مقال قانوني حول الأعمال التجارية المختلطة

مقال قانوني حول الاعمال التجارية المختلطة

أ/ أحمد أبو زنط

) ـ الأعمال التجارية بالتبعية :
تنص المادة 4 من القانون التجاري الجزائري على أنه : يعد عملا تجاريا بالتبعية :
ـ الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة تجارته أو حاجات متجرة .
ـ الإلزامات بين التجار .
يتضح من هذا النص أن القانون التجاري الجزائري أضفى الصفة التجارية ، ليس فقط على الأعمال التجارية بطبيعتها ، أو الأعمال التجارية بحسب الشكل ، بل أيضا على الأعمال التي يقوم بها التاجر لحاجات تجاريه ، واعتبر هذه الأعمال تجارية بصرف النظر عن طبيعتها الذاتية ، اعتدادا بمهنة الشخص الذي يقوم بها ، فأكتسبها الصفة التابعة بهذه المهنة ، ولذلك أطلق المشرع التجاري على هذه الأعمال
ـ الأعمال التجارية بالتبعية ـ .

4) ـ الأعمال المختلطة :
الأعمال المختلطة ليست طائفة رابعة من الأعمال التجارية قائمة بذاتها ، كالأعمال التجارية التي تقدم عرضها ، ولذلك لم ينص القانون التجاري عليها . لأن الأعمال التجارية المختلطة لا تخرج عن نطاق الأعمال التجارية بصفة عامة .
والمقصود بالعمل التجاري المختلط هو ذلك العمل الذي يعتبر تجاريا بالنسبة لأحد طرفيه ، ومدنيا بالنسبة للطرف الآخر ، كالمزارع الذي يبيع منتجات حيواناته من ألبان إلى تاجر المواد الغذائية ، والموظف الذي يشتري أجهزة منزلية أو ملابس من تاجر ، وعقد النقل الذي يربط مقاول النقل المسافرين، والحقيقة أن الأعمال المختلطة كثيرة ومتعددة وتقع في الحياة اليومية .
والعبرة في تحديد العمل المختلط ، بصفة العمل ذاته . فلا يشترط في العمل المختلط أن يكون أحد طرفيه تاجرا ، فمثلا عقد البيع الذي يبرمه شخصين مدنين ، يبيع أحدهما شيئا ورثه ويشتري الآخر بقصد بيعه ليربح ، عمل تجاري مختلط ، ولو أن الطرفين ليسا بتاجرين .
وسنتناول فيما يلي كل هذه الأنواع من الأعمال التجارية بقليل من التفصيل .

الأعمال التجارية بالتبعية

سبق أن أوضحنا فيما سبق الأعمال التجارية الوارد ذكرها في المادة الثانية و هي الأعمال التجارية المنفردة والأعمال التجارية على وجه المقاولة وكذلك الأعمال التجارية الواردة ذكرها في المادة الثالثة وهي الأعمال التجارية بحسب الشكل إلا أن القانون قد نص على طائفة أخرى من الأعمال التجارية ورد ذكرها في المادة الرابعة إذ نصت على أنه يعد عملا تجاريا بالتبعية الأعمال التي يقوم بها التاجر و المتعلقة بممارسة تجارة أو حاجات متجره و الإلتزامات بين التجار هذه الأعمال الأخيرة هي أصلا أعمال مدنية ولكنها تفقد هذه الصفة وتكسب صفة جديدة هي اعتبارها تجارية إذا ما بشرها تاجر بمناسبة أعماله التجارية و تسمى هذه الأعمال بالأعمال التجارية بالتبعية نظرا لأنها تستمد أساس التجارية من تبعيتها لصفة القائم بها بمعنى أنه إذا ما باشر هذه الأعمال شخص مدني ظلت محتفظة بطابعها و طبيعتها المدنية أما إذا باشرها تاجر بمناسبة أعماله التجارية فهي تكتسب الصفة التجارية فالتاجر يقوم الى جوار أعماله التجارية بأعمال أخرى مدنية شأنه في ذلك شأن باقي الأفراد فله حياته الخاصة يتزوج ويطلق ويرث و يشتري لوازم أسرته ويسافر ويعالج …

هذه الأعمال تعتبر مدنية بطبيعتها وتخرج عن نطاق الأعمال التجارية و تخضع أصلا لأحكام القانون المدني شأنها في ذلك شأن الأعمال التي يباشرها أي فرد ولا أهمية لصفة القائم بها و الى جوار هذه الأعمال المدنية يقوم التاجر ببعض الأعمال التي تعتبر مدنية بحسب أصلها إلا أنه يقوم بها بقصد تسهيل و تكملة أعماله التجارية و زيادة أرباحه مثل قيامه بشراء سيارة لنقل البضائع أو تسليم المشتريات للعملاء أو توصيل عمال المحل ونقل و شراء الأثاث اللازمة لاستقبال العملاء و الخزائن الحديدية والآلات الكاتبة و الحاسبة وإجراء عقود التأمين على المحل أو البضائع وتعاقده على توريد المياه و النور لمحله التجاري وعقوده مع شركات الإعلانات و العقود التي يعقدها لتسهيل الأعمال التجارية هذه الأعمال قد يقوم بها تاجر أو غير تاجر على السواء فإذا قام بها غير تاجر تظل مدنية و تخضع لأحكام القانون المدني أما إذا قام بها التاجر لشؤونه التجارية فأنها تفقد الصفة المدنية و تكتسب الصفة التجارية تبعا لحرفة القائم بها و تخضع بالتالي لأحكام القانون التجاري.

و يتضح من ذلك أن نظرية التبعية هي إحدى تطبيقات النظرية الشخصية حيث أن صفة القائم بالعمل هي أساس إجتذابه إلى القانون التجاري .
وسنوضح فيما يلي الأساس الذي قامت عليه النظرية ثم تطبيقاتها العملية :

(1 ) الأساس الذي قامت عليه النظرية :

قامت نظرية الأعمال التجارية بالتبعية على أساس من المنطق والقانون .

الأساس المنطقي:
يقتضي المنطق السليم ضرورة اعتبار أعمال التاجر المتعلقة بتجارته وحدة متماسكة تخضع كلها لقانون واحد وقضاء واحد فلا يتصور أن تخضع بعض أعمال التاجر لأحكام القانون التجاري بينما يظل بعضها الآخر يحكمه قانون آخر هو القانون المدني بسبب أن الأولى ورد ذكرها في القانون دون الثانية رغم أنها أعمال مترابطة تحقق هدفا واحداهو تسهيل أعمال التاجرالتجارية.
فالأخذ بهذه النظرية يؤدي الى تفادي عيوب تعداد الأعمال التجارية وإغفال بعضها فهناك الأعمال المكملة للحرفة التجارية والتي تسهلها وتزيد من أرباحها و مع ذلك فلم ينص عليها صراحة ضمن هذا التعداد مما يبعدها أصلا عن نطاق أحكام القانون التجاري فالأخذ بنظرية الأعمال التجارية بالتبعية من شأنه أن يتسع حكم القانون التجاري ليشمل تلك الأعمال ويلاحظ أن حرفة القائم بالعمل وهو كونه تاجرا هي أساس إخضاع هذا العمل لأحكام القانون التجاري و بالتالي فان العمل الذي نص عليه القانون لا يستطيع أن يجذب الأعمال المدنية المرتبطة لتصبح تجارية تبعا له مادام القائم بها ليس تاجرا فاذا حدث وقام أحد الأفراد بعملية شراء بقصد البيع وهي احدى الأعمال التجارية المنفردة ثم عقد تأمينا عليها فإن عقد التأمين لا يفقد صفته المدنية و يظل محتتفظا بها رغم أنه متعلق بعمل تجاري .

الأساس القانوني:
تجد نظرية الأعمال التجارية بالتبعية أساسها القانوني في المادة الرابعة تجاري إذ نصت على أنه يعد عملا تجاريا بالتبعية الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة تجارته أو حاجات متجره والإلتزامات بين التجار .
وقد توحي الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة أنه يشترط أن تتم هذه الأعمال بين تاجرين الا أن المستقر عليه فقهاء وقضاء أنه يكفي أن يكون أحد طرفي العقد تاجرا حتى يعتبر العقد بالنسبة اليه من طبيعة تجارية أما فيما يتعلق بالطرف الآخر فان التعاقد يظل مدنيا.

هذا وطبقا لنص المادة الرابعة المشار اليها يشترط أن يكون القائم بتلك الأعمال تاجرا وأن تكون تلك الأعمال متعلقة بممارسة تجارته فبالنسبة لشرط تعلق العمل بأعمال التاجرفالقضاء مستقر على افتراض تعلق جميع أعمال التاجر بتجارته الى أن يثبت العكس بمعنى أن القضاء اعتبر أن جميع أعمال التاجر التي يقوم بها دائما تجارية الا اذا أقام التاجر ما يثبت مدنيتها .

(2 ) تطبيقات نظرية التبعية :

عقود التاجر وتعهداته:
تعتبرعقود التاجر والتزاماته تجارية مالم تتعلق بأعمال مدنية وتطبيقا لذلك تعتبر أعمالا تجارية عقود شراء سيارة لنقل اليضائع الى العملاء أو التزامه الناشئ عن عقده مع أحد المقاولين لاجراء اصلاحات بمحله التجاري أو إدخال النور أو المياه به أما عقود التاجر وتعهداته المتعلقة بأعمال مدنية فهي تظل مدنية كعلاقات التاجر بأسرته مثل عقود الزواج أو إجراءات قسمة التركة أوالديون المدنية وقد يكون العمل مدنيا لتعلقه بحياة التاجر المدنية كعقد شراء السيارة لاستعماله الشخصي أو لأسرته أو عقد شرائه أو التزامه الناشئ عن اصلاح عقار مخصص لاستعماله الشخصي وكما هو الحال بالنسبة للتصرفات التى تتم بدون مقابل كالهبة أوالوصية.

نظرية التبعية والمسؤولية غير العقدية :
لايقتصر تطبيق نظرية التبعية على العقود التي يبرمجها التاجر و التي تتعلق بتجارته بل تتعدى ذلك لتشمل المسؤولية غير العقدية كالمسؤولية الناشئة عن الفعل الضار كالتزام التاجر بالتعويض نتيجة ما يصدر منه من أفعال ضارة أو من تابعية أو الحيوانات الآلات التي يستحدمها طالما أنها تتم بمناسبة نشاطه التجاري كذلك إلتزام التاجر بتعويض تاجر آخر او صاحب مصنع بسبب تقليده براءة إختراع او علامة تجارية او تقليد الإسم أو العنوان التجاري.

نظرية الأعمال المدنية بالتبعية الشخصية قياسا علىالتجارية بالتبعية الشخصية:
قياسا على نظرية الأعمال التجارية بالتبعية فإن الأعمال التجارية تفقد صفتها التجارية و تصبح اعمالا مدنية إذا أجراها غير التاجر لأمور تتعلق بمهنة المدنية و تسهلها و تكملها و الأمثلة على ذلك كثيرة فصاحب المدرسة الذي يقوم ببيع الواجبات الغدائية أو الكتب و الأدوات للتلاميذ إنما يقوم بعمل مدني بالتبعية نظرا لأن هذه الأعمال التجارية بحسب الأصل الهدف منها تسهيل العمل الأصلي وهو نشر العلم كذلك شراء المؤلف أو الرسام أو الموسيقي للأدوات التي يستخدمها في عرض مؤلفه أو فنه أو الطبيب الذي يبيع الدواء لمرضاه في الأماكن التي لا توجد بها صيدليات فهذه الأعمال مدنية بالتبعية.

الأعمال المختلطة

يقصد بالأعمال المختلطة الأعمال التي تعتبر تجارية بالنسبة لأحد أطراف التعاقد ومدنية بالنسبة للطرف الآخر فإذا قام تاجر التجزئة ببيع البضائع الى جمهور المستهلكين فان العمل يعتبر تجاريا بالنسبة للتاجر ومدنيا بالنسبة للمستهلك كذلك التجر الذي يشتري محصولات المزارعين أو الناشر الذي يشتري تأليف الأدباء أو الفنانين أو صاحب الملهى الذي يتعاقد مع الممثلين وغيرهم ففي جميع هذه العقود يعتبر العمل تجاريا من جانب التاجرأوالناشر أوصاحب الملهى و مدنيا من الجانب الآخر. ويثير العمل المختلط بصفة عامة صعوبة فيما يتعلق بالمحكمة المختصة بنظر النزاع والقانون الواجب التطبيق على هذا النزاع.
ففيما يتعلق بالصعوبة الأولى وهي تحديد المحكمة المختصة في النزاع ذو الطبيعة المختلطة استقر القضاء على أن ينظر الى طبيعة العمل بالنسبة للمدعىعليه فان كان العمل بالنسبة للمدعي تجاريا وبالنسبة للمدعي تجاريا وبالنسبة للمدعي عليه مدنيا يجب رفع الدعوى أمام المحكمة المدنية أما اذا كان العمل مدنيا بالنسبة للمدعي وتجاريا بالنسبة للمدعي عليه جاز رفع الدعوى أمام المحكمة التجارية أوالمدنية .

و تطبيقا لذلك اذا رفع تاجر دعوى على أحد عملائه المستهلكين لمطالبته بقيمة ما تم تم توريده اليه وجب عليه رفع تلك الدعوى أمام المحكمة المدنية أما إذا كانت الدعوى مرفوعة من المستهلك على التاجر بخصوص نزاع حول قيمة البضائع التي وردت اليه فان المدعى المستهلك له الخيار بين رفع الدعوى أمام المحكمة التجارية أوالمدنية (هذا يكون في البلاد التي يوجد بها قضاء تجاري بجوار القضاء العادي) ويعتبرالقضاء الفرنسي حيث يسود نظام القضاء المزدوج مستقر على ذلك كما أنه رغم تعلق قواعد الإختصاص النوعي بالنظام العام الا أن القضاء الفرنسي يحترم الإتفاق على خلاف هذه القواعد فيجوز للمدعي غير التاجر رفع الدعوى أمام المحكمة المدنية أو التجارية ما لم يوجد اتفاق غير ذلك فاذا إتفق الأطراف على رفع الدعوى أمام المحكمة التجارية على غير التاجر أن يرفع دعواه أمام المحكمة التجارية أما فيما يتعلق بالقانون واجب التطبيق على هذا العمل المختلط فانه ينظر الى طبيعة النزاع و ليس المحكمة المختصة بمعنى أن القانون المدني يطبق على الجانب المدني من العملية حتى ولو كان النزاع معروضا أمام المحكمة التجارية كما يطبق القانون التجاري على الجانب التجاري منها .

وتطبيقا لذلك إذا أراد المدعي التاجر الذي يعتبر العمل تجاريا من جانبه أن يثبت دعواه في مواجهة المدعى عليه غير التاجرالذي يعتبر العمل مدنيا بالنسبة له فانه يجب على المدعي المذكور ان يتبع في ذلك طرق الإثبات المدنية أما إذا أراد المدعي الذي يعتبر العمل مدنيا من جانبه إثبات صفقه في مواجهة المدعى عليه التاجر فإن له اتباع طرق الإثبات التجارية إذ العبرة في هذا الخصوص بطبيعة العمل بالنسبة لمن ستتخد قواعد الإثبات في مواجهته إلا أنه هناك حالات يصعب فيها تطبيق النظامين القانونيين على نفس العمل ففي حالةالرهن الحيازي مثلا نجد أن المادة 31 تجاري جزائري تنص على أن الرهن التجاري هو الرهن الذي يعقد ضمانا لدين تجاري أي ان العبرة في تحديد صفة هي بطبيعة الدين المضمون و على ذلك يكون تجاريا إذا كان يضمن الوفاء بدين تجاري و يكون الرهن مدنيا إذا كان المضمون مدنيا. ومتى كان الدين مختلطا أي تجاريا بالنسبة لأحد الطرفين ومدنيا بالنسبة للطرف الآخر فإن صفقة الرهن تتحدد بطبيعة الدين المضمون بالنسبة للمدين فإذا إشترى تاجر محصولا من مزارع وقدم رهنا ضمانا للوفاء بالثمن فإن الرهن يكون تجاريا لأن الدين تجاري بالنسبة للمدين ففي هذه الحالة تسري على الرهن أحكام القانون التجاري وعلى العكس إذا إشترى مزارع الات لحاجات زراعية وقدم رهنا ضمانا للوفاء بالثمن فإن الرهن يكون مدنيا وتسري عليه أحكام القانون المدني.

ولا محل لإعتبار الرهن تجاريا بالنسبة لطرف و مدنيا بالنسبة لطرف آخر اذ من الضروري أن يخضع الرهن لقواعد واحدة وأن تكون له صفة واحدة تتحدد بطبيعة الدين المضمون بالنسبة للمدين ،كذلك فان القضاء في فرنسا مستقر على أنه بالنسبة لشكل الاعذار ومقدار الفائدة القانونية والتضامن فانه يجب الإعتداد بطبيعة العمل ومدى تجاريته بالنسبة للمدين في الإلتزام.

شارك المقالة

1 تعليق

  1. أريد أن استعمل هذا المقال القيم في بحوثي الجامعية . اريد أن أعرف كيف اهمشه و ما هي المجلة التي نشر فيها. أنتظر ادلالتي بذالك و شكرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.