مقالة قانونية متميزة حول السلطة التأسيسية الأصلية

أ/ عبد الله كامل محادين

إن وضع دستور يتطلب وجود هيئة مختلفة عن الهيئات الحاكمة في الدولة. هذه الهيئة هي التي تضع الدستور، فمهمتها إذن هي مهمة إنشائية، لا تستمد وجودها من الدستور، و إنما يستمد الدستور وجودها منها. و يطلق على هذه الهيئة بالسلطة التأسيسية الأصلية Le pouvoir constituant originaire، لتمييزها عن السلطة التأسيسية المشتقة أو المنشأة Le pouvoir constituant derivé أو Le pouvoir constituant institué.

فأياً كان أسلوب نشأة الدستور فإن هناك سلطة تأسيسية أصلية متمثلة في الحاكم، أو في الحاكم و الشعب، أو في الشعب وحده، تملك مطلق الحرية في مهمتها في وضع أو إنشاء الدستور و تنظيم أحكامه، دون الالتزام بأية نصوص و قواعد مسبقة. أما السلطة التأسيسية المشتقة أو المنشأة فهي تنحصر مهمتها في تعديل الدستور حسب القواعد و الكيفية التي حددها الدستور، فهي سلطة مشتقة من الدستور.

و السلطة التأسيسية الأصلية تتدخل في كل مرة تنشأ فيها دولة جديدة، و تنشأ دولة جديدة بالمفهوم الدستوري في ثلاث حالات :

1-تنشأ دولة جديدة في وقتنا الحالي في حالة الحصول على الاستقلال السياسي : و قد نشأ بهذا المفهوم العديد من الدول منذ منتصف القرن العشرين في آسيا و أفريقيا و أمريكا الجنوبية.

2-تنشأ دولة جديدة عندما تتحد دولتان بشكل فيدرالي، كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787، و الاتحاد السويسري عام 1848، و الجمهورية العربية المتحدة بين سورية و مصر عام 1958. أو بالعكس في حالة انحلال أو تفكك الدولة الاتحادية، كما حدث عقب الانفصال بين سورية و مصر و انهيار الجمهورية العربية المتحدة، كذلك نشأ العديد من الدول بعد تفكك و انهيار الاتحاد السوفيتي.

3-و تنشأ دولة جديدة، على الأقل بمفهوم القانون الدستوري، عند انهيار النظام السياسي كلياً في دولة قائمة، كحالة الثورة، أو الحرب، أو التغيير السياسي كما حدث مؤخراً في أغلب دول ما كان يعرف بالكتلة الشرقية : بولونيا، رومانيا، هنغاريا، يوغسلافيا…الخ.

و السلطة التأسيسية الأصلية، و على خلاف السلطة التأسيسية المشتقة أو المنشأة، تملك كامل الحرية في كيفية وضع الدستور و تنظيم السلطات العامة : الأخذ بالنظام الملكي أو الجمهوري، البرلماني أو الرئاسي، و تبني النظام الليبرالي أو الاشتراكي كإيديولوجيا، …الخ.