نظرة قانونية على جرائم الحرب بين القديم و الحديث

القسوة القديمة

الحرب، بطبيعتها، تنطوي على العنف والمشقة والمكابدة، وتفسر، بتعريفها، ما يلازمها حتماً من قتل أو تدمير.

ففي العصور القديمة، كانت أعمال القسوة غير محدودة، على الغالب، وكانت تؤدي أحياناً إلى مجازر وكوارث، لا تزال من الصفحات القائمة العديدة في سجل تاريخ الإنسانية.
وفي القرون الوسطى، بوجه خاص؛ كانت القاعدة أنه “لا محل للأخذ بقواعد الأخلاق في أمور الدولة”، على ما قاله ماكيافلي في كتابه “الأمير”. ومن باب أولى، كان لا محل لهذه القواعد في العلاقات الدولية الخارجية.

ومن ثم، كانت الحروب تتصف بالضراوة والوحشية الزائدة، من دون رادع ولا مانع، سوى قاعدة الحق للقوة، فكانت الأعراف الحربية تبيح الغدر والبطش بأبشع أنواعه، وتبيح قتل الكبار والصغار، والرجال والنساء على السواء. وتسوغ التخريب والتدمير في الديار والأموال على اختلافها. وتجيز إذلال الغالب للمغلوب، وحبس الأسرى، وتعذيبهم واسترقاقهم وقتلهم.

إزاء هذه الحالة، كان العرب يتبعون الأحكام الشرعية الإنسانية الرحيمة، فكانت العلاقات الدولية بين الغرب والشرق مرآة لأعراف الفريقين المتباينة.
فالغربيون طبقوا أعرافهم القاسية، بدون رحمة ولا هوادة، في معاملتهم مع العرب. ومن أمثلة ذلك ما فعله الأسبان في الأندلس، إذ قتلوا جميع العرب الذين لم يقبلوا الارتداد عن دينهم، ثم هدموا بيوتهم واحرقوا مخطوطاتهم ومجلداتهم ومكتباتهم، فأضاعوا بذلك كنزاً ثميناً لا يعوض من التراث العربي. وكذلك أثناء الحروب الصليبية، كان الغربيون غالباً يقتلون أسرى العرب. ثم لما فتحوا بيت المقدس، قتلوا ما يقارب السبعين ألف مسلم ويهودي.

أما العرب، فأنهم لم يرتكبوا شيئاً من هذه الأعمال في جميع فتوحاتهم، لا سيما في الأندلس أثناء فتحها وحكمها،| وفي القدس نفسها سواء عند فتحها أيام عمر بن الخطاب (رض) أم عند استردادها أيام صلاح الدين الأيوبي، وكان هذا الأخير يمتنع عن قتل الأسرى حتى على سبيل المقابلة، لا بل كان يداويهم ويحسن معاملتهم أو يطلق سراحهم.

تقييد أعمال العنف.

معلوم أن تلك الحالة القاسية القديمة تطورت فيما بعد نحو تقييد أعمال العنف وتلطيف ويلات الحروب. فعلاوة على أثر العرب في هذا المجال، فأن النهضة الأوروبية التي تلت القرون الوسطى، وما احتفّ بها من نظريات علمية واجتّماعية وحركات إصلاحية، أثرت جميعاً في تطور القانون الدولي. وهكذا، سار هذا القانون تدريجياً، ولكن ببطء زائد، في طريق الرفق والرحمة. وانتهج، من ثم، السبل المؤدية إلى تنظيم أحكام الحروب على أساس التخفيف والتقييد، على قدر الإمكان.

وبناء عليه، توصل تطوير القانون الدولي إلى تنظيم تسيير الحروب، وضبطها وتقييدها بقواعد واضحة، وإلى تنظيم معاملة الأعداء وأموالهم، ومعاملة الجرحى وأسرى الحرب، معاملة إنسانية رحيمة.

وقد عقدت لهذه الغاية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الحديثة. منها اتفاقيات لاهاي لسنة 1899، المعدلة سنة 1907، والمتعلقة بتحديد أنواع الأسلحة، وحماية المدن الآمنة وسكانها، والعناية بالجرحى والأسرى في الحرب البرية والبحرية، ومنع فرض الغرامات الجماعية. ومنها بروتوكول جنيف لسنة 1925، المتضمن تحريم استعمال الغازات السامة والمواد البكتريولوجية وأمثالها من وسائل الحرب.

ومنها أخيراً اتفاقيات جنيف لسنة 1949. وهي أربعة، تتعلق بمعاملة الجرحى والمرضى في البر، والبحر، وأسرى الحرب، وحماية السكان المدنيين.

وأن الفكرة، التي ينطوي عليها كل تنظيم دولي في هذا المجال، هي أن أعمال العنف تباح ما دامت ضرورية لبلوغ الغاية المقصودة من الحرب، وهي تحطيم قوى العدو المسلحة وقدرته على القتال أو المقاومة. فلذا، يحظر مبدئياً كل عنف يجاوز هذه الغاية، وخصوصاً كل قسوة غير ضرورية نحو رعايا العدو وأموالهم، وكل عنف نحو العاجزين عن القتال. وهكذا، تثبتت، ولو نظرياً، القاعدة الحديثة أن جواز العنف مقدر بقدر ضرورات الحرب فقط.

المخالفات الواقعية

ومن المؤيدات العملية لذلك وجود محكمة العدل الدولية في لاهاي. ولكن اختصاص هذه المحكمة اختياري مبدئياً، وبالتالي ينقصه عنصر الإلزام، كما ينقص قراراتها عنصر التنفيذ القسري عند الاقتضاء.

ومن المؤيدات لتطبيق القانون الدولي أيضاً ما يتمتع به مجلس الأمن الدولي بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة من اختصاصات في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان. فللمجلس، في هذه الحالات، الحق بأن يتخذ التوصيات أو التدابير الاحترازية التي يراها لازمة، كما أن له أن يقرر العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الدبلوماسية وما شاكل ذلك. وإذا لم تكف هذه التدابير والعقوبات، فللمجلس أن يقرر الالتجاء إلى القوة.

غير أن حق التجاء الأمم المتحدة إلى القوة صعب التطبيق في الواقع، وذلك لعدم وجود جيش لها، ولوجود حق النقض الذي تتمتع به الدول الكبرى بما لها من عضوية دائمة في مجلس الأمن. وقد أثبت الواقع خضوع هيئات الأمم المتحدة لنفوذ هذه الدول.

جرائم الحرب

من المؤيدات الجديدة لمبادئ القانون الدولي، التي تساعد على تخفيف أعمال العنف والقسوة في الحروب، نشوء قانون العقوبات الدولي، الذي يتناول بعض الأعمال الوحشية والأعمال غير المشروعة المخالفة للقانون الدولي، ويجيز ملاحقتها ومعاقبتها كجرائم حرب.

ولقد أسهمت تلك الاتفاقيات والمحاكمات في تطوير التشريع الجنائي الدولي، وفي تقييد قبول العذر المبني على أوامر السلطة. فيوجه عام، تطور معنى العذر، بحيث أن المرؤوس في الأمور العسكرية لا يلزم بطاعة أمر رئيسه إذا كان هذا الأمر من النوع الذي يمكن للرجل المتصف بالحس والفهم العاديين أن يعلم بأنه غير مشروع.
غير أنه لابد من الملاحظة أن مجال تطبيق قانون العقوبات الدولي المتعلق بجرائم الحرب ضيق جداً، لأنه يفترض انتصار الدولة أو الدول المظلومة وانكسار الدولة أو الدول الظالمة. ثم يفترض أيضاً تمكن الأولى من الثانية، بحيث تقدر على فرض سلطتها ومحاكماتها وأحكامها. وهذا فيه خطر التعسف من جهة، وخطر انفلات المجرم المتسلط المتمرد من جهة أخرى. وعندئذ، قد يصدق على محاكمات نورنبرغ وأمثالها قول من تساءل: أهي تحقيق للعدالة، أم استمرار للحرب بأساليب مختلفة؟

ومما لا ريب فيه أن محاكمة مجرمي الحرب الجدية تستوجب استصدار تشريع دولي واضح. وتتطلب إنشاء قضاء دولي، يملك السلطة القهرية الكافية، لتحري جرائم الحرب ولمحاكمة أربابها، ثمّ لتنفيذ أحكامها، وذلك جميعاً بصورة عادلة نزيهة حازمة.
أما في الشرع الإسلامي، فلا مجال لبحث مسألة جرائم الحرب ومعاقبتها بقانون خاص دولي. وسبب ذلك، انه لا فرق في الشرع بين القانون الداخلي والقانون الدولي. فما يعد جريمة في الأول هو كذلك في العلاقات الدولية من دون مراء.

النظام الإسلامي

وضع الشرع الإسلامي، في مسألة تحديد الأعمال العدائية المباحة، قواعد مضبوطة لأجل معاملة الرعايا الأعداء ولمصير أموالهم. وهذه القواعد، إذا ما قيست بالزمان الذي وضعت فيه، تؤلف من دون ريب نظاماً من أرقى الأنظمة الإنسانية الرحيمة.
فالقاعدة الشرعية الأساسية في ذلك أنه يباح كل عمل من أعمال العنف متى كان ضرورياً لسحق مقاومة العدو. فلذا، وبوجه عام، يجوز أثناء الأعمال العدائية قتل الأعداء المحاربين والأعداء غير المحاربين القادرين على القتال، إذا كانت العمليات الحربية تستوجب ذلك.

وقبل توضيح هذه القاعدة وتفاصيل شروطها، نبين أولاً بعض الحالات المستثناة التي لا يمكن أن تطبق عليها. وهي كلها مبنية على مبادئ الإحسان التي أمر بها الشرع في هذه المسألة، كما في سائر المسائل.

وتأييداً لذلك، كان النبي (ص) يوصى صحابته وقواده بقوله: “انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً ولا صغيراً، ولا امرأة. ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، واصلحوا وأحسنوا، فان الله يحب المحسنين”.

الأشخاص المحميّون

من القاعدة الشرعية الأساسية المنوه بها، التي تسمح بقتال الأعداء المحاربين والقادرين على القتال، يستنتج بدلالة قياس العكس، أن الأعداء غير المحاربين الذي لا يشتركون في القتال ولا يقدرون على ذلك، يتمتعون بحماية خاصة، ويستثنون من الأعمال العدائية. فلذا، لا يحل قتلهم، ولا مهاجمتهم، ولا التعرض لهم بأي وجه آخر.

وقد اختلف الفقهاء في تفصيل هؤلاء الأشخاص، وفي كثير من الأمور المتعلقة بهم. ولكن رأي الكثرة منهم يعفي الفئات الآتية. وهي: الصغار والنساء، والشيوخ والعجزة، والرهبان. وقد أضاف بعض الفقهاء إليهم أيضاً: التجار والزراع. ونحن نوضح كلاً من هذه الفئات بشرح وجيز.

أولاً ـ الصغار والنساء.
ويقصد بالصغار من لم يكملوا سن البلوغ الشرعي، الذي حدّد في معظم المذاهب بتمام البلوغ الطبيعي أم بتمام الخامسة عشرة من العمر. فيفترض في هؤلاء الصغار وفي النساء عامة ضعف البنية وعدم القدرة على القتال المعروف في ذلك الزمان. فاقتضى ذلك تحريم التعرض لهم بأي عمل عدائي.

ثانياً ـ الكبار العجزة.
يلحق هؤلاء بالصغار والنساء لنفس العلة. ويشمل العجز الشيخ الفاني، والمجنون والمعتوه، والأعمى والمقعد والمفلوج، ومقطوع اليد اليمنى، ومقطوع اليد والرجل من خلاف.

ثالثاً ـ رجال الدين.
ويشملون الرهبان من سكان الصوامع والأديرة وغيرهم من رجال الدين، الذين لا يخالطون الناس. وهذه الفئة من الناس تستحق تنويهاً خاصاً.

ذلك أنها تضيف برهاناً آخر على حرية العقيدة في الإسلام وعلى تحريم الإكراه في الدين، وتثبت ضلال أولئك الكتاب الذين زعموا أن الإسلام توسع بالسيف وبمضايقة سائر الأديان واضطهاد غير المسلمين.

ثم بالإشارة إلى هذه الفئة من الناس، فأن الخليفة أبا بكر الصديق (رض)، عندما بعث القائد يزيد بن أبي سفيان على الجيش الذي وجهه إلى الشام، أوصاه بقوله: “إنك ستلقى أقواماً زعموا انهم قد فرغوا أنفسهم لله في الصوامع، فذرهم وما فرغوا له أنفسهم”.
فالخليفة في هذه الوصية الشهيرة لم يأمر قائده العسكري بقتل أولئك الناس الذين يبشرون بدين آخر، ويفترض فيهم العمل خلافاً لمصلحة المسلمين بل على العكس، فأنه أمره بحمايتهم من كل تعرض أو عمل عدائي، وذلك لأنهم يعبدون الله تعالى. وان كثرة الخلفاء والفقهاء وافقوا وصادقوا على هذه الوصية الإنسانية.

وان ذلك التصرف ينسجم أيضاً مع نصوص القرآن المذكورة آنفاً، والتي كرست حرمة أماكن العبادة بالعبارة التالية: “… ولولا دفع الله الناسَ بعضَهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز”.

فواضح من هذا انه لا فرق بين المساجد وغيرها من أماكن العبادة من ناحية هذه الحرمة.
وفوق ذلك، فقد نوّهت آية كريمة برجال الدين المسيحيين بصورة ودية جداً، فأكّدت الإجلال الواجب لله تعالى ولخدامه من سائر الأديان. ونصها ما يلي: “ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا أنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون”.

رابعاً ـ التجار والزراع.
علاوة على فئات الأشخاص المذكورين الذين يتناولهم الإعفاء والحماية، فإن بعض الفقهاء، أمثال الأوزاعي وابن حنبل، أضافوا التجار والزراع. وهذا الرأي، وان كان قول الأقلية، إلا أنه يثبت أن التفريق بين الأعداء المحاربين وبين غير المحاربين كان واضحاً في ذهن هؤلاء النفر من الفقهاء.

ومن جهة أخرى، كان من الفقهاء، أمثال الشافعي وابن حزم، من حصر الإعفاء بالصغار والنساء دون غيرهم من أفراد العدو.

أما قول جمهور الفقهاء، فقد استند إلى سنة النبي (ص) وسنة صحابته وخلفائه. فروي عن النبي (ص) انه قال: “لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأة”. “لا تقتلوا أصحاب الصوامع”. وقال عن الرهبان: “فذرهم وما حبسوا أنفسهم إليه”.

سقوط الحصانة
لا ريب في أن الحصانة، التي يتمتع بها من ذكرنا من الأشخاص المحميين، يشترط فيها أن يكون هؤلاء غير محاربين بالفعل، وألا يقدروا على القتال. فهم لذلك يفقدون حصانتهم إن هم اشتركوا في القتال، أو في تدبير الحرب بطريق المشورة والرأي.

وكذلك تسقط الحصانة عمن ذكر في حال من الضرورة. مثاله: إذا تترس الأعداء بالنساء والأطفال حين الزحف وعند التحام الحرب، جاز قتلهم ورميهم بالمنجنيق، وذلك لما روي النبي (ص) انه نصب المنجنيق على أهل الطائف.

أما إذا تترس الأعداء بأسرى المسلمين أو تجارهم، بأن وضعوهم أمامهم حين الزحف على الجيش الإسلامي، فقد قال الحنفية بجواز رميهم، لأن في ذلك تحمل الضرر الخاص، وهو قتل الأسير أو التاجر، لدفع الضرر العام، وهو الذب عن الوطن. أما باقي المذاهب، فقد اشترطت لجواز ذلك أن تقتضيه ضرورات الحرب القائمة، كأن يتعذر بدونه أمن شر العدو، أو القدرة عليه، أو دفع الخوف عن المسلمين.

وكذلك، إذا كان أسرى المسلمين وأطفالهم في حصن الأعداء أو في مركبهم، فقد قال جمهور الفقهاء بأن الحرق أو الإغراق أو الرمي بالمنجنيق جائز عند التحام الحرب، شرط أن لا يكون الظفر ممكناً بغير ذلك ولكن روي عن الإمامين مالك والاوزاعي أنهما منعا ذلك.

وتستند قاعدة الضرورة المنوه بها إلى المصلحة العامة. ويبررها الدليل الانصافي المعروف بالاستحسان عند الحنفية، وبالمصالح المرسلة عند المالكية.
وتطبق نفس القاعدة في حالة قتل الأشخاص المحميين بطريق الخطأ وهذا من فروع القواعد الكلية العامة المعروفة في الشرع الإسلامي. ويستند ذلك إلى الآية الكريمة: “وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم”.
وكذلك ورد ما يرفع المسؤولية عن المخطئ في الحديث الشريف: “إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”.

الأنظمة الرحيمة

علاوة على كل ما سبق، وحتى في الأحوال الخارجة عن الإعفاء، والتي يسوغ فيها القتل أثناء العمليات الحربية، فقد فرضت بشأنها قواعد رحيمة، فالغدر والتمثيل محرمان، لقول النبي (ص): “لا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا”.

ثم لأجل تجنب ما ليس ضرورياً من التشويه البدني والتمثيل الوحشي، قال النبي (ص) في حديثه الشريف: “إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه”.

وبناء عليه، فقد حرّم الشرع أيضاً حرق الأعداء الأحياء. وفرض على المحارب أن يتجنب قتل أبيه إذا كان يقاتل في صفوف المشركين، وذلك برّاً بالوالدين وبواجب مصاحبتهما في الدنيا معروفاً، وقد أكّد القرآن الكريم هذا الواجب مراراً، ولم يستثن من طاعة الوالدين إلا حالة الشرك بالله تعالى. مثاله، جاء في الآية الكريمة ما يلي: “وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً”.

ومن الشواهد الدامغة على المعاملة الرحيمة التي فرضها الشرع تجاه الأعداء واجب الامتناع عن كل ما يسبب زيادة الحرج والألم والمشقة لغير المحاربين. فقد روي أنه في إبان حصار مكة مرة، عندما منع تموينها بالحبوب، كتب أهلها رسالة إلى النبي (ص) يقولون فيها: “انك تأمر بصلة الرحم ولكنك قطعت أرحامنا فقتلت الآباء وجوّعت الأبناء”. ولما تسلم النبي (ص) هذه الشكوى، أمر فوراً برفع الحظر والظلامة.| وهذا، بلا مراء، من السابقات التي جمعت بين الأحكام النظرية والتطبيق العملي بآن.

ولابد من الإشارة أخيراً إلى العقوبات الجماعية، التي نراها أحياناً تفرض على أهل بلدة بكاملها انتقاماً من أعمال بعضهم، على الرغم من منعها في القانون الدولي الحديث. فالشرع الإسلامي لا يقر ذلك بحال، وفقاً للآية الكريمة: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.