هـــل ‬يجوز القتل بدافع الشفقة ؟

هل* يجوز القتل بدافع الشفقة؟من مشاكل قوانين العقاب مدى تأثير رضى المجني عليه بالجريمة التيترتكب ضده، هل يرفع هذا الرضى وصف الجريمة عن الفعل فيجعله مباحاً ومن ثم لاعقابعليه ؟ أم أن هذا الرضى لا أثر له فيعاقب الجاني رغم هذا الرضى.

مثل قصةالفتاة الأمريكية التي أثارت حالتها عاصفة من الجدل والنقاش في مختلف أنحاء العالم،تبلغ الفتاة من العمر 21 سنة أصيبت بإغماء منذ نحو تسعة أشهر لا يجد الطب له علاجاولا أمل في شفائه، وضعت في أحد المستشفيات تتغذى عن طريق أنفها وذراعها وتتنفس عنطريق جهاز خاص، وتغيرت ملامحها تغيرا كاملا وحلت البشاعة محل الجمال والحيوية، وطلبالوالدان رفع جهاز التنفس فلما رفض الأطباء تحمل هذه المسؤولية..

رفعا الأمرإلى القضاء للأدن في ذلك، وقد أثار هذا الطلب زوبعة من الجدل القانوني بين النيابةالعامة ومحامي المستشفى من جهة ، ومحامي والدي المريضة من جهة أخرى وأخيراً رفضالقاضي الطلب، ولكنه لم يضع مبدأ قانونيا بل اكتفى بالقول بأن القرار في هذا الأمرهو قرار طبي وليس قراراً قضائيا. وبهذا الحكم ترك القاضي باب الجدل القانوني مفتوحاعلى مصراعيه كما كان.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يثار فيها مثل هذاالجدل، ما مدى حق الإنسان في الموت ؟، هل يجوز القتل بدافع الشفقة ؟ وإذا لم يكنذلك جائزا بفعل إيجابي فهل هو جائز بالامتناع؟.

إن المبدأ الذي تأخذ به أغلبالتشريعات في هذا الشأن هو أنه لا تأثير لرضى المجني عليه على قيام الجريمة والعقابعليها، فإذا قتل إنسان إنساناً آخر أو أحدث به أذى برضى هذا الآخر فإن الجاني يعاقبمع ذلك بعقوبة الجريمة التي ارتكبها بصرف النظر عن هذا الرضى.

إن قتل إنسانإنسانا آخر برضى هذا الأخير يعاقب عليه بعقوبة القتل العمد، وإحداث عاهة يعاقب عليهبالعقوبة المقررة لهذا الفعل وهكذا.

ولكن الأخذ بهذا المبدأ على إطلاقه لايفسر لنا الأساس القانوني لعدم العقاب على ما يحدث من إصابات في الألعاب الرياضيةككرة القدم والملاكمة والمصارعة وما إليها فالمسلم به أنه لا عقاب على مثل هذهالإصابات ولو أدت إلى الوفاة، مع أنه من المسلم به أيضاً أن الوفاة أو الإصابة فيالمبارزة معاقب عليها، وليس هناك تفسير مقنع لهذه التفرقة.

إن أساس عدمالعقاب في الحالة الأولى هو انعدام القصد الجنائي، في جميع الأحوال يرتكب الجانيالفعل المكون للجريمة وهو الضرب وهو يعلم حقيقته، صحيح أنه لا يقصد القتل في حالاتالألعاب الرياضية العادية ولكنه يقصد الضرب ومن ثم تكون جريمة الضرب أو الضربالمفضي إلى موت أو عاهة، وفي المبارزة قد يقصد القتل وقد لا يقصده.

إن عقابالجاني على القتل العمد إذا قتل المجني عليه لتخليصه من آلامه دونرضاه.

فالقتل يعقاب عليه على كل حال سواء تم برضى المجني عليه حتى فيالقوانين التي تعتد بهذا الرضى كمبدأ عام أو بغير رضى.

القصد الجنائي فيجريمة القتل واحد دائما وهو نية إزهاق روح المجني عليه أما الباعث فإنه يختلف في كلحالة من حالات القتل، فقد يكون الانتقام أو الطمع في المال أو المبدأ السياسي أويكون الباعث هو حب المجني عليه والإشفاق عليه مما يعانيه من ألم وعذاب لا رجاء فيالخلاص منهما.

قد يكون للباعث أثر في تشديد العقاب أو تخفيضه ولكنه لا يؤثرفي وصف الجريمة على كل حال.

– كل ما قلناه سابقا ينطبق أساسا على القتل بفعلإيجابي، إطلاق الرصاص، إعطاء السم، الخنق، وما إلى ذلك، ولكن ما هو حكم الامتناع عنالقيام بعمل بقصد القتل كامتناع الأم عن ربط الحبل السري لوليدها حتى، يموت ،وامتناع الممرضة عن إعطاء مريض دواء بقصد قتله.

إن الرأي الراجح فقها وقضاءهو أن القتل بالامتناع حكمه حكم القتل بالفعل فكلاهما قتل متى توافرت فيه نية إزهاقالروح، فكل سلوك متعمد يؤدي إلى الموت يعتبر قتلا، سواء كان فعلا إيجابيا أوامتناعا عن فعل.

ليس كل امتناع يؤدي إلى الموت يعتبر جريمة فالذي يمتنع عنإنقاذ شخص مشرف على الغرق مع قدرته على ذلك لا يعتبر قاتلا بالمعنى القانوني، وإنكان مذموما أخلاقيا فليس كل ما يخالف الأخلاق جريمة في القانون.

– هل يعاقب الطبيب الذي يمتنع عن إعطاء دواء للمريض؟.

إنه لا محل لعقاب الطبيب الذييمتنع عن إعطاء دواء ليس من ورائه سوى إطالة أوجاع المريض بضع ساعات حتى ولو كانملتزما بعلاج هذا المريض.

ولكن البعض الآخر يقول إنه ليس لأحد أن يتنبأ بماإذا كان هناك أمل في الشفاء أم لا؟، فعلم ذلك عند الله وحده، وكم يئس الأطباء منعلاج مريض ثم إذ به يشفي ويعيش أعواما وأعواما.

ثم إنه من المسلمات أن قتلإنسان مقضي عليه بالموت ولو كان صاعدا إلى حبل المشنقة يعتبر قتلا معاقبا عليه،فليس هناك مجال للعواطف، وإنما يحكم القضاء بمقتضى القانون وحده.

إن هناكاتجاها في الرأي العام وعلى الأخص في أمريكا ينادي بأن المرضى الميئوس من شفائهموالذين يعانون آلاماً مبرحة يتركون ليموتوا بكرامة وسلام، دون حاجة لعمليات جراحيةغير مجدية أو استعمال الآلات المعقدة في التنفس أو التغذية والتي ليس من شأنها إلاالاحتفاظ بحياة ظاهرية لا جدوى منها وتعتبر في الواقع موتا.

وإن الموت يكونبتوقف أجهزة الحياة كالقلب والمخ، أو إنه يكون بموت الخلايا وهذا قد يتأخر قليلا أوكثيراً عن توقف أجهزة الحياة.

قد يتوقف القلب عن الخفقان ولكن يمكن إعادتهإلى العمل بوسائل علمية كالصدمة الكهربائية أو التدليك، وقد تطور الطب في هذهالأمور تطوراً كبيراً.

وعلى العموم فإن هذه المشكلة لا حل لها عند رجالالقانون وإنما الجواب عليها عند الأطباء الذين يلجأ إليهم القاضي كما يلجأ إلى أهلالخبرة الآخرين في غير ذلك من الأمور الفنية التي تستعصى عليه، وهذا ما فعله القاضيفي القضية التي قدمنا بها لهذا المقال.

وقد قررت لجنة من جامعة هارفارد أنالإنسان يعتبر ميتا بموت مخه، فمتى توقفت موجات المخ التي يسجلها جهاز رسم المخالكهربائي لمدة 24 ساعة مع عدم التنفس وعدم الاستجابة إلى المؤثرات الخارجية اعتبرالشخص ميتا، وقد أخذ بهذا الرأي فيما يتعلق بنقل الأعضاء لتمكين الجراح من فصلأعضاء “الميت” لزرعها في شخص آخر بينما يكون قلب هذا الميت لا يزال نابضا و أعضاؤهتلك لا تزال حية.

إن الأمر في هذا الموضوع مايزال مفتوحا للنقاش مع تطورالطب، وما القانون إلا كائن حي يجب أن يتطور بتطور علوم الحياة.
……

وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً

ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق