الانترنت وحقوق الإنسان

علي الرغم من أن التليفزيون والمحطات الفضائيات هي الأكثر انتشارا في العالم عموما وفي العالم العربي خاصة ، نظر لغلبة الأمية وقلة تكلفة الاستقبال وتخطى الحدود القومية ، إلا أنها ما تزال رهينة للعديد من جهات الرقابة والمنع ، منها ما هو داخل المؤسسة مثل الضغوط الإدارية وعدم مشاركة الإعلاميين في صنع القرارات ووضع السياسة الإعلامية لمحطات التليفزيون والفضائيات. ومنها ما هو خارجي مثل الرقابة الحكومية لتحجيم وتهميش الرأي الأخر ، فضلا عن رأس المال والإعلان اللذان لا يمكن تجاهل تأثيرهما.

وقد ضيقت الحكومات او قامت بطرد او محاكمة مراسلي قنوات فضائية لعدم الرضا عن المحتوى الإعلامي لهذه القناة أو تلك ، ليس هذا وحسب بل يصل الأمر في بعض الأحيان أن تمنع الحكومة المالكة للقمر الصناعي بث بعض القنوات ، كما حدث لقناة “الزوراء” العراقية حيث أوقفت مصر بث هذه القناة العراقية الخاصة، لأسباب قالت إنها فنية. غير أن مشعان الجبوري، صاحب القناة، هدد بمقاضاة الحكومة المصرية واتهمها بإغلاق قناته لأسباب قال إنها سياسية.

وما سبق ينطبق بدرجة كبيرة على المحطات الإذاعية ، والإعلام المطبوع “الجرائد والمجلات” حيث تعد الاختلافات هي اختلافات في التفاصيل وليست من حيث المبدأ.
لذلك فلم يعد مستغربا أن يصبح الانترنت يوما بعد يوم الوسيلة الأسرع انتشارا والأقوى تأثيرا ، لاسيما وقد كسر الانترنت قاعدة “المرسل والمتلقي” المعمول بها في وسائل الإعلام التقليدي التي ذكرناها ، لتصبح المعادلة أقرب لـ ” الكل صانع للخبر ، والكل متلقي له” حيث التعليق على الأخبار والمدونات والمنتديات وغيرها من الوسائل التي أتاحها الانترنت ولا تتوافر للوسائل التقليدية.

• انتشار الانترنت :

عالميا :
تقول أحدث الإحصائيات إن عدد مستخدمي الانترنت في العالم يبلغ نحو ” 1,2 مليار”مستخدم من تعداد سكان العالم 2007 البالغ عددهم نحو ” 6,5 مليار ” نسمة بنسبة 17 % في حين لم يكن عدد مستخدمي الانترنت يتجاوز في عام 1997 أي منذ عشر سنوات 70 مليون مستخدم ، بما يعني أن عدد مستخدمي الانترنت في العالم قد تضاعفوا نحو سبعة عشر مرة في مدى عشر سنوات.
وهي زيادة لم تشهدها أي وسيلة إعلامية أخرى على مدار التاريخ الإنساني ، فضلا عن استمرار انتشارها حتى الآن.

عربيا :
يبلغ عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي لعام 2007 نحو 29 مليون مستخدم ، من تعداد نحو 330 مليون نسمة ، أي أن نسبة مستخدمي الانترنت العرب نسبة لعدد السكان تبلغ نحو 8,7% من عدد السكان .
وهي زيادة تبدو هائلة إذا قارناها بما كان عليه الوضع منذ عشر سنوات ، حيث لم يكن إجمالي عدد مستخدمي الانترنت العرب في عام 1997 يتجاوز 600 ألف مستخدم ، وهو ما يعني زيادة تبلغ نحو خمسون ضعفا في مدى عشر سنوات.
أي ان الزيادة التي يشهدها انتشار الانترنت في المنطقة العربية تعد من أعلى النسب في العالم.
وتنبئنا هذه الزيادة الهائلة في عدد المستخدمين للانترنت عما يمكن أن يشهده المستقبل من توسع في هذه الزيادة ، استنادا على التطور التكنولوجي الذي بدأ يأخذ اللغة العربية في الاعتبار ، وهو ما لم يكن متاحا حتى سنوات قليلة ماضية ، اذ لم تكن الكثير من خدمات الانترنت مهيأة للتعامل مع اللغة العربية ، فضلا ضعف البنية الأساسية للاتصالات في أغلب البلدان العربية ، وارتفاع كلفة الاتصال ، والأمية ، بالإضافة إلى الحذر والريبة اللتان تشوبا نظرة وتعامل العديد من الحكومات العربية مع هذا الوافد الجديد الذي يتيح للجمهور العربي ليس فقط تنوع مصادر المعرفة ، بل وصناعة الأخبار أيضا.

الإعلام الإلكتروني :
شجع الاتساع في استخدام الانترنت في العالم العربي العديد من الجرائد ووسائل الإعلام على أن تضيف لأدواتها التقليدية استخدام الانترنت ، بالإضافة للجوء العديد من الجهات والمؤسسات لآن يؤسسوا منابر إعلامية جديدة تعتمد بشكل كلي على الانترنت ، وبالطبع لم تكن المؤسسات العربية استثناءا في هذا المجال ، حيث تأسست العديد من المواقع الإعلامية التي بدأت تحوز على ثقة واهتمام مستخدمي الانترنت بدرجة كبيرة ، بل أن بعضها بات يستقطب زوارا وقراء قد يفوق عددهم قراء إجمالي قراء الصحف الورقة مجتمعة في دولة كاملة.

وكان ظهور مواقع مثل “نسيج ، إيلاف ، محيط ، البوابة ، إسلام اون لاين ، مصراوي …. وغيرها” خير تجسيد لهذه الأمثلة ، فضلا عن قيام العديد من المحطات الفضائية والوكالات الإعلامية بإنشاء مواقعها على الانترنت لتواكب وتصل لجمهور أوسع ، مؤشرا لقدرة هذه الوسيلة الجديدة على المنافسة والانتشار.

مؤسسات حقوق الإنسان والانترنت :

على الرغم من التشكيكات التي تثور بين والحين الأخر حول مصطلح حقوق الإنسان ، واستخدامها بشكل سياسي أو الكيل بمكيالين ، وتداول تعبيرات يغلب على مضمونها هذا التشكيك مثل” العالمية والخصوصية” أو “السيادة الوطنية” ، إلا أن حركة حقوق الإنسان سواء عالميا أو عربيا ، قد تطورت وفرضت نفسها كمجموعات ضغط ومرجعية تحرج و تلزم العديد من الحكومات وبخاصة المستبدة منها.

ولعل النقلة النوعية في حركة حقوق الإنسان التي دشنها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية “رغم معارضة الولايات المتحدة لها ، بل ومحاربتها” والمتمثل في الانتقال من الدعاية إلى الإلزام والمحاسبة ، والدور الهائل الذي لعبته المؤسسات الحقوقية في دفع هذه المحكمة للنور ، قد رسخ دور هذه المؤسسات الغير حكومية العاملة في المجال الحقوقي ، وساهم في تثبيت أقدام حركة حقوق الإنسان عالميا وعربيا ، مما أعد ردا قويا وواضحا “على الأقل لحسني النية ممن يتشككون في حركة حقوق الإنسان والمؤسسات الحقوقية” ، وباتت أغلب الانتقادات إما قادمة من حكومات معروفة باستبداديتها أو حكومات أوتوقراطية تستخدم النعرة القومية أو الدينية ذريعة لأوضاع بائسة تعيشها شعوب هذه الحكومات.

لذلك لم يكن من المستغرب ان تلجا هذه المؤسسات الحقوقية بدورها لاستخدام شبكة الانترنت في الدعاية لعملها وحملاتها وترويج أهدافها ، وإن بدرجات مختلفة ومتفاوتة.
وباتت مواقع لمؤسسات حقوقية مثل موقع منظمة العفو الدولية أو هيومان رايتس ووتش عالميا ، أو موقع لشبكة أمان أو الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عربيا ، مقصدا لآلاف الزوار يوميا ، تقدم المعلومة للجمهور والصحفيين والباحثين وتتيح المشاركة لمن يرغب .