مقال قانوني حول مرحلة التحصيل الرضائي للديون العمومية

مقال حول: مقال قانوني حول مرحلة التحصيل الرضائي للديون العمومية

مرحلة التحصيل الرضائي للديون العمومية

الأستاذ: مصطفى ايت موسى
محام متمرن بهيئة أكادير

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ترمي هذه الوسيلة أو المرحلة إلى تسديد الدين الضريبي بشكل حبي داخل الآجال القانوني والحول دون اللجوء إلى تحريك مسطرة المتابعة الجبرية، وفي هذا المبحث سنحدد الفترة الزمنية لمرحلة التحصيل الرضائي واهم الإشكاليات التي تطرحها هذه المرحلة.

المطلب الأول : المرحلة الرضائية للتحصيل، والاستثناء الوارد على هذه المرحلة

في هذا المطلب استعرضت تحديد الفترة التي تمتد عبرها المرحلة الرضائية للتحصيل، والاستثناء الذي يرد على قاعدة رضائية التحصيل وذلك من خلال فقرتين كالآتي :

الفقرة الأولى : المرحلة الرضائية في تحصيل الديون العمومية

الأصل أن الديون العامة مستحقة الأداء بأجل أي أن الوفاء بها يتم عن طواعية وبطريقة رضائية خلال آجال معينة، ولقد حدد المشرع هذه المدة في الفترة المتراوحة بين تاريخ صدور الجداول الضريبية وتاريخ استحقاق الضريبة، حيث نص المشرع في المادة السابعة من مدونة التحصيل الديون العمومية على ما يلي ” تستوفي الديون العمومية المدرجة في أوامر المداخيل:
إما رضائية خلال الفترة الممتدة بين تاريخ الشروع في التحصيل أو الإصدار وتاريخ الاستحقاق…” كما أوجبت مدونة التحصيل على إدارة التحصيل في هذا الصدد في المادة الخامسة بعد أن حددت سند التحصيل بالمادة الرابعة من نفس المدونة أن تقوم بشأن ذلك بما يلي :
إخبار الملزمين بتواريخ الشروع في تحصيل جداول الضرائب والرسوم واستحقاقها بجميع أنواع وسائل الأخبار ربما فيها تعليق الملصقات.

إرسال الجداول وقوائم الإيرادات إلى المحاسب المكلف بالتحصيل قبل تاريخ الشروع في التحصيل بخمسة عشر يوما على الأقل.
إرسال إعلام بالضريبة عن طريق البريد في ظرف مغلق إلى كل ملزم مقيد بالجداول أو قوائم الإيرادات عند تاريخ الشروع في التحصيل على ابعد تقدير ويبين هذا الإعلام المبلغ الواجب أداؤه وتاريخي الشروع في التحصيل والاستحقاق.

وما يلاحظ على هذه المادة أن المشرع عند وضعها لم يلتزم فيها صفة الترتيب المطلوب، فكان عليه حينئذ أن يبدأها بتخصيص على إرسال الجداول وقوائم الإيرادات إلى المحاسب المكلف، ثم يتطرق بعد ذلك إلى واجب الإدارة [1] في إخبار الملزمين بتاريخ الشروع في التحصيل، ثم يتبع ذلك بإرسال الإعلام الضريبي عن طريق البريد إلى كل مكلف أو ملزم مقيد بالجداول.
هذا هو الترتيب المنطقي في رأينا الذي كان على المشرع أن ينهجه في وضعه للمادة الخامسة، ولكنه لم يتمسك به ولم يلزمه مما جعل المقتضيات الواردة في هذه المادة تأتي على شكل غير مرتب في التدرج المسطري الذي يقتضيه الواقع العملي من حيث التطبيق.
ومما يلاحظ أن هذه المادة قد تضمنت مقتضيات جديدة لم يسبق التنصيص عليها في ظهير 21/08/1935 [2] وتتعلق بواجب الإخبار.

هناك ادن طريقتين للإخبار أتت بهما المادة الخامسة من هذه المدونة وهي كالتالي:
طريقة إخبار جماعية تهدف إلى اطلاع جميع الملزمين على تاريخ الشروع في التحصيل والاستحقاق بكل وسائل الإعلام بكل وسائل الإعلام بما فيها الملصقات.
طريقة فردية عن طريق إعلام فردي لكل مكلف على أن لا يتعدى التراخي في الإرسال تاريخ الشروع في التحصيل.

ونعود إلى مطلع المادة الخامسة فنجد أن المشرع قد فتح الباب على مصراعيه فيما يتعلق باستغلال وسائل الإعلام مجتمعة من سمعية وبصرية بما فيها من صحف وادعة وتلفزة وملصقات في أماكن عمومية ولا شيء يقيد من حرية الإدارة في هذه الصدد ما دام المشرع قد أطلق يدها حيث سمح لها بإعلام الملزمين بكل وسائل الإخبار كما هو وارد حرفيا في الفقرة الأولى من المادة المذكورة فكلمة “للكل” تفيد الإطلاق لا التخصيص والتوسعة لا الحصر.
وبالنسبة للديون العامة غير المدرجة في جداول وقوائم إيرادات باستثناء تلك التي يعهد بها قباض الجمارك فإن المحاسب المكلف بالتحصيل يرسل للمدين إشعارا يتضمن بيان نوع الدين والمبلغ الواجب أداؤه وتاريخي الإصدار والاستحقاق حسب ما تنص عليه المادة السادسة من المدونة.

إذن فأول ما يتوصل به الملزم أو المدين هو هذا الإعلام بالضريبة أو الإشعار ” حسب نوع الدين” وذلك بقصد الإعلان له عن بداية مرحلة الأداء الطوعي أو التحصيل الرضائي، الذي يمتد اجله من تاريخ الشروع في التحصيل أو الإصدار إلى تاريخ الاستحقاق، ويحدر هذا الأخير الذي بموجبه يصبح الدين العام مستحقا كما يلي :
1- بالنسبة للضرائب والرسوم المدرجة في الجداول عند انصرام الشهر الثاني الموالي لشهر الشروع في التحصيل.[3]
2- النسبة للضرائب والرسوم القابلة للأداء بناء على تصريح، والحقوق والرسوم الجمركية وحقوق التسجيل والتنمبر، والضرائب والرسوم المحلية والديون الأخرى للجماعات المحلية وهيأتها، فإنه يحدد وفق الشروط المحددة في النصوص أو الاتفاقات المتعلقة بها.
3- بالنسبة للديون العامة الأخرى غير التي أشير إليها سابقا، عند انصرام أجل ثلاثين يوما من تاريخ إصدارها.[4]
هذا هو الأصل أو القاعدة، وهو الأداء بأجل أو التحصيل الرضائي، إلا أنه يرد استثناء على هذه القاعدة وهو ما سنتناوله في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية : الاستثناءات الواردة على قاعدة رضائية التحصيل :

من اجل الحفاظ على المال العام أورد المشرع في مدونة التحصيل استثناء على قاعدة الأداء بأجواء التحصيل الرضائي فأعطى صبغة الاستحقاق الفوري لبعض جداول وقوائم الإيرادات المتعلقة بالتسوية وذلك فيما يخص تلك الضرائب والرسوم المفروض تسديدها في البداية بناء على تصريح المكلف.
إلا أن المشرع لم يجعل من الاستحقاق الفوري شيئا مطلق دون قيد أو شرط لما فيه من حرج وتضييق على المكلف بل رابطة أساسين نص عليها في المادة 18 من مدونة التحصيل.

أولهما : عدم وجود أحكام خاصة.

ثانيهما : عدم تعميم الاستحقاق الفوري حيث جعله استثناء من أحكام المواد 13 و 14 و 15 من مدونة التحصيل.
ولقد أورد المشرع في المادة 19 من مدونة تحصيل الديون العمومية الحالات التي تصبح فيها الديون المترتبة بذمة المكلف مستحقة فورا عن ذلك :

إذا لم يعد له في المغرب محل إقامة اعتيادي أو محل مؤسسته الرئيسي أو موطنه * ويلاحظ أن المشرع في المادة 19 قد استثنى من الأداء الفوري الضريبة الحضرية كما جعل بعض الديون الأخرى القابلة للأداء بأجل مستحقة فورا بدون تأخيره لأسباب منها:
أ- بالنسبة للملزم الذي ينتقل للإقامة خارج دائرة اختصاص المحاسب المكلف بالتحصيل دون أن يشعر هذه الأخير بمحل إقامته الجديدة خمسة عشر يوما قبل ذلك الانتقال. ب- في حالة البيع الإرادي أو الجبري: وهذا شيء منطقي لان هذه تعتبر مناسبة حاسمة وفرصة مواتية للتحصيل ديون الخزينة بصفة فورية ودون تأخير مادام البيع قد تم وأنجز فلا معنى حينئذ للمماطلة في أداء الضريبة خصوصا وأن الظروف المادية متوفرة.

ج- في حالة توقيف النشاط : وهذا يستلزم بدوره تسديد مستحقات الخزينة دون تأخير لما في ذلك من مصلحة عامة لأن من شأن توقيف النشاط سواء بصفة مؤقتة أو نهائية أن يؤدي إلى إتلاف حقوق الخزينة أو على الأقل خلق صعوبات في تحصيلها فيما بعد وذلك إذا لم تؤد الديون بصفة فورية ودون تأخير فوجب في إعالة هذه أداؤها حالا.

د- إدماج أو انفصال أو تحويل الشكل القانوني للشركة أو تغيير في شخص الملزم:
وهذا أيضا يحتم من الناحية الواقعية والقانونية أداء وتصفية جميع الديون العالقة تلافيا للضياع الذي قد يلاحق حقوق خزينة الدولة من جراء التعاون في تحصيل الواجبات.

من هذه المادة يتضح أن المشرع أراد من خلالها أن يحافظ على حقوق الخزينة في شتى المناسبات، ويمكن الوقوف على نية واتجاه المشرع بشكل واضح من خلال مقارنة المادة 19 من مدونة التحصيل الديون العمومية مع الفصل السابع من ظهير المؤرخ في 24/12/1935 .
فبالرجوع إلى هذا الفصل (7) نجده ينص على ما يلي : ” إذا انتقل الملتزم بالدفع إلى خارج دائرة جابي الضرائب وكذلك إذا جرى بيع اختيار أو إجباري أصبحت الضرائب بجملتها إلا ضريبة المباني واجبة الأداء حالا”
وهكذا نجد هذا الفصل ينص على حالتين لوجوب الأداء الحال للضرائب هي :
حالة انتقال الملتزم بالدفع خارج دائرة الجابي
ب-حالة البيع الاختياري أو الجبري وبمقارنة ذلك بما أصبحت تنص عليه المادة 19 من مدونة تحصيل الديون العمومية يتبين الفرق الشاسع بينها وبين نص الفصل السابق، حيث نجد المادة 19 من هذا القانون الجديد الذي نحن بصدده قد توسعت كثيرا في إيراد الحالات التي تتطلب الأداء الفوري وهذه حسنة محمودة من حسنات المشرع التي أراد المشرع من خلالها أن يحافظ على حقوق الخزينة في شتى المناسبات منوفيات من وراء ذلك ضمان عملية التحصيل في كافة الظروف الحاسمة التي تتطلب الحزم والجدية واليقظة والحرص حتى لا تضيع العملية التحصيلية نتيجة تغيير في الأوضاع القانونية التي قد تطرأ على حين غفلة كتوقيف النشاط أو بمناسبة إدماج أو انفصال أو تحويل الشكل القانوني للشركة أو تبديل في شخص الملتزم بسبب من الأسباب. وتجدر الإشارة في ختام هذه الفقرة إلى أنه مباشرة بعد حلول اجل الاستحقاق وعدم الأداء خلال اجل ثلاثين يوما فإن المدين يصبح خاضعا لإجراءات التأخير من الأداء في شكل زيادات من التأخير حسب النسب المئوية والشروط المحددة بالمواد من 21 إلى 28 من المدونة ذلك أن الأداء خلال هذه المرحلة الرضائية للتحصيل يختلف من حيث الجزاءات المترتبة عليه بحسب الفقرة التي يتم فيها هذا الأداء.

فابتداء من تاريخ الشروع في التحصيل أو الإصدار إلى غاية الاستحقاق تكون الديون العمومية قابلة الأداء بدون ترتيب أي جزاء على هذا الأداء.
أما ابتداء من تاريخ الاستحقاق إلى غاية انصرام اجل ثلاثين يوما فإن أداء الديون العمومية يصبح خاضعا للزيادات المترتبة من جزاءات التأثير ويتبين من خلال استعراض مقتضيات هذه المرحلة من التحصيل إنما نطرحها عدة إشكاليات وهذه الإشكاليات هي موضوع المطلب الثاني من هذا البحث.

المطلب الثاني : الإشكاليات التي تطرحها مرحلة التحصيل الرضائي و المقتضيات العامة للتحصيل الجبري

إن تحصيل الدين الضريبي يفرض رهانات مالية ولن تأثيرات اقتصادية واجتماعية على المكلفين أو المسؤولين سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين، كما يكتسي صبغة خاصة، إذ غالب ما يكلف المحاسب بتحصيل مبالغ ضريبية لم يساهم في تحديد وعائها ومقدراها، ومن ثمة لا يستطيع أن يقنع الملتزمين بقانونية هذه الضرائب سيما الصغار منهم والذين يمثلون أغلبية المدينين للخزينة.

وتنقسم إجراءات التحصيل إلى قسمين :
مرحلة التحصيل الودي والرضائي
مرحلة التحصيل الجبري
فبعدما تطرقنا في المطلب الأول من هذا الفصل إلى مرحلة التحصيل الودين، وقفت على مجموعة من الإشكاليات تطرحها هذه المرحلة من التحصيل، وهذا ما سنسلط عليه الضوء في الفقرة الأولى من هذا المطلب حيث سنحاول الوقوف على أهم هذه الإشكاليات التي تطرحها مرحلة التحصيل الودي، ونخصص الفقرة الثانية من هذا المطلب لإيضاح بعض الشروط العامة التي يجب تحقيقها قبل الشروع في التحصيل الجبري، هذا الأخير أي التحصيل الجبري هو موضوع المبحث الموالي.

الفقرة الأولى : الإشكاليات التي تطرحها مرحلة التحصيل الرضائي

يتبين من خلال استعراض مقتضيات هذه المرحلة من التحصيل أن الإشكاليات التي قد تطرح بشأنها عند المنازعات في التحصيل قد تتعلق بما يلي :
حالة عدم قيام الإدارة بواجب الإخبار العام للمدينين بشتى الوسائل المتاحة بتاريخ الشروع في التحصيل وماذا يترتب عليه نظرا لما في ذلك من إقرار بحقوق المدينين التي اتجهت المدونة إلى توسيعها وذلك بتقريرها اطلاعهم على كل إجراء يطال أموالهم.
تبليغ وتوصل الملزم بالإعلام بالضريبة أو الإشعار بالأداء، حيث اكتفت المدونة بصدد ذلك بالتنصيص على مجرد الإرسال عن طريق البريد في ظرف مغلق[5] بدن أن يستوجب حصول التبليغ والتوصل فعلا وهنا يثار تساؤل حول جدوى هذا الإجراء إن لم تحرص إدارة التحصيل على حصول تبليغ وتوصل المدين فعلا،

وهل يمكن بمجرد هذه الإرسال عن طريق البريد فقط أن يرتب أثار قانونية ما لم ينتج عنه حصول التواصل هو ما خلق نوع من الفراغ التشريعي، ويتمثل في عدم التنصيص صراحة على وجوب تبليغ المدين بالإشعار السالف الذكر وذلك على خلاف التشريع السابق، [6]

حيث نجد المشرع قد اكتفى بالتنصيص على الإرسال فعلا عن عدم تحديده لقيمة التقييد المجرى بالسند التنفيذي للدين الضريبي لتاريخ إرسال الإشعار في حالة عدم توصل المدين به لسبب من الأسباب، وهو الأمر الذي يعتبره وحسب بعض الفقه ” تراجعا عن احد أهم الضمانات التي كان يتمتع بها المدعي في ظل القانون القديم ذلك أن من شأنه الحد من التفسير القضائي الإداري الذي كان يعمل على إلغاء الإنذار القانوني بصائر في حالة عدم التبليغ بالإنذار بدون صائر من قبله من طرف القابض المالي…”[7]
تاريخ ابتداء وانتهاء الآجال السالفة والتي تعتبر إلى جانب التبليغ والتوصل قوام ومناط هذه المرحلة الرضائية، وقد حسمت المدونة الأمر بشأن ذلك عندما نصت في المادة 17[8] على أن جميع الآجال الواردة فيها هي آجال كاملة، ومن المعلوم أن الآجل الكامل طبقا للفصل 512 من قانون المسطرة المدنية لا يحسب فيه اليوم الذي يتم فيه تسليم الاستدعاء أو التبليغ أو الإنذار أو أي إجراء أخر للشخص نفسه لموطنه كما لا يحسب اليوم الأخير الذي ينتهي فيه هذا الأجل، وإذا ما صادف هذا اليوم الأخير لحلول الآجل يوم عطلة فإن الأجل يمتد إلى أول يوم عمل بعده.

مدى تقدير وثبوت الحالات الموجبة الأداء الفوري، وحالة الإثبات ستفرض نفسها بشأن هذه الحالات في المنازعات التي يثيرها المدينون.

الفقرة الثانية : بعض المقتضيات العامة بشأن التحصيل الجبري

وتتعلق هذه المقتضيات أولا بالديون العمومية موضوع التحصيل الجبري وثانيا بالأشخاص الذين يباشر التحصيل الجبري في حقهم ثم ثالثا بالأعوان المؤهلين لتنفيذ إجراءات التحصيل الجبري.

أولا : الدين العمومي موضوع التحصيل الجبري

لقد أقرت مدونة التحصيل بشأن مبدأ الشمولية عندما اعتبرت التحصيل الجبري يشمل مجموعة المبالغ المستحقة الواجبة على نفس المدين أي أن إجراءاته شاملة للمبلغ الإجمالي المكون لجميع الديون المستحقة الأداء على المدين مما يستوجب استبعاد تجزئة مبالغ الديون عند مباشرتها.

ثانيــا : الأشخاص الذين يباشر التحصيل الجبري في حقهم
:
لقد اتجهت مدونة التحصيل بهذا الصدد إلى التوسيع من دائرة الأشخاص الذين يتم سلوك إجراءات التحصيل الجبري في حقهم عبر درجاته، والهدف من ذلك واضح لأنه إنما يرمي إلى الزيادة في الحفاظ على حقوق الخزينة والضمانات الواجبة لتحصيل الديون العامة وهكذا فإن كان المدين الأصلي – المدين المباشر بمبلغ الدين – هو الشخص أو الجهة الملزمة بأداء مبلغ الدين العمومي وتوابعه، سواء الديون المرتبطة بمرحلة تأسيس الدين (غرامات، زيادات) وتلك المرتبطة بمرحلة تحصيله (فوائد التأخير في الأداء..)
وهكذا فإذا كان المدين يعتبر هو المعني أساسا بالتحصيل الجبري بغية سداد ما بذمته من ديون[9] فإنه تم إضافة الاغيار إما بصفتهم مسولين شخصيا من الأداء وإما بصفتهم متضامنين كأشخاص يباشر كذلك في حقهم التحصيل الجبري.
وهم الاغيار الواردون بالمواد من 93 إلى غاية 99 م المدونة كالأتي :
بالنسبة للأغيار المسؤولين عن سداد الديون العمومية بصفتهم الشخصية وهم :

دوي حقوق المدينين المسجلين بسند التحصيل
كل الأشخاص الذين جعل هؤلاء المدينون موطنهم الجبائي لديهم بموافقتهم
تنص المادة 93 من مدونة التحصيل على ما يلي : ” تعتبر قابلة للتنفيذ / جداول الضرائب وقوائمي الإيرادات وسندات التحصيل الأخرى الموضوعة للتحصيل بكيفية قانونية ضد المدينين المسجلين فيها وضد دوي الحق وحقوقهم وكل الأشخاص الذين جعل المدينون موطنهم الجبائي لديهم بموافقتهم”.
فانطلاقا من مقتضيات المادة أعلاه فإن الدين الضريبي والدين العمومي بصفة عامة يعتبر كيفية الالتزامات التي قد تنتقل من السلف إلى الخلف، وذهب جانب من الباحتين إلى انتقاد المشرع لكونه ليس مجبرا على التنصيص على هذه القاعدة في صلب المدونة ما دام أن الأمر منظم بكيفية عادية في القواعد العامة[10]، لاسيما قانون الالتزامات والعقود التي حدد اثر الالتزام بالنسبة للخلف في المادة 229 من قانون الالتزامات والعقود.[11]
إذن فالقاعدة المعمول بها أن الخلف العام يعتبر استمرار لشخصية السلف إيجابا وسلبا فيخلفه في التزاماته كما يخلفه في حقوقه، غير أن هذه الخلافة تكون في حدود ما آل إليه من التركة.

وجاء في احد قرارات المجلس الأعلى[12] في الملف الإداري عدد 364/4/1 2002 ” حيث ليس بالملف ما يفيد بأن الهالك زوج المستأنفة خلف ما يورث عنها وأنها استفادت من تركته فليس للخازن إلا أن يباشر حقوق الخزينة ضد التركة إن وجدت وحيث أن الفرق بين المبلغ المتوفر لدى الخزينة والضريبة العامة على الدخل لسنة 1998 التي على المستأنفة أداؤه يبلغ 37493.20 فمن المتعين بإرجاع الخازن للمستأنفة المبلغ المذكور لذلك يكون الحكم المستأنف القاضي بغير ذلك واجب الإلغاء..”
الشركات العامة أو المنبثقة عن الإدماج أو الانفعال، والتحويل بالنسبة للديون العمومية التي بذمة الشركات المنحلة نتيجة إدماج شركة أو انفعالها وتحويل شكلها القانوني سواء أدى ذلك إلى إحداث شخص معنوي جديد أم لا.
بالنسبة للأغيار المسؤولين عن سداد الديون العمومية على وجه التضامن وهم :
المالك الجديد وذلك تضامنا مع المالك القديم، وصاحب حق الانتفاع وذلك في حالة تفويت عقار بدون أن يقوم هذا المالك الجديد المفوت إليه بالتأكد من أداء الضرائب والرسوم المثقل بها العقار المفوت برسم سنة التفويت والسنوات السابقة.[13]
العدول أو الموثقون وكل شخص أخر يمارس مهام توثيقية وذلك تضامنا مع الملزم في حالة انتقال ملكية عقار أو تفويته بدون أن يطالبوا بشهادة مصالح إدارة التحصيل المثبتة لأداء الضرائب والرسوم المثقل بها العقار برسم سنة انتقال الملكية او التفويت وكذا برسم السنوات السابقة.

في هذا السياق جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية للأكادير ( طبقا للمادة 95 من مدونة التحصيل الديون العمومية فإنه يتعين على الموثق أن يطالب البائع للإدلاء له بشهادة مسلمة من مصالح التحصيل تثبت أداء حصص الضرائب والرسوم المثقل بها العقار برسم السنة التي ثم فيها انتقال ملكية أو تفويته وكذا السنوات السابقة وذلك تحت طائلة إلزامهم بأدائها على وجه التضامن مع الملزم )[14]
* المفوت إليه وذلك تضامنا مع المفوت في حالة تفويت أصل تجاري أو مؤسسة تجارية أو صناعية أو صناعية تقليدية أو معدنية بعوض أو بالمجان دون التأكد بمقتضى شهادة من مصالح إدارة التحصيل من أداء الضرائب والرسوم الواجبة على المفوت بتاريخ التفويت برسم النشاط المزاول.

* المديرون أو المتعرضون أو المسيرون الآخرون وذلك تضامنا مع الشركة أو المقاولة المدينة وذلك في حالة تعذر تحصيل ما بذمة الشركة المقاولة من ضرائب وما ارتبط بها من غرامات وزيادات وصوائر التحصيل نتيجة أعمال تدليسية، ويشترط لتحقق مسؤوليتهم التضامنية هذه قيام الشروط الآتية:

أن لا يكونوا ملزمين بأداء هذه الديون بمقتضى قوانين أخرى.
أن تكون أعمال التدليس ثابتة قانونا.
أن تقرر مسؤوليتهم بمقتضى حكم قضائي صادر بمناسبة الدعوى التي يقيمها الخازن العام للمملكة لهذا الغرض أمام المحكمة الابتدائية ضد المديرين والمتعرضين أو المسيرين الآخرين
وجاء في حكم للدارية أكادير “…..مما يكون معه ما ذهب إليه دفاع المجلس عن كون المدعي متضامن في الأداء غير مسند وفاقد للأساس القانوني باعتبار انعدام موجبات هذا التضامن الذي يستوجب توفر أركانه…”[15]
* مالك الأصل التجاري وذلك تضامنا مع المستغل بخصوص الضرائب المباشرة على الرسوم الواجبة برسم استغلال ذلك الأصل التجاري.[16]

ثالثـــا : الأعوان المؤهلون لتنفيذ إجراءات التحصيل الجبري

لقد توسعت المدونة بشأن الأشخاص المؤهلين لتنفيذ إجراءات التحصيل الجبري، ويبدو أنها أعطت الأولوية في ذلك لمأموري التبليغ والتنفيذ المحلفين التابعين للخزينة المنتدبين خصيصا لهذه الغاية والذين يبقون خاضعين في ممارستهم لهذه الإجراءات للمحاسبين المكلفين بالتحصيل وتحت مراقبتهم، وتستفاذ هذه الأولوية بوضوح من تنصيص المدونة لدى تعرفها لباقي الأشخاص الآخرين المؤهلين على مجرد إمكانية اللجوء إلى هؤلاء الأشخاص عند الحاجة وهؤلاء الأشخاص هم[17] :

أعوان مكاتب التبليغات والتنفيذات بالمحاكم
الأعوان القضائيون وتطرح بشأن اللجوء إليهم إشكالية أداء أتعابهم مادات المدونة لم تنص على ذلك
أعوان القوة العمومية أو السلطات المحلية الإدارية.
أما عمل أعوان المحاكم والأعوان القضائيون في مجال التحصيل الجبري فيشمل جميع درجات وأنواع هذا التحصيل، في حين أن أعوان القوة العمومية والسلطات الإدارية فلا يشمل سوء التبليغات أو المعاينات أو التنفيذات عن بعد بحسب عامل محدد بالطلب الموحد إليهم من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل بشأن الاستعانة بهم.

الهوامش
[1] – نجد المرسوم الملكي المؤرخ في 21/04/1967 المتعلق بالمحاسبة العمومية قد أضاف المستندات المتعلقة بأوامر التحصيل
[2] – ظهير 21/8/1935 بتاريخ 2 جمادى الأولى 1354 في جعل ضابط للمتابعات والمطالبات فيما يتعلق بالضرائب المقررة والاداءات المماثلة لها ومحصولات ومداخيل الأملاك المخزنية وغيرها من الديون التي يستخلفها التابعون للضرائب والاداءات كما عدل منشور بالجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 30/08/1935 عدد 979 بالفرنسية و 1195 بالعربية .
[3] – المادة 13 من مدونة التحصيل
[4] – – المادة 16 من مدونة التحصيل
[5] – المادة 5 من المدونة
[6] – حيث تقابل المادة 36 من مدونة التحصيل الفصل 24 من ظهير 21 غشت 1935 والذي كان ينص على انه : “لا يجوز للقابض أن يجري المتابعات بصوائر إلا بعد ما يوجه إلى الملزم المتأخر عن الأداء إنذار بدون صائر أو إعلان جماعيا يبلغ في شكل لائحة اسمية إلى السلطة الإدارية المحلية بشرط أن تحيط هذه السلطة بذلك علم المعنيين بالأمر بواسطة استدعاءات فردية، وينبغي دائما أن يثبت تاريخ توجيه الإنذار او اللائحة في قائمة الضرائب أو السند التنفيذي، ويوثق بهذا التنصيص إلى ان نقيد من اجله دعوى الزور”
[7] – محمد قصري، المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء الإداري، م،م،إ،م،و،ت،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية،عدد 62 الطبعة الأول ،2005 ص 122
[8] – انظر المادة 17 من مدونة التحصيل.
[9] – إلا أنه بالنسبة للملزم الذي لم يحدد بعد ما بذمته من ديون عامة نتيجة خضوعه لمسطرة تصحيح جبائي نجد المدونة قد منحت المحاسب المكلف إمكانية اتخاذ كل الإجراءات التحفظية التي من شأنها المحافظة على ديون الخزينة إذا ما توصل من مصلحة الوعاء ويشترط في هذه الإجراءات التحفظية أن لا تؤدي إلى عرقلة النشاط العادي للمقاربة موضوع التصحيح الضريبي
[10] – عبد الرحمان ابليلا ورحيم الطور، ع، س ص 18
[11] – ينص الفصل 229 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي : ” تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين بحسب ولكن أيضا بين ورثتهما ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عنه طبيعة الالتزام أو عن القانون ومع ذلك، فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم وإذا رفض الورثة التركة، لم يجبروا على قبولها ولا على تحمل ديونها وفي هذه الحالة ليس للدائنين إلا أن يباشروا ضد التركة حقوقهم”
[12] – القرار عدد 568 المؤرخ في 14/7/2004
[13] – المادة 94 من مدونة تحصيل الديون العمومية
[14] _ حكم عدد 143_2011 بتاريخ 22_3_2011 ملف عدد 485_2010 غير منشور
[15] -حكم عدد 466_2011 بتاريخ 29_06_2011 ملف عدد 525_2010 غير منشور
[16] – المادة 99 من مدونة تحصيل الديون العمومية
[17] – انظر المادة 34 من مدونة تحصيل الديون العمومية

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.