صيانة المديونيات من المماطلة

من أكثر ما يواجه القضاء إشكالية المماطلة في سداد المديونيات, فكثيرا ما حكمت المحاكم بقضايا ثبت فيها مماطلة المدين في سداد المستحق عليه, وغاية ما يصدر من القضاء هو إلزام المدين بسداد المبلغ لصاحبه, وقد يكون قد ذهب وقت طويل قبل رفع الدعوى رفض المدين فيها سداد المبلغ, ثم أثناء رفع الدعوى ذهب وقت مماثل كذلك. وبعد الحكم واكتسابه القطعية يتفنن البعض أيضا في تأخير تنفيذه, وبالنظر إلى مجموع ما ذهب من وقت على صاحب المال يكون قد فاته الكثير من الفرص وحصل عليه الكثير من الضرر.

لن أتحدث عن الوعي وأهمية الرفع منه وأثره في علاج المشكلة فهو مراهنة على منظومة متكاملة من قنوات التربية والتعليم والتهذيب لمجمل أخلاق المجتمع كما أن يحتاج لينتج أثره كعامل فاعل في علاج المشكلة إلى وقت طويل لتتشكل هذه القيم وتكون جزءا من النسيج الاجتماعي, وتسري فيه لا إراديا محققة المطلوب, والحديث هنا عن العوامل الأخرى التي لا تحتاج إلى كل هذا الوقت وإنما تحتاج إلى قرارات واجتهادات من أصحاب العلاقة. وفي حال النظر إلى الأوقات الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها, وهي قبل رفع الدعوى ” وأقصد هنا قبل التعاقد” وأثنائه وبعده فمن المعلوم أن المركز القانوني للطرفين وقوة موقفه تختلف من حالة إلى أخرى.

فقبل الاتفاق يمكن تضمين العقد – صيانة للمديونيات – : إلزام المدين بشرط جزائي على التأخر عن تسليم العمل في موعده المتفق عليه, وهذه الصورة أجازتها المجامع والهيئات الشرعية المعاصرة وهو المعمول به في القضاء السعودي, أما الصورة الثانية وهي وضع شرط جزائي على التأخر عن سداد الديون المستحقة – وهو ما يطالب به البعض – فهو من الصور الممنوعة ومن الشروط الباطلة في حال تضمينه في العقد, ولا يعمل به القضاء لكونه من صور الربا, كما أن من وسائل صيانة المديونيات: اشتراط حلول الأقساط في حال تأخر المدين عن سداد الدين , وقد أجازت هذا الشرط بعض المجامع الفقهية على إطلاقه , أما القضاء فالأكثر على العمل به بشرط عدم حصول ضرر على الطرف الثاني وفي رأيي أن هذه عدالة للطرفين .

أما بعد الحكم في القضية فبقدر ما أنه لا يقبل بحال المماطلة وتأخر السداد استنادا إلى ثبوت الحق واكتساب الحكم للقطعية, إلا أن الأمر يتوقف على جوانب تنفيذية إجرائية وحزم في تطبيق النظام على الجميع من دون استثناء, وآلية ذات كفاءة في إجبار المماطل في التنفيذ من مثل منعه من السفر, وتقييد حريته بحبسه, والتضييق عليه بإدراج اسمه في النظام الآلي للمطلوبين المعمول به في وزارة الداخلية, وغيرها من وسائل الضغط والإلزام.

أما أثناء رفع الدعوى- وقد أجلتها لكونها موضوع المقال- فيمكن للاجتهاد القضائي أن يسهم في الحد من هذه المشكلة, وذلك: بالعمل بالقول الذي يسمح للدائن بفسخ البيع واسترداد المبيع بحصول المماطلة وثبوتها لدى القضاء, أما السائد فقها وقضاء فهو عدم اعتبار ذلك موجبا لفسخ العقد, وإلزام المدين بسداد المبلغ فقط, وهو المذهب لدى الحنابلة, أما ما أشرت إليه فهو قول بعض المحققين ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول:” إذا كان المشتري مماطلا فللبائع الفسخ ذكره الأكثر, لأن المشتري أحدث عليه ضررا في تأخير الثمن فكان له الفسخ كمفلس ” المبدع لابن مفلح (4/116), واستنادا لحديث “من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس فهو أحق به من غيره” أخرجه مسلم, قال البهوتي “قال في الإنصاف وهو الصواب, قلت – البهوتي – : خصوصا في زماننا هذا”, قلت – الكاتب – : خصوصا في زماننا هذا.