من الحقائق التي لا تقبل النقاش ان التقلبات الحادة في اسعارالمواد ودخول الافراد لا تمر بسلام بل تخلق اثارا يختلف عمقها باختلاف حدتها غير ان هناك من ربط بين سعر رغيف الخبز في اوربا وعدد الجرائم الواقعة فاذا ارتفع سعر الرغيف ارتفعت جرائم السرقة واذا نزل نزلت معه، كما ايدتها الاحصاءات بانتظام في عديد من دولها مثل فرنسا وانكلترا والمانيا اذ يجد بعض المحللين ان هذا الارتباط بين زيادة عدد جرائم السرقة بسعر رغيف الخبز لكون الخبز سلعة ضرورية تمس الحاجة الاساسية لعموم افراد الشعب وكل يوم بشكل متواصل وتتكرر عدة مرات في اليوم الواحد. والنتيجة التي خرج بها هؤلاء ان جريمة السرقة اكثر الجرائم تأثرا بتقلب الاسعار في تلك المواد.

ان ارتفاع الاسعار بسبب التضخم النقدي المحلي هو الاخر له تأثيره البالغ في دفع البعض الى ارتكاب جرائم السرقة وغيرها من الجرائم ضد الاموال، فارتفاع الاسعار مع ثبات مستويات الرواتب والاجور تقود الى هبوط المستوى المعيشي وعدم قدرة الافراد على سد متطلباتهم من البضائع والخدمات الاساسية التي يحتاجونها، في حياتهم اليومية، اما ارتفاع الاسعار وثبات الاجور فترجع الى عدة عوامل اساسية في مقدمتها شحة السلع بسبب ندرة عناصر الانتاج وزيادة كمية النقود المتداولة مع ارتفاع الطلب الفعال للبضائع الاساسية والكمالية، فضلاً عن اختلال كفة التوازن بين حجم السكان وحجم الموارد الطبيعية حيث ان السكان يزيد حجما على الموارد الطبيعية المتاحة، ومن الجدير بالذكر ان انخفاض المستوى المعاشي للافراد يقود بعضهم الى امتهان الجريمة والاعتماد عليها في سد حاجاتهم الاساسية وبشكل خاص جرائم الاموال كالسرقة وغيرها(1).

ان التقلب العنيف في سعر العملة الوطنية لهذه الحياة الاقتصادية يؤثر تأثيرا عميقا في حياة الناس وسلوكهم بما في ذلك السلوك الاجرامي، وظهر هذا بوضوح في المانيا في الفترة(1923-1925) و خاصه نتيجة التضخم الذي اصاب العملة حيث اصاب هذا التضخم عدد الجرائم كذلك، حيث ارتفعت الجرائم الواقعة على الاموال ارتفاعا مخيفا اذ بلغت الزيادة فيها 250% كما قفزت جرائم السرقة في فترة التضخم هذه الى ثلاثة امثال ما كانت علية من قبل. وتضاعفت جرائم اخفاء الاشياء المسروقة بستة اضعاف، كما طرأ اختلاف على نوع المال المسروق فأصبحت المنقولات ذات القيمة الحقيقية هدف السراق اما الاموال النقدية السائلة فقد عزف اللصوص عنها لانخفاض قيمتها كما قلت جرائم السطو على الخزائن لسرقة ما فيها من نقود. وبعد ان انخفض التضخم مالت الجرائم الى الاستقرار وعادت ارقامها الى ماكانت عليه.

ومما تجدر الاشارة اليه ان الرخاء الاقتصادي الذي تتمتع به بعض الأسر هو الاخر قد يدفع الابناء الى الانحراف وارتكاب الجرائم، لقد احتلت مشكلة اولاد الاسر الثرية مكاناً بارزاً في عالم الاجرام لتكاثر عدد المجرمين، وخصوصاً الاحداث منهم الذين ينتمون الى هذه الاسر. وقد عالج الدكتور اندر ربون موضوع هؤلاء الاولاد في مقال نشر له في المجلة الدولية للعلم الجنائي والبوليس الفني(2). فأعطى مجموعة من الملاحظات ولعل من اهمها، بالرغم من ان مظاهر الثراء التي يتمتع بها هؤلاء الاولاد تؤدي بهم حاجتهم المستمرة الى الدراهم والى الانفاق دون رقيب الى ارتكاب جرائم السرقة او القتل او اعطاء شيكات (صكوك ) دون رصيد او سوء الائتمان او الاحتيال وذلك بغية الوصول الى ما يحتاجونه اليه من اموال مع العلم انهم لا يحتفظون بها بل يصرفونها فوراً على ملذاتهم.

_____________________

1- د. سيد شوربجي عبد المولى ، مصدر سابق ، ص 79 .

2- Andre` Re`pond، Mauvais Sujets de bonnes fomilles، Revue Internationale de criminology et de Police technique Paris، 1955، No3.،p.201.

المؤلف : عبود علوان منصور
الكتاب أو المصدر : جريمة السرقة اسبابها والاثار المترتبة عليها

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .