الاعدام بالقانون المصري

ضربت محاكم مصر في هذا الموسم القضائي الذي آذن بالرحيل رقما قياسيا في ألاحكام التي أصدرتها ، فقد شارف عدد أحكام الإعدام الصادرة منذ بدء الموسم القضائي في أول أكتوبر الماضي علي المائة حكم .. وهو – فيما نظن – رقم غير مسبوق في تاريخ مصر القضائي !

فهل نهنئ ” عشماوى ” ونغبطه علي الرزق الوفير ، أم نرثي لأنفسنا ونفزع مما آل إليه الحال ؟
لاشك أن المواطن المصري – في الآونة الأخيرة – صار يصحو شبه يومي علي نبأ حادث مفجع يروعه ما بين قتل واغتصاب وتمثيل بجثث الضحايا ، وهو ما استفز المجتمع واستنفر قواه ، بصور مختلفة ، لمجابهة هذا السيل من الإجرام الفظ المقزز .. وكان في الصدارة القضاء المصري الجليل الذي لا ريب هاله ما هال باقي المجتمع ، فشحذ آلة العقاب لديه وهوي بها علي من تيقن من إدانته بالأفعال الشنعاء .

غير أنه يبقي التساؤل مشرعا – ومشروعا – هل تطبيق عقوبة الإعدام وإنزالها بالجناة سيجتث ، أوبالأقل سيحد من وقوع جرائم القتل و الاغتصاب ؟

الإعدام هل يقلل الجرائم

انشغلت بهذا السؤال وبمحاولة الإجابة عليه المجتمعات المعاصرة ، فأجريت مئات الأبحاث والاستقصاءات ، وانعقد العديد من المؤتمرات الدولية والاقليمية والوطنية ، التي توصلت – في المحصلة النهائية – إلي أن تطبيق عقوبة الاعدام لم يمنع ارتكاب الجرائم الجسيمة ، وبالمقابل فإن إلغاء هذه العقوبة لم يؤثر سلبا في معدلات تلك الجرائم .

فعندما ألغت بريطانيا عام 1975 عقوبة الإعدام بالنسبة لبعض الجرائم وأبقت عليها بالنسبة لجرائم أخري اتضح – تاليا – أن عدد الجرائم التي ظل الاعدام قائما بالنسبة لها قد ازداد .

وفي كندا كان معدل جرائم القتل سنة 1975 يبلغ 90ر3 لكل مائة ألف نسمة ، وعندما أغيت عقوبة الإعدام في سنة 1976 تناقص معدل جرائم القتل فبلغ 74ر2 لكل مائة ألف نسمة سنة 1983 ، وظل يتناقص إلي أن بلغ معدله 73ر1 في سنة 2003 .

لكن تظل الحجة الرئيسية التي يتذرع بها المتمسكون بالابقاء علي عقوبة الاعدام هو أنها تعد جزاءً عادلا لبعض الجرائم الكبري ، وهو ما يسهم في تهدئة الشعور العام في المجتمع ، واشباع الشعور بالعدالة ، و ينأي بالمواطنين عن ولوج سبل الانتقام الفردي ، فضلا عما للاعدام من أثر رادع يقي المجتمع شرور الجرائم .

وعلي الرغم من أن الإحصاءات تكفلت بالرد علي القول بالأثر الرادع لعقوبة الاعدام ، فانه – وعلي حد تعبير منظمة العفو الدولية – من الخطأ افتراض أن جميع الذين يرتكبون جرائم خطيرة كالقتل يقومون بذلك بعد التفكير في النتائج بشكل عقلاني . فجرائم القتل تُرتكب – في معظم الأحيان – في لحظات انفعال تتغلب فيها العواطف الجياشة ، وقد ترتكب تحت تأثير تعاطي الكحول أو المخدرات أو في لحظات الذعر عندما يفاجأ مرتكبا متلبسا بالسرقة مثلا .. في كل هذه الحالات لا تمنع عقوبة الاعدام والتخويف بها من اقتراف الجريمة .

إن ما يعتمل في نفس الجاني – في الغالب من الحالات – ويؤثر في اتجاهه نحو اقتراف الجريمة واتمامها ليس غلظة العقوبة أو ضآلتها ، بل مراهنته علي افلاته من العقاب ، أيا ما كان نوع هذا العقاب .

الإعدام والمجتمع الدولي

منذ أكثر من نصف قرن أخذ المجتمع الدولي يتجه حثيثا نحو تضييق نطاق تطبيق عقوبة الإعدام بأمل التوصل إلي إلغائها كليا – من خلال الأمم المتحدة بأجهزتها المختلفة وعدد من المنظمات الدولية – بدعوة الدول والحكومات إلي الحد من الجرائم المعاقب عليها بعقوبة الاعدام ، والنظر إليها بوصفها عقوبة استثنائية ، والتوسع في العفو عنها واتاحة إمكانية استبدالها بعد صدور الحكم بها ، وحظر توقيع الاعدام علي الأشخاص دون سن الثامنة عشرة والنساء الحوامل ، واحاطة الحكم بها وتنفيذها بالعديد من القيود والضمانات الإجرائية .

وانتهي الأمر في 18 ديسمبر 2007 بإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإعلان حظر تنفيذ أحكام الإعدام ، حيث صوتت 104 دولة لصالح القرار ، وصوتت 54 دولة ضده ، وامتنعت 29 دولة عن التصويت .

وكان صدور هذا الإعلان تعبيرا عن قبول المجتمع الدولي واقتناعه – في غالبيته – بوجوب التخلي عن عقوبة الإعدام .
فعند صدور الإعلان كانت بالفعل 91 دولة قد ألغت عقوبة الإعدام من قوانينها بالنسبة لكافة الجرائم ، وكانت 33 دولة قد امتنعت عن تنفيذ أي حكم بالإعدام طيلة السنوات العشرة السابقة ، إذ ألغت هذه الدولة عقوبة الإعدام فعليا في الممارسة .. و لم عد سوى 63 دولة ومنطقة تطبق عقوبة الإعدام ، إلا أن الدول التي نفذت أحكاما بالإعدام طوال سنة 2007 لم يزد عددها علي 24 دولة فقط ، وهذه الدول أعدمت في تلك السنة ما لايقل عن 1252 شخصا .

الإعدام مصريا

يُعرف فقهاء القانون عقوبة الإعدام بأنها قتل عمد يستند إلي قانون ، فهي عقوبة تصدر عن سلطة أو دولة ما في حق شخص لاقترافه جرم يحرمه القانون داخل هذه الدولة بما يستوجب معاقبته بسلب حياته .. ويُعرّفها قانون السجون المصري بأنها إزهاق روح المحكوم عليه بالإعدام شنقا .

والقوانين المصرية تنطوى علي أكثر من مائة جريمة معاقب عليها بالإعدام موزعة بين قانون العقوبات ، وقانون المخدرات ، وقانون الأسلحة والذخائر .

وقد رصدت منظمة العفو الدولية في تقرير لها أنه خلال الفترة من 1981 إلي 1990 صدر في مصر 179 حكما بالإعدام وجري إعدام 35 شخصا فعليا في نفس الفترة ، وفي الفترة من 1991 إلي 2000 صدر ما لايقل عن 530 حكما بالإعدام ، وتم إعدام 213 شخصا .

وفقا للبيانات المعلنة من الحكومة المصرية والمقدمة للجان المتخصصة بالأمم المتحدة ، فقد تم تنفيذ 20 حكم إعدام في سنة 2000 ، ونُفذ 23 حكما بالإعدام سنة 2001 ، و 49 حكما سنة 2002 ، و 36 حكما سنة 2003 .
أليس في الأرقام السابقة ما يشي بعجز عقوبة الإعدام عن الحد من الجرائم ، وما يدفعنا للتفكير جديا في جدوي