عملت المجتمعات الإنسانية الأولى في مسائل الإثبات وتعاملت به كونه الطريقة الامثل في الوصول الى الحقيقة في حالات معينة أهمها وقوع الجرائم والنزاعات بين الإفراد.

وكانت وسائل الإثبات في المجتمعات القديمة بسيطة بكونها مظهرا حضاريا لاي مجتمع ، فهي تتناسب مع طبيعة الحضارة والقيم السائدة في المجتمع في حقبة زمنية معينة.

وعبر المراحل التاريخية المتعاقبة، تطور أسلوب التقاضي من مرحلة القضاء الخاص على مرحلة الصلح او التحكيم الى مرحلة القضاء الوطني ( الحكومي) التنظيم حتى اصبح تحقيق العدل في المرحلة الاخيرة من وظائف القضاء الأساسية.

وقد نصت القوانين العراقية سابقا على وسائل الإثبات وكان تطورها ينسجم مع مستوى التقدم الحضاري للمجتمع في حينها. وتم اصدار القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 الذي نظم قواعد الاثبات الموضوعية تحت عنوان آليات الالتزام في حين ان قانون المرافعات المدنية والتجارية نظم القواعد الاجرائية في الاثبات.

وبعده اصدر المشرع العراقي قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 وتعرف طرق الاثبات على انها الوسائل التي يلجأ اليها الخصوم لإقناع القاضي بصحة الوقائع التي يدعونها.

وتقسم طرق الإثبات الى عدة تقسيمات منها مسار مباشر ترد على الواقعة المطلوب اثباتها مباشرة كالكتابة والمعاينة والخبرة وغير المباشرة ترد على واقعة اخرى بديلة غير الواقعة الأصيلة كالقرائن وحجية الاحكام والاقرار واستجواب الخصوم واليمين وطرق معدة او مهيأة، اي قام بأعدادها صاحب الشأن مقدما لاثبات حقه في حالة النزاع مع اخر كالكتابة والقرائن القانونية وطرق غير معدة من قبل وهي التي تتوفر وقت قيام النزاع في الحق المراد اثباته كالشهادة والقرائن القضائية واليمين ….

وايضا هناك طرق اثبات لها حجية ملزمة لاتقبل اثبات العكس كالقرائن القانونية القاطعة واليمين وطرق اثبات ليست لها حجية ملزمة كالشهادة وطرق إثبات أصلية كافية بذاتها دون ان تكون مكملة لادلة موجودة كالكتابة بذاتها دون ان تكون مكملة لادلة موجودة كالكتابة والقرائن القانونية .

وقد تقسم طرق الإثبات من حيث قوتها الى طرق ذات قوة مطلقة كالادلة الكتابية وطرق ذات قوة محدودة كالشهادة والمعاينة.
وقد حدد المشرع العراقي في قانون الإثبات أدلة الإثبات وهي : الدليل الكتابي،الإقرار،الاستجواب،الشهادة، القرائن وحجية الإحكام، اليمين ، المعاينة، الخبرة.

وقبل الولوج في أدلة الإثبات وشرحها لابد من الوقوف على المبادئ العامة في الإثبات:

1 – مبدأ حياد القاضي: الحياد هو وضع قانوني يجب على القاضي ان يلتزم به ومعناه وجوب عدم التمييز لطرف على حساب طرف اخر سواء تعلق الامر بدعوى مدنية او شكوى او تحقيق او محاكمة.

2 – دور الخصوم في الإثبات :يعد الإثبات واجبا على الخصوم كما هو حق لهم ومن ثم يقتضي الأمر ان يقدم الخصم الدليل ما يدعيه بالطرق التي حددها القانون وهناك مبدأ المجابهة والدليل الذي لايعرض على الخصوم للمناقشة لا يجوز الاخذ به.

3 – التفسير المتطور للقانون : نصت المادة 3 من قانون الإثبات على ( الزام القاضي بإتباع التفسير المتطور للقانون بحيث يؤائم مضمونها ماطرأ من تغييرات على ظروف الحياة التي وضعت من اجلها تلك النصوص).

4 – تبسيط الشكلية في الإثبات : حيث ان الإثبات يعتمد على تبسيط الشكلية، والشكلية تبرز في هذا القانون بعده قد ضم قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية ولأول مرة في متن واحد.

5 – طبيعة قواعد الاثبات : ترتبط قواعد الاثبات بكل فروع القانون الخاص فهي تطبق على مصادر الحق سواء ذلك في الحقوق الشخصية او الحقوق العينية، وسواء كانت هذه الحقوق مدنية او تجارية .

وبالعودة الى أدلة الإثبات التي تم تقسيمها الى (8) ادلة بحسب القانون العراقي سنتناول في هذا الجزء من المقال الدليل الكتابي وفي الجزء الثاني سنبحث في الأدلةالاخرى.

اولا: الدليل الكتابي:يعد الدليل الكتابي في الوقت الحاضر في مقدمة طرق الإثبات وقد نصت عليه قوانين الإثبات لما له أهمية كبرى في ضمان حقوق الإفراد.

وفي القانون العراقي يكون الدليل الكتابي اما في السندات الرسمية او السندات العادية او الاوراق غير الموقع عليها. حيث عرفت المادة (21/اولا) من قانون الاثبات السندات الرسمية بانها التي يثبت فيها موظف عام او شخص مكلف بخدمة عامة طبقا للأوضاع القانونية وفي حدود اختصاصه ماتم على يده او ادلى ذوو الشأن في حضوره.

اما السندات العادية التي تتميز كونها تتم بالسرعة في الكتابة والإعداد وقلة التكاليف لذلك يلجأ اليها الناس كوسيلة للإثبات حفاظا على حقوقهم، وقد جرت العادة بين التجار على كتابة الأوراق التجارية على سندات عادية وذلك ان السرعة لا في التعامل لا تتناغم مع البطء في السندات الرسمية.

واما الأوراق غير الموقع عليها ، التي يقصد بها السندات غير المعدة للإثبات ولكن لها حجة ضعيفة في الإثبات وهذه هي الرسائل والبرقيات ووسائل الاتصال الحديثة والدفاتر التجارية والأوراق الخاصة.