يعتبر مبدأ العلانية في المحاكمات من الضمانات المهمة لحسن سير العدالة، بسبب كونه يشكل عنصرًا مهمًا من عناصر المحاكمة العادلة (1) والمقصود بعلنية المحاكمة هو أن من حق كل فرد أن يحضر المحاكمة دون قيد أو شرط أو عائق، سوى الإخلال بالنظام، حتى تتاح له فرصة مشاهدة إجراءات المحاكمة(2) ، إضافة إلى السماح بنشر وقائع المحاكمة بواسطة وسائل النشر المختلفة (3) وتأتي أهمية العلانية في أنها تحقق العدالة، وتعطي الحق للجمهور بمراقبة ما يدور في جلسات المحاكم من مناقشات ومداولات للإطمئنان على نزاهة الجهاز القضائي (4) ، بالإضافة إلى أن العلنية تسهم في الردع العام عن طريق مشاهدة الجمهور ما قد يلحق بمقترف الجريمة من جزاء، وكذلك تمكن العلانية المتهم من التروي في عرض دفاعه لإدراكه أن قاضيه لن يتخذ ضده أي إجراء بمعزل ن رقابة الرأي العام (5) . بعد أن تعرفنا على مفهوم العلانية وأهميتها، لا بد من التعرف على تنظيم العلانية في نظام روما الأساسي، وكذلك التعرف على سلطة المحكمة الجنائية الدولية في تقرير سرية المحاكمة.

الفرع الأول: تنظيم العلانية في نظام روما الأساسي

لقد نص نظام روما الأساسي في المادة ( 68/1) على أنه ” عند البت في أي تهمة يكون للمتهم حق في أن يحاكم محاكمة علنية، مع مراعاة أحكام هذا النظام الأساسي، وفي أن تكون المحاكمة منصفة وتجري على نحو نزيه “. ويرى الباحث أن نظام روما الأساسي قد أرسى بهذا النص مبدأ علنية جلسات المحاكمة بإعتباره أحد ضمانات المتهم الرئيسية. إذا كان نظام روما الأساسي قد نص على قاعدة العلانية، فإن التشريعات الوطنية إهتمت أيضًا بإدراج هذه القاعدة في نصوصها، فالمشرع الفلسطيني حرص على تضمين هذه القاعدة المهمة ضمن القانون الأساسي، حيث نصت المادة ( 105 ) منه على أن ” جلسات المحاكم علنية، الإ أذا قررت المحكمة أن تكون سرية، مراعاة للنظام العام أو الأداب “. لم يكتف المشرع الفلسطيني بإدراج قاعدة العلانية ضمن نصوص القانون الأساسي، بل أدرجها في قانون الإجراءات الجزائية، فقد نصت المادة ( 237 ) منه على أنه ” تجري المحاكمة بصورة علنية، ما لم تقرر المحكمة إجراءها سرية لإعتبارات المحافظة على النظام العام أو الأخلاق، ويجوز في جميع الأحوال منع الأحداث أوفئة معينة من الأشخاص من حضور المحاكمة “.

الفرع الثاني: سلطة المحكمة الجنائية الدولية في تقرير سرية المحاكمة

أجاز النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تقرر في ظروف معينه عقد بعض الإجراءات في جلسة سرية، وتعد هذه السرية إستثناء من المبدأ العام وهو علنية الجلسات (6) وقد حصر نظام روما الأساسي أسباب جعل المحاكمة سرية بثلاثة أسباب هي (7) :

1- حماية المجني عليهم أو الشهود.

2- حماية المتهم.

3- حماية المعلومات الحساسة أو السرية التي يتعين تقديمها كأدلة.

وإستنادًا لهذه الأسباب تقرر المحكمة إجراء جزء من المحاكمة في جلسات سرية، كما يمكن للمحكمة أن تسمح بتقديم الأدلة بأية وسائل مناسبة، وكفيلة بتوفير الحماية للشهود ، أو الخصوم أو غيرهم (8) ويرى الباحث أن السرية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي تكون في بعض إجراءات المحاكمة، ولا تسري على كل الإجراءات، فالسرية ضرورية لحماية المجني عليهم والشهود، أو المتهم، أو لحماية المعلومات السرية والحساسة التي يتعين تقديمها كأدلة، وإستنادا إلى القاعدة التي تقول الضرورة تقدر بقدرها، فإنه يجب الإكتفاء بالسرية في الحدود التي تحقق الهدف الذي إنعقدت بسببه سرية الجلسات.

________________

1- العيسى، طلال ياسين وعلي جبار حسناوي: المحكمة الجنائية الدولية (دراس ة قانونية)، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان، دط، 2009 ، ص 271

2- محمد نجم صبحي: الوجيز في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني ، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1991 ط ، ص 464

3- خوين، حسن بشيت: ضمانات المتهم في الدعو ى الجزائي ة، الجزء الثاني (خلال مرحلة المحاكمه)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، ط ،1998 ص85

4- محمد علي سالم عياد الحلبي، الوسيط في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الثالث (المحاكمات وطرق الطعن في الأحكام)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، د ط، 1996 ، ص 9

5- الطراونة، محمد: ضمانات حقوق الانسان في الدعوى الجزائية (دراسة مقارنة)، دار وائل للنشر، عمان، ط، 2003، ص141.

6- سعيد، سامي عبد الحليم: المحكمة الجنائية الدولية (الاختصاصات والمبادئ العامة )، دار النهضة العربية، القاهرة، د ط، 2008 ، ص 202 وانظر كذلك نص المادة ( 68/2) من نظام روما الأساسي.

7- انظر نص المادة( 68/2) من نظام روما الأساسي.

8- سامي عبد الحليم سعيد، مرجع سابق، ص 202

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .