مفهوم التوثيق وأنواعه

يعتبر التوثيق من اهم العلوم الشرعية منزلة و اشرفها مكانة ، اذ به حماية الحقوق و حفظ الانفس و صيانة الاعراض ، و قد بدأ التفكير فيه مبكرا لحاجة الناس اليه .

و الانسان اجتمـاعي بطبعـه لا يمكنه ان يعيش منعـزلا عن افراد مجتمعـه . و معلـوم قطعـا ان حاجـة الافراد تزداد اتساعا و استمرار كلمـا وقـع هدا الاتصال و هذا الاندماج ، فيصبـح محتاجا الى التعامـل مع غيره من افراد مجتمعه الذي يعيش فيه ، و ربط العلاقات معهم .

و علم التوثيق هو الذي ينظم سير هذه العلاقات ، و يحدد معالم ذلك التعامل طبقا للنصوص الشرعية و اجتهادات الفقهاء و ما جرى به عمل القضاة ، من غير اغفال عرف الناس و عادتهم .

مفهوم التوثيق و انواعه

نتناول في هذا الفصل معنى التوثيق لغة و اصطلاحا في المبحث الاول و مشروعية التوثيق في المبحث الثاني ثم انواع التوثيق في المبحث الثالث .

المبحث الاول : معنى التوثيق

التوثيق لغة : مصدر لفعل و ثق بمعنى احكم الامر ، و التوثيق لغة له عدة معان منها : الاحكام : يقال و ثق الشيء بظم الثاء و ثاقة : قوي و ثبت ، فهو و ثيق ، ثابت محكم .

ومنها الائتمان : يقال : و ثقت بكسر الثاء به أثق بكسرهما ثقة و وثوقا : ائتمنته .

و يطلق على الشد و الروابط من الوثاق : و هو ما يشد به من حبل و قيد و منه قول تعالى { فشدو الوثاق } سورة محمد ( الاية 4) .

و منه الميثاق للعهد ، و على هذا المعنى سميت الوثيقة و ثيقة ، لانها تشد المتعاقدين بما جرى حتى يصير ميثاق عليهما ، و الوثيقة بهذا المعنى قريبة من معنى العقد ، و لذلك يطلق العقد بمعنى الوثيقة .

التوثيق اصطلاحا ، علم التوثيق : هو ذلك العلم الذي ينظم سير العلاقات بين الناس ، و يحد معالم ذلك التعامل طبقا للنصوص الشرعية و اجتهادات الفقهاء ، و ما جرى به عمل القضاة من غير اغفال عرف الناس و عاداتهم .

فهو اذن علم يبين عناصر كل اتفاقية معقودة بين شخصين او عدة اشخاص ، و يضمن استمرارها ، و يحسم مادة النزع بين الاطراف المتعاقدة ، موضحا لكل من العاقد و المعقود له ، ماله و ما عليه من واجبات .

و يسمى هذا العلم ” علم الوثائق ” و ” علم الشروط ” و تسمى الوثيقة التي تصدر عن العدول ” بالشهادة العدلية ” او ” البينة ” و هي اهم و سيلة لاثبات الحقوق و المعاملات و لذلك اعتنى بها الاسلام و نظم قواعدها و بين احكامها قال ابن فرحون : ” ( ان البينة اسم لكل ما يبين الحق و يظهره ، و سمى النبي صلى الله و عليه و سلم الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم ، و ارتفاع الاشكال بشهادتهم

المبحث الثاني : مشروعية التوثيق

تعتبر اية الدين اطول اية في القرأن الكريم ، و هي اساس نظام التوثيق في الاسلام ، و فيما يامر الحق سبحانه عباده بتوثيق الديون بالكتابة في قوله عز و جل :

” يايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه ، و ليكتب بينكم

كاتب بالعدل ، و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب ، وليملـل

الذي عليه الحق و ليتق الله ربه و لا يبخس منه سيئا ، فإن كان الذي عليه الحق

سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو فليملل و ليه بالعدل ، و استشهدوا

شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجولين فرجل و امرأتان ممن ترضون من

الشهداء إذا ما دعو ، و لا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا الى اجله ، ذلكم

أقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى ألا تلاتابو ، إلا أن تكون تجارة حاضرة

تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتوبها ، و أشهدو إذا تبايعتم و لا يضار

كاتب و لا شهيد و ان تفعلو فإنه فسوق بكم ، و اتقو الله و يعلمكم الله و الله بكل

شيء عليم ” . (البقرو 181 )

المبحث الثالث : انواع التوثيق

اصناف التوثيق ثلاثة : التوثيق العرفي و التوثيق العصري ثم التوثبق العدلي .

اولا : التوثيق العدلي

هو اهم انواع التوثيق التي عرفها المغرب منذ دخول الاسلام اليه ، و قد تميز عن غيره من التوثيقات . بمميزات منها

– ان التصرفات التي يوثقها العدول تكون وفق تعاليم الاسلام .

-ان نظام التوثيق يقوم على عدلين اثنين و يجمع في الوقت نفسه بين احكام الشهادة و احكام الكتاب ، فهو نظام ازدواجي .

– كما ان هذا النظام يخضع لمراقبة القضاء و تحت اشرافه ، فشهادة العدلين لا تكون تامة الا اذا ادياها لدى القاضي و تثبت عنده و فق المسطرة الشرعية الجاري بها العمل ، و بعد ان يخاطب عليها القاضي .

ثانيا : التوثيق العصري

مهنة حرة منظمة بمقتضى ظهير 4 ماي 1925 و بحكم النص الاول من هذا الظهير فان الموثق هو : موضف عمومي مكلف بتلقي العقود التي يريد ، او يلزم الاطراف اعطاءها الصبغة الرسمية التي هي الاحكام السلطة العمومية .

و بناء على الفصل 6 من الظهير : يتم تعيين الموثقين بضـهير شريـف صـادر الملك بـعد اخد رأي لجنة مختصة مثلما هو معمول به في اروبا .

و قد أحدث التوثيق العصري في المغرب مقنن الحماية الفرنسية ، لما لاحظ الاضرار الناجمة عن تداول التوثيق العرفي ، و وجهت سلطات الحماية الاجانب للتعامل مع الموثقين الجدد بدل العدول الذين رأت فيهم سلطات الحماية عرقلة بالنسبة للاجانب الذين كانو يتهافتون على اقتناء الاراضي بالمغرب بحق او بغير حق .

و على هذا فالتوثيق العصري مرجعيته غير اسلامية و غير عربية و غير و طنية لان القانون الذي ينظمه صريح في انه وضع لتنظيم مهنة الموثقين الفرنسيين بالمغرب .

و ان الرسوم التوثيقية التي تقام في اطاره انما تحرر باللغة الفرنسية و لا تحرر باللغة العربية ار استثناء .

و من نقائص هذا النظام ان عملياته التوثيقية لا يقوم بها الا شخص واحد موثقا او موثقة ، خلاف التوثيق العدلي .

كما ان الموثق العصري يقتصر دوره على تلقي الرسوم و تحريرها طبقا للقواعد القانونية ، و لا يشهد على المعاملو

ثالثا : التوثيق العرفي

هو ما يقوم به المتعاقدون او غيرهم من اعمال توثيقية دون ان يشهدوا عليها من لهم صلاحية الاشهاد و التوثيق .

والورقة العرفية : هي التي لا يحررها من لهم صلاحية التوثيق بصفة رسمية كعدل او موثق عصري ، او موظف رسمي ، بل يحررها كتاب عموميون او محامون ، و يمكن ان تحرر من اطراف المعاملة بصفة شخصية او بواسطة الغير ، فقد نص الفصل 426 من ق . ل . ع على انه :

” يصوغ ان تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد الشخص الغير الملتزم بها بشرط ان تكون موقعة منه ” .

و قد احدث هذا التوثيق من طرف الحماية الفرنسية ، رغبة منهم في الاسراع بالاستيلاء على العقار بايسر و سيلة ممكنة دون التقيد بالشكليات التي يتطلبها عقد التوثيق العدلي ، لان كثيرا من العدول كان يربأ بنفسه ان يتلق الاشهاد على تفويت العاـقارات للاجانب .

اما حجية الورقة العرفية ، فلها نفس حجية الوثيقة الرسمية بشرط ان تكون موثقة من طرف الملتزم بها و ان يكون لها تاريخ ثابت ، و لا يتاتى ذلك الا بطريقة رسمية تتمثل في وجوب تصحيح امضاءات اطراف المعاملة لدى السلطات المحلية .

وهذا ما نص عليه الفصل 424 ق . ل . ع : ” الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده او المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه ، يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الاشخاص على التعهدات و البيانات التي تتضمنها … “

و على الرغم من كل السلبيات التي تحيط بالورقة العرفية فان الناس يقبلون عليها بكثرة لسهولةو عقدها و لمصاريفها المنخفضة .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت