تـصـمـيـم الـتـهـيـئـة فـي الـمـمـلـكـة الـمـغـربـيـة

اهتمت المجتمعات، منذ القدم، بالمجال في محاولة لتنظيمه وجعله يستجيب لحاجيات الجماعة. هذه الحاجيات تتنوع بتنوع انشغالات أفراد الجماعة وأنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وترتبط كل هذه الأنشطة بالمجال الذي يعتبر الإطار العام لحياة المجتمع كما يعتبر تنظيمه في الأصل تنظيما لنشاط المجتمع نفسه على مختلف الواجهات.
إن التحكم في المجال من أجل تنظيم وتوجيه التوسع الحضري يفترض وجود سند أو إطار قانوني تعتمد عليه السلطات العمومية في تدخلاتها على المستوى العقاري وعلى مستوى التخطيط الحضري ويمكنها من التحكم القانوني في السطح واستبعاد كل الاستعمالات المنافية لسياسة التعمي.

والتخطيط الحضري كما يعرفه الأستاذ عبد الرحمن البكريوي هو تدخل الإدارة بأدوات منهجية ووثائق مرجعية لتنظيم استعمال المجال وتقنين أو تحديد هذا الاستعمال لكل منطقة من مناطق المدينة وتخصيص وظيفة لكل واحد منها قصد تحقيق تكامل أجزائها وانسجام أطرافها وبالتالي حسن تنظيمها وتعميرها

إن التخطيط الحضري أصبح اليوم يتم بنوعين متكاملين من وثائق التعمير الأول يعرف بالأداة التوجيهية أو التقديرية أما الثاني فيطلق عليه الوثيقة التنظيمية ويشمل هذا النوع ثلاث وثائق وهي: تصميم التنطيق وتصميم التهيئة وتصميم التنمية.
ويعد تصميم التهيئة أول وثيقة تعميرية يعرفها قانون التعمير. إذ نظمها أول نص قانوني مغربي يهم التعمير أي ظهير 16 أبريل 1916 وبفضلها تم أثناء فترة الحماية بناء الأحياء الأوروبية* وبناء بعض المدن الجديدة *وتم إنتاج أحياء متناسقة ومنظمة وغنية بهندستها المعمارية وفي نفس الآن كانت السبب في افتقار بعض الأحياء إلى بعض التجهيزات الأساسية وبعض المرافق العامة كما كانت السبب في ارتفاع كثافة السكان بالمدن العتيقة. وفي ظهور أحياء الصفيح وتكاثرها* إلى جانب السكن العشوائي المتزايد.
وبالنظر إلى أهمية هذه الوثيقة التعميرية فقد أولاها المشرع عنايته وأدخل عليها كثيرا من الإصلاحات لمواكبة التطور الذي يعرفه التعمير ولتجاوز الثغرات التي أبانت عنها وذلك في ظهير 30 يوليوز 1952 ثم في ظهير 17 يونيو 1992 الذي خصص لها 14 مادة بدل 6 مواد التي كان يخصصها لها الظهير السابق عليه،وهي المواد من 18 إلى 31 من قانون التعمير.
هذه العناية إنما تجسد في الواقع الاهتمام المتنامي التي تحضى بها وثيقة تصميم التهيئة ودورها في تنمية المجال باعتبارها تشكل العمود الفقري للتخطيط العمراني بالمغرب لما تراكم حولها من تجارب لدى الإدارة على مدى أكثر من 90 سنة بالإضافة إلى تدخل عدد مهم من الإدارات العمومية والمؤسسات والسلطات الإقليمية والمجالس الجماعية في عملية إعدادها وتنفيذها.