الجهود الدولية في مكافحة الجرائم المعلوماتية

المحامية: منال داود العكيدي

اتاحت المعاملات الالكترونية مجالا واسعا لتنفيذ العديد من الجرائم بعيدا عن أعين الجهات الأمنية لتتغير الجريمة من صورتها التقليدية المادية إلى أخرى معنوية عابرة للدول و القارات، وهذا فرض على المجتمع الدولي البحث عن وسائل لمكافحة هذه الطائفة من الجرائم، ولقد شهدت الجرائم المعلوماتية تطورا ملحوظا منذ نشأتها، مارة في ذلك بعدة مراحل،

مما جعلها تتميز بطابع قانوني خاص نظرا لتميزها بمجموعة من السمات منها : تعديها للحدود الجغرافية كونها تقع في وسط معلوماتي منفتح، مما وسع من مسرح الجريمة الأمر الذي أثار عدة إشكالات أهمها الاختصاص الزماني و المكاني.

كما أنها جريمة يصعب اكتشافها و إثباتها كونها جريمة تفتقر إلى الدليل المادي الملموس. و غالبا ما ترتكب هذه الجريمة من قبل مجرم متميز عن المجرم التقليدي نظرا لما يمتاز به من تقدم في مجال استخدام التقنيات الحديثة، و في أغلب الأحيان يكون لهذا المجرم المعلوماتي دوافع قد تكون مادية كالرغبة في تحقيق الكسب المادي نظرا للأرباح الطائلة التي يمكن للمجرم المعلوماتي أن يجنيها من وراء جريمته،كما يمكن أن تكون له دوافع معنوية كالرغبة في إثبات الذات والانتقام، كما يمكن أن تكون هذه الدوافع سياسية، مما أدى إلى ظهور هجمات إلكترونية بدوافع سياسية ، إضافة إلى ذلك فقد أضحى العالم الافتراضي مجالا خصبا لنشر أفكار العديد من الأفراد و المجموعات بعد استخدامه كوسيلة لإيصال رسائل احتجاجية و هذا ما حدث خلال الربيع العربي بتونس و مصر حيث قدمت مجموعات الأنونيموس دعما قويا للثورات الشعبية.

وتنقسم الجرائم المعلوماتية إلى قسمين هما : جرائم واقعة ضد النظام المعلوماتي كجريمة الدخول و البقاء غير المصرح بهما إلى النظام المعلوماتي، جريمة سرقة المال المعلوماتي و جريمة الإتلاف المعلوماتي ، وجرائم ترتكب بواسطة النظام المعلوماتي, و قد تكون هذه الأخيرة ماسة بالأشخاص أو الأموال أو الدول .

ان هذه الجرائم وغيرها أدت إلى ظهور تحديات جديدة للمنظومة القانونية على المستوى الدولي، خاصة بعدما ألقت بظلالها على العالم بأسره، فتضافرت الجهود من أجل كبح هذه الظاهرة بنجاعة و فعالية، و في إطار الجهد المبذول فان هناك العديد من الهيئات الدولية التي تلعب دورا ملحوظا في هذا المجال على رأسها منظمة الأمم المتحدة التي بذلت جهودا لا يستهان بها في سبيل ذلك ، من أجل التعاون على الحد من انتشار الجريمة المعلوماتية، و هذا من خلال مؤتمراتها لمنع الجريمة و معاملة المجرمين بدءا بالمؤتمر السابع عام 1985 إلى غاية المؤتمر الثاي عشر عام 2010، إضافة إلى المؤتمر الخامس عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات و ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة عام 1994، الذي نتج عنه عدة توصيات و قرارات ذات صلة بالجرائم المعلوماتية، و قد تضمنت تلك التوصيات والقرارات شقين اثنين واحد موضوعي يتناول الأفعال التي تقع تحت طائلة الإجرام المعلوماتي، و ثاني إجراء يتضمن الإجراءات الواجب إتباعها لتطبيق القواعد الموضوعية. كما كان للمنظمة العالمية للملكية الفكرية دور بارز في هذا المجال، و ذلك من خلال وضعها لنصوص قانونية خاصة بحماية برامج الحاسب الآلي و هذا من خلال المادتين 4 و 5 من اتفاقية تريبس ، اضافة الجهد الكبير المبذول من قبل الاتحاد الدولي للاتصالات و هذا في إطار برنامج الأمن المعلوماتي العالمي المعلن عنه من قبل الأمين العام للإتحاد عام 2007، و الذي يرمي إلى تحقيق عدة أهداف أبرزها استحداث تشريع نموذجي لمكافحة الجريمة المعلوماتية يمكن تطبيقه عالميا و يكون قابل للاستخدام مع التدابير التشريعية القائمة على الصعيدين الوطني و الإقليمي.
أما في اطار جهود المنظمات الإقليمية فقد كان للإتحاد الأوربي دور فعال في هذا المجال حيث أثمرت جهوده عن اولى المعاهدات الدولية الخاصة بمكافحة الجرائم المعلوماتية بالعاصمة المجرية بودابست عام 2001، و قد سعت هذه الاتفاقية إلى بناء سياسة جنائية مشتركة من أجل مكافحة الجرائم المعلوماتية في جميع أنحاء العالم من خلال تنسيق و انسجام التشريعات الوطنية ببعضها البعض، و تعزيز قدرات القضاء و كذا تحسين التعاون الدولي في هذا الإطار، إضافة إلى تحديد عقوبات الجرائم المعلوماتية في إطار القوانين المحلية . كما أنشأ الإتحاد الأوربي أجهزة تساعد على مكافحة هذا النوع من الجرائم ، من بينها جهاز اليوروبول والمركز الأوربي لمكافحة الجريمة المعلوماتية و الذي أفتتح في جانفي عام 2013.

أما الجهود العربية في هذا المجال فقد أسفرت عن وضع اتفاقية عربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، و هذا كنتيجة للاجتماع المشترك لمجلسا وزراء الداخلية و العدل العرب والمنعقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة و ذلك في عام 2010 و هذا بهدف تعزيز التعاون بين الدول العربية في مجال مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

إن الطبيعة الدولية للجريمة المعلوماتية استوجبت تعاونا دوليا من أجل مكافحة فعالة، و لعل من أهم مظاهر التعاون الدولي التعاون القضائي، ففعالية التحقيق و الملاحقة القضائية غالبا ما تقتضي تتبع أثر النشاط الإجرامي، لذلك فان أجهزة إنفاذ القانون تكون أحيانا بحاجة إلى مساعدة نظرائها في ولايات قضائية و من أهم مصادر التعاون القضائي التعاون الأمني و المساعدة القضائية الدولية ، وفي نفس السياق نجد نظام تسليم المجرمين باعتباره شكل من أشكال التعاون الدولي و ذلك كنتيجة حتمية للتطورات الحاصلة في كافة المجالات و منها مجال الاتصالات و تقنية المعلومات، حيث لم تعد الحدود القائمة بين الدول حاجزا أمام مرتكبي الجرائم، و بما أن أجهزة إنفاذ القانون لا تستطيع تجاوز حدودها الإقليمية لممارسة الأعمال القانونية كان لابد من إيجاد آلية معينة للتعاون مع الدول باعتبارها عضو في المجتمع الدولي مما يفرض عليها الإيفاء بالالتزامات المترتبة على هذه العضوية و من بينها الارتباط بعلاقات دولية و ثنائية تتعلق باستلام و تسليم المجرمين إضافة إلى ضرورة وجود تعاون دولي في مجال تدريب رجال العدالة الجزائية.