هيئة المحامين بين الحقوق والعقوق
إيمان الحكيم
مستشارة قانونية

من المفترض والمعمول به في غالبية الدول أن لكل مهنة تَجَمُع معين يضم الممارسين لها، يطلق عليه في أكثر المجتمعات مسمى النقابة. هذه النقابات غالبًا تشترك في سمات وأهداف وخدمات معينة بالنسبة للعلاقة بينها وبين المنتمين إليها. على سبيل المثال لا الحصر تقوم الهيئات المهنية بوظائف منها تطوير ممارسة المهنة عبر تدريب ورعاية الممارسين المسجَلين، ومنح تصاريح ممارستها، والتزام المنتمي إليها بدفع رسوم معينة، واعتماد البرامج الأكاديمية بالتعاون مع الكليات والجامعات، وضمان توفر بيئة عمل محفزة للعاملين في المهنة.

بالنسبة للقانونيين في السعودية فإن النَظِير المُؤَسسي لهذه النقابات حاليًا هو هيئة المحامين السعودية؛ التي اسْتَبْشَر المحامون بتأسيسها بعد صدور قرار من مجلس الوزراء منتصف عام 2015. وعلى إثر هذا القرار سيكون المحامون أخيرًا تحت مظلة مهنية ووفق مرجعية تطور مهنتهم وتضمن حمايتها.

مالا يخفى عن الجميع أن هذه الهيئة تعمل تحت إشراف وزارة العدل، ويرأس مجلس إدارتها وزير العدل الذي يتمتع بصلاحيات واسعة وليست رمزية أو شَرَفِية. وهذا يعني أن الهيئة تعتبر غير مستقلة بعكس مثيلاتها في الدول الأخرى. أما ما يخفى علينا فهو: هل تشرف وزارة العدل في المقابل على الهيئة؟، وهل عليها أي مسؤوليات تجاه الهيئة؟ وهل تقوم بدعمها؟.

لا يوجد حتى الآن أيّة معلومات أو حقائق مُعْلَنَة نستطيع من خلالها أن نعرف فيما إذا كان للوزارة دور أو مسؤولية تجاه الهيئة وتجاه المحامين، الذين من المفترض أن يكون انتمائهم لجهة مستقلة، حيث أنه وفي غالبية المجتمعات تكون نقابة المحامين مستقلة، ويكون هدفها الأساسي رعاية المحامي وحقوقه وضمانة حصاناته، وحمايته من أي جهة تتهاون في حقه، فهل تقوم وزارة العدل بذلك؟.

الجدير بالذكر أن هذه الوزارة يقوم بمهامها وزير على عاتقه مسؤوليات جمة متعلقة بتنظيم قطاع بأكمله يُعّدُ من أهم القطاعات في الدولة. كما وتخضع له عدة فئات قد يندرج من بينها من لهم دور سلطوي على المحامي، وقد تحدث حالات يكون المحامي في موقف خصومة مع أحدهم. في هذه الحالة التي تكون الوزارة في موقف مرجع وحَكَم وخصم في نفس الوقت؛ هل ستؤدي دورها بدعم المحامي كما تفعل نقابات العالم؟ وهل من الطبيعي أن يستجير المحامي بخصمه، أو بالجهة التي تخضع لخصمه؟ أم أن لا خيار أمامه إلا أن يلتجأ لله ويحتسب أجره أجر الصابرين وكاظمي الغيظ.

لا أعرف إن كان ذلك التنظيم يعد صورة من صور الاخطاء التنظيمية والفوضى، أم أن ذلك يأتي في صالح أحد أو في صالح فئة معينة، أو أن يكون في صالح المهنة أم سببًا في رجوعها للوراء.

لكن الذي نعرفه هو أن هيئة المحامين الوليدة أتمت مرحلة المخاض، فهل سننتظر طويلًا حتى يتم فطمها وبلوغها، ومن ثم حصولها فيما بعد على الأهلية الكاملة؟ أم أننا مضطرون لتحريضها على عقوقها حتى تحصل على استقلاليتها بعدما تم عضلها عن الالتحام المباشر بالمحامين المنتمين إليها؟

إعادة نشر بواسطة محاماة نت