المستثمر المستتر بين الإثبات والاختصاص
خالد بن محمد العنقري
من الناس من يملك المال ولا يملك الوقت لإدارته أو لا يحسن ذلك؛ فيلجأ إلى مشاركة الغير عن طريق الاستثمار دون مشاركته في الإدارة والعمل, وكثير من هؤلاء يسعى لإثبات الشراكة فقط دون علم بالمخاطر والمآلات من حيث الوضع القانوني لهذه الشركة، لا من حيث الربح والخسارة؛ كونه من المسلّم به لدى الجميع أن كل مشروع تجاري عرضة للربح والخسارة, إلا أن الجهل في طبيعة العلاقة التعاقدية قد تدخل غالبا في دوامة يطول الخروج منها، حال وجود النزاع الذي يكتنف الكثير من العلاقات التجارية؛ لعدم تحقق الربح المنشود أو الخسارة.

مما يخفى على الكثير أن الشراكة غير المعلنة بطريق رسمي، إما أن تكون شركة محاصة أو شركة مضاربة، والأولى يكون الاختصاص القضائي فيها للمحاكم التجارية بديوان المظالم، والأخرى من اختصاص المحاكم العامة، ولكل منهما سماتها القانونية الخاصة بها. إن من أهم ما يميز شركة المحاصة اندراجها تحت نظام الشركات؛ فتأخذ الوضع القانوني للشركة نظاما حسب نص المادة 40 من نظام الشركات، ومن سمات هذه الشركة أنها لا يجب توثيقها كسائر الشركات أمام كاتب العدل، ولا يجب فيها التشهير (أي إعلان الشركة) والشريك المستتر له الحق الكامل في الشركة حسب حصته فيها أصولا ونماء, ومن لازم هذه الشركة أن يكون هناك سجل تجاري مسجل باسم أحد الشركاء، مع عدم النص على ذلك في النظام إلا أنه مفهوم منه, كما أن المحاكم التجارية لن تنظر في الدعوى ما لم يكن أحد طرفي النزاع تاجرا مسجلا حسب اختصاصها.

ويشترط في هذه الشركة ألا يظهر الشريك المستتر في التعاملات التجارية، وإلا تحولت إلى شركة تضامن مع المتعامل معه فقط من قبل الشريك المستتر (شركة التضامن يكون فيها جميع الشركاء مسؤولين عن ديون الشركة في مالهم الخاص ما لو استنفدت ديون الشركة أصولها)، بينما شركة المحاصة كالشركة ذات المسؤولية المحدودة تكون مسؤولية الشركاء حسب حصصهم في الشركة فقط. في المقابل شركة المضاربة هي التي يدفع شريك لآخر مبلغا ماليا ليتجر به في شيء مخصص أو غير مخصص, فيكون على أحدهما المال، وعلى الآخر العمل، وهذا شرط لصحة الشركة في الفقه الإسلامي.

من خلال ما سبق يتضح للقارئ الكريم أن شركة المحاصة لا بد من توفر سجل تجاري قائم مع استتار بعض الشركاء، وأن رأس المال يكون مدفوعا من قبل جميع الشركاء أو بعضهم، أما في شركة المضاربة فلا يشترط أن يكون محترفا للتجارة ورأس المال يكون من طرف واحد على الوجوب.

محصلة هذا البيان أن البعض قد يخلط بين هاتين الشركتين عن طريق الاتفاق المبرم أو يكون في الاتفاق ضبابية وغموض، ما يوقعهم عند النزاع بطول أمد التقاضي لتنازع الاختصاص بين المحاكم التجارية والعامة الذي قد يستمر لسنوات قبل النظر في موضوع الدعوى.

الأخطر من ذلك والواجب بيانه هنا أن يد العامل في شركة المضاربة يد أمانة، والقول قوله حال النزاع وعلى المستثمر (صاحب المال) البينة على إخلال العامل أو احتياله فإن عجز عنها فليس له سوى اليمين، أما في شركة المحاصة فإن العامل فيها يأخذ حكم التاجر المدين والمدير التنفيذي؛ فلا قول له بلا حسابات مبينة وهي محل التدقيق, كما أنه مسؤول من واقع الدفاتر عن سوء الإدارة والخسائر الناتجة عنها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت