مناقشة قانونية حول جوازات السفر الدبلوماسية الاردنية

مدى دستورية التصويت على جوازات السفر الدبلوماسية.

د. ليث كمال نصراوين

في خضم تسارع الأحداث السياسية والدستورية على الساحة الأردنية، وبعد سلسلة من الاخفاقات التي كان أبطالها أعضاء مجلس النواب المتمثلة في إغلاق ملفات الفساد كافة وإعلان براءة المسؤولين عنها، جاءت الضربة القاضية هذه المرة لكن بأسلوب آخر يتعلق بجوازات السفر الدبلوماسية حيث منح النواب أنفسهم جوازات سفر دبلوماسية مدى الحياة، قبل أن يتراجعوا عن ذلك القرار تحت وطأة الضغوط الإعلامية والشعبية التي شنت ضدهم، ويقرروا لأنفسهم جوازات سفر دبلوماسية مؤقتة أثناء فترة عملهم في البرلمان.

إن استمرار مسلسل استغلال السادة النواب لوظيفتهم البرلمانية لخدمة مصالحهم الخاصة التي تمثل آخرها في الحصول على جوازات سفر دبلوماسية من شأنه أن يدق المسمار الأخير في نعش ملف الانتخابات النيابية التي يجاهد كل من الحكومة والهيئة المستقلة في إجرائها مع نهاية العام الحالي. فإذا ما كانت هذه الجهات تأمل في تشجيع الأردنيين على المبادرة للتسجيل في الانتخابات المقبلة، فإن تصويت النواب لمنح أنفسهم جوازات سفر دبلوماسية سواء كانت أبدية أو مؤقتة سيؤدي إلى إحجام الناخبين أكثر عن التسجيل في الجداول الانتخابية، خاصة في ظل التقارير الصحافية التي تشير إلى أن أكثر من 48 نائبا من النواب الحاليين سيخوضون الانتخابات البرلمانية المقبلة.

فوجوه المرشحين لن تتغير بالنسبة للناخبين، فهم المحاربون البرلمانيون انفسهم الذين يتخذون من العضوية في مجلس الأمة فرصة سانحة لجمع أكبر قدر من الامتيازات الشخصية والمالية من رواتب تقاعدية وجوازات سفر دبلوماسية. فالنواب الحاليون من خلال تصرفاتهم هذه وأدائهم الذي يمتاز بتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة قد ألحقوا ضررا كبيرا بالسلطة التشريعية وبهيبتها وأهميتها كسلطة منتخبة تمثل إرادة الشعب، ما أدى إلى تراجع ثقة المواطن في دورها التشريعي والرقابي على السلطة التنفيذية، وبالتالي إحجامه عن المشاركة في الانتخابات النيابية.

إن ما يسجل على الحكومة الحالية أنها تعد شريكا مع السادة النواب في الذنب الذي اقترفوه، حيث ما كان عليها أن تطرح قانون جوازات السفر على أجندة الدورة الاستثنائية الحالية كونها تعي حقيقة أن مجلس النواب يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومن الطبيعي جدا في هذه المرحلة أن يسعى إلى جمع أكبر قدر من الغنائم قبل الرحيل. فهناك الكثير من القوانين التي كان يمكن للحكومة أن تدرجها على جدول أعمال الدورة الاستثنائية بدلا من قانون جوازات السفر لتكسب جرعة من الثقة الشعبية هي في أمس الحاجة إليها كقانون الضمان الاجتماعي المؤقت بدلا من اللجوء إلى تعديل الإرادة الملكية لإدراج القانون على جدول الدورة الاستثنائية الحالية.

في المقابل، فقد تكون الحكومة قد تعمدت إدراج قانون جوازات السفر في هذه الفترة كبادرة حسن نية منها وهي على دراية كاملة بما ستؤول إليه الأمور من إقرار النواب لجوازات سفر دبلوماسية لأنفسهم ولأعضاء مجلس الأعيان، وذلك “عربون” قيامهم بتمرير قوانين أخرى مختلف عليها في مقدمتها القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر الذي يتضمن قيودا غير مبررة على حرية الرأي والتعبير.

ويبقى التساؤل الأهم حول مدى دستورية تصويت السادة النواب على تعديل قانون جوازات السفر في ظل العدد القليل من السادة النواب الذين صوتوا لصالح إقرار القانون المعدل، حيث صوّت لصالح جوازات السفر الدبلوماسية لمدى الحياة (35) نائبا فقط من أصل (67) حضروا التصويت، قبل أن يصوت (45) نائبا فقط من أصل (67) على إلغاء أبدية جوازات السفر وقصرها على فترة العمل البرلماني.

إن نسب التصويت في كلا المناسبتين تعد ضئيلة جدا إذا ما قورنت بالعدد الكلي لأعضاء مجلس النواب البالغ (120) نائبا، فهل يعقل دستوريا أن يحتكم إلى أقل من نصف عدد أعضاء مجلس النواب للقيام بمهام التشريع ابتداء وإقرار مشروعات قوانين تعطي السادة النواب امتيازات على قدر كبير من الأهمية كجوازات السفر الدبلوماسية؟

إن عمليتي التصويت الأخيرتين وإن كانتا قد تمتا وفقا للأصول البرلمانية، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعتد بالقرارات الصادرة عنهما لعدم تحقق الإجماع البرلماني حولهما، ولافتقارهما لموافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب الذين تعمدوا التغيب عن جلسة مناقشة قانون جوازات السفر وعن التصويت عليه حفاظا لماء وجوههم، ولكي لا يؤخذ عليهم أثناء حملاتهم الانتخابية المقبلة أنهم نواب يسعون لخدمة مصالحهم الخاصة من خلال عضويتهم في مجلس النواب.

وفي هذا السياق، يجب أن نشير إلى أن المشرع الدستوري وللأسف قد ساهم بشكل كبير في حدوث مثل هذه الأزمة الدستورية المتمثلة في صدور قرار برلماني بأغلبية بسيطة لا تذكر من أعضاء مجلس النواب. فقد أجرى تعديلا جوهريا على المادة (84) من الدستور تتعلق بالنصاب القانوني لجلسات مجلس النواب ضمن سلسلة التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011، حيث أصبحت جلسات مجلس النواب قانونية بحضور الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس على أن تستمر الجلسة قانونية ما دامت هذه الأغلبية حاضرة فيها. أما النص الدستوري قبل التعديل فكان يشترط لقانونية جلسات مجلس النواب أن يحضرها ثلثا أعضاء المجلس على أن تستمر الجلسة قانونية ما دامت أغلبية أعضاء المجلس المطلقة حاضرة فيها.

إن حقيقة ما قام به المشرع الدستوري في التعديل السابق أنه قد خفض من النصاب القانوني لجلسات مجلس النواب بحيث أصبحت تعتبر الجلسة قانونية بحضور نصف عدد أعضاء المجلس زائد واحد، في الوقت الذي كان يشترط فيه النص الدستوري قبل التعديل حضور أغلبية ثلثي أعضاء المجلس. فمثل هذا التخفيض في قانونية نصاب جلسات مجلس النواب يعد مكافأة من المشرع الدستوري للسادة النواب الذين يتغيبون من دون عذر مقبول عن حضور الجلسات أو الذين يتعمدون مغادرة المجلس لتفقد الجلسة نصابها القانوني بالتالي يتم رفعها لموعد آخر، وهو ما ثبت أثناء جلسات مناقشة قانون جوازات السفر الأخيرة، حيث كان عدد الحضور الكلي من النواب المصوتين على القرارين المتعلقين بجوازات السفر الدبلوماسية واحد وذلك رغم الأهمية الإعلامية والشعبية لهذا الموضوع.

فبدلا من أن يعالج المشرع الدستوري ظاهرة تكرار غياب النواب عن جلسات المجلس من خلال التشدد في النصاب القانوني للجلسات وفرض جزاءات على النواب الذين تتكرر غياباتهم من دون عذر، نجده يتساهل مع النواب غير الملتزمين من خلال تخفيض النصاب القانوني لافتتاح جلسات مجلس النواب من ضرورة حضور 80 نائبا في النص الدستوري قبل التعديل إلى اشتراط حضور 61 نائبا فقط بعد التعديل الدستوري الأخير.

إن مثل هذا التخفيض في النصاب القانوني لجلسات مجلس النواب من شأنه أن يؤثرسلبا على الأغلبية التي تصدر بها قرارات المجلس، إذ أنه يسمح بأن تصدر قرارات عن مجلس النواب يكون عدد المصوتين لصالحها بالنسبة إلى العدد الإجمالي للسادة النواب قليل لا يذكر، فتكون هذه القرارات فاقدة لشرعيتها الدستورية كونها لا تمثل إلا فئة قليلة جدا من عدد أعضاء مجلس النواب، كما حدث في حالتي التصويت على منح السادة النواب جوازات سفر دبلوماسية.