الدولة المدنية في الدستور العراقي / القاضي ناصر عمران الموسوي

يعرف الدكتور عزمي بشارة الدولة المدنية بأنها : الدولة التي تقوم على اساس المواطنة والحقوق المدنية بعيدا عن طبيعة الاحزاب الحاكمة وإيديولوجياتها سواء أكانت دينية او ليبرالية او يسارية المهم ان تكون ملتزمة بأهم ثوابت الديمقراطية والتي تتشكل على اساسها الدساتير والقوانين الديمقراطية ،والدولة المدنية تعريفا ً، لها عدة رؤى مختلفة فالبعض اعتبرها نقيض للدولة الدينية القائمة على اسس نظرية (الحق الالهي )،والآخر يراها هي الدولة العلمانية التي تقوم على اساس الفصل بين الدين والدولة ،وايا تكن النظرة الى الدولة المدنية فأنها في الوقت الحاضر تشكل مطلبا مهما ،كونها ليست الدولة المتسقة بالفهم الديني (الافتائي ) وبالتالي ستكون بعيدة عن الاستبداد الديني المرتبط بالإيديولوجية التفسيرية للرؤية الدينية التي تكون الدولة مشكلة طبقا لها ،كما انها ليست الدولة العلمانية العسكرية التي تمثل الصورة البشعة في ذهنية الشعوب ،وهي ليست الدولة التي تقوم على اساس الفصل بين الدين والدولة من منطلقات التحييد والخصومة وإنما من منطلق فصل الدولة عن المؤسسات السياسية للمرجعيات الدينية :انها دولة المواطن التي تقوم على رعاية شؤونه وفق سياسة برنامجية واضحة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ومن مناخات واضحة في تغيير العقلية السياسية نحو تحقيق الدولة المدنية التي تركز على معايير ومبادئ مهمة ،وفي العراق تبلور الفهم الخاص بالدولة المدنية بعد التغيير النيساني الذي تمخض عن ولادات ديمقراطية تمثلت في الاستفتاء الشعبي على الدستور والانتخابات الخاصة بمجلس النواب ومجالس الحكومات المحلية ،ويعتبر دستور عام 2005 الاساس الحيوي والمهم الذي احتوى المعايير والمبادئ التي تقوم عليها الدولة المدنية والتي اهمها :

1_الشعب مصدر السلطات حيث اكدت المادة (5) من الدستور العراقي ان الشعب مصدر السلطات وشرعيتها يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.

2_المساواة وعدم التمييز حيث نصت المادة (14) من الدستور( العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي أو الوضع الاقتصادي او الاجتماعي.)

3_ العدالة الاجتماعية: وتعني حماية حق المواطن في العيش الرغيد وتحقيق المعايير الاساسيه لحقوق الانسان وقد جاء في الباب الثاني وفي فصلي الحقوق والحريات الأول والثاني صورة واضحة في التأكيد على ضمانات حقوق الانسان وتحقيق العدالة الاجتماعية والتي وردت في الدستور في المادة (22/ ثانيا ً) ينظم القانون ،العلاقة بين العمال وأصحاب العمل على اسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية.

4_دولة القانون: لقد وضع الدستور في مبادئه التي اقرها الشعب نظام الحكم البرلماني التعددي الديمقراطي والقائم على حقوق الانسان وحريته والعمل على ضماناتها على اسس العدالة والمساواة ومبدأ الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة وأشار الى وجود القضاء المستقل الضامن لتراتبية واختصاصات السلطات والفصل في المنازعات تحت سقف الدستور وعلويته والقوانين التي تتخذ من مواده القانونية اسسها وشر عنتها وقد اكد الدستور في المادة (5) على سيادة القانون حيث نص (السيادة للقانون…..).

5_احترام حق الاختيار والاختلاف : لقد نص الدستور العراقي وفي الفصل الخاص بالحريات وفي مواد متعددة على حماية حق الاختيار والاختلاف فقد جاء في المادة (37/ ثانيا ) تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني وفي المادة (38) تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب: اولا: حرية التعبير بكل الوسائل. ثانيا :حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر .ثالثا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي.

6_ الحرية: وهي عماد المبادئ الديمقراطية وشريانها الضاج بالحياة ،فالحرية صنو الديمقراطية لا يمكن للديمقراطية ان تعيش وارفة الظلال بدون نسغ الحرية الذي يغذيها ،و الدستور أكد على ان حرية الانسان و كرامته مصونة والتي نص عليها في المادة (37/اولا ً) .التي تصدرت الفصل الثاني من الدستور وتحت عنوان (الحريات )

7_ الامن والتنمية :لا يمكن بناء الكيان الدستوري والقانوني و تعتا ش الحقوق والحريات الا في ظل اوضاع امنية مستقرة وقد فقد نصت المادة (7/ ثانيا ) من الدستور التزام الدولة بمكافحة الارهاب بجميع اشكاله وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقرا ً او ممرا ً او ساحة لنشاطه .كما نص الدستور في المادة (25) على التزام الدولة بإصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل لموارده وتشجيع القطاع الخاص وتنميته .

8_ التنافس المشروع :لقد حرص الدستور العراقي على اقرار المبادئ التي من شانها تحقيق تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات وترك الباب واسعا ً لتحقيق المكاسب المادي و والمعنوية في اطار تنافس مشروع وبناء يصب في مصلحة الوطن والمواطن .

9_تكافؤ الفرص: ان الحق بتحقيق الفرص باتجاه المكاسب الشخصية والعامة حق لكل مواطن منطلقا ًمن المساواة والعدالة التي حرص عليها وتتكفل الدولة باتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك كما نص الدستور في المادة (16) منه .

10_ المشاركة :لقد حرص الدستور العراقي على المساواة بين افراد المجتمع العراقي وتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية كما منح الحقوق المدنية السياسية والاقتصادية والثقافية بما يحقق التنوع والمشاركة لجميع افراد المجتمع بما يعزز النهج الديمقراطي وهو ما اشار اليه الدستور في الفرع الثاني من الفصل الاول فصل الحقوق وفي باب الحريات والحقوق .

اما عن المقومات المهمة للدولة المدنية فهي:

1-الدستور:يشكل الدستور احد أهم مقومات الدولة المدنية فهو الخارطة التنظيمية القانونية لصورة الدولة والضامن للحقوق والحريات والراسم لطبيعة نظام الحكم واختصاصات السلطات والهيئات المستقلة والمشكل لآليات ادارة الدولة

وقد جاء في الدستور العراقي لعام 2005 والذي تضمن ابواب ستة بفصول متعددة تركزت في الباب الثاني على طبيعة ونوع نظام الحكم والأسس التي اعتمدها الدستور ثم جاء باب الحريات والحقوق وتضمن الباب الثالث السلطات الاتحادية والباب الرابع نص على اختصاصات السلطات الاتحادية وفي الباب الخامس سلطات الاقاليم والمحافظات الغير منتظمة بإقليم والعاصمة والإدارات المحلية وكان الباب السادس للإحكام الختامية والانتقالية .

2_الديمقراطية : تعرف الديمقراطية بأنها (نظام سياسي واجتماعي لإدارة الدولة والمجتمع)

وتعني ضمن تجذرها المعرفي بأنها حكم الشعب وشكلت في مدا ليلها السياسية رؤية جديدة قائمة غايتها دك حصون الانظمة القديمة التي استشرت دكتاتوريتها فأمعنت في سحق تطلعات وأحلام الطبقات الاخرى ،وحين ارادت الشعوب ان تحقق قدرها وتطلعاتها لم تجد سوى النظام الديمقراطي ملاذا والنظام الديمقراطي يتواشج بشكل غير قابل لانقسام مع مفهوم الحرية فهو قائم على الاختيار أي ابراز الصورة الحقيقة لإرادة الفرد التواقة لهندسة ورسم الاليات الحاكمة في علاقة الحاكم المنتخب مع المحكوم الناخب ، ولان العلاقة رابطة قانونية اعتبر فيها الشعب مصدرا للسلطات كان لابد من وجود ضابط تمثل بوجود الدستور خارطة الطريق لإدارة الدولة ،كما ان للديمقراطية مبادئ سارت عليها تتمثل باحترام حقوق الانسان وتحقيق المساواة وممارسة الحريات والحقوق ضمن الاطار الديمقراطي فلا عجب ان نجد الدستور ان العراقي ينص على ان كل القوانين يجب ان تكون في حاضنة المبادئ الديمقراطية وأي تعارض سيجعل النص القانون خارج الشرعية الدستوري وبالتالي سيكون مصيره البطلان ففي المادة (2 /اولا /ب ) نص الدستور على عدم جواز سن أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

3_ المواطنة :ان المواطنة المشتقة من الوطن هي شعور انتمائي لخارطة جغرافية ادارية تتماسك بعلائقها الفردية التي تشكل مجتمعات ذات صفات وسمات متعددة ،والمواطنة هي المشترك الكبير لكافة افراد الشعب مهما تعددت ولاءاتهم القومية والمذهبية والاثنية والطائفية والدينية وتحقيقا للمواطنة كان الدستور العراقي يؤكد في خطابه على المساواة بين

العراقيين ،والمواطنة كما تراها دائرة المعارف البريطانية (علاقة بين الفرد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما المواطنة سليمة قائمة على المساواة وقد تضمن الدستور العراقي الكثير من نصوصه التي تؤكد المساواة وبخاصة المادة (14) التي اعتبرت :(العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او لقومية ………….. )

4_ القضاء المستقل : يشكل القضاء واحدة من السلطات التي ترتكز عليها دعائم الدولة الديمقراطية ،بل هي الضامن للرؤية واليات العاملة الديمقراطية وأكد الدستور العراقي على استقلالية القاضي والقضاء حيث اعتبر السلطة القضائية سلطة مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها ،وتصدر احكامها وفقا للقانون وهو ما نصت عليه المادة (87) منه ولا يمكن تصور دولة مدنية إلا بوجود قضاء مدني مستقل يعمل على تطبيق القانون وحل النزاعات وتحقيق الردع و الامن العام ويساعد على المحافظة على الكيان والنظام الديمقراطي في الدولة.

وضمانات الدولة المدنية هي :

أ_الفصل بين السلطات :يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات احدى الضمانات الحافظة للنظام الديمقراطي والمعززة لنسق ادارة الدولة وقد نص الدستور العراقي على مبدأ (الفصل بين السلطات ) في المادة (47) والتي نصت على ان الدولة الاتحادية تتكون السلطات الاتحادية ،من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وتمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس الفصل بين السلطات . والفصل بين السلطات لا يعني مطلقا الاستقلالية الجامدة بل هي استقلالية مبنية على التعاون التكاملي بين السلطات لإدارة الدولة لكنها مستنده الى استقلالية القرار بالنسبة لكل سلطة دون خضوع او هيمنة او تدخل في الشؤون الخاصة للسلطة الاخرى.

2_ وهناك ضمانات مهمة بسيادة القانون والحكم العادل الرشيد والمشاركة السياسية والاعتراف بالآخر والنظام إللا مركزي في الادارة بجانب السلطات الاتحادية وحيادية الاجهزة الامنية للدولة وكونها تمثل الدولة وولاءاتها محصورة بانتماءاتها الوطنية لذلك حرص الدستور على ان تكون ادارة الجانب الامني والعسكري مستقل سياسيا ،كما ان الثقافات المتعددة والآراء والإعلام الحر البناء والنزيه ضامن مهم من ضمانات ت الدولة المدنية في العراق حرص الدستور على النص عليها كما ذكرنا ،

والخلاصة ان النهج الديمقراطي الذي ترتع فيه الدولة المدنية يؤكد على اولوية مهمة وهي حجر الزاوية في قيام دولة القانون والدولة المدنية ، الا وهي ،الانتماء الى الانسان خارج العناوين والصفات والهويات والانتماء الى الوطن امتداد جغرافي مكاني وغطاء تاريخي حضاري شكلته كل الاطياف العراقية .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت