الوضع القانوني للسفينة وفقاً للقانون الدولي العام

المحامية / منال داود العكيدي

اختلف فقهاء القانون البحري وفقهاء القانون الدولي العام في وضع تعريف محدد للسفينة تبعا للمعيار الذي تبناه كل فريق ففي السابق كان معيار الطوفان على وجه الماء هو السائد في وضع تعريف للسفينة ، إلا إن هذا المعيار واسع ، شامل لكل ما يمكن أن يطفو على وجه الماء من منشآت . أما في الوقت الحاضر فان معيار صلاحية المنشأة للملاحة البحرية وتخصيصها لهذا النوع من الملاحة على وجه الاعتياد هو المعيار الذي يعول عليه . ووفقا لهذا المعيار تعتبر المنشاة العائمة سفينة إذا كانت صالحة للملاحة البحرية وان تخصص لهذا النوع من الملاحة على وجه الاعتياد .

وتقسم السفن تبعا للغرض الذي تؤديه إلى نوعين سفن عامة وسفن خاصة، فتكون السفينة عامة إذا كانت مخصصة لأعمال حكومية غير تجارية ، وتكون خاصة إذا كانت مخصصة لأعمال تجارية غير حكومية وقد أخذت اتفاقية بروكسل لعام 1926 الخاصة بقواعد حصانات سفن الدولة بهذا التقسيم كما اعتمدته اتفاقية قانون البحار لعام 1982 . وقد اقر هذا التقسيم من قبل معهد القانون الدولي في عام 1928 ، ولكل من نوعي السفن العامة والخاصة وضعا قانونيا مختلفا عن الأخر في الأجزاء المختلفة من البحار . فالسفينة العامة لها وضع قانوني مختلف عن السفينة الخاصة سواء في مناطق الولاية الوطنية للدولة الأجنبية أم في أعالي البحار .
وتتمثل السفن العامة في السفن الحربية والسفن المخصصة لأغراض عامة غير حربية ، وقد عرفت المادة / 295 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 السفينة الحربية بقولها : هي سفينة تابعة للقوات المسلحة لدولة ما وتحمل العلامات الخارجية المميزة للسفن الحربية التي لها جنسية هذه الدولة وتكون تحت إمرة ضابط معين رسميا من قبل حكومة تلك الدولة ويظهر اسمه في قائمة الخدمة المناسبة أو فيما يعادلها . ويشغلها طاقم من الأشخاص خاضع لقواعد الانضباط في القوات المسلحة النظامية ، أما السفن العامة غير الحربية فقد عرفتها المادة 96 من اتفاقية 1982 بأنها : تلك السفن العائدة للدولة أو المستخدمة من قبلها والمخصصة لإغراض حكومية غير تجارية ، أما السفن الخاصة فإنها السفن المخصصة لإغراض تجارية غير حكومية وتدخل سفن التسلية ضمن السفن الخاصة . وتعتبر السفينة من الأموال لأنها يمكن أن تكون محلاً للحقوق المالية ولا تخرج عن التعامل بطبيعتها أو بحكم القانون ، وعملاً بأحكام المادة 62 بفقرتيها الاولى والثانية من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 فأن السفينة تعتبر مالاً منقولاً لأنها ليست من الأشياء التي لا يمكن نقلها من دون تلف بل إنها بطبيعتها صنعت قابلة للحركة والانتقال .
وعلى الرغم من أن السفن من المنقولات بطبيعتها إلا إنها تقترب من العقار في بعض الوجوه منها : أن السفن لا يمكن إيقاع أي تصرف ناقل لملكيتها إلا بالتسجيل ، كما ان السفن وان كانت من الأموال المنقولة إلا إن حيازتها ليست دليلاً على ملكيتها ، بل يجب إثبات الملكية بموجب سند رسمي صادر من الدائرة المكلفة بالتسجيل يسمى شهادة تسجيل السفينة كما هو الحال في العقارات،وتماثل إجراءات حجز السفينة حجز العقارات ، واخيرا ان رهن السفينة يجب أن يكون رسميا ويؤشر في السجل الخاص بتسجيل السفن في ميناء التسجيل كما في العقارات.
ومما تجدر الاشارة اليه فان للسفينة حالة مدنية شبيهة بالحالة المدنية للأفراد اي الأشخاص الطبيعية اذ يجب على كل سفينة أن تكتسب جنسية دولة ما وتترتب لها حقوق وعليها التزامات تجاه الدولة التي منحتها الجنسية ، كما ان للسفينة اسماً وموطناً وسجلاً يماثل السجل المدني للأفراد يؤشر فيه أي متغير يطرأ على حالة السفينة ويثبت فيه اسمها و تاريخ بنائها وصنفها ومقدار حمولتها واسم المالك وما إلى ذلك من أوصاف تميز السفينة عن غيرها من السفن ، وقد جرى التعامل مع السفينة كشخص قانوني فيقال مسؤولية السفينة أو أن السفينة دائنة أو مدينة ، وحتى التشريعات تورد مثل هذه التعابير مثل المادة 4 من معاهدة بروكسل لسندات الشحن لسنة 1925 ، والمادة 4 من المعاهدة الخاصة بقواعد التصادم البحري لعام 1910 ، ويجب أن تحمل كل سفينة اسما خاص بها يميزها عن باقي السفن ومالكها هو الشخص المكلف باختيار اسم لها عند تسجيلها ويجب أن يثبت الاسم في مقدمة بدن السفينة من الجانبين وفي المؤخرة . ولا يجوز تغيير اسم السفينة إلا بإشعار الدائرة المختصة بالتسجيل حفاظا على حقوق الغير الذين ترتبت لهم حقوقا على السفينة ، وعند تشابه اسمي سفينتين أو أكثر وكانت هذه السفن مسجله في موانئ مختلفة فان هذا التشابه لا يثير مشكلة لان التمييز بينهما يكون عن طريق اسم ميناء التسجيل . أما أذا تشابه اسم سفينتين أو أكثر وكانت مسجلة في ميناء واحد فيجب التمييز بينهما بأرقام متسلسلة تلحق بالاسم،وليس لمالك السفينة حق ملكية على الاسم فإذا شطبت السفينة من السجل أصبح اسمها مباحا يحق لأي شخص استعماله .
ويعتبر موطن السفينة هو الميناء الذي سجلت فيه ولا يجوز أن تسجل السفينة في أكثر من ميناء في وقت واحد . ويجوز استغلال السفينة في غير ميناء التسجيل بل حتى في موانئ دولة أخرى ويجب التمييز بين ميناء تسجيل السفينة وميناء الاستغلال وموطن الجنسية. موطن السفينة هو ميناء التسجيل إما ميناء الاستغلال فهو الميناء الذي تمارس السفينة فيه عملها وليس بالضرورة أن يكون موطن السجيل هو موطن جنسية السفينة ،فقد تسجل السفينة في ميناء دولة ما لكنها تحمل جنسية دولة أخرى وان كان الشائع اتحاد الاثنين . وتذهب القوانين البحرية إلى أن التسجيل شرط لاكتساب جنسيتها . وتكتسب السفينة جنسية الدولة التي تنتمي إليها وتجمع التشريعات البحرية على وجوب تمتع السفينة بجنسية دولة ما ولكل دولة أن تضع من شروط اكتساب جنسيتها ما يضمن مصالحها ومصالح رعاياها . ويؤكد الكثير من الفقهاء على وجوب توفر رابطة حقيقية بين الدولة والسفينة حتى تكتسب جنسيتها وتتمثل هذه الرابطة في أن السفينة تمثل هيبة الدولة إثناء رحلاتها في البحار أو موانئ الدول الأخرى كما أن قانون الدولة يبقى ساريا على ما يحدث في السفينة من وقائع قانونية سواء في أعالي البحار التي لا تخضع لسلطان أي قانون وطني أو في الموانئ الأجنبية ، وقد جاء في المادة 90 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 أن لكل دولة ساحلية أو غير ساحلية الحق في تسيير سفن تحمل علمها ويجب على هذه السفن أن تحمل من الوثائق والأوراق ما يثبت جنسيتها وان تكون هذه الوثائق صادرة من الدولة صاحبة العلم . وكإثبات لجنسية السفينة فان عليها رفع علم الدولة التي تحمل جنسيتها ، كما عليها أن تحمل من الوثائق ما يؤيد جنسيتها . والسفينة التي لا تحمل علما يدل على جنسيتها تعتبر من سفن القرصنة ويحق لأية سفينة حربية تصادفها في أعالي البحار أن تطلب منها بيان جنسيتها ، وعليها أن تبادر فورا إلى رفع العلم وإلا أصبح من حق السفينة الحربية زيارتها أو مطاردتها للتحقق من جنسيتها وتطبيق القانون بحقها متى ثبت أنها سفينة قرصنة كما لا يسمح للسفينة التي لا تحمل علما أن تدخل أو تمر بالمياه الداخلية أو البحر الإقليمي لأية دولة ويحق لسلطات هذه الدولة أن تمنعها.