الرضآ كـ ظرف لتخفيف المسؤولية الجنآئية

لقد فسر المشرع المصرى تطبيق الظروف المخففة على مواد الجنايات فحسب بنص المادة (17) من قانون العقوبات المصرى ، وأوكل أمر ذلك إلى قضاء الحكم فحسب دون قضاء التحقيق .
فالظروف القضائية المخففة هى أسباب للتخفيف تخول للقاضى ، فى نطاق قواعد حددها القانون الحكم بعقوبة تقل عن الحد الأدنى المقرر للجريمة ، ولم يحدد الشارع الظروف المخففة ، ولم يضع ضوابط تعين القاضى على استخلاصها ، بل ترك ذلك كله لفطنته وحسن تقديره.

أما بالنسبة للمشرع الفرنسى فى نطاق تطبيق النظرية قد مدها إلى الجرائم بأنواعها الثلاثة . وفقا للتقييم التشريعى – الجنايات والجنح والمخالفات ، وان كان ذلك موكلا إلى المحلفين والمحكمة معا ، وحيث تشترط المادة 302 إجراءات جنائية فرنسى أغلبية الثلثين إذا كان القرار فى غير صالح المتهم على حين أقامها المشرع الاردنى فى دائرة الجنايات والجنح دون المخالفات بنص المادة 99 ، 100 عقوبات اردنى . وقد قضت محكمة النقض بان عبارة أحوال الجريمة التى تقتضى رأفة القضاء ، والتى ورد ذكرها فى المادة 17 عقوبات ، لاتنصب فقط على مجرد وقائع الدعوى ، وإنما تتناول بلا شك، كل ما يتعلق بماديه العمل الاجرامى من حيث هو ، وما يتعلق بشخص المجرم الذى ارتكب هذا العمل ، وشخص من وقعت عليه الجريمة ، وكذا كل ما أحاط بذلك العمل ومرتكبه والمجنى عليه من الملابسات والظروف بلا استثناء ، كالظروف المادية والظروف الشخصية وهذه المجموعة المكونة من تلك الملابسات والظروف والتى ليس فى الاستطاعة بيانها ولاحصرها هى التى تترك لمطلق تقدير القاضى أن يأخذ منها مايراه هو موجبا للرأفة .

ورضاء المجنى عليه قد يكون هو السبب لتخفيف المسئولية فى بعض الجرائم على اختلاف التشريعات . وأيضا هناك حالات لايؤثر الرضا على الركن الشرعى أو المادى للجريمة ويكون له اثر على تخفيف العقاب فى حدود السلطة التقديرية . كما أن الشارع قد يقرر التخفيف من العقاب عند اقتران الفعل بالرضا . وقد يرتب فعل الإجهاض على الأنثى الحامل لأسباب عديدة منها المحافظة على حياة الحامل أو الخشية من تأثير الجنين بمرض وراثى أو لأسباب تتعلق بشرف الحامل والخوف من العار .

فهذه المسألة اختلف فيها الفقه والتشريع فى نظرتهم إلى الإجهاض فى الحالات التى لاتستوجبها الضرورة وذلك عندما يرتكب الفعل برضاء الحامل .

اتجاه أول : وعلية يسير قلة من التشريعات ومؤداه أن الرضا بحسب الأصل لايخلع على الفعل طابع المشروعية إلا انه يبيح الإجهاض فى حالات خاصة محددة ومن قبيل ذلك مانص عليه المشرع اليوغوزلافى بالأمر الصادر 16 فبراير سنة 1960 حيث أباح الإجهاض بناء على طلب المرأة فى حالات بشرط إلا تكون مدة الحمل تجاوزت ثلاثة أشهر .

وكذلك القانون الفرنسى الصادر عام 1975 الذى أقر الإجهاض بناء على طلب الحامل فى حالات محددة بحيث يكون الحمل فى الأسابيع العشرة الأولى ويطالب بعض الفقه المصرى بإعادة النظر فى جريمة الإجهاض مراعاة للظروف الاجتماعية والاقتصادية بحيث يقر القانون إجهاض الحامل برضائها تقليل للحمل إذا زاد عدد الأبناء عن ثلاثة على أن تتوافر شروط عدة احدها رضاء الزوج أيضا بإجهاض زوجته وان يكون الحمل فى الأشهر الثلاثة الأولى .

اتجاه ثان : وهو مذهب الغالبية العظمى من التشريعات وحاصله انه لا أثر للرضاء على أركان جريمة الإجهاض لان الحق الذى يحميه القانون فى هذه الجريمة ليس خالصا للأنثى الحامل وإنما للمجتمع فيه النصيب الغالب ومن ثم عاقبت هذه التشريعات كلا من الأنثى ومقترف الفعل عليها إذا تم برضاء منها . ومن أمثلة ذلك التشريع المصرى والانجليزي والسويسرى . ويلاحظ على هذه التشريعات أن اغلبها لايسوى بين العقاب فى حالات اقتراف الفعل على غير أرادة الحامل وارتكابه برضاء صحيح منها وهذا كما فى قانون العقوبات السوداني الذى يخفف العقوبة عن ارتكاب الإجهاض المقترن بالرضا من الحامل .

الرضا كسبب لتغيير وصف الجريمة :

من المعلوم أن النص الجنائي يسدى حمايته إلى مصلحة معينة للشخص ، ويخلع على الاعتداء عليها تكييفا قانونيا متميزا عن غيرة من الاعتداء التى تقع على المصالح الأخرى وهذا التكييف هو الوصف القانونى للجريمة ، فاختلاس المنقول – مثلا – بنية – تملكه فعل تقوم به جريمة السرقة ، وتتوافر جريمة الاغتصاب فى مواقعه الأنثى بدون رضائها .

والرضا الصحيح بارتكاب نشاط اجرامى ، قد يزل وصف جريمة معينة ، ولكن يقوم به وبغيره من العناصر ركن مادى فى جريمة أخرى وأبرز مثال لذلك نلاحظها فى جرائم المساس بالعرض ويتضح ذلك فيما يلى :

1- لاتقوم جريمة الاغتصاب المنصوص عليها فى المادة 267 من قانون العقوبات إذا ارتكبت المواقعه برضاء صحيح من الأنثى . ولكن إذا كانت المرأة متزوجة ، فان رضاءها على الرغم من نفيه للركن المادى لجريمة الاغتصاب ، يكون عنصر فى الركن المادى لجريمة الزنا المنصوص عليها فى المادة 274 من قانون العقوبات ، وغنى عن البيان أن العقاب على الزنا اخف – فى القانون الوضعى – من العقاب على الاغتصاب .
فإذا اعتادت الأنثى أن تبدى رضاءها للعديد من الرجال – دون تمييز – بمواقعتها ، فان رضاءها – وان كان ينفى جريمة الاغتصاب ، يدخل احد عناصر جريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة ، المنصوص عليها بالفقرة ( ب) من المادة التاسعة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 10 لسنة 1961 فى شان مكافحة الدعارة . ولا يخفى أيضاً أن العقوبة على هذه الجريمة تقل بكثير عن العقاب على الاغتصاب .

2- لقد سلف القول بان الرضا الصحيح ينفى الركن المادى فى جريمة هتك العرض المنصوص عنها فى المادة 268 ولكن إذا ارتكب الفعل بالرضا فى علانية ، قامت عناصر جريمة الفعل الفاضح العلنى المنصوص عليها فى المادة 278 من قانون العقوبات . وتلك جريمة اخف عقابا من جريمة هتك العرض . وهذا كله بالنسبة إذا ما كان هناك رضاء صحيح صادر من المجنى عليه والذى بدوره يغير من وصف الجريمة .

أما الرضا الباطل الذى يغير أيضا فى وصف الجريمة . عرفنا فيما سبق أن الرضا الذى ينتج أثره على أركان الجريمة وعلى المسئولية الجنائية ، وهو الرضا الذى استوفى كل شروط صحته . فهل يعنى ذلك بأنه لا دور للرضاء الذى يفتقد شرطا أو أكثر ، بحيث ينعدم أثره على الجريمة والمسئولية ؟

وإجابة لذلك نرى تأثير هذا الرضا على الجريمة من زاويتين :

1- ينفى الاعتقاد فى صحته الركن المعنوى للجريمة ، وهذا الأمر قد سلف ذكره فى الركن المعنوى .
2- يغير الرضا الباطل وصف الجريمة ، ولتوضيح هذا القول فان الرضا الباطل وتاثيره على الوصف القانونى لجريمة السرقة .

قد يكون الرضا بتسليم المنقول مشوبا بعيب من العيوب ، فهل يؤثر على الجريمة ؟

نعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تقتضى التفرقة بين طائفتين من العيوب ، أولهما تلك التى تجرد الأرادة من التمييز والإدراك وحرية الاختيار ، مثل الجنون والسكر والاطراه، ولاشك فى أن جريمة السرقة تتوافر أركانها فى حالة انعدام الرضا بسبب هذه العيوب .

والحالة الثانية : حيث تكون الإرادة مدركة وحرة مختارة ، ولكنها تقع فى الغلط أو التدليس والغش .

والفقه مجمع فى هذه الحالة ، على أن التسليم الناجم عن إرادة مشوبة بعيب غير مؤثر على التمييز وحرية الاختيار يحول دون توافر ركن الاختلاس فى جريمة السرقة ، مادام الثابت أن الإرادة قد اتجهت فعلا إلى نقل الحيازة الكاملة أو الناقصة للمنقول ، فالعيب هنا لايعدم الإرادة ومن ثم لايحول دون وجودها ، ذلك لأنه ليس من شان الغش أو الخطأ نفى التمييز أو حرية الاختيار .