المفهوم القانوني لكف اليد عن العمل

أ/ عبد الله كامل محادين

لقد خلت أغلب التشريعات من تعريف لكف اليد سواء في التشريعات الوظيفية المنظمة لأوضاع الوظيفة العامة أو في التشريعات المكملة لها والخاصة بأحكام التأديب الواجب اتخاذها نحو الموظفين العموميين والذين يخالفون قواعد وأحكام الوظيفة العامة، أو الذين يقترفون أفعالاً قد تشين بهيبة وكرامة الوظيفة، وتركت أمر تعريف كف اليد لاجتهاد الفقه وتطبيقات القضاء الإداري ولاسيما أنه قضاء منشأ وقادر على سد النقص الحاصل في التشريعات الإدارية عموماً، وهناك بعض التشريعات ومنها تشريعنا السوري لجأت إلى تعريف كف اليد وأوردته في صلب قوانين الوظيفة العامة فعرَّفه المشرع السوري بقوله:«كف اليد هو توقيف العامل عن عمله مؤقتاً».

ونظراً لعدم وجود تعريف واضح لكف اليد في تشريعات الوظيفة العامة فقد تصدى الفقه لهذا الموضوع في محاولةٍ منه لإيجاد تعريف واضح له، فلقد عرَّفه الفقه الفرنسي بأنه تدبير إداري تتخذه السلطات التأديبية المختصة ضد الموظف الذي تنسب إليه مخالفات خطيرة للواجبات الوظيفية أو يرتكب جريمة من جرائم القانون العام ليباعد بينه وبين أعمال وظيفته، ولا شك أن هذا التعريف يؤدي إلى الخلط بين كف اليد وبين حالات الإبعاد عن العمل الأخرى لذا نحن بحاجة إلى وضع تعريف واضح يميز كف اليد عن غيره من الحالات المشابهة له.

وبما أن العامل هو المقصود بإجراء كف اليد كتدبير وقائي يتخذ ضده في حال ارتكابه مخالفة خطيرة تمس هيبة الوظيفة التي يشغلها أو ارتكابه إحدى جرائم القانون العام، لذا فإن إجراء كف اليد يتعلق بالموظف الذي يشغل الوظيفة العامة ولا يتعلق بتلك الوظيفة إذ إن هذه الوظيفة يمكن أن يباشرها أي شخص آخر يحل محل الموظف الموقوف عن العمل فإذا أدى العامل عمله الوظيفي خلال فترة كف اليد اعتبر عمله باطلاً لصدوره من غير مختص، لذلك فإن كف اليد يباعد بين الموظف العام وبين مباشرته لوظيفته مؤقتاً لحين الانتهاء من الحالة التي استوجبت كف اليد إما بانتهاء التحقيق وحفظه بعد انبلاج الحقيقة ووضوحها أو بتوقيع الجزاء المناسب عليه بعد ثبوت الوقائع المنسوبة إليه وإما إعادته لمباشرة أعمال وظيفته وذلك لزوال الأسباب التي أدت إلى صدور قرار كف اليد، وذلك بغض النظر عن صدور قرار الجزاء من عدمه، وقد تكون عودته لمباشرة مهام وظيفته نتيجة لرفض المحكمة التأديبية المختصة تمديد مدة كف اليد المتخذة بمعرفة السلطات الرئاسية التأديبية كما هو الحال في مصر أو لانتهاء الحد الأقصى المقرر لمدة كف اليد كما هو الحال في فرنسا أو لإلغاء القرار الصادر بكف اليد كما هو الحال في التشريع السوري، لذلك فإن كف اليد لا يقطع رابطة الوظيفة بين الموظف وإدارته بل يؤدي إلى إعفائه مؤقتاً عن مباشرة مهامه.

ولقد اختلفت التسميات لكف اليد فالمشرع المصري أطلق عليه الوقف الاحتياطي والفرنسي أطلق عليه الوقف عن العمل، حتى الفقهاء اختلفوا في التسمية فقد سماه البعض الإبعاد المؤقت عن العمل، ورغم هذا الاختلاف إلا أن اتجاه المشرع السوري لتسميته بكف اليد هو الأفضل فقد يحدث لفظ الوقف الاحتياطي أثراً نفسياً على العامل لا يقل عن الأثر النفسي الذي يترتب على معاقبته بالإضافة إلى الخلط بين الوقف الاحتياطي وأنواع الوقف الأخرى، كما أن لفظ الإبعاد عن العمل لفظ خطير في حد ذاته يظهر مدلوله عند إبعاد الأجنبي عن الوطن لخطورته على أمن الدولة، لذلك كله كان اتجاه المشرع السوري هو الأمثل من بين هذه الاتجاهات متفادياً جميع الآثار السلبية للتسميات السابقة؛ لأن لفظ كف اليد لا يحمل إلا معنىً واحداً هو منع العامل من ممارسة مهام وظيفته بصوره مؤقتة وليس لهذا اللفظ أي آثار نفسية على العامل.

ولقد أورد الفقه عدداً من التعريفات من ذلك أنه أحد إجراءات التحقيق الوقائية التي تهدف إلى تنحية العامل بصفة مؤقتة عن أعمال وظيفته بمناسبة ما يجري معه من تحقيق بغية أن يتم هذا التحقيق في ظروف تخلو من مؤثراته رغبة في الوصول إلى حقيقة الاتهام.

أو أنه إجراء تلجأ إليه الإدارة بقصد إبعاد الموظف المتهم عن المرفق العام بشكل مؤقت.
أو أنه إجراء احتياطي مؤقت تلجأ إليه الإدارة بقصد إبعاد الموظف عن المرفق عندما يتعرض لاتخاذ إجراءات تأديبية أو جنائية فيمتنع عليه ممارسة أعمال وظيفته طيلة مدة الوقف.