افتراض الخطورة الإجرامية :

يقصد بأفتراض الخطورة الإجرامية هو استبعاد السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تقدير الخطورة أو نفيها وذلك لرغبة الشارع في التخلص من صعوبات الاثبات(1) ، وبذلك فأن الخطورة يتم افتراضها افتراضاً غير قابل لاثبات العكس ، وبالتالي الامر بالتدبير الاحترازي بمجرد توافر الواقعة محل الافتراض من دون أن يكون للقاضي سلطة التقدير كما لو علق الشارع ذلك على ارتكاب المجرم لجريمة جسيمة ذات عقوبة معينة ، وعلة ذلك هي تقدير الشارع أن الجريمة الخطيرة لا يقدم على ارتكابها إلا مجرم خطر غير مشكوك فيه ومن ثم لا تتوقف على امارة دليل عليها(2) .فاذا وقع الفعل المؤثم ، افترض قيام حالة الخطورة لدى المجرم افتراضاً غير قابل لاثبات العكس تأسيساً منه على أن في جسامة هذا الفعل ما يحمل على تأكيد خطورته وكذلك الحال فيما اذا علق الشارع قيام الخطورة على ضابط آخر ، سواء اتصل بالفعل المرتكب كطبيعة الجريمة ونوعها أم بشخص الفاعل كسوابقه الإجرامية وظروف حياته العائلية والاجتماعية(3) . على أن هذا الكلام لم يكن مسلماً به من قبل جميع الفقه ، اذ قد ينجم ارتكاب الجريمة عن غلبة اتجاه معين لدى الفاعل ، أو عن فشل نظام العقاب في تحقيق غايته في منع الفرد من الاقدام على الجريمة ، بالاضافة الى ما قد يعنيه من استعداد نفسي لتكرار انواع السلوك ذاتها ، غير أن هذه الاعتبارات لاتقود الى حتمية القول بأن كل من ارتكب جريمة يحتمل عودته مرة أخرى الى الأجرام ، فالمجرم بالصدفة أو بالعاطفة قد لاينطبق عليه وصف الخطورة الإجرامية ، اذ أن الجريمة ترجع حينئذ أساساً الى عوامل خارجية غالباً ما تكون عارضة أو مؤقته ، بحيث قد ينتفي احتمال العودة الى الجريمة وبالمثل في حالات ارتكاب بعض الجرائم من الجنح البسيطة والمخالفات على وجه اخص التي هي في الغالب من قبيل التجريم التنظيمي(4) . ومن جانب آخر فان التدبير الاحترازي يواجه خطورة حقيقية ، وما يتضمنه من اساليب العلاج والوقاية ليس له محل إلا اذا كان المجرم خطراً بالفعل ومن ثم يكون من الملائم في السياسة التشريعية أن يلتزم القاضي بالتحقق في كل حالة على حده من توافر الخطورة الإجرامية ، وانه ينبغي في كل حالات الخطورة أن تقام الادلة على اثباتها وفق عناصر ينص عليها القانون ، فاذا لجأ قانون ما الى فرض الخطورة فأنه يتعين أن يكون ذلك في أضيق نطاق ، وان يباح للمتهم أن يقيم الدليل على عدم توافرها وذلك مراعاة للحرية الفردية(5) . ويعلل البعض الآخر لجوء بعض الشراح لافتراض الخطورة بالرغبة في احترام قاعدة الشرعية التي تقضي بأنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) علاوة على خشية الشارع من التوسع في تطبيق نظرية الخطورة الإجرامية بأطلاق سلطة القاضي التقديرية في اثباتها في ضوء قاعدة أن الشك يفسر لمصلحة المتهم(6) .

أن اعتماد مبدأ افتراض الخطورة الإجرامية هو مبدأ قد لاقى ترحيباً من قبل العديد من القوانين الحديثه ، ويعتبر قانون العقوبات الايطالي على رأس هذه القوانين حيث يذكر في المادة (204/2) منه صراحة على أن القانون يفترض الخطورة الإجرامية للشخص في الحالات التي يحددها صراحة ، وهذه الحالات هي المنصوص عليها في المواد (109 ، 215 ، 230 ، 234) ومنها على سبيل المثال – حالة المجرم شبه المجنون اذا ارتكب جريمة عمدية أو متعديه القصد يعاقب عليها القانون بعقوبة مقيدة للحرية لا تقل مدتها عن خمس سنوات(7) . ومن قبيل القوانين الأخرى التي لجأت الى وسيلة افتراض الخطورة الإجرامية بغية اثباتها القانون المصري ، فقد افترض خطورة المجرم المعتاد على الأجرام افتراضاً غير قابل لاثبات العكس في المواد (49-54) من قانون العقوبات حيث جعل الاعتياد صورة من صور العود ، واشترط سبق الحكم على الجاني بعقوبتين مقيدتين للحرية احدهما لمدة سنة على الاقل أو ثلاث عقوبات مقيدة للحرية احدهما على الاقل لمدة سنة أو اكثر على أن يكون ذلك في نطاق جرائم السرقات وما يماثلها من الجرائم التي يهدف فيها الجاني الى تحقيق الكسب المادي (م 51 عقوبات مصري) أو في جرائم قتل الحيوانات (المواد 355 ، 356) أو في جرائم اتلاف المزروعات المنصوص عليها في المادتين ( 367 ، 398 ) ويتطلب المشرع المصري هنا لتوافر حالة الاعتياد على الأجرام حينئذ أن تكون الجريمة الجديدة جنحة ومتماثلة مع الجرائم التي سبق الحكم على المتهم فيها لان ذلك يفيد نوعاً من التخصيص في ارتكاب صنف معين من الجرائم(8) . كما افترض المشرع المصري الخطورة بالنسبة للاحداث المشردين ونص عليها في قانون الاحداث المصري رقم (31 لسنة 1974) وكذلك عالج صوراً أخرى خاصة بالمشتبه فيهم والمتشردين والمتسولين ، ولكن ذلك لا يعني حرمان الشخص من إثبات أن الحقيقة هي عكس هذا الافتراض(9) . كما وقد افترض المشرع اللبناني الخطورة الإجرامية في شخص مرتكب الجريمة في حالات عدة ، وهذا ما بينته الفقرة الثانية من المادة (211) من القانون المذكور التي نصت على (يقضى بالتدابير الاحترازية بعد التثبت من حالة الخطر إلا في الحالات التي يفترض القانون وجود الخطر فيها) . وواضح من هذ النص أن القاضي يعتبر الخطورة متوافرة في احد مجالين: الاول : هو ثبوت توافرها عن طريق اقامة الدليل عليها واقناع القاضي بثبوتها بناءً على ذلك الدليل ، الثاني : هو افتراضها في شخص مرتكب الجريمة افتراضاً لايقبل إثبات العكس(10) . ويفترض المشرع اللبناني الخطورة الإجرامية في اربع حالات هي: -(11)

الحالة الأولى : إعتبرت الشخص خطراً على السلامة العامة اذا كان مجرماً معتاداً محكوماً عليه بغير الغرامة ومن ثم يحكم عليه بعقوبتين مانعة للحرية من اجل تكرار قانوني آخر ( م 264/1 / عقوبات لبناني ).

الحالة الثانية : معتاد الأجرام الذي صدر عليه في خلال خمس عشرة سنة لا تحتسب فيها المدة التي قضاها في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية إما اربعة احكام عن جنايات بالحبس اقترفت بعذر أو عن جنح مقصودة شرط أن تكون كل من الجرائم الثلاث الاخيرة قد اقترفت بعد أن أصبح الحكم بالجريمة السابقة باتاً ( م 264/2/3 ) عقوبات لبناني .

الحالة الثالثة : صدور ثلاثة احكام على الشخص ، حكمان منها متماثله الأحكام التي بينها القانون في الفقرة السابقة وذلك عن جنايات اقترفت بعذر أو عن جنح مقصودة وحكم ثالث صادر عن عقوبة جنائية ، على أن تكون الأحكام الثلاث قد صدرت خلال خمس عشرة سنه ولا تحتسب فيها المدة التي قضيت في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية ( م 264 /4 ) عقوبات لبناني .

الحالة الرابعة : ارتكاب الشخص خلال اقامته بالسجن أو في الخمس سنوات التالية للافراج عنه جناية أو جنحة مقصودة قضي عليه من اجلها بالحبس لمدة سنة واحدة ( م 265 ) عقوبات لبناني .

وعلى الاتجاه السابق نفسه سار قانون العقوبات الليبي الذي افترض الخطورة الإجرامية بالنسبة لطوائف المجرمين المعتادين والمحترفين وذوي الميول الإجرامية ولكنه لم يؤسس الاعتياد على افتراض قانوني وإنما تثبت حالاته بتقرير قضائي حسب المادة (146) من قانون العقوبات الليبي . ولقد افترض المشرع الليبي الخطورة الإجرامية في طوائف المجرمين الشواذ والمصابين بأختلال عقلي أو عاهه نفسية فالصم والبكم ومرضى التسمم الناتج من تعاطي الخمور أو المخدرات (م 294 عقوبات ليبي) إلا انه اسقط هذا الافتراض واوجب بعد ذلك اقامة الدليل على توافر هذه الخطورة اذا مضى على ارتكاب الفعل عشر سنوات بالنسبة للمجرمين الشواذ وخمس سنوات بالنسبة للحالات الأخرى ( م133) عقوبات ليبي . وبالرغم من خلو القانون العراقي من نص صريح يمكن من خلاله الحكم بأن المشرع قد اخذ بحالة افتراض الخطورة الإجرامية إلا وانه في الوقت نفس لا نستطيع القول بعدم لجوء المشرع الى هذه الوسيلة بغية إثبات وجود الخطورة الإجرامية فيمكن مثلاً ومن خلال نص المادة (140) من قانون العقوبات العراقي القول بان المشرع قد افترض الخطورة الإجرامية على العائد لارتكاب جريمة معينة سواء كان العود عاماً أم خاصاً فنص في المادة (140) على (يجوز للمحكمة في حالة العود المنصوص عليها في المادة السابقة أن تحكم بأكثر من الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة قانوناً بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد وعلى أن لا تزيد مدة السجن المؤقت بأي حال من الاحوال على خمس وعشرين سنه ولا تزيد مدة الحبس على عشر سنين) . ومن النص المذكور اعلاه يتضح لنا بأن المشرع قد افترض أن الشخص الذي يعود الى ارتكاب جريمة بعد سبق الحكم عليه بعقوبة عن جريمة سابقة يعتبر خطراً على المجتمع . على أن المشرع العراقي لم يعتبر هذا الافتراض افتراضاً ثابتاً لايقبل إثبات العكس وإنما يجوز الحكم بخلاف الخطورة الإجرامية ، ومن هذا المنطلق اجاز المشرع المحكمة الحكم بتشديد العقوبة اذا رأت ضرورة ذلك وفقاً للحالة المعروضة امامها أو قد لا تحكم بالتشديد اذا ثبت أن العائد لم يكن على درجة كافية من الخطورة تستحق التشديد . وفضلاً عن ذلك فأنه يمكن القول بأن المشرع العراقي قد أخذ بفكرة افتراض الخطورة الإجرامية وذلك في تجريمه لبعض الحالات السابقة على الأجرام كتجريمه التسول حيث قرر فرض عقوبة الحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ثلاثة اشهر ، أو أن تأمر المحكمة بايداعه مدة لا تزيد على سنة في دار للتشغيل أو ملجاً أو دار للعجزه أو مؤسسة خيرية(12) .

ونص قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23 لسنة 1971) في المواد من (317-320) على انه للمحكمة أن تلزم شخصاً بتقديم تعهد بكفالة كفيل أو اكثر أو بدونها وبمبلغ من عشرين ديناراً الى مائتي دينار ولمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة بداعي انه يخشى أن تقع من جناية أو جنحة أو فعل يرجح معه الاخلال بالسلام(13) . كما نص قانون رعاية الاحداث العراقي قم (76) لسنة 1983 على مثل هذه الحالات أيضاً وذلك عندما نص على بعض التدابير الاحترازية التي تفرض على الحدث المتشرد أو سيئ السلوك وذلك في المادة (26) منه . أن موضوع افتراض الخطورة الإجرامية في شخص المجرم افتراض غير قابل لاثبات العكس على أساس ارتكاب جريمة ذات جسامة معينة باعتبار أن الجريمة الخطيرة لا يمكن أن يقدم عليها إلا مجرم خطير يحمل خطورة لا تثير شكا ومن ثم لا تتوقف على اقامة دليل عليها ، يمكن أن يواجه هذا الفرض بعض الصعوبات التي لا يمكن معها الاخذ به لاجل إثبات الخطورة الإجرامية ، خاصة وان الخطورة بصفتها حالة نفسية ، ترتبط بشخص الجاني أي تتعلق بشخصيته الانسانية واذا كان من الضروري اخذ الفعل الذي ارتكبه بعين الاعتبار عند تقرير هذه الخطورة فأن هذا الاخذ لايمكن أن يكون بمنأى عن شخصية الجاني وبذلك فلا يمكن …الاعتماد على وسيلة افتراض الخطورة الإجرامية لاجل اثباتها بالرغم من أهمية هذا الافتراض في بعض الاحيان – خاصة بالنسبة للأسوياء الذين لاتدل ملامحهم الشخصية على اية خطورة كامنه رغم خطورتهم الفعلية – لذلك كان من الاسلم للقوانين الجمع بين الوسيلتين في إثبات الخطورة الإجرامية . وهو ما اخذت به معظم القوانين الحديثة مثل القانون الإيطالي والمصري والعراقي واللبناني والليبي وغيرها من القوانين الأخرى .

________________

1- راجع د- محمود نجيب حسني ، علم العقاب، دار النهضة العربية، 1973 ، ص 135 .

2- د- محمود نجيب حسني ، المجرمون الشواذ، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974، ص 96 .

3- د- رمضان السيد الألفي، نظرية الخطورة الإجرامية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1966، ص 133 .

4- د- يسر أنور علي، النظرية العامة للتدابير والخطورة الإجرامية، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الأول، السنة الثالثة عشر، مطبعة جامعة عين شمس، 1971، ص 202 .

5- د- حسين كامل عارف ، النظرية العامة للتدابير الاحترازية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق – جامعة القاهرة 1976 ، ص 178 .

ذكره د- رمضان السيد الألفي ، المرجع السابق ، ص 133 .

6- د- محمد عبد الله الشلتاوي ، موقف الشرائع الحديثة من الخطورة الجنائية ، رسالة دكتوراه ، جامعة الاسكندرية 1989 ، ص 883 وما بعدها .

ذكره د- رمضان السيد الألفي ، المرجع السابق ، ص 134 .

7- د- جلال ثروت و د- محمد زكي ابو عامر ، المرجع السابق ، ص 310

8- د- يسر انور علي ، المرجع السابق ، ص 219 .

9- د- رمسيس بهنام، العقوبة والتدابير الاحترازية، المجلة الجنائية القومية، العدد الأول، المجلد الحادي عشر، مارس 1968، ص 30 وما بعدها .

10- د- شرح قانون العقوبات اللبناني – القسم العام -، الطبعة الثانية، دار النقري للطباعة، بيروت، 1975، ص 900 .

11- انظر : د – قانون العقوبات – القسم العام -، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 2000، ص 833 – 834 .

12- انظر المواد (390 ، 391) من قانون العقوبات العراقي .

13- أنظر صفحة (64) من الرساله .

رقابة محكمة التمييز في مجال تقدير الخطورة الإجرامية :

يكمن هذا المجال في تقييم الخطورة الإجرامية من قبل القاضي في الحدود المقرره في القانون الجنائي وبمعاونة الوسائل الفنية التي يرتبها قانون الاصول الجزائيه وعلى أساس القناعة التي تتكون لدى القاضي في تحديد الخطورة الإجرامية . أن مسألة توافر الخطورة الإجرامية ، أوعدم توافرها وثبوت الوقائع المكونه لها أو عدم ثبوتها تعتبر مسألة موضوعية بلا جدال تستقل فيها محكمة الموضوع بالتقدير(1) . إما عملية إضفاء صفة الخطورة على هذه الوقائع أو عدم إخفائها فهي عملية تكييف قانونية للوقائع التي يثبت القاضي من توافرها ، وقد إتجه القضاء العراقي في بعض الأحكام التي استقر عليها إتجاها مماثلاً لما سبق ، حيث قررت محكمة التمييز في أحدى قراراتها انه (إذا كانت مديرية تحقيق الادلة الجنائية لم تبين رأيها حول سوابق المدان ، فليس للمحكمة أن تقضي بأيقاف تنفيذ العقوبة وفقاً للمادة (144) عقوبات بل ينبغي التأكد من عدم سبق الحكم على المدان عن جريمة عمدية وفقاً للمادة المذكورة)(2) . ولما كانت صحيفة سوابق الجاني تمثل كشفاً مفصلاً عن شخصية هذا الجاني فأنها بالتالي دالة على ما يمكن أن تتوافر من خطورة إجرامية لدى هذا الشخص ، وبالتالي فأنه من الممكن للمحكمة أن تستعين بهذه السوابق قبل أن تحكم بايقاف تنفيذ العقوبة ، فلو كانت المحكمة قد اطلعت على هذه السوابق قبل الحكم بوقف التنفيذ ، لكانت أقدر على تقدير وجود الخطورة الإجرامية ، وهذا يعني أن مسألة تقدير وجود هذه الخطورة من عدمها هي مسألة قانونية من خلال الملابسات والظروف التي تحيط بكل قضية ، حيث لا تتمتع فيها محكمة الموضوع بسلطة تقديرية مطلقة ، وهنا فأن محكمة التمييز تستطيع مزاولة رقابتها وفقاً لما تستقر على الأخذ به من معايير علمية أو طبقاً للضوابط القانونية التي يحددها المشرع لكي يمارس القاضي وفقاً لها سلطته التقديرية في التثبت من الخطورة الإجرامية ، وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض الإيطالية بأن سلطة القاضي التقديرية يجب أن تبني على المعايير المنصوص عليها في المادة (133) من قانون العقوبات الايطالي(3) .

وقد حدد المشرع العراقي هذه المعايير الكفيله بأستخلاص الخطورة الإجرامية في المادة (103) منه التي جاء في الشق الثاني من فقرتها الاولى (( … وتعتبر حالة المجرم خطرة على سلامة المجتمع اذا تبين من احواله وماضيه وسلوكه ومن ظروف الجريمة وبواعثها أن هناك إحتمالاً جدياً لاقدامه على إقتراف جريمة أخرى )) ، ومن خلال هذا النص ندرك أن المشرع العراقي وضع بين يدي القاضي عناصر أساسية عدة يستخلص من خلالها خطورة المجرم ، ومن اجل أن يحقق هذا النص اهدافه في استخلاص الخطورة وأختيار الجزاء الملائم لشخصية الجاني نؤكد على ضرورة أعداد القاضي اعداداً متضمناً دراية بالجوانب النفسية والاجتماعية كافة التي تحيط بالمجرم لأجل الوصول الى الخطورة الإجرامية الكامنه في داخله . وفي هذا النطاق قضت محكمة التمييز (( بأن تقدير استحقاق المحكوم عليه للافراج الشرطي لابد له من فحص شخصية المحكوم عليه لتقرير خطورته على المجتمع))(4) وعلى هذا الاساس نقول أن المشرع حينما أوضح للقاضي السبل الكفيلة بوصوله الى الخطورة الكامنـه في شخصية المجـرم ، فأنه بالتالي لايستطيـع القاضي الخروج عن هذه المعايير والسبل للوصول اليها ، والا فأن مثل هذه الأحكام ستخضع الى رقابة محكمة التمييز التي لها أن تنقض القرار الصادر من القاضي بالحكم بوجود الخطورة الإجرامية من عدمها اذا ما خرج عن السياق الذي رسمته له المادة (103) . وذلك لأنه وكما بينا فأن تقدير وجود الخطورة الإجرامية هو من قبيل الامور القانونية التي يلتزم بموجبها قاضي الموضوع بما هو مقرر في القانون ، أي الحدود المرسومة له عبر التشريع ، على أنه لا نجد من خلال نص المادة (103) أن القاضي لا يستطيع إقرار وجود الخطورة وفقاً لمعايير خارج ما جاءت به المادة المذكورة اعلاه ، حيث أن النص باعتقادنا نص مرن يحتمل التأويل ، وبذلك فأنه اذا ما وجد القاضي بأن المتهم الماثل أمامه ذو خطورة إجرامية أكتشفها ليس من خلال التحديد المذكور في المادة (103) وإنما اكتشفها في السلطة التقديرية المعطاة لهذا القاضي وبالتالي فلا نجد هنا ضرورة لتطرق محكمة التمييز الى هذا التقدير ، كون انه قد أصبح في هذه الحالة مسألة موضوعية يعود تقديرها الى قاضي الموضوع . وعند التطرق الى القرارات الصادرة من محكمة التمييز ، نجد أن الإشارة فيها واضحة الى أن الخطورة الإجرامية هي فكرة لابد وان تأخذها المحكمة المختصة بنظر الاعتبار ، وانها مسألة مما يعود تقديرها الى محكمة الموضوع من دون خضوعها لرقابة محكمة التمييز ، من ذلك ما قضت به محكمة التمييز من أن (( إذا ارتكب المدان القتل بدافع الألم النفسي الذي أصابه جراء الاعتداء عليه ، وكان من السذج الذين تتأثر نفسيتهم بتقاليد وعادات وشعور الوسط الذي يعيشون فيه بحيث يفكرون بالقتل لكرامتهم ، فذلك يعتبر ظرفاً لتخفيف العقاب ))(5) . الأمر الواضح من ذلك هو أن المحكمة انما أخذت بنظر الاعتبار أن المجرم ليس ذا خطورة إجرامية عالية . ومن حكم آخر لها قضت محكمة التمييز بأنه (( إذا تجاوز المتهم حكم القانون وراح يحكم شريعه الغاب ويغلب النقرة الممقوته المتمثله بالثأر والانتقام ويقدم على ارتكاب جريمتي قتل والشروع في القتل في الساحة التي تفضي الى بناية المحكمة لدليل يفصح عن النوازع الشريرة التي تنطوي عليها نفسية المتهم ، مما لايدعو الى الهبوط في عقوبة الإعدام الى درجة أو حالة ادنى ))(6) .

ومما يدل على عدم تدخل محكمة التمييز في الأمور الموضوعية واقتصار رقابتها على الأمور القانونية ، ما صدر عن محكمة التمييز من قرار ينقض حكم محكمة جنايات بابل التي كانت قد اعتبرت أن قتل المدان ابنته عمداً بالرصاص بباعث شريف غسلاً للعار هو مدعاة للحكم على المتهم ، وفقاً للمادة (405) ولكن بدلالة المادة (130) عقوبات ، وذلك بالحبس الشديد لمدة سنة واحدة بالنظر لظروف القضية وكبر سن المدان وعدم وجود ( ما يبعث على الاعتقاد ) انه سوف يرتكب جريمة جديد ، فقد قررت المحكمة وقف تنفيذ العقوبة بحقه لمدة ثلاث سنوات(7) . وحينما عرضت القضية على محكمة التمييز ، فأنها سلمت بوجوب تخفيف العقوبة على وفق الاسس التي ساقتها محكمة الموضوع ، كون ذلك يعتبر من الأمور الموضوعية الخاصة بها ، إلا انها لم تجز وقف تنفيذ العقوبة لأن التبريرات السابقة ليس من شأنها أن تبرر وقف تنفيذ العقوبة إستدلالاً بالمادة (130) لان عقوبة الجريمة التي ارتكبها المدان ، وهي القتل العمد قد حددها القانون بالمادة (405) بالسجن المؤبد ونتيجة الاستدلال بالمادة (130) الخاصة بالباعث الشريف ، نزلت المحكمة بالعقوبة الى الحبس الشديد لمدة سنة ، فلم يبق بعد ذلك ما يبرر وقف تنفيذ العقوبة(8) ، فرقابتها هنا إنصبت على الأمور القانونية فقط .

__________

1- د- احمد فتحي سرور ، الاختبار القضائي – دراسة مقارنة، المطبعة العالمية، القاهرة ، ص 565 .

2- مجموعة الأحكام العدليه ، قرار رقم (871) – جنايات ، 1988 ، تاريخ القرار 27/2/1988 ، العدد الاول 1988 ، ص 15 .

3- انظر : د- احمد فتحي سرور ، المرجع السابق ، ص 566 .

وكذلك د- الخطورة الإجرامية – دراسة مقارنة -، الطبعة الأولى، دار الرسالة، بغداد، 1980، ص 205 .

4- قرار محكمة التمييز رقم (190) في 7/2/1972 النشرة القضائية ، العدد الأول ، السنة الرابعة ، ص 227 .

5- قرار رقم (83) في 9/6/1973 ، النشرة القضائية ، العدد الثاني ، السنة الرابعة (1973) ، ص 380 .

6- قرار رقم (50) ، مجلة القضاء ، العددان الثالث والرابع ، السنة الخامسة والثلاثون 1980 ، ص 312 .

7- قرار رقم 165 / ج/85/86 بتاريخ 13/1/1986 محكمة جنايات بابل ، مجموعة الأحكام العدلية ، العدد الثاني 1986 ، ص 171

8- قرار رقم 1415 / جنايات اولى / 85 / 86 تاريخ القرار 5/6/1986 ، ص 172 .

المؤلف : صلاح هادي صالح الفتلاوي
الكتاب أو المصدر : الخطورة الاجرامية واثرها في تحديد الجزاء الجنائي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .