العدالة الذكية (فريضة معطلة)
القاضي عامر حسن شنته
في ظل التطور الهائل للتكنولوجيا الحديثة، بات تطوير نظم العدالة التقليدية أمراً ملحاً، كونه يحسن وبشكل كبير من نوعية الخدمة المقدمة للمواطنين، ويقلل في الوقت ذاته من الجهود والتكاليف، ويحقق استغلالاً أمثل للموارد البشرية المتاحة، فلقد أسهمت البيروقراطية الإدارية في خلق جو من عدم الارتياح والرضا لدى عموم المواطنين.

وإذا كنا نتحدث عن منظومة العدالة في العراق بشكلها الأوسع فان الحديث سيمتد بلا شك إلى الدوائر العدلية كافة مثل التنفيذ والتسجيل العقاري والكاتب العدل، فضلا عن المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وأي تطوير في هذا الصدد يجب أن يستهدف المنظومة بأكملها، حتى يتحقق الغرض المنشود وذلك للعلاقة التكاملية التي تربط تلك الأجهزة جميعاً.

إن تطبيق نظام العدالة الذكية سيقود إلى الحد من حالات التزوير في الوثائق والمستندات، ويقلل النفقات، ويؤمن تدفقا الكترونيا عالي المستوى للمعلومات ،ويحقق مصادر دخل إضافية للجهات التي تتولى تطبيقه، ولنأخذ أمثلة بسيطة توضح تلك المزايا؛ فوجود نظام الكتروني يقدم خدمة الحصول على معلومات أولية عن العقار، تؤكد سلامة موقفه القانوني تتيحه دائرة التسجيل العقاري لقاء رسم معين سيكون أمراً مفيداً يغني المواطن عن مراجعتها، وعن اللجوء إلى الوسطاء والمعقبين. ووجود قاعدة بيانات للأحكام والقرارات غير المنفذة في دائرة التنفيذ ،والتي قيل عنها أنها (مقبرة الأحكام) مع تدخل تشريعي بسيط ، يقضي بحرمان الممتنعين عن تنفيذ الأحكام من التمتع ببعض الخدمات التي تقدمها الحكومة ،وبما لايتعارض مع حقوق الإنسان. سيكون مفيدا جدا، في تفعيل تنفيذ الأحكام في ظل تخلف آليات الملاحقة والإجبار على التنفيذ.وإمكانية حصول محكمة البداءة المختصة بنظر دعوى تمليك مثلاً على صحة صدور الوكالات والسندات المبرزة في الدعوى الكترونياً، سيكون أمرا جيداً.

وإدراكا من مجلس القضاء الأعلى لأهمية العدالة الذكية ،فقد بدأ بخطوات جادة في هذا الصدد. منها مثلاً الاستعلامات الالكترونية في عدد من رئاسات الاستئناف، والضبط الالكتروني، ومشروع إجراءات عقد الزواج الالكتروني.غير أنها خطوات تحتاج إلى جهد أكبر، لتحقيق الجودة في الخدمات المقدمة للمواطنين.

ولا بأس من طرح عدد من الأفكار التي من الممكن أن يعمل عليها مجلس القضاء ضمن رؤية إستراتيجية للتطوير، ومنها إصدار وثائق قياسية للإجراءات والمعاملات كافة وتحديثها باستمرار، منعا لتفاوتها بين المحاكم المتعددة، وأحياناً بين القضاة ضمن المحكمة الواحدة.وحتى يكون المواطن على بينة من أمره ابتداءً وهو ما يسمى بنظام (التوحيد القياسي) وإعطاء رقم مرجعي لكل دعوى مع أرشفة الأوراق والمحاضر الكترونياً. والربط الشبكي للمحاكم كافة بنظام مركزي لإدارة الدعاوى، يكون الدخول إليه محدود الصلاحية، الأمر الذي يسهل تداول بيانات الدعوى، ويمكن الجهات الإشرافية على عمل المحاكم من معرفة عدد مرات التأجيل مثلا وأسبابه ،وطلبات الأطراف التي لم يبت بها .وكافة إجراءات الدعوى الوارد بشأنها شكوى.كما يسمح للجهات الإحصائية في المجلس معرفة عدد الدعاوى المسجلة في عموم البلد ونسب انجاز المحاكم، ونوعية الدعاوى المقامة.

ويمكن للمجلس في مرحلة متقدمة أن يستفيد من الرقم الوطني الموحد لكل مواطن .وان يربط تقديم الخدمة الالكترونية به. فيما يتعلق بالمعاملات والدعاوى ،والتي تتيح مصدراً أًمناً للحصول على المعلومات الحقيقية لطالب الخدمة.وان يعمل على إصدار مايعرف (بالهوية القضائية الرقمية أو صحيفة الحالة القضائية)، والتي يسجل فيها الموقف المدني للمواطن الذي تصدر بحقه أحكام من محاكم البداءة والأحوال الشخصية فيما يتعلق بالديون والنفقات ،والتي تحدد المركز المالي له. وأن تتاح تلك الصحيفة لمن يطلبها مثل الجهات الائتمانية أو المتعاقدين لقاء رسم معين. وأخيراً فأن العمل على تحقيق نظام العدالة الذكية، ليس بالأمر المستحيل إذا توفرت الإرادة الجادة لذلك.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت