الاستيطان الإسرائيلي في ضوء القانون الدولي

يشكل الاستيطان أحد مرتكزات الحركة الصهيونية ، بل انه الهدف الرئيس للايديولوجية، ولا يعيق الاستيطان إلاعوامل داخلية إسرائيلية ناتجة عن تباينات ايديولوجية أو أوليات اقتصادية ليس له أي حدود قانونية أوشرعية بإستثناء القانون الإسرائيلي الذي يؤطرعملية الاستيطان وممارستها بأليات عدة منها محكمة العدل العليا الإسرائيلية التي تظهر شرعية المستوطنات في مقابل القوانين الدولية والقرارات والأحكام التي لا تجيز تلك الممارسات بل تمنعها.

فور اتمام القوات الإسرائيلية أحكام سيطرتها علي الأراضي المحتلة عقب عدوان 1967، شرعت في وضع وتنفيذ مخططاتها ومشاريعها الاستيطانية علي صعيد الأراضي المحتلة بهدف تحقيق جملة من النتائج والأثار السياسية والاجتماعية علي صعيد الإقليم جغرافيا وديمغرافيا، واتخذت سلطات الاحتلال سلسلة من الإجراءات والقرارات الهادفة الي أحكام السيطرة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وهضبة الجولان، وإحداث تغييرات ادارية وقانونية في وضعها تمهيدا للاستيلاء علي مساحة واسعة من الأراضي وإقامة المستعمرات عليها، لا يمكن التنازل عنها أو التفاوض عليها في المستقبل .

قامت سلطات الاحتلال باستغلال أحكام وقواعد القانون الدولي الانساني، والتي اجازت نصوصه للمحتل حق إدارة الأراضي والأملاك الحكومية والانتفاع بها، كذريعة لسياستها التي انتهجتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحتي تنوء بنفسها عن أية ضغوط دولية أو إدانة تجاه ما تقوم به من استيطان.
تقنين الاستيطان في الأراضي المحتلة
منذ بداية النشاط الاستيطاني في فلسطين وبعد احتلال الأراضي العربية عام 1967 برز التوجه إلي تواجد كتل استيطانية بهدف الاستيلاء علي مناطق جديدة وتوسيع وبلورة حدود البلد }إسرائيل {، وقد تم الحفاظ علي تلك الاستراتيجية بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان والقدس الشرقية، بالإضافة الي جملة من المعايير لسياسة الحكومات الإسرائيلية في الاستيطان بالمناطق بعد احتلالها عام 1967 منها :

• الحاجات السياسية – الاستراتيجية؛ ألا وهي السيطرة علي المناطق تمهيد لضمها جزئيا أو كليا لدولة إسرائيل، وقد تم تركيز المستوطنات اليهودية في كتل استيطانية علي قاعد ة الوصل / والفصل أي وصل المستوطنات بعضها البعض وفصل المناطق والتجمعات والمدن والقري الفلسطينية عن بعضها البعض.

• الحاجات الأمنية؛ حيت تم توجيه الاستيطان في المناطق ذات الأهمية السياسية والعسكرية مثل مرتفعات الجولان وغور الأردن لجعلهما حدودا سياسية في المسقبل وغوش عتصيون وسط الضفة الغربية، ومشارف رفح لفصل أهالي القطاع ذا الكثافة السكانية العالية عن الجبهة الشرقية من مصر، وأخيرا شاطئ سيناء الشرقي .
• بجانب ما سلف برزت الحاجات الاقتصادية ومطالب القوي المختلفة في إسرائيل بالاستيطان اليهودا والسامرا إما باعتبارات دينية أو اقتصادية .. الخ .

كل هذه الاعتبارات تتفاوت في أهميتها تبعاً للفترات الزمنية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمسؤولين الإسرائيليين المشرفين علي المناطق المحتلة، إلا أن الهدف السياسي – والاستراتيجي ظل علي قائمة الاعتبارات الرئيسة لدي الحكومات الإسرائيلية والمتمثل في تأمين وإحكام السيطرة علي مناطق واسعة من الأراضي المحتلة وضمها إلي إسرائيل .
شرعت سلطات الإسرائيلية منذ احتلال الأراضي العربية عام 1967 في إقامة وجود استيطاني بها إضافة إلي وجودها العسكري، واتخذت سلسلة من الإجراءات أهمها إنشاء الحكم العسكري الإسرائيلي في 7/6/1967 بموجب منشور رقم 1 ” بشأن تقلد السلطة من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي ” وتلا ذلك فورا المنشور رقم 2 ” بشأن أنظمة السلطة والقضاء ” اللذان أُسسا لتغيير جذري متدرج في البني القانونية والإدارية السائدة آنذاك، فقد نص المنشور علي أن القوانين التي كانت قائمة في الضفة الغربية تظل نافذة المفعول ” بالقدر الذي لا تتعارض فيه وهذا المنشور أو أي منشور أو أمر ” يصدر عن القائد القوات الإسرائيلية في الضفة، كما نص علي أن كل صلاحية من صلاحيات الحكم ، والتشريع والتعيين والادارة مما يتعلق بالمنطق أو سكانها تخول منذ الآن اليَ } قائد القوات الإسرائيلية { فقط وتمارس من قبلي أو من قبل من أعينه لذلك أو من يعمل بالنيابة عني “.

خلال الأشهر القليلة التي تلت الاحتلال أصدرت السلطات العسكرية ٍسلسلة من الأوامر، غطت مختلف نواحي الحياة في الضفة الغربية وغيرها من الأراضي المحتلة بما فيها عدد من الأوامر التي أضفت الطابع القانوني علي عمليات الاستيلاء اللاحقة علي مساحات كبيرة من الأراضي المحتلة، وانتزاع الملكيات الفلسطينية من أصحابها والسيطرة عليها، وقد استخدمت أساليب متعددة في الأراضي المحتلة .

الضفة الغربية 

أصدرت القيادة العسكرية الإسرائيلية لقوات الاحتلال الأمر العسكري رقم 58 الذي عرف الغائب بأنه كل شخص ترك الضفة الغربية قبل أو أثناء أو بعد الحرب ولقد عين القائد العسكري قيماً علي أموال هؤلاء الأشخاص غير المنقولة ( حارس أملاك الغائبين ) الذي أجازت له الأوامر العسكرية بحق القيام بإجراء الصفقات العقارية وبيع الأراضي وتسجيلها. لقد ساهم حارس أملاك الغائبين طوال السنوات الماضية في مساعدة وتمكين قوات الاحتلال من حيازة واستملاك مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المملوكة من قبل السكان المصنفين كونهم غائبين بموجب صلاحياته القانونية المنصوص عليها في الأوامر العسكرية .
وبموجب الأمر العسكري رقم 59 لسنة 1967 ” بشأن أملاك الدولة ” استولت السلطات الاحتلال علي نحو 100 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية بحلول عام 1977 وارتفع الرقم الي 450 ألف دونم في عام 1984 ، كما إنها استولت أيضا علي مساحات أخري من الأراضي بموجب الأمر رقم 3 لسنة 1967 ” بشأن تعليمات الأمن وغيرها من الأوامر العسكرية بشأن المناطق المحتلة .
كما أجاز الأمر العسكري رقم 321 الصادر عام 1969 لقيادة القوات الاحتلال مصادرة الأراضي واستملاكها في الإقليم الفلسطيني المحتل لغايات المنفعة العامة ، وبطبيعة الحال استغلت قوات الاحتلال هذا الأمر لتجريد السكان من آلاف الدونمات من الأراضي بحجة المنفعة العامة .

القدس الشرقية

إما بالنسبة لمنطقة القدس الشرقية المحتلة، فبعد 18 يوما من احتلالها يوم28/6/1967 أصدرت الحكومة الإسرائيلية مرسوماً يستند إلي قانون أنظمة السلطة والقضاء لسنة 1948 ويسري بموجبه ” قانون الدولة وقضاؤها وادارتها ” علي مساحة تبلغ 170 ألف دونم تضم البلدة القديمة بالإضافة إلي المناطق المحيطة بها، كما أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي اعلانا في الجريدة الرسمية بإلحاق منطقة القدس الموسعة بمنطقة صلاحية مجلس بلدية القدس الكبري. وبهذا ألحقت القدس المحتلة وما ترتب علي توسيعها إلي دولة إسرائيل سياسية وادارياً وقضائياً دون خضوعها لقوات جيش الاحتلال أو الحاكم العسكري الإسرائيلي للمناطق المحتلة .
وفي عام 1980 أقر الكنيست الإسرائيلي القانون الأساسي : القدس الذي اعتبر بمثابة ضم قانوني نهائي للقدس بعد أن أحكمت السيطرة عليها عبر الاستيطان والاستيلاء علي الأراضي والممتلكات العامة والخاصة وتوسيع مساحة القدس الشرقية، فيما يسمي بالقدس الكبري، وبموازاة الانشطة الاستيطانية التهويدية في القدس، انتهجت سلطات الاحتلال الإسرائيلية سياسات تمييز منهجية ضد السكان الفلسطينيين المحليين للقدس في جميع الأمور الحياتية، وطبقت في عقد التسعينيات سياسة ترحيل للفلسطينيين قسرياً للمقيمين بالقدس الشرقية، بوسائل متعددة تشمل القوانيين وتنظيمات وأحكام قضائية وتكتيكات إدارية تسببت بفقدان آلاف منهم حقهم في الإقامة بالمدينة .

قطاع غزة

بدأ الاستيطان في قطاع غزة متأخراً نسبياً إلي باقي المناطق، إلا أن الحاكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة قد أصدر عدة أوامر عسكرية تتطابق نصوصها إلي حد بعيد مع الأوامر العسكرية الصادرة في الضفة الغربية، وتشمل الآتي: الأمر رقم 1 ” بشأن إغلاق المنطقة “، الأمر رقم 42 ” بشأن الأموال المتروكة –الممتلكات الخصوصية “، والأمر رقم 43 ” بشأن الأموال الحكومية “، كما الأمر رقم 102 ” بشأن الصفقات العقارية “، كذلك الأمر رقم 123 ” بشأن لجان الاعتراض “.
وعليه فقد سيطرت قوات الاحتلال علي أراضي مساحتها 117 ألف دونم بحجة أنها ” أملاك الدولة ” والتي تؤلف نحو 32.5% من مساحة قطاع غزة الإجمالي، وهناك من يذكر أن الأراضي التي صودرت إجمالا ووفقاً للأوامر العسكرية ما يقرب من 43% من مساحة القطاع .
إلي جانب الاجراءات والوسائل المختلفة التي نفذت بموجب القرارات العسكرية أو القوانيين، سمحت قوات الاحتلال الإسرائيلي لمواطني إسرائيل اليهود شراء وتملك الأموال غير المنقولة في الأراضي المحتلة، كما لجأت قوات الاحتلال إلي انتزاع ومصادرة مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية بحجة الاحتياجات الأمنية، وبموجب ذلك فقد استولت قوات الاحتلال من عام 1967 – 1999 علي ما نسبته 70% من إجمالي مساحة الضفة الغربية و48% من مساحة القطاع، مستغلة بذلك أحكام وقواعد القانون الدولي الذي أجاز للمحتل بحق ومشروعية الاستيلاء علي الأموال المنقولة وغير المنقولة إذا ما اقتضت الضرورة الأمنية والاحتياجات الحربية لقوات الاحتلال .

الاستيطان في ضوء القانون الدولي

تعتبر إقامة المستوطنات في القانون الدولي بالإضافة إلي نقل سكان دولة الاحتلال إلي الإقليم المحتل – مناقضة لكل المبادئ الدولية والاتفاقيات الدولية ومنها لائحة لاهاي 1907 واتفاقيات جنيف – الرابعة لعام 1949، وميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين للحقوق الاجتماعية والاقتصادية …، والحقوق المدنية والسياسية، كما هي مناقضة لميثاق حقوق الانسان الصادر عام 1948، بجانب إنها مخالفة للقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن عدم شرعية المستوطنات ووقفه وتفكيكها في المناطق المحتلة .
إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتمدت علي قواعد القانون الدولي وأحكامه وفقا لتفسيرات الشراع الإسرائيليين لبنود القانون الدولي بما يناسب أعمال قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة، فبدات بإصدار أمرا عسكرياً خاصاً منشور رقم 3 ” بتعليمات الأمن ” جاء بمضمون المادة 35 منه ” يترتب علي المحكمة العسكرية ومديريتها تطبيق أحكام ومعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 بخصوص حماية المدنيين أثناء الحرب بصدد كل ما يتعلق بالإجراءات القضائية، وإذا وجد تناقض بين هذا الأمر وبين المعاهدة المذكورة فتكون الأفضلية لأحكام المعاهدة “، غير أن القيادة العسكرية الإسرائيلية لم تلبث أن أوقفت سريان ونفاذ المادة 35 من المنشور السالف بموجب الأمر العسكري رقم 107 الصادر بتاريخ 11/10/1967 علي صعيد الضفة الغربية معللة قرارها بالقول ” إن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لا تتمتع بالسمو والأفضلية علي القانون الإسرائيلي وتعليمات القيادة العسكرية، وإن ما تضمنته المادة 35 من الإشارة لاتفاقية جنيف الرابعة جاء بطريق الخطأ لذا تم الغاؤه.
تندرج الأراضي الفلسطينية حكماً ضمن نطاق ومفهوم الأراضي المحتلة لكونها وجدت فعلياً تحت سيطرة وادارة قوات أجنبية معادية وإجتازتها بإستخدام القوة دون وجه حق ، ونجحت فعلياً بالسيطرة عليها وادارتها عبر إقامتها لحكومة عسكرية تمارس دورها في حكم وادارة هذه الأراضي، وينظم القانون الدولي الإنساني ما يجب علي المحتل والتزاماته تجاه الممتلكات العامة والخاصة والموارد وثروات الأراضي المحتلة، كما ينظم حدود ونطاق الاستيلاء والمصادرة الأراضي أو الانتفاع بالأملاك العامة. أي أن القانون الدولي أوجد جملة من الضوابط والمعايير القانونية الواجبة علي المحتل واحترامها والالتزام بها حال شروعه في ممارسة واستخدام ما وضع لمنفعته من حقوق حيال الأعيان العامة والخاصة في الأراضي الخاضعة لسيطرته وادارته.
تناولت أحكام ونصوص لائحة لاهاي لعام 1907 في مواضع متفرقة من مضمونها حقوق والتزامات المحتل، فقد جاء بنص المادة 47 ” يحظر السلب حظرا تاما “، كما ذكرت المادة 55 منها ” لا تعتبر دولة الاحتلال نفسها سوي مسؤول اداري ومنتفع من المؤسسات والمباني العمومية والغابات والأراضي الزراعية التي تملكها الدولة المعادية والتي توجد في البلد الواقع تحت الاحتلال وينبغي عليها صيانة باطن هذه الممتلكات وادارتها وفقا لقواعد الانتفاع “.

وعلي صعيد اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تطرقت أحكامها لموضوع الاستيلاء ومصادرة ملكيات سكان الأراضي المحتلة وأعمال الاستيطان ونقل وترحيل سكان دولة الاحتلال المدنيين الي الأراضي الخاضعة لادارة وسلطة قواتها ،

فقد نصت المادة 33 “…. السلب محظور …” وفي المادة 49 أكدت علي ” عدم جواز قيام المحتل بنقل وترحيل سكانه المدنيين …” في حين عالجت المادة 53 موضوع هدم وتخريب الممتلكات ” يحظر علي دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو بالسلطات العامة أو المنظمات الاجتماعية … بالإضافة إلي عدة مواد تنظم علاقة المحتل بالسكان المدنيين في ادارة شؤون حياتها المعيشية.
إلي جانب الاتفاقيات تطرق بروتوكول جنيف الأول المكمل للاتفاقيات جنيف الأربع إلي حقوق والتزامات قوات المحتل تجاه الملكيات العامة والخاصة والمناطق والموارد الطبيعية علي الصعيد الإقليم المحتل حيث جاء نص المادة 54 منه “يحظر مهاجم أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لاغني لبقاء السكان المدنيين … مهما كانت البواعث سواء كان بعض تجويع المدنيين أو لحملهم علي النزوح أو لاي باعث اخر” .
بالرغم من أن القانون الدولي حصر حق المحتل في التصرف في الإقليم الخاضع لسيطرته في حالة الضرورة الحربية لاجراء وتنفيذ لأعمال المصادرة والهدم والتخريب وأن تكون الأعمال قاصرة علي قوات الاحتلال فقط وتكون محددة ومحصورة بتلبية وتغطية احتياجات ومتطلبات هذه القوات، إلا إن إسرائيل وقوات الاحتلال تستخدم تللك المبررات لأغراض استيطانية مخالفة لأحكام وقواعد القانون الدولي الانساني .

إن أعمال الاستيطان الجاري القيام بها وتنفيذها بإشراف ودعم وتمويل الحكومات الإسرائيلية تتعارض بوضوح مع مضمون المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الي حظر مضمونها علي الاطلاق نقل وتوطين دولة الاحتلال لرعاياها المدنيين في الأراضي المحتلة .

إما بخصوص موقف أحكام الاتفاقية من الممارسات التي تتلازم مع الاستيطان كأعمال التدمير والتخريب والمصادرة بطرق تعسفية فقد جاءت المادة 147 من الاتفاقية ” المخالفة الجسيمة التي تشير إليها المادة السابقة هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محمييم أو ممتلكات محمية بالاتفاقية منها القتل العمد؛ التعذيب؛ المعاملة اللإنسانية بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة وتعمد إحداث آلام شديدة أو بالأضرار الخطيرة بالسلامة البدنية أو بالنفي أو النقل غير المشروع …. الخ، وتدمير واغتصاب الممتلكات علي نحو لا تبرره الضرورة الحربية وعلي نطاق كبير وبطريقة غير مشروعة وتعسفية “.
وبموجب مضمون المادة 58 من بروتوكول جنيف الأول أُعتبرت هذه الممارسات جرائم حرب وقد جاء في البند الرابع من المادة السالفة ” تعد الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات ولهذا الملحق بمثابة جرائم حرب وذلك مع عدم الإخلال بتطبيق هذه المواثيق ”
لم يقف انتهاكات وخرق السلطات الإسرائيلية المحتلة جراء الاستيطان الجاري القيام به وتنفيذه في الأراضي المحتلة علي قواعد وأحكام القانون الدولي وأنما تجاوز ذلك إلي عدم الانصياع إلي قرارت الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة، حيث صدرت عدة قرارات بإنكار أي صفة قانونية للاستيطان أو الضم وطالبت بالغائه وتفكيكه بما في ذلك الاستيطان في القدس الشرقية ومنها قرارات مجلس الأمن رقم 446 لسنة 1979 الذي أكد علي أن الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية المحتلة غير شرعي، كما قضي قرار رقم452 للعام نفسه بوقف الاستيطان في القدس وعدم الاعتراف بضمها، كما دعي إلي تفكيك المستوطنات القرار رقم 465 لسنو 1980 ، بالإضافة إلي قرارالجمعية العامة بهذا الصدد حتي بداية عقد التسعينيات وماتلاه من اتفاقيات تسوية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني فيما عرف باتفاقيات اوسلوا .

لا شك بأن الاستيطان الإسرائيلي وانعكاساته علي صعيد الإقليم الفلسطيني أرضاً وسكاناً قد انتهك بجانب ما أوردناه حقوق الإنسان الفلسطيني وحرياته الأساسية وسلامته الشخصية بالإضافة إلي انتهاكه لحقوقه الاقتصادية والتصرف والانتفاع بمقدرات وثروات إقليمه ، كما أعاق الاستيطان حق الأفراد في التنقل بحرية في بلدهم، ويتضح أثر ذلك في مجالات مختلفة منها الحواجز الإسرائيلية القائمة بشكل ثابت علي مداخل ومخارج المدن الفلسطينية والطرق الرئيسة والالتفافية المؤدية للمستوطنات، كماهو الحال في الإغلاقات المتعددة والمتكررة للمدن والقري الفلسطينية الواقعة بالقرب منها لضمان أمن المستوطنيين .
إن خطورة الاستيطان وأثاره المدمرة لاتنعكس علي ما تجسده هذه الظاهرة من مساس واضح بالإقليم الفلسطيني، بل تجاوز ذلك إلي المساس بالوحدة الجغرافية للأراضي الفلسطينية جراء الفواصل العمرانية اليهودية التي أوجدها المستوطنيين بين المدن والتجمعات الفلسطينية فضلاً عن التحكم الواضح في هيكيلية المدن الفلسطينية ومخططاتها التنظيمية، وأخيراً جاء جدار الفصل العنصري ليحقق مزيد من فرض الأمر الواقع الإسرائيلي، وخلق جملة من الحقائق يتعذر بعدها التراجع عنه