اختراق القانون‮

لا‮ ‬يمكن لكيان أن‮ ‬يحيا خارج القانون‮. ‬

لابد من خلخلة القوانين بين الحين والآخر‮. ‬

هناك فرق بين الوجود القانوني‮ ‬المنظور والوجود المهمل‮. ‬

كلما ازدانت السماء وظهر لمعان النجوم القابعة فيها والكواكب،‮ ‬أتاها دخان كثيف أفسد كل شيء،‮ ‬فقد الرؤية،‮ ‬وتلاشت أو تكاد‮..‬هكذا حال السماء التي‮ ‬كنت فيها بعيداً‮ ‬عن مكاني،‮ ‬غير أن دخاناً‮ ‬ليس كأي‮ ‬دخان،‮ ‬حاول البعض أن‮ ‬يجعله كثيفاً‮ ‬يحجب الرؤية،‮ ‬فاختار القوانين؟‮!! ‬فهي‮ ‬الرادعة له ولمن‮ ‬يسير على خطاه وطريقه ومنواله،‮ ‬وفقاً‮ ‬للرؤية التي‮ ‬يراها ويجسدها،‮ ‬ولذلك حاول أن‮ ‬يبحث عن مثالب في‮ ‬القانون وإن لم‮ ‬يجدها اصطنعها وسخر لها من‮ ‬يبحث عنها حتى‮ ‬يهرب من جريمة‮. ‬

يقولون إن خلف الموج بحاراً‮ ‬وأمواجاً‮ ‬أخرى كثيرة‮ ‬غامقة في‮ ‬أحايين كثيرة لكنها صافية كصفاء الأبرياء مما أسند إليهم كصناعة طفل لم ترمش عيناه بعد،‮ ‬لكن الحياة بالرغم من أمواجها العاتية أحياناً‮ ‬لابد أن تسير ولكي‮ ‬تسير‮ ‬يجب أن‮ ‬يرافق هذا السير قوانين ترسم الحياة،‮ ‬أو على الأقل تكون بمثابة الخطوة الأولى نحو مجتمع‮ ‬يرنو إلى حقائق‮ ‬يقدسها ومثل ترسمها‮. ‬

وليس من شك أن الأمر لا‮ ‬يخلو من مخاطر الذين‮ ‬يدعون على القوانين الرصينة أنها عقبة وإن كان النقص لوحة من منا لا‮ ‬يراها وإن جحد ذلك الجاحدون،‮ ‬بل من‮ ‬يتجرؤون حتى على أحكام الشريعة في‮ ‬إطار قدسيتها ومهابتها ويتمسكون بحبائل الشياطين لتنقذهم من جرم هم فعلوه‮.‬

لن‮ ‬يكون الأمر سهلاً‮ ‬ميسوراً‮ ‬فأي‮ ‬مجتمع مهما كانت معتقداته،‮ ‬أكاد أجزم بأنه‮ ‬يحاول جاهداً‮ ‬أن‮ ‬يرسم طرقاً‮ ‬وسبلاً‮ ‬لمحاربة الجريمة،‮ ‬بكافة الطرق المتاحة له،‮ ‬وقد لا تكفي‮ ‬الأوراق والقراطيس لوحدها فهي‮ ‬وإن حملت بقواعد ومبادئ،‮ ‬لكن فكل هذا‮ ‬يبقى عديم الفائدة إذا لم تتكاتف الجهود من أجل التنفيذ‮. ‬

وقد تبدو الأمور للناظر من بعيد ميسورة لكنها ليست كذلك دائماً،‮ ‬فالحياة الراكدة لابد وأن تعلوها عفونة،‮ ‬ومن هنا كان الواجب‮ ‬يتحتم تحريك وخلخلة القوانين بين الحين والآخر،‮ ‬وإذا ما كان هذا الأمر الأخير من العيوب التي‮ ‬تصاب بها التشريعات،‮ ‬فإن هذا العيب‮ ‬يتقلص إذا نبه بعد حين عن هذه الخلخلة الجادة المدروسة المتخصصون‮. ‬

ولا تبدو المسائل في‮ ‬سعة كي‮ ‬يمكن النظر إلى الأشياء ـ أي‮ ‬شيء ـ في‮ ‬كل مرة بروية و ثبات،‮ ‬إلا أن مجرد تحريك الحياة من مكانها من الأمور التي‮ ‬تثبت الروح في‮ ‬قوانين راكدة،‮ ‬علها تصحو من‮ ‬غفوتها وتنطلق تتنفس الصعداء وتفتح عيونها فقد ترى في‮ ‬شيء قريب ما‮ ‬يزيح عنها‮ ‬غبار علق بالسماء ولم‮ ‬يكن لهذه الأخيرة ذنب فيه‮. ‬

ومن المشكلات التي‮ ‬عانت ولما تزل تعاني‮ ‬منها القوانين أنها قد لا تستوعب جوانب التطبيق بل إنها قد تنطلق من عقال صائغها بيد أخرى تشارك هذا الصائغ‮ ‬فيكون الأمر بمثابة مزيج قد لا‮ ‬يكون مناسباً‮. ‬ولا متناسباً‮ ‬ولا مستوعباً‮ ‬لأمور عدة‮.‬

‮ ‬وعمليات المزج المتأخر،‮ ‬أو ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون محاولة في‮ ‬كثير من الأحيان فاشلة لرأب‮ ‬الصدع لا تعدو في‮ ‬حقيقتها إلا عمليات ميؤوس‮ ‬منها‮ ‬في‮ ‬كثير من الأحيان‮ ‬أو إنها عمليات صياغة مشوهة لا تتعدى عادة حالات محددة تسقط بعدها لتنام‮ ‬قابعة في‮ ‬أحضان أرواح عفنة‮ .‬

وإذا ما كان مآل المياه‮ ‬النضوب‮ ‬،‮ ‬وإن كان المصدر ثرة‮ ‬ينابيعه‮ ‬فإن الأمر‮ ‬في‮ ‬حالات‮ ‬الاختناق‮ ‬يبدو أمراً‮ ‬مفروغاً‮ ‬وإن طال‮ ‬الأمر،‮ ‬لذلك‮ ‬كان من القوانين‮ ‬بينابيع جديدة‮ ‬،‮ ‬ومصادر‮ ‬أخرى من المسائل‮ ‬الجد‮ ‬دقيقة والملحة‮ ‬،‮ ‬فالنضوب‮ ‬السريع مهما كان سرعته‮ ‬أي‮ ‬ما لم‮ ‬يتجدد المصدر‮ .‬

وكم‮ ‬من نصوص‮ ‬قانونية‮ ‬ومبادئ راسخة،‮ ‬يضنها البعض عقبة حتى إذا ما أتت ساعة‮ ‬يقظتها نراها‮ ‬وقد أينع عودها وتفتحت‮ ‬زهورها لتستوعب أمراً‮ ‬ما كان ليستوعب لولا هذا الوجود‮.‬

‮ ‬والوجود‮ ‬القانوني‮ ‬معضلة‮ ‬تتقاذفها‮ ‬اتجاهات عدة‮ ‬،‮ ‬بين‮ ‬وجود‮ ‬منظور مهمل‮ ‬ووجود خفي‮ ‬لا‮ ‬يدركه الأشخاص‮ ‬وثالث‮ ‬وجود منظور‮ ‬مفعل وإذا‮ ‬ما كان‮ ‬هذا الأخير‮ ‬يحاول‮ ‬النوع‮ ‬الأول‮ ‬والثاني‮ ‬جذبة إلى الوراء‮ ‬فإنه‮ ‬يكاد‮ ‬يكون‮ ‬وجوداً‮ ‬يتطرق‮ ‬إليه شك‮ ‬الأشخاص‮ ‬الذين‮ ‬يفترض أن‮ ‬يطبق‮ ‬عليهم‮ ‬،‮ ‬فهم إما أن‮ ‬يتبجحوا بانتهاكهم‮ ‬لهذه القواعد وهي‮ ‬صورة‮ ‬تكاد تكون الأقل‮ ‬ومحصورة‮ ‬في‮ ‬شريحة تعد نفسها الصفوة‮ ‬في‮ ‬انتهاك الأسس‮ ‬والقواعد وحتى الأسس الأخلاقية‮ .‬

‮ ‬أما الوجود‮ ‬والمنظور المهمل‮ ‬فهو آفة العصر‮ ‬الحديث‮ ‬،‮ ‬تصاغ‮ ‬القوانين لتكون بمثابة أطر وألواح موسيقية‮ ‬يعزف على أوتارها العديد‮ ‬من المتنفذين الذين‮ ‬يكونون أول المخترقين لأبسط‮ ‬قواعدها وبالتالي‮ ‬فهي‮ ‬كم مهمل‮ ‬لكنه كم مزخرف تخرج في‮ ‬الأفراح كمركوب مزين‮ ‬بأوراق وورود ما تكاد الأفراح‮ ‬تنتهي‮ ‬حتى‮ ‬يرحل‮ ‬ويذبل إلى‮ ‬غير رجعة‮. ‬

ويبقى الوجود الخفي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يراه أحد ولا أقصد‮ ‬كل الأشخاص بل بعضهم‮ ‬،‮ ‬فهو قد‮ ‬يطبق وذلك‮ ‬في‮ ‬إطار ما تتحدث‮ ‬عنه فلسفة‮ ‬البعض‮ ( ‬بأنك لا تعرف‮ ‬أن‮ ‬هناك قانوناً‮ ‬إلى أن تقع‮ ‬في‮ ‬المشكلة‮) ‬وهي‮ ‬كم لا‮ ‬يكاد‮ ‬يذكر إلا وتذكر معه قدرتهم الضئيلة على الاختراق‮.‬

‮ ‬إن‮ ‬الاختراق‮ ‬القانوني‮ ‬أصبح سمة لا تقبع‮ ‬في‮ ‬طائفة أو شريحة‮ ‬معينة‮ ‬بين‮ ‬الأفراد بل صارت هناك مدارس للأخلاق‮ ‬،‮ ‬البعض‮ ‬يعلم هذا الفن بل وإن من الناس‮ ‬من‮ ‬يسعى‮ ‬لوحده التعلم‮ ‬هذا الفن الجديد وهو أمر ليس حكراً‮ ‬على شعب أو مجتمع بعينه بل صار المتخصصون في‮ ‬علوم‮ ‬معينة‮ ‬يصنعون مدارس ويستعان بهم ويتقاضون على ذلك مبالغ‮ ‬ضخمة ثمناً‮ ‬لهذا الاختراق‮.‬

ولم‮ ‬ينحصر الحال في‮ ‬هذا النطاق‮ ‬،‮ ‬بل صار من الاختراق من الفنون التي‮ ‬تمتاز بها شركة معينة‮ ‬من القراصنة‮ ‬لا‮ ‬يعرفون من الأمر شيئاً‮ ‬إلا الصيد في‮ ‬المياه العكرة وهم‮ ‬يعلمون جيداً‮ ‬أن السير على المياه معجزة لم تعط لهم فما بالك بالرقص على صفحات مياه نتنه‮ .‬

لقد حاول آخرون السباحة في‮ ‬هذه المياه‮ ‬غير أن لوحة أشارت من بعيد إلى أن‮ ‬السباحة من الأمور المحظورة‮ ‬،ة فهل تعلمت الدرس في‮ ‬مدارس الرقص العفنة؟‮!.‬

ومن الأشخاص،‮ ‬وهم والحمد لله‮ ‬كثر‮ ‬يرون في‮ ‬القانون وتطبيقه الرئة التي‮ ‬تتنفس بها الكائنات فهو مصدر الحياة‮ ‬،‮ ‬وانقطاعه‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى الفناء وحجبه‮ ‬يصير بالأشخاص إلى أمراض عدة قد تؤدي‮ ‬في‮ ‬غالب الأحيان خاصة‮ ‬عندما‮ ‬تنقطع بالأشخاص السبل إلى الموت الحقيقي‮.‬

ومن هنا لا‮ ‬يمكن لأسرة فما بالك مجتمع أن‮ ‬يحيا في‮ ‬حالات‮ ‬غياب القانون ولو بشكل مرحلي‮ ‬والتاريخ‮ ‬يفصح عن هذا القول وتنطق به الأيام‮ ‬ولا أعتقد أن‮ ‬هناك‮ ‬شخصاً‮ ‬سوياً‮ ‬يدعو إلى‮ ‬غياب القانون أو نمط البصر عنه مهما كانت الأسباب والدواعي‮ ‬وحتى الذين‮ ‬يرون ذلك كثيراً‮ ‬ما نراهم وقد‮ ‬عادوا إدراجهم‮ ‬يطلبون القانون من جديد كجهاز إنعاش لابد أن‮ ‬يوقظ شخصا قد أرهقه نقص الهواء‮ .‬

وتبدو المسائل بعد كل ما سبق سرده واضحة المعالم وإن كان الأمر‮ ‬يسير نحو فلسفة عميقة لكنها منظورة تسعى لها جل الدول حتى‮ ‬يكون لهذه الأخيرة مكانة تحت الشمس‮ .‬

‮ ‬ومن هنا فقد تجاوز الأمر إلى فن‮ ‬صياغة القوانين بديلا عن الهرب من تطبيق القوانين فسعت مجتمعات كثيرة‮ ‬إلى هدف مقصود وهو أن تكون قوانينها متمشية مع قيم أخلاقية من خلال نصوص ومبادئ قانونية تصبها في‮ ‬قوانين ووثائق‮.‬

ولقد قام بعد جهد المجتمع العالمي‮ ‬وقد‮ ‬يكون قبل الدول في‮ ‬شكل منفرد أن‮ ‬تحاول‮ ‬صياغة مبادئ هي‮ ‬في‮ ‬واقع الأمر تتفق فيها كل المجتمعات فأسمتها مبادئ العدالة والإنصاف بل وغارت في‮ ‬العمق إلى المبادئ الطبيعية التي‮ ‬هي‮ ‬من‮ ‬طبيعة الإنسان‮ ‬ورسم‮ ‬يترجمه‮ ‬،‮ ‬فكانت المواثيق والعهود الدولية وخاصة في‮ ‬مجال الحقوق على اختلاف أشكالها تسعى إلى‮ ‬غايات إنسانية سامية دون نظر إلى لون أو جنس أو صورة‮ ‬،‮ ‬فارتقى العالم أو حاول أن‮ ‬يرتقى‮ .‬

غير أن المجتمع العالمي‮ ‬ما إن بدأ حتى قلبت له بعض الدول ظهر‮ ‬المجن‮ ‬وخاصة من أعطيت حق النقض‮ ‬،‮ ‬فكان الاختراق الأكبر‮ ‬للقوانين والوثائق لكنه ليس ككل اختراق‮ ‬،‮ ‬بل اختراق عالمي‮ ‬تصاعدت فيه الأدخنة‮ ‬أكثر من ذي‮ ‬قبل وحجبت الرؤية فسعت هذه الدول إلى اختراق ما حاولت أن تدعو إليه فوضعت‮ ‬نصوصاًَ‮ ‬وتفننت في‮ ‬صنعها في‮ ‬غفوة وسبات من دول أخرى عديدة خاصة الصغيرة منها ومن دول لا‮ ‬يمهما إلا أن‮ ‬يذكر‮ ‬رسمها على لوحة أمام شخص‮ ‬يقترب في‮ ‬الوصف من أشياء أخرى خرساء‮ .‬

وتسير القوانين الدولية‮ ‬،‮ ‬كاسم دون معنى لتكون الفاجعة‮ ‬عندما تحصل أحداث‮ ‬جسام‮ ‬أبطالها دول تقول إنها كبرى ومن صناع قرار إنشاء هيئات دولية‮ ‬فتكون أفغانستان وجوانتانامو العراق شهوداً‮ ‬لم لا لا‮ ‬يزالون على‮ ‬قيد الحياة‮ ‬شهوداً‮ ‬على اختراقات صارخة وواضحة للمواثيق والعهود الدولية‮ .‬

لذلك كانت فلسفة اختراق القوانين في‮ ‬الإطار الإقليمي‮ ‬وفي‮ ‬المجال الدولي‮ ‬من سمات هذا العصر الرديء‮ ‬ليصبح الأمر مطروحاً‮ ‬على عقول البشر من جديد حتى‮ ‬لا تكون هناك دعوة‮ ‬إلى العودة إلى زمن العصر القديم‮ !!.‬

اعادة نشر بواسطة محاماة نت