التعويض الإتفاقي الشرط الجزائي

بواسطة باحث قانوني
التعويض الاتفاقي والشرط الجزائي

أولا- التكييف القانوني للشرط الجزائي (في القانون المدني) وغرامة التأخير (في القانون الإداري)

يثور التساؤل في هذا المجال هل غرامة التأخير هى شرط جزائى لإخلال المتعاقد مع الإدارة بشروط التعاقد المتعلقة بتاريخ إنهاء الأعمال موضوع العقد؟

والإجابة على هذا التساؤل تقتضى تحديد ماهية الشرط الجزائى في القانون المدني.

والقانون المدنى يقرر في هذا المجال أنه يجوز للمتعاقدين أن يقدرا مقدما التعويض في العقد أو اتفاق لاحق. فإذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو بمقتضى نص في القانون تقدره المحكمة.

يثير هذا المبدأ جواز الاتفاق مقدما على تقدير التعويض الذى يستحق عند إخلال المدين بالتزامه وهو المعروف بالشرط الجزائى أو التعويض الاتفاقى، وقد حرص المشرع أن ينص في صدر النص الذى وضعه في هذا المجال الذى يصح فيه الاتفاق مقدما على مقدار التعويض، وهو اتفاق يلتزم به المدين عند إخلاله بالتزامه، والاتفاق يبقى على ركن الضرر فلا يحكم بالتعويض إذا لم يترتب على إخلال المدين بالتزامه أى ضرر بالدائن، ولكن يظهر أثر الاتفاق على تقدير التعويض، فيما يتعلق بركن الضرر في مجال الإثبات إذ يترتب عليه افتراض حصول ضرر مساو لما قدره المتعاقدان، فلا يكلف الدائن بإثبات وجود ضرر، كما أن من يدعى من الطرفين أن الضرر الواقع فعلا فلا يقل أو يزيد عما هو متفق عليه فعليه عبء إثبات ذلك.

فإذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أى ضرر، فيكون أحد أركان المسئولية قد تخلف وبالتالى لا تحكم المحكمة بأى تعويض، أما إذا لم يثبت المدين ذلك، ولكنه أثبت أن الضرر الحادث أقل من التعويض المتفق عليه، فيجوز للمحكمة تخفيض التعويض، أما إذا تبين أن الضرر قد جاوز قيمة التعويض المتفق عليه، فلا تحكم المحكمة بزيادة التعويض لمواجهة الزيادة في الضرر، ويرجع هذا الحكم إلى أن الاتفاق على تقدير التعويض مقدما يتضمن إتفاقا على الإعفاء من المسئولية عما يجاوز التعويض المتفق عليه من ضرر، والأصل أن هذا الاتفاق يعتبر صحيحا ويعمل به إلا في حالة غش المدين أو خطئه الجسيم.

وتجيز معظم تشريعات الدول الشرط الجزائى، وقلة منها تبطله ولذلك يجب أخذ أحكام القانون الواجب التطبيق على العقد الدولى في الاعتبار عند إدراج الشرط الجزائى في العقد، وبعض التشريعات (بل أغلبها) يجيز للقضاء مراقبة مقدار الشرط وإعادة تقدير الجزاء ليكون مناسبا للضرر الذى يحدث من جراء الإخلال بالإلتزامات الواردة في العقد.

فيشترط القانون المصرى لإستحقاق التعويض في حالة النص على الشرط الجزائي في العقد أن تتوافر شروط المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما (المادة 223 مدنى مصرى) وإذا تحقق الضرر فللقضاء أن يخفضه إذا أثبت المدين أن التقدير مغالى فيه إلى حد كبير ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك (م 224 مدنى).

وتخفيض التعويض يكون محاولة لجعله متناسبا مع الضرر بقدر الإمكان مما يعنى إمكان تجاوز التعويض للضرر وهى فائدة مؤكدة للشرط الجزائى كذلك يمكن أن يزداد التعويض عن القدر المحدد للشرط الجزائى، إذا كان ناشئا عن غش المدين أو خطئه الجسيم (المادة 225 مدنى).

ويفسر الحكم الوارد في هذه المادة أن نقص قيمة الشرط الجزائى عن مقدار الضرر يمثل إعفاء من المسئولية العقدية وهو ما لا يجوز في حالة الغش أو الخطأ الجسيم (المادة 227/2 مدنى).

أجاز القانون الصادر في يوليو 1975 في فرنسا عند تعديله للمادة 1152 بإضافة فقرة ثانية للقضاء إنقاص التعويض المشترط إن كان مبالغا فيه أو زيادته إن كان تافها.

أما القانون البلجيكى فنص القانون المدنى على أنه لا يجوز زيادة قيمة الشرط أو تقليله.

وفي القانون الألمانى تقضى المادة 343 بأن قيمة الشرط الجزائى يمكن تخفيضها إلى القدر المعقول.

أما في القانونيين الإنجليزى والأمريكي فيفرق بين التعويض المقدر جزافيا Liquidated dammage، والشرط الجزائى Penalty clause، فالتعويض المقدر جزافا لا يجوز إنقاصه أو زيادته فهو ملزم، أما الشرط الجزائى فغير ملزم، والمحاكم الإنجليزية تحكم بأنه إذا كان التعويض الاتفاقي الجزافي مبالغ في تقديره إن كان زائدا زيادة كبيرة عن قيمة الضرر وغير المبنى على تقدير معقول، فإنه يعتبر شرطا جزائيا وبالتالى يكون غير ملزم.

أى أنه في العقود الدولية بشكل خاص فالمستقر عليه في القضاء الأنجلوسكسونى هو حق القضاء في مراقبة تقدير قيمة الشرط الجزافى، وأن التقدير لا بد وأن يتم على أساس التوقع الأمين لقيمة الضرر الذى قد يقع من الإخلال بالإلتزام، يضاف إليه أنه يجب مراعاة الاتفاق على إمكان استنزال قيمة الشرط من المستحق أو عدم إمكان ذلك، أو وقف ما يستحق للدائن في حالة الإخلال بالإلتزام المتعلق بالشرط الجزائى.

فإذا رجعنا إلى غرامة التأخير نجد أنها تختلف عن طبيعة الشرط الجزائى المشار إليه في العقود المدنية حيث أن الشرط الجزائى هو تعويض اتفاقى مستحق في حالة إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه فهو – على كل حال – تعويض يخضع لخصائص التعويض ولذلك يشترط لاستحقاقه حدوث ضرر للمتعاقد الآخر وإعذار المقصر أو في الأصل، صدور حكم به ويمكن للقضاء أن يخففه إذا رأى وجها لذلك، إلا أن الوضع يختلف بالنسبة لغرامة التأخير فهى ضمان لتنفيذ العقود الإدارية في المواعيد المتفق عليها حرصا على حسن سير المرافق العامة بانتظام وإطراد، وقد نصت قوانين المناقصات والمزايدات في البلاد المختلفة بتوقيعها بمجرد حصول التأخير ولو لم يترتب عليه أى ضرر ودون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أية إجراءات قضائية أخرى.

ويترتب على ذلك أن لجهة الإدارة أن توقعها بنفسها دون حاجة إلى حكم بها إذا أخل المتعاقد بالتزامه قبلها ولا يقبل من المقاول إثبات عدم حدوث ضرر من تأخيره في التنفيذ، فاقتضاء الغرامة منوط بتقدير الإدارة وتحقق مناط استحقاقها.

ثانيا- مفهوم التعويضات الاتفاقية

تعرّف “التعويضات الاتفاقية” liquidated damages بأنها مبلغ ثابت من المال يحدده الطرفان المتعاقدان مسبقاً كتعويض إجمالي متفق عليه يستحقه الطرف المضرور في حالة خرق الطرف الآخر للعقد. ويمكن أن يكون مبلغ التعويضات الاتفاقية في شكل وديعة أو ضمان أو دفعة مقدمة أو نسبة مئوية معينة (مثلا، 10% من قيمة العقد).

ويجوز للطرفين أن يتفقا مسبقاً على مبلغ من المال يدفع بصفة تعويض في حالة خرق العقد. ومثال ذلك، الاتفاق على أن يدفع المقاول مبلغ 50 جنيه استرليني عن كل يوم يتأخر فيه إتمام المبنى.

ويضمن بند التعويضات الاتفاقية للطرف البريئ الحصول بسرعة على مبلغ ثابت من المال محدداً على وجه اليقين في حالة خرق الطرف الآخر للعقد، وبذلك، يتجنب التحقيقات المطولة والمكلفة لمعرفة قيمة الأضرار التى تكبدها بالفعل. ومن ثم، يسمح بند التعويضات الاتفاقية للأطراف المتعاقدة بالتحكم مسبقاً في مبلغ التعويض واجب الدفع في حالة حدوث خرق للعقد، فضلاً عن أنه يعزز الالتزامات التعاقدية ويردع الطرف الذي يفكر في مخالفتها.

وينص بند “التعويضات الاتفاقية” liquidated damages clause، عادة، على أن يدفع الطرف المخالف للعقد إلى الطرف المضرور مبلغاً ثابتاً في حالة خرقه للعقد. وتطبق المحاكم عادة هذا البند إذا كان من الصعب للغاية التأكد مسبقاً من الأضرار الفعلية وكان مبلغ التعويضات الاتفاقية معقولاً. وبصفة عامة، لا تأمر المحاكم بإنفاذ التعويضات الاتفاقية التي يُقصد منها أن تكون جزاءاً أو غرامة، وتفسر بند التعويضات الذي ينص على دفع مبلغ يزيد بشكل مبالغ فيه عن المبلغ الذي يمكن أن يتوقعه الطرفان بشكل معقول، على أنه جزاء penalty لا يجوز إنفاذه.

ويقع عبء إثبات أن المبلغ المحدد جزاء، وليس تعويض متفق عليه، على الطرف الذي ترفع عليه الدعوى لمطالبته بالدفع.

وتكون التعويضات الاتفاقية نافذة عندما يكون هناك اتفاق بين الطرفين على أن يؤدي أحدهما أعمالاً معينة بموجب العقد، ويتفق الطرفان على أن عدم أداء ذلك الطرف لتلك الأعمال من شأنه أن يلحق الضرر بالطرف الآخر، أو لحماية أحد الطرفين من قيام الطرف الآخر بأعمال من شأنها أن تلحق الضرر به. وفي هذه الحالة، يجوز للطرفين أن يتفقا مسبقاً على تقدير تلك التعويضات.

وقد يتصور أحد الطرفين المتعاقدين أن بوسعه تحديد مبلغ ثابت يدفعه الطرف الآخر في حالة خرقه للعقد بغض النظر عن ما إذا كان ذلك المبلغ يتجاوز التكلفة الفعلية التي تحملها الطرف البريئ، مادام الطرفان قد اتفقا على ذلك، استناداً إلى أن العقد شريعة المتعاقدين. لكن هذا التصور خاطئ لأن البند الذي يفرض على أحد المتعاقدين مبلغاً ثابتاً لضمان تنفيذ التزاماته، وليس تقديم تعويض معقول إلى الطرف البريئ عن الضرر الذي تكبده، لن يكون نافذاً في الدول التي تطبق نظام القانون العام لأنه يشكل غرامة غير مقبولة بالمقارنة ببند التعويضات الاتفاقية، وهو بند جائز قانوناً. فضلاً عن أن البند الذي يعطي لأحد الطرفين مكاسب لا يستحقها يصطدم أيضا، في نظام التقنين المدني، بمبدأ عدم جواز الإثراء بلا سبب، وكذلك بمبدأ إساءة استخدام الحق من جانب الطرف الأقوى، ناهيك عن أن هذا البند قد يفسر على أنه يعطى لأحد الطرفين الحق فى تأديب الطرف الآخر، وهو ما ترفضه معظم النظم القانونية.

ثالثا- بنود التعويضات الاتفاقية في دول نظام التقنين المدني

من الشائع في دول نظام التقنين المدني إدراج بنود في العقود تحت اسم “التعويضات الاتفاقية”، ومع ذلك، من الشائع أيضا إدراج هذه البنود تحت اسم “غرامات التأخير” أو “الشرط الجزائي”، لاسيما في العقود الإدارية.

وتنص المادة 224 من القانون المدني المصري على أن التعويض الاتفاقي لا يكون مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر. بيْد أن هناك حالات يعتبر الضرر فيها مفترضا وقائما، مثل حالة التأخير في تنفيذ العقود الإدارية.

وتنص المادة (23) من القانون المصري رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات، على أنه “إذا تأخر المتعاقد في تنفيذ العقد عن الميعاد المحدد له جاز للسلطة المختصة لدواعي المصلحة العامة إعطاء المتعاقد مهلة إضافية لإتمام التنفيذ على أن توقع عليه غرامة عن مدة التأخير طبقا للأسس وبالنسب وفي الحدود التي تبينها اللائحة التنفيذية بحيث لا يجاوز مجموع الغرامة (3%) من قيمة العقد بالنسبة لشراء المنقولات وتلقي الخدمات والدراسات الاستشارية والأعمال الفنية (10%) بالنسبة لمقاولات الأعمال والنقل. وتوقع الغرامة بمجرد حصول التأخير دون حاجة إلى تنبيه وإنذار أو اتخاذ أي إجراء آخر.

ويُعفي المتعاقد من الغرامة بعد أخذ رأي إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة. إذا ثبت أن التأخير لأسباب خارجة عن إرادته. وللسلطة المختصة عدا هذه الحالة بعد أخذ رأي الإدارة المشار إليها إعفاء المتعاقد من الغرامة إذا لم ينتج عن التأخير ضرر. ولا يخل توقيع الغرامة بحق الجهة الإدارية في الرجوع على المتعاقد بكامل التعويض المستحق عما أصابها من أضرار بسبب التأخير. وفي حالة الإدعاء بإخلال الجهة الإدارية بالتزاماتها الواردة بالعقد بخطأ منها، يكون للمتعاقد الحق في اللجوء للقضاء للمطالبة بتعويضه عما يكون قد لحقه من ضرر نتيجة لذلك ما لم يتفق الطرفان على التحكيم …..).”

وطبقاً للمادة (83) من اللائحة التنفيذية، تحسب الغرامة من قيمة ختامي العملية جميعها إذا رأت الجهة الإدارية أن الجزء المتأخر يمنع الانتفاع بما تم من العمل بطريق مباشر أو غير مباشر على الوجه الأكمل في المواعيد المحددة، أما إذا رأت الجهة أن الجزء المتاخر لا يسبب شيئاً من ذلك، فيكون حساب الغرامة بالنسب والأوضاع السابقة من قيمة الأعمال المتأخرة فقط.

وفي حالة عقود التوريد، توقع غرامة التأخير بواقع (1%) عن كل أسبوع تأخير أو جزء من أسبوع من قيمة الكمية التي يكون قد تأخر في توريدها وبحد أقصى (3%) من قيمة الأصناف المذكورة (المادة 94 من نفس اللائحة).

وفي حالة عدم قيام المورد بالتوريد في الميعاد المحدد بالعقد أو خلال المهلة الإضافية فعلي الجهة الإدارية أن تتخذ أحد الإجراءين التاليين طبقاً لما تقرره السلطة المختصة وفقاً لما تقتضيه مصلحة العمل وذلك بعد إخطاره بكتاب موصي عليه بعلم الوصول على عنوانه المبين بالعقد.

(أ‌)شراء الأصناف التي لم يقم المورد بتوريدها من غيره على حسابه بذات الشروط والمواصفات المعلن عنها والمتعاقد عليها بأحد الطرق المقررة بقانون تنظيم المناقصات والمزايدات والأحكام الواردة بهذه اللائحة.

(ب‌)إنهاء التعاقد فيما يختص بهذه الأصناف.

وفي هاتين الحالتين يصبح التأمين النهائي من حق الجهة الإدارية ويكون لها أن تخصم ما تستحقه من غرامات وقيمة كل خسارة تلحق بها – بما في ذلك فروق الأسعار والمصاريف الإدارية – من أية مبالغ مستحقة أو تستحق للمتعاقد لديها وفي حالة عدم كفايتها تلجأ إلى خصمها من مستحقاته لدى أية جهة إدارية أخرى أياً كان سبب الاستحقاق دون حاجة إلى اتخاذ أية إجراءات قضائية وذلك كله مع عدم الإخلال بحقها في الرجوع عليه بما لم تتمكن من استيفائه من حقوق بالطريق الإداري.”

وقد أفتت الجمعية العمومية لمجلس الدولة بأن “غرامة التأخير لا تعدو أن تكون تعويضا للإدارة عما أصاب المرفق العام من ضرر مرده إخلال المتعاقد بحسن سيره، وهو ضرر مفترض يجيز لها جبره بفرض الغرامة فور تحقيق الإخلال من جانب المتعاقد دون أن تلتزم الإدارة بإثبات حصول الضرر. كما لا يقبل من المتعاقد معها إثبات عدم حصوله إذ أن جهة الإدارة في تحديدها مواعيد معينة لتنفيذ العقد يفترض فيها أنها قدرت أن حاجة المرفق تستوجب التنفيذ في هذه المواعيد دون أي تأخير واقتضاء الغرامة منوط بتقديرها باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أي إجراءات قضائية أخرى (فتوى الجمعية العمومية رقم 1196 في 28/12/1991).

وفي إفتائها الصادر بجلسة 11/3/1956 انتهت الجمعية العمومية للفتوى والتشريع إلى أن “العقود الإدارية تختلف في طبيعتها عن العقود المدنية، ذلك لأنها تعقد بين شخص من أشخاص القانون العام وشخص من أشخاص القانون الخاص بقصد تحقيق مصالح عامة، ومركز المتعاقدين فيها غير متكافئ إذ يجب أن يراعي فيها دائما تغليب الصالح العام على الصالح الخاص وهذا الهدف يجب أن يسود شروط العقد وعلاقة المتعاقدين عند تطبيقه وتفسيره كما أن الإدارة تراعي في الشروط الجزائية المنصوص عليها في عقد ما ملاءمتها لطبيعة هذا العقد وقيمته وموجبات السرعة في تنفيذه في وقت معين وطريقة معينة حتى تكفل انتظام سير المرفق العام. هذا فضلا على أن المتعاقد مع الإدارة يقبل التعاقد وهو عالم مقدما بجميع الشروط والظروف المحيطة بالعقد.

وينبني على ذلك أنه في حالة التأخير في تنفيذ العقود الإدارية يكون الضرر مفترضا وقائما حتميا بمجرد حصول التأخير، لما ينطوي عليه التراخي في تنفيذ هذه العقود – في حد ذاته وبغض النظر عما عساه أن يقع من أضرار أخرى – من إخلال بالنظم والترتيبات التي تضعها الإدارة …. ولذلك فلا محل للقول بعدم حصول ضرر في حالة التأخير المشار إليها لأن الضرر هنا لا ينحصر في تفويت الفائدة المباشرة الذي ينطوى عليها محل العقد بل يشمل المساس بأية قاعدة أو طريقة أو نظام وضعته الإدارة أو اتفقت عليه بغرض تحقيق مصلحة عامة”. وخلص إفتاء الجمعية من ذلك إلى أن الجزاءات المالية المنصوص عليها في العقود الإدارية نظير التأخير في تنفيذ أحكامها تستحق وتصبح واجبة التوقيع بمجرد التأخير.”

وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه “من المسلمات في فقه القانون الإداري أن غرامة التأخير لا تعدو أن تكون تعويضا اتفاقيا جزائيا عما أصاب المرفق العام من ضرر مرده إخلال المتعاقد بحسن سيره وهو ضرر مفترض يجيز للإدارة جبره بفرض الغرامة إذا توافرت شروط استحقاقها بحصول الإخلال من جانب المتعاقد معها (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1772/29 ق جلسة رقم 5/2/1985).

أسئلة وإجابات

س: هل غرامة التأخير هى شرط جزائى لإخلال المتعاقد مع الإدارة بشروط التعاقد المتعلقة بتاريخ إنهاء الأعمال موضوع العقد؟

الإجابة على هذا التساؤل تقتضى تحديد ماهية الشرط الجزائى في القانون المدني.

والقانون المدنى يقرر في هذا المجال أنه يجوز للمتعاقدين أن يقدرا مقدما التعويض في العقد أو اتفاق لاحق. فإذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو بمقتضى نص في القانون تقدره المحكمة.

ويثير هذا المبدأ جواز الاتفاق مقدما على تقدير التعويض الذى يستحق عند إخلال المدين بالتزامه وهو المعروف بالشرط الجزائى أو التعويض الاتفاقى، وقد حرص المشرع أن ينص في صدر النص الذى وضعه في هذا المجال الذى يصح فيه الاتفاق مقدما على مقدار التعويض، وهو اتفاق يلتزم به المدين عند إخلاله بالتزامه، والاتفاق يبقى على ركن الضرر فلا يحكم بالتعويض إذا لم يترتب على إخلال المدين بالتزامه أى ضرر بالدائن، ولكن يظهر أثر الاتفاق على تقدير التعويض، فيما يتعلق بركن الضرر في مجال الإثبات إذ يترتب عليه افتراض حصول ضرر مساو لما قدره المتعاقدان، فلا يكلف الدائن بإثبات وجود ضرر، كما أن من يدعى من الطرفين أن الضرر الواقع فعلا فلا يقل أو يزيد عما هو متفق عليه فعليه عبء إثبات ذلك.

فإذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أى ضرر، فيكون أحد أركان المسئولية قد تخلف وبالتالى لا تحكم المحكمة بأى تعويض، أما إذا لم يثبت المدين ذلك، ولكنه أثبت أن الضرر الحادث أقل من التعويض المتفق عليه، فيجوز للمحكمة تخفيض التعويض، أما إذا تبين أن الضرر قد جاوز قيمة التعويض المتفق عليه، فلا تحكم المحكمة بزيادة التعويض لمواجهة الزيادة في الضرر، ويرجع هذا الحكم إلى أن الاتفاق على تقدير التعويض مقدما يتضمن إتفاقا على الإعفاء من المسئولية عما يجاوز التعويض المتفق عليه من ضرر، والأصل أن هذا الاتفاق يعتبر صحيحا ويعمل به إلا في حالة غش المدين أو خطئه الجسيم.

وتجيز معظم تشريعات الدول الشرط الجزائى، وقلة منها تبطله ولذلك يجب أخذ أحكام القانون الواجب التطبيق على العقد الدولى في الاعتبار عند إدراج الشرط الجزائى في العقد، وبعض التشريعات (بل أغلبها) يجيز للقضاء مراقبة مقدار الشرط وإعادة تقدير الجزاء ليكون مناسبا للضرر الذى يحدث من جراء الإخلال بالإلتزامات الواردة في العقد.

فيشترط القانون المصرى لإستحقاق التعويض في حالة النص على الشرط الجزائي في العقد أن تتوافر شروط المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما (المادة 223 مدنى مصرى) وإذا تحقق الضرر فللقضاء أن يخفضه إذا أثبت المدين أن التقدير مغالى فيه إلى حد كبير ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك (م 224 مدنى).

وتخفيض التعويض يكون محاولة لجعله متناسبا مع الضرر بقدر الإمكان مما يعنى إمكان تجاوز التعويض للضرر وهى فائدة مؤكدة للشرط الجزائى كذلك يمكن أن يزداد التعويض عن القدر المحدد للشرط الجزائى، إذا كان ناشئا عن غش المدين أو خطئه الجسيم (المادة 225 مدنى). ويفسر الحكم الوارد في هذه المادة أن نقص قيمة الشرط الجزائى عن مقدار الضرر يمثل إعفاء من المسئولية العقدية وهو ما لا يجوز في حالة الغش أو الخطأ الجسيم (المادة 227/2 مدنى).

وقد أجاز القانون الصادر في يوليو 1975 في فرنسا عند تعديله للمادة 1152 بإضافة فقرة ثانية للقضاء إنقاص التعويض المشترط إن كان مبالغا فيه أو زيادته إن كان تافها. أما القانون البلجيكى فنص القانون المدنى على أنه لا يجوز زيادة قيمة الشرط أو تقليله. وفي القانون الألمانى تقضى المادة 343 بأن قيمة الشرط الجزائى يمكن تخفيضها إلى القدر المعقول. أما في القانونيين الإنجليزى والأمريكي فيفرق بين التعويض المقدر جزافيا Liquidated dammage، والشرط الجزائى Penalty clause، فالتعويض المقدر جزافا لا يجوز إنقاصه أو زيادته فهو ملزم، أما الشرط الجزائى فغير ملزم، والمحاكم الإنجليزية تحكم بأنه إذا كان التعويض الاتفاقي الجزافي مبالغ في تقديره إن كان زائدا زيادة كبيرة عن قيمة الضرر وغير المبنى على تقدير معقول، فإنه يعتبر شرطا جزائيا وبالتالى يكون غير ملزم.

أى أنه في العقود الدولية بشكل خاص فالمستقر عليه في القضاء الأنجلوسكسونى هو حق القضاء في مراقبة تقدير قيمة الشرط الجزافى، وأن التقدير لا بد وأن يتم على أساس التوقع الأمين لقيمة الضرر الذى قد يقع من الإخلال بالإلتزام، يضاف إليه أنه يجب مراعاة الاتفاق على إمكان استنزال قيمة الشرط من المستحق أو عدم إمكان ذلك، أو وقف ما يستحق للدائن في حالة الإخلال بالإلتزام المتعلق بالشرط الجزائى. فإذا رجعنا إلى غرامة التأخير نجد أنها تختلف عن طبيعة الشرط الجزائى المشار إليه في العقود المدنية حيث أن الشرط الجزائى هو تعويض اتفاقى مستحق في حالة إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه فهو – على كل حال – تعويض يخضع لخصائص التعويض ولذلك يشترط لاستحقاقه حدوث ضرر للمتعاقد الآخر وإعذار المقصر أو في الأصل، صدور حكم به ويمكن للقضاء أن يخففه إذا رأى وجها لذلك، إلا أن الوضع يختلف بالنسبة لغرامة التأخير فهى ضمان لتنفيذ العقود الإدارية في المواعيد المتفق عليها حرصا على حسن سير المرافق العامة بانتظام وإطراد، وقد نصت قوانين المناقصات والمزايدات في البلاد المختلفة بتوقيعها بمجرد حصول التأخير ولو لم يترتب عليه أى ضرر ودون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أية إجراءات قضائية أخرى.

ويترتب على ذلك أن لجهة الإدارة أن توقعها بنفسها دون حاجة إلى حكم بها إذا أخل المتعاقد بالتزامه قبلها ولا يقبل من المقاول إثبات عدم حدوث ضرر من تأخيره في التنفيذ، فاقتضاء الغرامة منوط بتقدير الإدارة وتحقق مناط استحقاقها.