقل من مصدر يخضع للضريبة . وتتفادى الضريبة العامة على الدخل هذا العيب إذ تضم جميع الدخول التي يحصل عليها المكلف في وعاء واحد بصرف النظر عن مصادرها وبذلك تكون أكثر دقة في تحديد المركز المالي للمكلف ،(أكثر تعبيراً عن المقدرة التكليفية للمكلف) لذلك تكون الضريبة العامة على الدخل أكثر عدالة ضريبية فضلاً عن أنها تسمح للمشرع الضريبي مراعاة ظروف المكلف الشخصية والعائلية والمهنية(11) . ويميل الباحث الى الرأي الذي يرجح الضريبة العامة على الدخل باعتبارها أكثر عدالة ضريبية من الضرائب النوعية على الدخل .

___________________________

[1]- المصدر نفسه ، ص10 .

2- د. زكريا محمد بيومي (ضريبة الدخل في التشريع السوداني – دراسة تحليلية مقارنة) ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، الاسكندرية ، 1974 ، ص7 .

3- د. السيد عطية عبد الواحد (شرح أحكام قانون الضريبة الموحدة) مصدر سابق ، ص11 وما بعدها .

4- المصدر نفسه ، ص12 وما بعدها .

5- على الصعيد الدولي :- فقد أوصى المجلس الاقتصادي التابع لهيئة الامم المتحدة عام 1952 أن تأخذ الدول الناهضة بنظام الضريبة الموحدة على الدخل .

أما على الصعيد الاقليمي :- فقد قرر المؤتمر التجاري العربي الأول المنعقد في القاهرة سنة 1950 العدول عن نظام الضرائب النوعية والأخذ بنظام الضريبة الموحدة تحقيقاً للعدالة وتبسيطاً لإجراءات تقدير وتحصيل الضريبة وقد أكد على الاتجاه المؤتمر التجاري العربي الثاني المنعقد في القاهرة سنة 1957 راجع : د. محمد مبارك حجير (أنظر الضرائب وتطور اقتصاديات الدول العربية) ، منشورات معهد البحوث والدراسات العربية ، جامعة الدول العربية ، القاهرة ، 1965-1966 ، ص316.

6- العدالة الضريبية :- فقد عرفها ( Jacque Perce bois) بأنها التي تعمل على أن تكون منصفة وذلك بتوزيعها العبء الضريبي بحيث يتحمل كل واحد جزءه العادل . كما وعرفها (BOUVIER ) وزملاؤه بأنها الضرائب التي تعمل على إعادة توزيع الثروات بحيث يتحمل كل واحد في المجتمع نصيبه منها وتقلل من عدم المساواة فيه . انظر : د- محمد سعيد فرهود ( العدالة الضريبية اقتصادياً ) مجلة الحقوق ، العدد (4) ، السنة (25)، مجلس النشر العلمي ، جامعة الكويت ، الكويت ، 2001 ، هامش ص19 .

وتتحقق العدالة الضريبية إذا خضع جميع من هم في مركز اقتصادي واحد لعبء ضريبي متساو ويستطيع المشرع أن يحقق ذلك من خلال (عمومية الضرائب ، شخصية الضريبية ، منع الازدواج الضريبي ) .

– نعمان عيدان علي ( دراسة تطور السماحات والاعفاءات من الضرائب المباشرة في نظام الضرائب العراقي ) اطروحة دبلوم عالي في العلوم المالية مقدمة الى كلية الإدارة والاقتصاد ، جامعة بغداد ، كانون الأول ، 1977 ، ص48 .

7- د. محمد سعيد فرهود ( العدالة الضريبية اقتصاديا ً) مصدر سابق ، ص137 .

8- المصدر نفسه ، ص137 .

9- د. رفعت المحجوب (المالية العامة) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1971، ص223 مشار اليه في د. محمد سعيد فرهود (العدالة الضريبية اقتصادياً) مصدر سابق ، ص137 .

-10 Jacques PERCEBOIS، “Ecnomiec des finances Publiques،” Armaud Colin 1991، pp. 179-181 .

نقلاً عن د. محمد سعيد فرهود (العدالة الضريبية اقتصادياً) مصدر سابق ، ص144 .

1[1]- د. محمد سعيد فرهود (العدالة الضريبية اقتصادياً) ، مصدر سابق ، ص144 .

المؤلف : عبد الباسط علي جاسم الزبيدي
الكتاب أو المصدر : وعاء ضريبة الدخل في التشريع الضريبي العراقي
الجزء والصفحة : ص21-25

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .