مفهوم حق المشتري بالتعويض

أولا: مفهوم حق المشتري بالتعويض حسب القانون الوضعي

إن سوء نية المشتري أو حسن نيته يلعب دورا هاما في استحقاقه للتعويض، بل إن هناك من القوانين من ينظر إلى حسن أو سوء نية البائع، وعلى أساسه يتحدد مقدار التعويض. فإذا كان المشتري حسن النية، أي جاهلا بملكية المبيع للغير وقت العقد، فله أن يطالب بتعويض ما أصابه من ضرر وما فاته من كسب. ويستفاد هذا الحكم من نص المادة ( 468 ) من القانون المدني المصري والتي تنص على أنه “إذا حكم للمشتري بإبطال البيع، وكان يجهل أن المبيع غير مملوك للبائع، فله أن يطالب بتعويض ولو كان البائع حسن النية”.

أما إذا كان المشتري سيء النية، أي يعلم بعدم ملكية البائع للمبيع، فيكون له إبطال البيع واسترداد الثمن، دون استحقاق أي تعويض، لأنه يتحمل خطأ أعماله، فهو من أقدم على الشراء من غير المالك.

أما بالنسبة لأثر حسن أو سوء نية البائع على التعويض المستحق للمشتري، فالمادة 468 من القانون المدني المصري، تعطي الحق في التعويض للمشتري حتى لو كان البائع حسن النية.

أما قانون الموجبات والعقود اللبناني فقد نص في الفقرة الثانية من المادة ( 385 ) منه على أنه “إذا أبى المالك أن يجيز البيع، فالبائع يضمن بدل العطل والضرر للمشتري إذا كان

عالما بأنه لا يملك المبيع وكان المشتري يجهل ذلك” فالقانون اللبناني يشترط لاستحقاق التعويض للمشتري أن يكون البائع سيء النية وهو ما لم يشترطه القانون المصري كما رأينا.

ثانيا: مفهوم حق المشتري بالتعويض حسب الفقه الإسلامي:

يفرق الفقهاء المسلمون في مسألة التعويضات المستحقة للمشتري من الفضولي بين حالتين، حالة علم المشتري بالفضالة، وحالة جهله بقيامها.

فإذا كان المشتري يعلم بأن البائع فضولي غير مالك لما يبيع، فلا يجوز له الرجوع عليه بأكثر من الثمن الذي دفعه له، حتى وإن ألزم هذا المشتري بدفع بعض التعويضات للمالك نتيجة هلاك المبيع أو منافعه تحت يده، لأنه بسوء نيته يكون في مركز الغاصب، فيستقر الضمان عليه وبهذا يتفق الفقه الإسلامي مع القانون الوضعي في اشتراط حسن النية لاستحقاق التعويض كما سنرى.

ويرى بعض الحنفية أن المشتري إن كان يعلم أنه يشتري من فضولي وقت أداء الثمن فإن هذا الثمن يكون أمانة في يد الفضولي، يسترده إن كان باقيا، ولا يطالب به إن هلك ويرى غالبية الحنفية أن المشتري يرجع على البائع بالثمن الذي دفعه له، لأن البائع في هذه الحالة يعد في مركز الغاصب الذي أخذ شيء بغير حق.

أما المالكية والشافعية والحنابلة يعطون المشتري حق المطالبة بالثمن، سواء كان هذا الثمن باقيا أو هالكا، وسواء كان المشتري يعلم بأنه يتعامل مع فضولي أو كان يجهل ذلك.

أما المشتري الذي يجهل بقيام الفضالة، أي المشتري حسن النية، فقد انقسم الفقهاء في حكمه إلى قسمين:

فالحنفية والمالكية لا يجعلون من حقه الرجوع على الفضولي لمطالبته بالتعويض عن الزيادة التي دفعها للمالك، سواء كانت هذه الزيادة تتمثل في قيمة العين أو في النفع الذي عاد عليه منها. أما الشافعية والحنابلة، فقد أعطوا المشتري حسن النية حق الرجوع على البائع بما بما دفعه للمالك زيادة عن قيمة العين المستردة إذا كانت هذه الزيادة مقابل منفعة لم يحصل عليها، أما إذا كانت الزيادة التي دفعها تقابل العين أو المنافع التي عادت على المشتري، فبعض الشافعية والحنابلة يرى أن له حق الرجوع على البائع، بينما يرى البعض الآخر من الشافعية والحنابلة بأنه لا يحق له الرجوع على البائع لمطالبته بهذه الزيادة.

وتنص المادة ( 596 ) من مجلة الأحكام العدلية على أنه “لو استعمل الضمانات أحد مالا بدون إذن صاحبه فهو من قبيل الغصب لا يلزمه أداء منافعه ولكن إن كان ذلك المال مال وقف أو مال صغير فحينئذ يلزم ضمان المنفعة… وإن كان معدا للاستغلال يلزمه ضمان المنفعة …

مثلا لو سكن أحد في دار آخر مدة بدون عقد إجارة لا تلزمه الأجرة…” هذه المادة تفصح عن موقف الفقه الحنفي الذي أخرج منافع المغصوب من الضمان إلا إن كان هذا المغصوب – كما يفهم من نص المادة – معدا للاستغلال أو مال وقف أو مال يتيم.

وموقف المجلة يختلف تماما عن موقف الشافعية الذي جعل منافع الأموال داخلة في الضمان. ويرى علي حيدر أن موقف الشافعي في هذه المسألة يفضل موقف المتأخرين من فقهاء الحنفية. ويطالب بقبول موقف الشافعية في هذه المسألة ليستحق الضمان على عموم منافع الأموال.

أما موقف التقنينات المتأثرة بالفقه الإسلامي، إضافة إلى مجلة الأحكام العدلية، نلخصها في موقف القانون المدني العراقي في المادة ( 135 ) التي تنص في فقرتها الثالثة والرابعة منها على أنه ” 3- وإذا لم يجز المالك تصرف الفضولي بطل التصرف، وإذا كان العاقد الآخر قد أدى للفضولي البدل فله الرجوع عليه به. فإن هلك البدل في يد الفضولي بدون تعدي منه وكان العاقد الآخر قد أداه عالما أنه فضولي فلا رجوع له عليه بشيء منه . 4- وإذا سلم الفضولي العين المعقود عليها لمن تعاقد معه فهلكت في يده بدون تعد منه، فللمالك أن يضمن قيمتها أيهما شاء. فإذا اختار تضمين أحدهما سقط حقه في تضمين الآخر”.

هذا النص يعني أن المشرع العراقي لم يتطرق نهائيا لمسألة التعويضات المستحقة للمشتري، وكل ما حكم به هو البدل الذي دفعه المشتري للفضولي، وكان حكمه هو رجوع المشتري على الفضولي بقيمة هذا البدل إن هلك في يد الفضولي وذلك فقط في حالة حسن نية المشتري أي جهله بحالة الفضالة. أما في حالة علم المشتري بحالة الفضالة لا يرجع حتى في قيمة البدل التي أداها للفضولي إلا في حالة تعد وقع من هذا الأخير على المال. وبالتالي فإنه لا تعويض للمشتري في بيع الفضولي في القانون المدني العراقي، التعويض فقط في حالة هلاك العين في يد المشتري يكون للمالك وله الخيار فيمن يضمن.

وهذا يدل أن المشرع العراقي تأثر في حكمه هذا، في موقف الفقه الحنفي الذي قصر المطالبة على الثمن في حالة حسن نية المشتري دون التعويض عن الزيادة في المبيع أو المنافع.

إذا يتبين مما سبق، بأن هناك من القوانين ما يتفق مع الفقه الشافعي والحنبلي في جعل حق للمشتري في المطالبة بالتعويض في حالة حسن نية المشتري، وهذا هو موقف القانون المدني المصري. وهناك من القوانين ما يتفق مع الفقه الحنفي الذي قصر حق المشتري على الرجوع في الثمن على البائع في حالة حسن نية المشتري، أما إن كان هذا الأخير سيء النية لا يرجع على البائع إلا إن وقع من هذا الأخير تعد تسبب في هلاك الشيء. وهذا هو موقف القانون المدني العراقي.

ولكل من الموقفين ما يبرره، على خلاف موقف القانون اللبناني الذي ربط حسن نية المشتري بسوء نية البائع حتى يستحق المشتري التعويض، فهذا الحكم لا نجد له ما يبرره، إذ الأولى عندما نريد أن نعوض أن ننظر إلى حسن نية المشتري من دون النظر إلى سوء نية.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت