نظرة قانونية حول مستجدات قانون الضمان الاجتماعي الاردني

قانون الضمان الاجتماعي في دورة عادية أم استثنائية ؟

د. ليث كمال نصراوين

بدأت الدورة الاستثنائية الثانية على التوالي لمجلس النواب الحالي بجدل برلماني وسياسي واسع سببه عدم إدراج الحكومة لقانون الضمان الاجتماعي المؤقت رقم (7) لسنة 2010 على جدول أعمال الدورة الاستثنائية، حيث تطالب قوى شعبية وعمالية واسعة بإعطاء القانون أولوية تشريعية نظرا لأهميته واتساع شريحة أعضاء المجتمع الأردني الذين ترتبط مصالحهم التقاعدية بأحكام القانون.

إن الحجج التي تسوقها الحكومة لعدم إدراج القانون المؤقت على جدول أعمال الدورة الاستثنائية الحالية تتمثل في أن عدد مواد القانون كبير، وأنه بالتالي سوف يستهلك الجزء الأكبر من وقت الدورة الاستثنائية التي ستكون قصيرة نوعا ما في ظل تزاحم جدول أعمال الدورة بقوانين أخرى على قدر كبير من الأهمية كقانون المطبوعات والنشر وقانون المالكين والمستأجرين.

إن مثل هذه المبررات يجب أن لا تصدر عن الحكومة في هذه الفترة والتي تشهد تراجعا خطيرا في شعبيتها في ظل مشاريع القوانين التي تقترحها خاصة القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر والقيود التي يفرضها على المواقع الإلكترونية. فقد كان بإمكان الحكومة أن تستغل هذه الفرصة لكي تسجل موقفا شعبيا على حساب مجلس النواب، وذلك من خلال إلقاء قانون الضمان الاجتماعي المؤقت في أحضان مجلس النواب وهي على أتم الوعي بأن الإجراء الأغلب الذي سيقوم به المجلس هو إحالته إلى اللجنة المختصة لمناقشته وإقراره، حيث ستباشر اللجنة وكالمعتاد عقد اجتماعاتها الماراثونية ودعوة أصحاب العلاقة للحوار معهم حول بنود القانون، وهو ما يعني عدم إخضاع القانون لأي إجراء دستوري حقيقي في الدورة الاستثنائية الحالية، والتي نتفق مع الحكومة في أنها ستكون قصيرة الأمد. فالمادة (82/1) من الدستور وإن كانت تعطي الملك الحق في أن يدعو عند الضرورة مجلس الأمة الى الاجتماع في دورات استثنائية ولمدة غير محددة لكل دورة من أجل إقرار أمور معينة تبين في الإرادة الملكية، إلا أن النص الدستوري السابق يجب أن يقرأ مع المادة (78/1) من الدستور والتي تنص على أن يدعو الملك مجلس الأمة الى الاجتماع في دورته العادية في اليوم الأول من شهر تشرين الأول من كل سنة.

كما قد كان بإمكان الحكومة أن تستغل ظاهرة تهريب النصاب القانوني لجلسات مجلس النواب التي طبقها النواب في الدورة الاستثنائية الأولى والتي حتما ما ستستمر في الدورة الثانية لكي تقوم بإحالة قانون الضمان الاجتماعي لمجلس النواب وتسجل نصرا شعبيا على حساب مجلس النواب الذي بات يرمي بأوراقه الأخيرة بعد أن أصبح سياسيا وشعبيا بحكم الغائب، وذلك في ظل الاستعدادات التي تقوم بها الهيئة المستقلة للانتخابات للتحضير لإجراء الانتخابات البرلمانية القادمة.

في المقابل، وفي ظل تعنت الحكومة عن الاستجابة للمطالب البرلمانية في إرسال قانون الضمان الاجتماعي إلى أروقة مجلس النواب في الدورة الاستثنائية الحالية فإن النواب يملكون الحق الدستوري في إلزام الحكومة بأن ترسل القانون لهم وذلك من خلال توقيع الأغلبية المطلقة منهم على عريضة للملك يطلبون فيها بإدراج قانون الضمان الاجتماعي المؤقت على جدول أعمال الدورة الاستثنائية الحالية، وذلك تطبيقا لأحكام المادة (82/2) من الدستور الأردني والتي تنص على أن يدعو الملك مجلس الأمة للاجتماع في دورة استثنائية أيضا متى طلبت ذلك الأغلبية المطلقة لمجلس النواب بعريضة موقعة منها تبين فيها الأمور التي يراد البحث فيها. فالنص الدستوري يعطي الحق للأغلبية النيابية في الدعوة إلى دورات استثنائية وبيان ما ترغب في بحثه من أمور فيها، هو حق مطلق غير مقيد بشرط. وهذا ما أكد عليه المجلس العالي لتفسير الدستور في قراره رقم (4) لسنة 1995 الذي أعطى الحق الدستوري لمجلس النواب في التقدم بعريضة للملك موقعة من الأغلبية المطلقة من أعضائه لإضافة أمور جديدة لاحقة إلى الأمور التي تضمنتها الدعوة الأولى لعقد الدورة الاستثنائية، حيث يصدر الملك إرادة ملكية جديدة تعدل تلك التي صدرت بعقد الدورة الاستثنائية وذلك بإضافة البند الذي طالب به أعضاء مجلس النواب إلى جدول أعمال الدورة الاستثنائية.

وفي ظل الأزمة الحالية فقد خرجت بعض الأصوات الغاضبة بتصريحات تقضي بأن الحكومة ملزمة بعرض قانون الضمان الاجتماعي المؤقت لعام 2010 على مجلس الأمة وإلا سيتم بطلان القانون والعودة للعمل بقانون الضمان الاجتماعي القديم لعام 2001 وذلك استنادا لأحكام المادة (94) المعدلة من الدستور والتي تشترط أن تعرض القوانين المؤقتة على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده، وأن على المجلس أن يبت فيها خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالتها وذلك تحت طائلة اعتبارها باطلة حكما إذا انقضت هذه المدة.

مثل هذه الفتوى الدستورية في غير محلها، حيث قد سبق للمجلس العالي لتفسير الدستور أن أفتى في قراره رقم (2) لسنة 2012 بأن حكم المادة (94) المعدلة من الدستور حول وجوب إقرار القوانين المؤقتة من قبل مجلس الأمة خلال دورتين عاديتين متتاليتين من تاريخ إحالتها للمجلس ينسحب فقط على القوانين المؤقتة التي أُحيلت لمجلس الأمة بعد الأول من تشرين الأول 2011 وهو تاريخ دخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ، وليس على كافة القوانين المؤقتة التي صدرت قبل التعديلات الدستورية ومن ضمنها قانون الضمان الاجتماعي الحالي رقم (7) لسنة 2010.

ومن ناحية أخرى، فقد يكون من المنطق الدستوري أن لا يقوم مجلس النواب الحالي بإقرار قانون الضمان الاجتماعي المؤقت أو أي قانون آخر في الدورة الاستثنائية الحالية وأن يتم تأجيل إقراره لأول دورة عادية يعقدها مجلس النواب الجديد، ذلك أن مجلس النواب الحالي قد انتهت صلاحيته وأصبح بحكم مجلس نيابي انتقالي يقتصر الهدف من وجوده على تمكين الهيئة المستقلة من استكمال التحضيرات لإجراء الانتخابات البرلمانية القادمة وعدم مخالفة الدستور في تغييبه لأكثر من أربعة أشهر بعد حله. فالمجلس قد أصبح بحكم المنحل، حيث أنه يجتمع تحت قبة المجلس في الوقت الذي تنهمك به الحكومة والهيئة المستقلة في دعوة الناخبين للتسجيل وإعداد جداول الناخبين للانتخابات المقبلة، وهو ما من شأنه أن يفقد المجلس شرعيته، فتكون دعوته لدورة استثنائية في مثل هذا الوقت لإقرار قوانين على قدر كبير من الأهمية إجراء في غير محله ولا يتوافق مع منطق الشرعية الدستورية.