1ـ تعريف العربون والغرض من دفعه:

العربون مبلغ من النقود يدفعه أحد المتعاقدين للآخر وقت التعاقد أما بقصد التأكيد على أن العقد الذي ابرماه قد أصبح بان لا يجوز الرجوع عنه أو بقصد المحافظة على حق العدول عن التعاقد لكل منهما. والتقنيات المدنية تتراوح بين الاتجاهين المذكورين أعلاه. فالتقنيات الجرمانية كالقانون المدني الألماني وقانون الالتزامات السويسري والتركي تأخذ بالاتجاه الأول بينما تأخذ التقنيات اللاتينية كالقانون المدني الفرنسي والقانون المدني الإيطالي الاتجاه الثاني، على ان كلا الاتجاهين قابل لإثبات العكس. والأصل في التشريع العراقي هو أن دفع العربون يفيد أن المتبايعين قد عقدا بيعاً نهائياً لا يجوز الرجوع عنه وإن العربون يعتبر جزءاً من الثمن يجب خصمه من الثمن عند تنفيذ العقد. على أن هذا الأصل يجوز الاتفاق على جعل العربون كجزاء للعدول عن التعاقد (92م مدني عراقي). أما التشريع المدني المصري فأنه يتبنى اتجاه القوانين اللاتينية. (103م مصري).

2ـ التكييف القانوني للمبيع بشرط العربون:

اختلف الفقه والقضاء في تكييف البيع بشرط العربون. فالبعض يذهب إلى أن البيع بشرط العربون عبارة عن عقد معلق على شرط واقف هو عدم عدول أحد المتعاقدين عنه. فغذا تحقق الشرط بأن مضت المدة المتفق عليها دون أن يعدل أحد المتعاقدين عن البيع أنتج العقد اثارة بأثر رجعي. أما إذا تخلف الشرط بأن عدل أحد المتعاقدين عن التعاقد، فإن العقد يزول في هذه الحالة ولا ينتج أي اثر سوى ان من عدل عن البيع يفقد قيمة العربون في مقابل عدوله.

ويعتبره آخرون بيعاً معلقاً على شرط فاسخ فالعقد يقوم نتجاً لكافة آثاره إلا إذا تحقق الشرط الفاسخ باستعمال أحد المتعاقدين لحقه في العدول عن التعاقد، حيث يزول العقد وآثاره بأثر رجعي، على أنه يترتب على من عدل عن التعاقد ترك العربون إذا كان هو الذي دفعهن أو رده مضاعفاً إن كان هو الذي قبضه(1).

ويذهب فريق آخر من الشراح إلى القول بأنه (يمكن تكييف العربون الذي يدفع في مقابل العدول عن العقد بأنه البدل في التزام بدلي، ويكون المدين ملزماً أصلاً بالالتزام الوارد في العقد، ودائناً بالحق الذي يقابل هذا الالتزام، ولكن تبرأ ذمته من الالتزام ويسقط الحق المقابل له إذا هو أدى العربون. ومؤدي ذلك أن العدول في حالة دفع العربون لا يكون عن العقد في جملته بل عن الالتزام الأصلي والحق المقابل له، والعربون بدل مستحق بالعقد، فدفعه إنما هو تنفيذ للعقد في أحد شطريه وهو البدل، لا عدول عنه في جملته(2).

ويذهب بعض الشراح عندنا إلى اعتبار العربون صورة خاصة من صور الشرط الجزائي(3). في حين يرى البعض الآخر وجوب التمييز بين حالتين: حالة اشتراط العربون كوسيلة لنقض العقد، وحالة اشتراطه كضمان لتنفيذه ويعتبرون العربون في الحالة الأولى التزماً بدلياً يلتزم المتعاقد بتنفيذه غذا اراد ان لا ينفذ التزامه الأصلي. أما في الحالة الثانية فالعربون ليس إلا نوعاً من أنواع التأمينات التي يستخدمها الدائن كوسيلة لضمان حقه القائم لدى مدينه، اي انه عبارة عن وسيلة لضمان أداء المدين لالتزامه العقدي. وإذا كنا نتفق مع الراي الأخير بالنسبة للحالة الأولى، فإننا نرى بأن العربون في الحالة الثانية ليس سوى جزء من الثمن يدفع كدليل على بتات العقد وعدم امكان العدول عنه من قبل أحد الطرفين الأمر الذي يعني بأن لكل طرف في حالة امتناع الطرف الآخر عن تنفيذه، المطالبة بالتنفيذ العيني أو الفسخ وفقاً للقواعد العامة الخاصة بتنفيذ العقود.

3ـ حكم العربون

يختلف حكم العربون باختلاف ما إذا كان قد دفع كوسيلة لضما تنفيذ العقد أو كان قد دفع كجزاء للعدول عن التعاقد(4).

أـ العربون كوسيلة لضمان التنفيذ: غذا كان العربون قد دفع كوسيلة لضمان تنفيذ العقد، فالعربون يعتبر تنفيذاً جزئياً للعقد يجب استكمال تنفيذه.

ويترتب على ذلك أنه لا يجوز لأحد طرفي العقد أن يستقل بنقض العقد مقابل تنازله عن العربون الذي دفعه، أو مقابل رده للعربون الذي قبضه مضاعفاً إلى الطرف الآخر.

والعقد في هذه الحالة يخضع لأحكام القواعد العامة الخاصة بالتنفيذ العيني أو الفسخ مع المطالبة بالتعويض إن كان له مقتضى بحسب الأحوال، ولا أثر لمبلغ العربون في التعويض، إذ للمحكمة أن تحكم على الطرف الذي أخل بالتزامه من العاقدين بتعويض يزيد ويقل عن مقدار العربون وذلك حسب جسامة الضرر الحاصل، بل لها أن لا تحكم اصلاً بالتعويض غذا تبين عدم حصول ضرر من جراء عدم تنفيذ العقد. وفي الحالة الأخيرة عليها الحكم بإعادة مبلغ العربون إلى الطرف الذي دفعه.

ب ـ العربون كجزاء للعدول: إذا قدم العربون كجزاء للعدول عن البيع واستعمل دافع العربون خيار النقض فقده. أما إذا أراد من قبض العربون العدول عن البيع، فعليه رد ما قبضه من العربون مضاعفاً غلى الطرف الآخر فالعربون ملزم لمن يرد العدول عن التعاقد ولو لم يصب الطرف الآخر ايما ضرر بسبب ذلك.

إن الأحكام اعلاه تطبق في حالة ما إذا ورد العربون في عقد صحيح. أما إذا ورد في عقد بيع عقار خارجي (باطل) فيرى البعض وجوب التمييز بين ما إذا كان العربون قد دفع كدليل على بتات العقد أو دفع كجزاء للعدول عنه وفي الحالة الأولى إذا كان الناكل هو من دفع العربون فيجوز الحكم عليه بتعويض يتناسب مع جسامة الضرر الذي اصاب الطرف الآخر وفقاً للقواعد العامة ويصرف النظر عن مقدار العربون. أما إذا كان الناكل هو الطرف الآخر فيتوجب عليه إعادة العربون كاملاً لمن دفعه مع تعويضه عن الضرر الذي اصابه بسبب هذا النكول (1127م مدني): أما في الحالة الثانية فتطبق أحكام المادة (1127) أو المادة (92) من القانون المدني على حسب الحال(5). ويلاحظ أن محكمة التمييز تقرر في هذا الصدد بانه إذا عدل من دفع العربون فإنه يخسره. وإذا عدل من قبضه وجب عليه رده مضاعفاً. لأن عقد بيع العقار غير المسجل في دائرة التسجيل العقاري وإن لم تنتقل به ملكية العقار. غير أنه عقد صحيح نافذ لازم وكل طرف فيه ملزم بالقيام به(6). فالطرفان اتفقا على جعل العربون تعويضاً عن الاخلال بالعقد. ونرى أن الآثار المشار إليها في القرار أعلاه لا تترتب على عقد بيع العقار غير المسجل لأنه عقد باطل، وإنما تترتب على عقد آخر هو (التعهد بنقل ملكية عقار) المشار غليه في المادة (1127 (المعدلة) من القانون المدني).

______________________

1- بصدد هذين الرأيين يلاحظ 1 غني حسون طه ص 155 والفقه المشار إليه.

2- السنهوري ج 4 ص91.

3- حسن علي الذنون ص 355.

4- الصراف ص70 و71. العامري ص57.

5- شاكر ناصر ـ الوجيز 1969 ص 131.

6- قرار محكمة التمييز المرقم 40/ استئنافية/ 970 في 7/ 6/ 970 النشرة القضائية السنة الأولى. العدد الثاني ص 138ـ 140 كما يلاحظ القار 2023/ ص/ 28/ 12/ 986 قضاء محكمة التمييز المجلد الخامس ص 325.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .