تعريف الغلط :

يمكن تعريف الغلط بأنه حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع . وغير الواقع أما أن يكون واقعة غير صحيحة يتوهم الإنسان صحتها ، أو واقعة صحيحة يتوهم عدم صحتها . والغلط بهذا التعريف الشامل ينتظم كل أنواع الغلط ، ولا يقف عند نوع معين منها . والذي نريده هنا هو غلط يصيب الإرادة ، فينبغي أن نمحص هذا النوع من الغلط بتمييزه عن غيره من الأنواع الأخرى وبرسم الدائرة التي تحصر نطاقه حتى نستطيع بعد ذلك أن نبين قواعده وأحكامه .

الغلط المانع :

وأول نوع من الغلط نستبعده من دائرة بحثنا هو ما يسمى عادة بالغلط المانع ( erreur – obstacle ) . وهو غلط يقع ، طبقاً لنظرية تقليدية في الفقه الفرنسي ، في ماهية العقد ، كما إذا عطى شخص لآخر نقوداً على أنه قرض وأخذها الآخر على إنها هبة ، أو في ذاتية المحل ، كما لو كان شخص يملك سيارتين من صنفين مختلفين فباع احداهما والمشتري يعتقد أنه يشتري الأخرى ، أو في السبب ، كما إذا اتفق الورثة مع الموصي لهم على قسمة العين الشائعة بينهم ثم يتضح أن الوصية باطلة .

وظاهر أن هذا النوع يعدم الإرادة ولا يقتصر على أن يعيبها . ففي الأمثلة التي قدمناها لم تتوافق الإرادتان على عنصر من العناصر الأساسية : ما هية العقد أو المحل أو السبب . فالتراضي إذن غير موجود ، والعقد باطل أي منعدم . وهذا هو الذي يدعونا لاستبعاد الغلط المانع من دائرة البحث ، فهو يتصل بوجود التراضي لا بصحته ، ونحن الآن في صدد صحة التراضي بعد أن فرغنا من الكلام في وجوده .

الغلط في النقل أو في التفسير :

والغلط الذي يعنينا بحثه هنا هو الغلط الذي يقع وقت تكون الإرادة ( erreur sur la formation de la volonte ) وهناك غلط لا يعيب الإرادة يجب كذلك استبعاده من دائرة البحث ، وهو غلط يقع في وقت نقل الإرادة إذا نقلت على غير وجهها ، وهذا ما يسمى بالغط في النقل ( erreur de transmission ) ، أو يقع في تفسيرها إذا فهمها من توجهت إليه على غير حقيقتها ، وهذا ما يسمى بالغلط في التفسير ( erreur d’interperetation ) . والفرق بين الغلط الذي يقع وقت تكون الإرادة والغلط الذي يقع في النقل أو في التفسير أن الغلط الأول هو حالة تقوم بنفس من صدرت منه الإرادة ، أما الغلط الآخر فحالة تقوم بنفس من توجهت إليه الإرادة ( [1] ) .


( [1] ) وقد أشتمل المشروع التمهيدي على نص هو المادة 172 من هذا المشروع ، جرى بما يأتي : ” تسري الأحكام الخاصة بالغلط في حالة ما إذا نقل رسول أو أي وسيط آخر إرادة أحد المتعاقدين محرفة ” . وقد حذفت هذه المادة في المشروع النهائي ” لأنها تقرر حكماً تفصيلياً لا حاجة إليه ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 166 – ص 167 في الهامش ) . والنص المحذوف مع مذكرته الإيضاحية يوهم أن الغلط في النقل أو في التفسير غلط يعيب الإرادة والصحيح أنه يكون سبباً في عدم توافق الإرادتين فلا ينعقد العقد . هذا ما لم يؤخذ بالإرادة الظاهرة في حالة التحريف في النقل ( قارن المادة 120 من القانون الألماني ) ، فيكون العقد صحيحاً ويؤخذ بالإرادة المحرفة على انها هي الإرادة الصحيحة لمن صدرت منه هذه الإرادة . والقضاء المصري يأخذ بالرأي الأول ولا يعتبر العقد قد تم لعدم توافق الإرادتين ، وقد سبق بيان ذلك ( أنظر آنفاً فقرة 122 في الهامش ) . وسواء اخذ بالرأي الأول تمشياً مع نظرية الإرادة الباطنة أو اخذ بالرأي الثاني تمشياً مع نظرية الإرادة الظاهرة ، فإن الوسيط الذي حرف الإرادة يكون مسئولا نحو المتعاقد الأول إذا انعقد العقد ، أو نحو المتعاقد الآخر إذا لم ينعقد .

ومن قبيل الغلط في النقل مجرد الغلط في الحساب وغلطات القلم . وهذا الغلط لا يؤثر في انعقاد العقد ولا في صحته . وقد ورد نص صريح في هذا المعنى في القانون الجديد ، فنصت المادة 123 على أنه ” لا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب ولا غلطات القلم ، ولكن يجب تصحيح الغلط ” ( أنظر المادتين 536 / 658 من القانون القديم فيما يتعلق بتصحيح ارقام الحساب في عقد الصلح – وقد ورد نص القانون الجدي في المشروع التمهيدي تحت رقم المادة 170 ، وفي المشروع النهائي تحت رقم المادة 127 ، ووافق عليه مجلس النواب ، فلجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تحت رقم المادة 123 ، فمجلس الشيوخ تحت الرقم ذاته . مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 164 – ص 166 ) . والقضاء المصري مضطرد في هذا المعنى : محكمة الاستئناف الوطنية في أول ديسمبر سنة 1914 الشرائع 2 ص 139 – محكمة الاستئناف المختلطة في 9 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 56 – وفي 7 مارس سنة 1933 م 45 ص 194 – وفي 8 مارس سنة 1933 م 45 ص 195 – وفي 16 نوفمبر سنة 1933 م 46 ص 36 – وفي 3 ابريل سنة 1934 م 46 ص 224 – وفي 21 ديسمبر سنة 1937 م 50 ص 57 .

وقد قضت محكمة النقض بأن الخطأ في ذات الأرقام المثبتة بحساب المقاولة ( erreur de calcul ) يجوز طلب تصحيحه متى كان هذا الغلط ظاهراً في الأرقام الثابتة في كشف الحساب المعتمد من قبل ، أو متى كانت أرقام هذا الكشف قد نقلت خطأ من ورقة أخرى معترف بها ، أو كانت غير مطابقة لارقام أخرى ثابتة قانوناً . أما إعادة حساب تلك المقاولة من جديد فإن القانون يأباه ، لأن عمل المقاس والحساب النهائي عن المقاولة عبد إتمامها ما دام عملا متفقاً عليه في أصل عقدها ، فإن هذا الاتفاق متى نفذ بعمل المقاس والحساب فعلا ووقع عليه بالاعتماد ، فقد انقضت مسئولية كل عاقد عنه ، وأصبح هو ونتيجته ملزماً للطرفين ( نقض مدني في 7 نوفمبر سنة 1935 مجموعة عمر 1 رقم 297 ص 923 ) . وقضت محكمة النقض أيضاً بأنه متى كانت محكمة الموضوع قد تبينت من واقع الدعوى أن التبايع الذي هو محل النزاع قد وقع على عين معينة تلاقت عندها إرادة المشتري مع إرادة البائع ، وأن ما جاء في العقد خاصاً بحدود هذه العين قد شابه غلط في حدين من حدودها بذكر أحدهما مكان الآخر ، فإنها لا تكون مخطئة إذا ما اعتبرت هذا الغلط من قبيل الغلط المادي الواقع حال تحرير المحرر المثبت للتعاقد لا الغلط المعنوي الواقع حال تكوين الإرادة المفسد للرضاء ( نقض مدني في 11 ديسمبر سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 242 ص 503 ) .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .