تفقد الزوجة جنسيتها الوطنية اذا تزوجت من أجنبي. ويكون اختلاف الجنسية عندئذ معاصراً للزواج ولقد اختلفت التشريعات في تناولها لأثر زواج الوطنية من الأجنبي على جنسية الزوجة تبعاً لموقفها من مبدأ وحدة الجنسية او استقلالها او فيما اذا كانت تسلك مسلكاً وسطاً بين المبدأين. ولو رجعنا الى نصوص القوانين في هذا الشأن لوجدنا اتجاهات تشريعية مختلفة تناولت هذا الموضوع ويمكن حصر هذه الاتجاهات بما يلي:

الاتجاه الاول: زوال الجنسية الوطنية كأثرٍ حتميٍ للزواج: طبقاً للأثر المباشر للزواج المختلط فأن الوطنية التي تتزوج من اجنبي تفقد جنسيتها بمجرد الزواج وبقوة القانون. وتزول الجنسية الوطنية عن الزوجة وتعد من الاجانب حتى ولو لم تدخل في جنسية الزوجة بمجرد ثبوت واقعة الزواج (1). ويلاحظ أن التشريعات التي سلكت هذا الاتجاه تراعي امرين:

1-الاخذ بمبدأ وحدة الجنسية بصورة مطلقة وما يحتمه من لحاق الزوجة بجنسية زوجها بقوة القانون.

2-القضاء على ظاهرة ازدواج.

هذا وأذا كان يسجل لهذا المبدأ ميزة القضاء على ظاهرة ازدواج الجنسية فأن هذا الاتجاه يؤخذ عليه أنه يهمل ارادة الزوجة وحقها في الاحتفاظ بجنسيتها او رغبتها في الدخول في جنسية زوجها اولاً، ويؤخذ عليه ثانياً أنه يؤدي الى وقوع كثيرٍ من النساء في حالة انعدام الجنسية في الفرض الذي يفقدها قانونها للجنسية بمجرد الزواج دون ان يدخلها قانون الزوج في جنسيته (2) . ثم أنه اخيراً لا علاقة قانونية توجد بين الزواج من أجنبي الذي هو متعلق بالأحوال الشخصية وزوال الجنسية عن الوطنية الذي يرتبط بسياسة الدولة (3). ومن التشريعات التي تأخذ بهذا الاتجاه قانون الجنسية العراقي رقم 42 لسنة 1924 الملغي إذ جاء في المادة (17): “…زوجة الاجنبي أجنبية”. ولقد نقل المشرع العراقي هذا النص من القانون البريطاني القديم (4) . ومن التشريعات الاخرى قانون جنسية شرق الاردن في المادة (15) من قانون سنة 1928.

الاتجاه الثاني: زوال الجنسية عن الوطنية المتزوجة من أجنبي معلقاً على تحقق الشرط السلبي: نظراً للسلبيات الكثيرة التي افرزها الاخذ بمبدأ وحدة الجنسية في تنظيــم اثر زواج الوطنية من الاجنبي واهمها انه يؤدي الى وقوع كثير من النساء في حالة انعدام الجنسية، لذلك اتجهت تشريعات دول العالم الى تعليق زوال الجنسية عن الوطنية المتزوجة من أجنبي على دخولها في جنسية الزوج وهو ما يسمى بـ”الشرط السلبي” (5). فلا تزول الجنسية عن الوطنية حتى يدخلها قانون الزوج في جنسيته. وبذلك تضمن دولة الزوجة عدم بقائها بلا جنسية. غير أن التشريعات التي سلكت هذا الاتجاه أختلفت فيما بينها حول أمر مهم وهو أرادة الزوجة ورغبتها في اكتساب جنسية زوجها فبعض التشريعات قضت على ان لا تفقد الزوجة جنسيتها حتى تكتسب جنسية الزوج. في جين ان البعض الآخر من التشريعات ذهب إلى اضافة عنصرٍ آخر في هذا الشرط الا وهو ان يكون اكتسابها جنسية الزوج برغبتها وأرادتها، انطلاقاً من مبدأ حرية الفرد في اختيار جنسيته.

فقانون الجنسية العراقي رقم 6 لسنة 1941 سلك هذا الأتجاه إذ جاء في المادة (17) المعدلة ما يلي: “العراقية التي تتزوج من اجنبي لا تفقد جنسيتها العراقية إلا أذا اكتسبت جنسية زوجها”، وكان المشرع العراقي يهدف من وراء مسلكه هذا تحقيق النتائج الآتية (6) :

1-اذا كان قانون الزوج الاجنبي يتبع مبدأ تبعية الزوجة لزوجها في جنسيته بصفة مطلقة أي يقضي بأن الزوجة تكتسب جنسية زوجها بمجرد حصول الزواج. فأن العراقية التي تتزوج من اجنبي تفقد جنسيتها العراقية وفي نفس الوقت تكتسب جنسية زوجها وذلك بمجرد حصول الزواج.

2-اذا تزوجت العراقية من أجنبي لا جنسية له فتظل محتفظة بجنسيتها العراقية وذلك لاستحالة اكتسابها جنسية أخرى.

والسبب في تعديل المشرع العراقي لاتجاهه هذا هو ان المشرع العراقي كان قد أخطأ في اعتبار زوجة الاجنبي اجنبية من وجهين (7). :

الاول: أنه وضع نفسه موضع المشرع الاجنبي إذ جعل المرأة العراقية تكتسب جنسية زوجها الاجنبي بمجرد الزواج.

الثاني: انه عرض الزوجة لحالة انعدام الجنسية عندما لا يمنحها القانون الأجنبي جنسية زوجها بمجرد زواجها منه كأن يوقف ذلك على تحقق شروطٍ معينة كتقديم طلب او مضي مدة او عندما تتزوج الوطنية من عديم الجنسية،

وقد تلافى المشرع العراقي هذين الخطأين إذ عدل النص فجعل فقد المرأة العراقية لجنسيتها متوقفاً على اكتسابها جنسية زوجها. وبهذا أحتفظ لها بجنسيتها العراقية وترك امر اكتسابها لجنسية زوجها لحكم القانون الأجنبي. غير أن المشرع العراقي لم يقف عند هذا الحد وانما تعداه الى ان جعل زوال الجنسية عن الوطنية معلقاً ليس فقط على اكتسابها لجنسية زوجها وانما على ان يكون هذا الاكتساب بناءً على رغبة الزوجة في اكتساب جنسية زوجها، وهذا ما جاء في قانون الجنسية العراقي رقم 46 لسنة 1990، إذ جاء في الفقرة (2) من المادة (12): “اذا تزوجت المرأة العراقية من أجنبي او عربي او عراقي اكتسب جنسية اجنبية بعد تأريخ الزواج تزول عنها الجنسية العراقية متى اكتسبت جنسية زوجها بأختيارها” هذا وأن اتجاه المشرع العراقي جاء تطبيقاً للاتجاهات الحديثة التي تعتد بأرادة المرأة في اختيارها جنسية زوجها. ولذلك فلا بد ان تحصل الزوجة على جنسية زوجها بمحض اختيارها فاذا فرضت عليها من قبل تلك الدولة الاجنبية رغماً عنها فان مفهوم المخالفة لنص المادة (12/فق2) نستفيد منه أن الزوجة تبقى محتفظة بجنسيتها العراقية (8) . ومن التشريعات الاخرى التي سلكت هذا الاتجاه اتفاقية لاهاي المبرمة سنة 1930 اذ جاء في المادة (8) منها: “اذا كان قانون المرأة الوطني يفقدها جنسيتها بسبب زواجها من اجنبي فإن هذا الاثر يعلق على اكتسابها جنسية زوجها”. ومن التشريعات الاخرى التي سلكت هذا الاتجاه قانون الجنسية المصري الصادر سنة 1929 إذ تقضي المادة (14/فق2) بأن: “المرأة المصرية التي تتزوج من أجنبي تفقد الجنسية المصرية اذا كانت بمقتضى هذا الزواج تدخل في جنسيتة زوجها عملاً بالقانون الخاص بهذا الجنسية…” وقانون الجنسية السوري الصادر سنة 1935 إذ نصت المادة (13/فق1): “المرأة السورية التي تتزوج من اجنبي تفقد الجنسية السورية اذا كان قانون زوجها يمنحها جنسيته والا فتظل سورية” ومن التشريعات الاخرى قانون الجنسية الفنلندي (م 10 من القانون الصادر سنة 1941) وقانون الجنسية الايطالي (م 10 من قانون سنة 1912) والهولندي (م 5 من قانون سنة 1929) والصيني (م 11 قانون سنة 1947) والمجري (م 12 قانون سنة 1948). فهذه التشريعات اشترطت لزوال الجنسية عن الوطنية ان تكتسب جنسية زوجها على خلاف بين التشريعات فبعضها يشترط أن تكتسب جنسية زوجها بأختيارها والبعض الآخر لا يشترط مثل هذا الشرط بل يكفي دخولها في جنسية زوجها.

الأتجاه الثالث: تزول الجنسية عن الوطنية اذا لم ترغب بالاحتفاظ بجنسيتها الاصلية : هناك اتجاهٍ تشريعي تمسك بالمرأة الوطنية ولم يفقدها جنسيتها نتيجة أكتسابها جنسية زوجها وانما تطلب فوق ذلك ان تقدم طلباً تعلن فيه الوطنية صراحة تخليها عن جنسيتها الأصلية. وهو تطبيق لما يدعى بـ”الشرط التحفظي”، ويقضي هذا الشرط بأن يبقى للزوجة الحق في الاحتفاظ بجنسيتها الأصلية اذا لم يمنحها بلد الزوج الجنسية (9) . ويعود السبب في التجاء الدول إلى الاخذ بهذا الشرط إلى ان الشرط السلبي من شأنه ان يجعل فقد الزوجة لجنسيتها رهناً بمشيئة دولة الزوج (10). فاذا منحتها جنسية الزوج فتزول عنها الجنسية الوطنية اما اذا لم تمنحها دولة الزوج جنسيتها فلا تزول الجنسية الوطنية عنها بل تبقى محتفظة بجنسيتها. ولذلك فإن أغلب التشريعات مالت الى الاخذ بالشرط التحفظي إذ تبقى الزوجة محتفظة بجنسيتها فاذا رغبت باكتساب جنسية زوجها فما عليها سوى تقديم طلب تتخلى فيه عن جنسيتها اما اذا لم ترغب باكتساب جنسية زوجها فلا تزول الجنسية الوطنية عنها وانما تبقى محتفظة بجنسيتها. ومن التشريعات التي سلكت هذا الاتجاه قانون الجنسية الفرنسي لسنة 1973 إذ جاء في المادة (94): “تحتفظ المرأة الفرنسية التي تتزوج من أجنبي بالجنسية الفرنسية ألا أذا صرحت بصفة علنية قبل اشهار الزواج وعلى مقتضى الشروط… بأنها اعرضت عن هذه الجنسية” ونصت المادة (12) من قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975 النافذ: “المصرية التي تتزوج من اجنبي تظل محتفظة بجنسيتها المصرية إلا أذا رغبت في اكتساب جنسية زوجها، واثبتت رغبتها هذه عند الزواج او اثناء الزوجية وكان قانون جنسية زوجها يدخلها في هذه الجنسية ومع ذلك تظل محتفظة بجنسيتها المصرية اذا اعلنت رغبتها في ذلك في خلال سنة من تاريخ دخولها في جنسية زوجها…”. فهنا يقرر المشرع المصري حقاً للمصرية التي تتزوج من اجنبي في الاحتفاظ بالجنسية المصرية اذا اعلنت رغبتها في ذلك خلال مدة محددة من تأريخ تجنسها بجنسية زوجها (11). ونصت المادة (12) من قانون الجنسية السوري رقم (276) لسنة 1969 على ما يلي: “تحتفظ المرأة العربية السورية التي تتزوج من أجنبي بجنسيتها إلا أذا طلبت اكتساب جنسية زوجها وكان قانون هذه الجنسية يكسبها أياها”. وكذلك قانون الجنسية الجزائري لعام 1970 إذ جاء في المادة (12) على ما يلي: “يفقد الجنسية الجزائرية… 3- المرأة الجزائرية المتزوجة من أجنبي وتكتسب من جراء تزوجها جنسية زوجها وأذن لها بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية الجزائرية”. ومن التشريعات الاخرى التي سلكت هذا الاتجاه: تايلاند (م 13 قانون سنة 1952) سويسرا ( م9 سنة 1952) بلجيكا (م18قانون 1932) النمسا (م8 قانون 1949) الامارات (م14 قانون سنة 1972) قطر (م 12 قانون سنة 1961) ليبيا (م 8 قانون سنة 1954) السعودية (م17 قانون سنة 1975) روسيا (م5 قانون سنة 1938) كوبا (م6 قانون سنة 1952).

الاتجاه الرابع: أنكارُ أيُ أثرٍ لزواج الوطنية من الأجنبي على جنسية الزوجة : ذهبت بعض التشريعات في دول العالم الى أنكار أي اثر للزواج على جنسية الزوجة الوطنية سواء اكتسبت جنسية زوجها ام لا، وبذلك فإن الجنسية لا تزول عنها حتى تتخلى الزوجة عن جنسيتها صراحة، وهذا الاتجاه يمثل الدرجة القصوى من أحترام ارادة المرأة وعدم تأثر جنسيتها بسبب الزواج من أجنبي وهو تطبيقاً لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في شؤون الجنسية وعلى ذلك فليس من شأن الزواج ان يفقد الزوجة جنسيتها (12) . وهذا الاتجاه يؤخذ عليه أنه يؤدي الى ازدواج جنسية الزوجة فهو يقرر ان الجنسية لا تزول عن الوطنية حتى لو اكتسبت جنسية زوجها. ومن التشريعات التي سلكت هذا الاتجاه قوانين الجنسية في كل من: بولندا (م5 من قانون سنة 1951) كندا (م15 قانون 1946) المكسيك (م4 قانون 1934) ارجواي (م81 قانون 1901) استراليا (م 17 قانون 1948) السويد (م7 قانون 1950) انكلترا (م14 قانون 1948) البرازيل (م22 قانون 1929). ومن التشريعات العربية التي سلكت هذا الاتجاه قانون الجنسية الجزائري (م2 قانون سنة 1970) والقانون المغربي (الفصل 10 قانون سنة 1958) واللبناني (م 6 قانون سنة 1960).

______________________________________

1- السيد محمد إبراهيم، المصدر السابق ، ص 129، هشام علي صادق، الجنسية والموطن، 53.

2- فؤاد عبد المنعم رياض، الجنسية في التشريعات العربية المقارنة، ص50-52.

3- احمد عبد الكريم، المصدر السابق، ص619.

4- عبد الحميد وشاحي، القانون الدولي الخاص، 687.

5- هشام علي صادق، الجنسية اللبنانية، ص85، فؤاد عبد المنعم رياض، الجنسية في التشريعات العربية المقارنة، ص90-91، عز الدين عبد الله القانون الدولي الخاص، ص209، جابر جاد، القانون الدولي الخاص العربي ، ص324.

6- عبد الحميد وشاحي، المصدر السابق، ص687.

7- حامد مصطفى، المصدر السابق، 127.

8- ممدوح عبد الكريم حافظ، المصدر السابق، 131، حسن الهداوي، الجنسية والموطن ومركز الأجانب، ص207.

9- هشام علي صادق، الجنسية اللبنانية، ص88، فؤاد عبد المنعم رياض، الجنسية في التشريعات العربية المقارنة، ص90-91.

10- فؤاد عبد المنعم، الاتجاهات المعاصرة…، ص37.

11- حسين عبد السلام جابر، المصدر السابق، ص27.

12- غالب الداودي، القانون الدولي الخاص الاردني، ص163، عز الدين عبد الله، القانون الدولي الخاص، ص211.

المؤلف : مثنى محمد عبد القيسي
الكتاب أو المصدر : اثر الزواج المختلط على جنسية الزوجة
الجزء والصفحة : ص80-86

اعادة نشر بواسطة محاماة نت