مفهوم التدخل الدولي وصوره ومدى مشروعيته

المؤلف : موسى سليمان موسى
الكتاب أو المصدر : التدخل الدولي الانساني ومشروعية التدخل السوري في لبنان
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

المطلب الاول: مفهوم التدخل الدولي :
ان ما نقصده بالتدخل هو التدخل الدولي ، أي ذلك الذي يتم من قبل دولة في شؤون دولة أخرى ، وقد عرف أحد كبار فقهاء القانون الدولي، الالماني شتروب، بان التدخل هو، تعرض دولة للشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى دون أن يكون لهذا التعرض سند قانوني ، بغرض الزام الدولة المتدخل في أمرها على اتباع ما تمليها عليها – في شأن من شؤنها الخاصة – الدولة أو الدول المتدخلة (1) .

ويعرفه الدكتور الغنيمي من الفقه المصري بانه تعرض دولة لشؤون دولة أخرى بطريقة استبدادية وذلك بقصد الابقاء على الامور الراهنة للأشياء أو تغييرها (2)، ومثل هذا التدخل قد يحصل بحق أو بدون حق، ولكنه – في كافة الحالات- يمس الاستقلال الخارجي أو السيادة الاقليمية للدولة المعنية ولذلك فانه يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للوضع الدولي للدولة.

ويرى شارل روسو الفرنسي ، ان التدخل هو عبارة عن قيام دولة بتصرف ، بمقتضاه تتدخل الدولة في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى، بغرض اجبارها على تنفيذ أو عدم تنفيذ عمل ما، ويضيف بان الدولة المتدخلة تتصرف في هذه الحالة كسلطة وتحاول فرض ارادتها بممارسة الضغط بمختلف الاشكال ، كالضغط السياسي والاقتصادي والنفسي والعسكري .

من خلال التعاريف المذكورة ، يبدو ان أغلب الفقهاء يجمعون على ان التدخل يكون من طرف دولة في شؤن دولة أخرى، ولكننا نرى ان التدخل لا يشتمل فقط على الدول بل يشمل شخوص القانون الدولي كالمنظمات الدولية والاقليمية والاشخاص، أي يتعدى الدول وممارساتها اللاإنسانية، بغرض التأثير على الدولة المتدخل في امرها بإتيان أو الامتناع عن عمل من شأنه الابقاء أو التغيير في أحد الاوضاع الراهنة في الدولة . وهناك إشارات عند الفقهاء من خلال تصديهم لمفهوم التدخل بانه استبداد لا يستند على أساس قانوني ، بل تعتمد على قوة الدولة في ممارسة الضغط بأشكاله المختلفة .

المطلب الثاني: اشكال التدخل :
يقسم الفقهاء التدخل الى اشكال متعددة حيث يرى الدكتور الغنيمي ان للتدخل شكل خارجي وداخلي و عقابي :
1_ ويكون الشكل الخارجي بتدخل دولة في علاقات دولة اخرى مثل تدخل ايطاليا في الحرب العالمية الثانية الى جانب المانيا ضد بريطانيا .
ب- أما الشكل الداخلي للتدخل فيكون منصباً على ما يجري داخل الدولة ويمثل في تدخل دولة لصالح أحد الاطراف المتنازعة داخل الدولة – كما في حالة الثورة- الحكومة أو الثورة.
ج- والشكل العقابي يمثله حالة القمع التي تفرضه الدولة بسبب ضرر ألحقتها الدولة المتدخل في شأنها بالدولة المتدخلة ، كالحصر السلمي على شواطئ الدولة ، ولم يقتصر الغنيمي على تقسيماته هذه فيشير الى ان بعض الفقهاء يضيفون التدخل الاقتصادي والتدخل الهدام أيضاً.
د- والتدخل الاقتصادي هو أحد أشكال التدخل الذي تمارسه الدولة على اقتصاد دولة أخرى (3) . أما الدكتور على صادق ابو هيف فيقسم التدخل الى السياسي والعسكري والفردي والجماعي والصريح والمباشر:
ا- التدخل السياسي هو ذلك التدخل الذي يحصل بطريق رسمي وبصفة علنية ، أو بطريق غير رسمي ودون علانية ، ويكون التدخل بطلب كتابي أو شفوي من الدولة المتدخلة الذي قد يتحول الى تدخل عسكري أو التهديد به إذا لم تجيب الدولة المتدخل في أمرها لطلبات الدولة المتدخلة .
ب- التدخل الفردي أو الجماعي : قد يكون التدخل من طرف دولة واحدة وقد يكون جماعياً ، ويكون للتدخل الجماعي آثاراً أقل خفةً وحدةً من التدخل الفردي كونه لا يأتي ضماناً لمصلحة دولة بذاتها . وجاء في المادة 14والمادة 36 من ميثاق الامم المتحدة بانه يكون للجمعية العامة أو لمجلس الامن ان يوصي كل منهما باتخاذ ما يراه ملائماً من تدابير لتسوية أي موقف يضر بالرفاهية العامة أو يعكر صفو العلاقات الودية بين الامم .
ج- التدخل الصريح أو الضمني : كثيراً ما تتدخل دولة ما في شؤون دولة أخرى ، وكي تنفرد هي بالمغنم – الذي تراه – تجعل من تدخلها خفياً ، وكثيراً ما ينتج عن التدخل الخفي آثاراً سيئة وضارة كونها تحصل دون سلطات الدولة المتدخل في أمرها ، بعكس التدخل العلني والصريح .

المطلب الثالث: مشروعية التدخل:
الأصل في التدخل غير جائز، وهذا ما أكدته مواثيق المنظمات الدولية وقراراتها حفاظاً على حقوق الدول التي تقضي بالتزام الدول بتلك الحقوق، كما ان غالبية الفقه أيضاً يشجبون التدخل ويحرمونه، إلا ان نفراً قليلاً منهم أباح التدخل إذا ماكانت للدولة مصلحة فيه منهم كامبتز الالماني وباتور الفرنسي . الا ان الفيلسوف الالماني عمانوئيل كانت ، والعلامة الفرنسي لويس ربنو، يران عدم جواز التدخل على الاطلاق ، إلا إذا كانت الدولة في حالة دفاع شرعي (4) . ورغم أصالة عدم جواز التدخل إلا ان هناك استثناءات على ذلك الأصل تبيح بعض حالات التدخل منها :
1- التدخل دفاعاً عن حقوق الدولة:
ان ممارسة الدولة لحقوقها ليس مستثنياً من كل قيد فكل حق يقابله التزام ، وممارسة الدولة لحقوقها يقابلها التزامات ، عليها أن تحترمها ، ومن التزاماتها عدم الاضرار بالغير، كما ان اساءة استعمالها لحقوقها قد يكون فيه ضرر بدولة أخرى ، وعندئذ يحق لتلك الدولة التدخل ، إذا لم تكن الوسائل السلمية بأشكالها المختلفة مجدية في ذلك ، وقد حدد فوشي بعض الحالات التي يجوز فيها التدخل وهي :
أ – زيادة التسليح من قبل دولة معروفة بميلها للعدوان .
ب – قيام الدولة بمؤامرة بغرض اشعال ثورة أو قلب نظام الحكم في دولة أخرى .
ج – قيام ثورة في دولة ما يخشى من انتشارها على سلامة الدول المجاورة .
د – حالة تصريح دولة علناً على عزمها في بسط نفوذها على دولة أخرى .

ان تدخل دولة ما في شأن دولة أخرى دفاعاً عن حقوقها يستدعينا ان نتعرض للموضوع التعسف في استعمال الحق، فالتطورات التقنية والصناعية في دولة ما، و احتياجاتها للموارد المختلفة، وحرية الدولة في استغلالها لمواردها الطبيعية، ذلك الاستغلال الذي يأخذ أشكالاً مختلفة بتطور التكنولوجيا واحتياجات الدولة كاستغلال الانهار الدولية أو ما يسمى أحياناً بالممرات المائية العابرة للحدود التي تمر بأقاليم أكثر من دولة ، فاحتياجات الدولة لمياه الشرب والري وانتاج الطاقة مع توافر التقنية الحديثة في استغلال مياه الانهار بالشكل الأمثل، كثيراً ما يؤثر على حقوق الدولة السفلى التي تشاركها في النهر اذا ما تعسفت الدولة الاعلى في استعمال حقها وأدى الى انخفاض مستوى النهر بالشكل الذي يؤثر على اقتصاد الدولة السفلى في الري والصناعة وانتاج الطاقة. وقد حدثت ازمة حادة بين سوريا والعراق بشأن منسوب مياه نهر الفرات منذ السبعينيات من القرن الماضي اثناء انشاء سوريا لسد الطبقة على نهر الفرات، وكذلك بين كل من تركيا وسوريا منذ الثمانينات نتيجة توجه تركيا للاستثمار المكثف لمواردها المائية بإنشاء السدود، ومنها سد اتاتورك على نهر الفرات وحبس المياه عن الدول الواقعة في اسفل النهر سرعان ما تحول الخلاف حول منسوب النهر الى ازمة سياسية أدخل فيها موضوع حزب العمال الكردستاني التركي، وتفاقمت الازمة حتى وصلت الى حشد تركيا لقواتها العسكرية على الحدود السورية للضغط عليها مما اجبرتها على مغادرة زعيم حزب العمال الكردستاني التركي من سوريا وكانت نتيجته القبض عليه في العاصمة الكينية نيوربي في شباط 1999، فالتعسف في استعمال الحق المشترك من طرف دولة ما قد يتحول الى ضغط على الدولة الاخرى للاتيان أو الامتناع عن عمل لتحقيق مصلحة الدولة المتعسفة في استعمال حقها .

ورأينا ان التعسف في استعمال الحق لا يعتبر تدخلاً من الدولة المتعسفة في استعمال حقها، بل يشكل مبرراً لتدخل شرعي من جانب الدولة المتعدية على حقوقها اذا ما استنفذت الطرق السلمية في حل الخلاف الناشئ بسبب التعدي على حقوق الدولة، الناتج عن تعسف دولة ما في استعمال حقها بالشكل الذي يضر بالدولة الاخرى .
2- التدخل لحماية حقوق ومصالح رعايا الدولة:
للدول الحق في حماية رعاياها في الدول الاخرى و انها مكفلة بذلك إذا ما كان قانونها الداخلي يلزمها بذلك – وهو حالة أغلب الدول- ولكن تدخل الدولة لحماية مصالح وحقوق رعاياها غير مطلقة من كل قيد ، وباعتبار ان الدول تمتلك نظماً قانونية ، فلا يجوز التدخل الا اذا كانت تلك النظم القانونية غير كافية لحماية رعايا الدول الاخرى وأمنهم ومصالحهم ، في حالة خرق حقوق الاجانب وعدم الحفاظ على أمنهم كبقية المواطنين ، أو تعرضهم لاعتداءات غير مشروعة ، عندئذ يحق للدول أن تتدخل لحماية حقوق ومصالح وأمن رعاياها (5) .
3- التدخل الجماعي طبقاً لميثاق الامم المتحدة .
يرى الدكتور الغنيمي مشروعية التدخل الجماعي استناداً الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة التي تبيح التدخل إذا ما أقدمت الدولة المعنية –المتدخل في أمرها- على بعض الاعمال التي تكون من شأنها تهديد الأمن والسلم الدوليين ، أو في حالة قيام الدولة المعنية بالعدوان على دولة أخرى .

وحالات التدخل الجماعي كثيرة آخرها كانت التدخل الدولي – قوات التحالف – في العراق بقواتها العسكرية . ويشكل التدخل الجماعي الذي يتم بقرار من المنظمة الدولية – الامم المتحدة – جائزاً لاستناده على شرعية دولية ، لكن بعض حالات التدخل الجماعي يفتقد الى تلك الشرعية من المنظمة الدولية الى ما بعد حين ، ثم تحصل الدول المتدخلة على غطاء شرعي لتدخلها من تلك المنظمة مما يشير بان الامم المتحدة نفسها تخضع في كثير من الاحيان الى الامر الواقع الذي يتخذه الدول القوية .

4- التدخل بناء على طلب .
يجيز الفقيه كونيديك التدخل إذا كان بناء على طلب ، أي دون أي ضغط ، ويجب أن يأتي الطلب حسب رأيه من طرف الحكومة الفعلية .

ويرى الفقيه الفرنسي شارل شومان ، ان الاعتراف للحكومات القائمة بحق الحصول على مساعدات عسكرية خارجية أمر لايتفق ومبدأ عدم التدخل ، لان الشرعية الدولية لاتبقى دائماً الى جانب الحكومات القائمة ، ففي حالة حق الشعوب في تقرير مصيرها تحل الشرعية للشعوب ، لذلك لايجب مراقبة الشرعية القائمة من قبل الدول الاجنبية (6) .
5- التدخل ضد التدخل .
إذا ما تدخلت دولة في شؤون دولة أخرى يجب التفرقة بين حالة ما إذا كان التدخل مشروعاً أم غير مشروع ، فلا يجوز التدخل من قبل دولة ثالثة إذا ما كان التدخل الأول تدخلاً مشروعاً ، ويجوز التدخل إذا كان هناك أضرار بمصالح الدولة المتدخلة ، أو اضرار للصالح العام لجماعة الدول .
ومن الأمثلة على ذلك هو تدخل بريطانيا سنة 1826 في شؤون البرتغال لتمنع تدخل اسبانيا. وكذلك تدخل بريطانيا وفرنسا سنة 1854 لتمنع تدخل روسيا في شؤون تركيا .
6- التدخل من أجل حماية حقوق الانسان وتحقيق الحماية الانسانية
يرى البعض من الفقهاء والشراح جواز التدخل دفاعاً عن الانسانية في حالات الاضطهاد التي تمس حقوق الاقليات في دولة ما ، وان الاعتداء على حياتهم وحرياتهم وحقوقهم هو اخلال بقواعد القانون الدولي ومبادئ الانسانية ، وبالمقابل هناك من يرى بان هذا الشكل من التدخل لا يستند على أساس قانوني ، ومع ذلك من الجائز التدخل للحماية الانسانية . واكتفي بهذا القدر فيما يخص هذا الشكل من التدخل كوني خصصت المبحث الثاني للتدخل من اجل حماية حقوق الانسان .
______________
1- ابو هيف (د. علي صادق) – القانون الدولي العام – الطبعة 9 – منشأة المعارف الاسكندرية 1971 ، ص 216-217 .
2- الغنيمي (د. محمد طلعت) – الغينمي الوجيز في قانون السلام – منشأة المعارف بالاسكندرية ،بلا تاريخ ص 311 .
3- الغنيمي (د.محمد طلعت) المرجع السابق214 .
4- فوشي – مشار اليه من قبل ابو هيف المرجع السابق ص 220 .
5- الغنيمي (د. محمد طلعت) – المرجع السابق ص 314 .
6- بوكرا ( ادريس ) – مبدأ عدم التدخل في القانون الدولي المعاصر – المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر 1990 ص 229 .