غـــربـــلـــة الـــ 77
علمت من أحد الزملاء قيام الشركة التي يعمل بها -من كبرى الشركات العالمية العاملة بالسعودية – بإنهائها خدمات ما يربو على الــ(170) عامل سعودي لديها خلال الفترة الوجيزة السابقة، وبمناقشته وضح بأن المخاطر وفقاً للمادة (77) أصبحت محددة ومعلومة سلفاً وأُخذت بالحسبان عند اتخاذ قرارات الإنهاء، فالتعويض بسيط، ومن تم الإستغناء عنهم من العاملين حديثي العهد بالشركة نسبياً ولم يتجاوز خدمة الغالبية منهم الخمس سنوات. وفي شركة أخرى كبرى وكذلك عالمية، قامت بإنهاء خدمة عدد لا يقل عن (50) عامل سعودي، ولمعرفتي بمديرها في السعودية، وضح بأن المخاطر أصبحت محددة فالتعويض حسب المادة الــ(77) مقنن والشركة على استعداد لدفعه وبشكل فوري.

فكلا الشركتان وازنت قراراتها المتخذة لإنهاء خدمة العاملين في عدم التأثير على نسب التوطين (نطاقات الموزون)، فلم تنهي خدمات ذوي الأقدمية والمرتبات العليا، وراعت العوامل المؤثرة في نطاقات الموزون وهي: (01) نسبة التوطين في المنشأة. (02) متوسط أجور العاملين السعوديين في المنشأة. (03) نسبة توطين النساء في المنشأة. (04) الإستدامة الوظيفية. (05) نسبة السعوديين ذوي الأجور المرتفعة. وفي شركة أخرى من ذات الثقل الاقتصادي، تقدم أحد عامليها بطلب إنهاء عقد العمل الغير محدد المدة لرغبته بالتقاعد المبكر وهو مستحق له إشتراكاً لا سناً، ورُفض طلبه من الشركة إلا بعد قيامه بدفع تعويض عن سنوات خدمته وفقاً للفقرة (01) من المادة (77). وهذه الوقائع ومثلها الكثير، لم يكن لتحدث في ظل وجود النص السابق للمادة (77) من نظام العمل قبل تعديلاته، إذ كان وافياً كافياً مقرراً للعدالة ورادعاً لأصحاب العمل لجهالة التعويض،

إذ كان نصه: “ إذا أُنهي العقد لسبب غير مشروع كان للطرف الذي أصابه ضرر من هذا الإنهاء الحق في تعويض تقدره هيئة تسوية الخلافات العمالية، يراعى فيه ما لحقه من أضرار مادية وأدبية واحتمالية وظروف الإنهاء.” إلا أن تطبيقات الهيئات العمالية لم تكن مناسبة ومواءمة، فضلاً عن التفاوت الشاسع بين الأعضاء في تطبيقات التعويض إن وجدت، ويعزى لغياب الأُسس الموضوعية لتقدير التعويض وعدم مقدرتهم على تقدير تعويض مناسب جابراً للضرر وفي أحيان التردد، وكل ذلك لضعف واضح في بعض أعضاء الهيئة خصوصاً في الفترة الأخيرة، وهو ثابت وظاهر في القرارات الصادرة، ما رتب قيام وزارة العمل ورئاسة الهيئات الإستعانة بقضاء الظل كأحد الحلول وتعديلات في نظام العمل.

إن عقود العمل تختلف حالات إنهائها بإختلاف حالات مددها، فهي على ثلاثة أنواع: محددة المدة وتكون للسعوديين ولغيرهم، ويمتاز السعودي عن غيره بأن العقد المحدد المدة يتحول لغير محدد المدة عند تجدده ثلاث مرات متتالية أو تحقق خدمته لأربعة أعوام متتالية أيهما أقل أو أن يكون العقد غير محدد المدة إبتداءً أو أن يكون العقد محدد مدته للقيام بعمل فينتهي بإنجازه، وتختلف قواعد الإنهاء أو إنتهاء عقد العمل بحسب طبيعته أكان محدد المدة أو غير محدد المدة. إن حالات إنتهاء عقد العمل خُصص لها الفصل الثالث من نظام العمل، والذي يتكون من عدد (10) مواد، وجرى التعديل على أغلب مواد هذا الفصل، إذ عُدلت عدد (07) مواد منه، ومن ثم تكون أغلب مواد الفصل قد طالها التعديل، وأوجدت التعديلات أحكاماً ومدد جديدة كلياً لإنتهاء عقد العمل، وما يهمنا في هذا المقام المادة (77) المُعدلة والتي تنص على: “ ما لم يتضمن العقد تعويضاً محدداً مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب غير مشروع، يستحق الطرف المتضرر من إنهاء العقد تعويضاً على النحو التالي: 1-أجر خمسة عشر يوماً عن كل سنة من سنوات خدمة العامل، إذا كان العقد غير محدد المدة.

2-أجر المدة المتبقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة. 3-يجب ألا يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة عن أجر العامل لمدة شهرين.” فيتضح ويفهم من المادة أن الأصل لتحديد التعويض أن يكون موضحاً بعقد العمل المُبرم بين صاحب العمل والعامل، وإن خلا العقد من بيان التعويض، فيصار لحكم هذه المادة لتقدير التعويض، وعليه فتكون هذه المادة هي القاعدة والحد الأدنى للتعويض.

كما توضح بأن التعويض وجوبي بشرط تحقق أمرين: (01) السبب الغير مشروع. (02) تحقق ضرر للطرف الآخر، فالتعويض لا يستحق إلا بتحقق علاقة سببية بين خطأ وهو هنا السبب الغير مشروع وإثبات الضرر المدعى به من المضرور المتحقق من الطرف الآخر، وإن لم يكن هناك تراضٍ صريح من الأطراف على التعويض، فيكون تقدير ذلك وحسمه من قبل الجهة القضائية المختصة هيئة تسوية الخلافات العمالية أو المحاكم العمالية عند مباشرتها العمل، لتحديد هل السبب مشروع أو غير مشروع؟ وهل تحقق ضرر من عدمه حتى يصار للتعويض؟.

كما نرى بأن سريان هذا التعديل لا يكون بأثر رجعي وجوباً، أي لا يتعلق إلا بالعقود حديثة النشأة المبرمة بعد سريان التعديلات، أما العقود السابقة لا تسري عليها وجوباً تجاه العامل نظراً لما فيها من إضراراً بالعامل ما لم يقبل العامل بها صراحة كقاعدة لتعويضه فالأطراف بالخيار بإعمالها أو القبول بتقدير القضاء. وبلا شك عند إنهاء عقد العمل من جانب صاحب العمل، فالعامل متضرر دوماً من هذا القرار، أما صاحب العمل فلا يثبت ضرره إلا بعد إثبات ولا يؤخذ بالكلام المرسل، إذ العامل يعتمد على وظيفته لتوفير حياة كريمة له ولأسرته والوفاء بإلتزاماته الأخرى.

وعموماً يتضح إجمالاً بأن المخاطب بتطبيق هذه المادة القضاء العمالي، فهي من يحدد السبب ومشروعيته وتحقق الضرر من عدمه، وجاء في مصلحة تخفيف التدفق القضائي للنزاعات العمالية بتحديد التعويض إن لم يكن مقرر تعاقدياً. إن المادة تمس ويتأثر بها السعوديين خاصة ذوي العقود الغير محددة المدة، فغير السعوديين عقودهم دائما محددة المدة ولم يأتي بحكم جديد لهم، وتعويضهم في السابق يمكن أن يقال أنه مستقر قضاءً ولم يكن مختلفاً بشكل عام عن التعويض عن مدة العقد المتبقية إن حصل إنهاء من صاحب العمل أو من العامل. وأيضاً من إيجابيات ما جاءت به المادة الحديثة أنها وضحت وقررت قاعدة للتعويض يمكن لأصحاب العمل الإنهاء والتعويض الرضائي بين الأطراف أو اللجوء للقضاء في حال عدم القبول من أحدهم. ولكن يُعاب على هذه المادة أنها حددت التعويض، وفي ذلك خطأ جسيم وتعدٍ على العدالة المفترضة والمرجوة من القضاء تطبيقاً، إذ تختلف الظروف وتبعات قرار الإنهاء من عامل لآخر عند إنهاء خدمته من قبل صاحب العمل، ونرى بأنه كان من الأولى أن يضاف نص للمادة ( ما لم ترى الهيئة القضائية تعويضاً أعلى )، فالواجب على القضاء عدم العمل بهذه المادة نصاً وبحدودها التعويضية إن عُرض عليها النزاع، إنفاذاً للعدل وتحقيقاً للتوازن.

صرحت وزارة العمل في مواضع عدة ومناسبات مختلفة بشأن المادة (77) المعدلة من نظام العمل، أن التعديل غايته تقنين التعويض، وأنها لن تسمح للشركات تحت مظلة المادة (77) بفصل السعوديين دون وجه حق، ومن التصريحات يتضح بأن الوزارة تعلم وتيقن المعترك الذي أصبح فيه العامل بسبب المادة.

ونرى ونقول لها: كان من الأجدر عدم الخوض في التعويض وتحديده وحصره على النحو الحالي والإبقاء على النص السابق ورفع كفاءة أعضاء الهيئات وثقتهم وتعزيز إستقلاليتهم، لبناء أسس قانونية قضائية للتعويض، إذ التعويض والضرر يختلف من حالة لأخرى، فتختلف حالة زيد عن عبيد وما يرتبه إنهاء الخدمة من تبعات وأضرار عند قيام صاحب العمل بالإنهاء.

فمن أصحاب العمل وخصوصاً الشركات الكبرى من امتهنوا إبتزاز العاملين لديهم بناءً على هذه المادة المميزة حكماً ورقما، بل يراها بعضهم مصدر دخل وأداة ضغط قانونية على العاملين لديهم ورفض إنهاء الخدمة وإخلاء سبيل العامل إلا بتعويض مجزٍ يدفعهُ لها وفقاً للمادة (77) وأغلب السعوديين يحوزون على عقد غير محدد المدة وهو مصيرهم، فأصحاب العمل بعيدين كل البُعد عن الغايات الصحيحة والتفسير السليم لهذه المادة. إن وقائع إنهاء الخدمات من قبل أصحاب العمل معلومة لدى وزارة العمل والتأمينات الإجتماعية؛ إذ تظهر في البرامج الإلكترونية للجهتين،من إسقاط للعاملين أو إستبعاد لهم بشكل عام، وهنا أطلب من وزارة العمل ولديها البيانات وبإمكانها تقديم إحصاء سريع وفقاً لبرامجها الحاسوبية أن تقدم وتعرض للعموم بيانات إنهاء الخدمات للعاملين السعوديين للفترة من تاريخ بدء وسريان تعديلات نظام العمل الأخيرة لثلاث سنوات 1435، 1436، 1437 للمقارنة ليتضح الواقع والفارق إن وجد.

الحديث يطول ولا يسع المقال بيان كل الجوانب، وعلى أية حال، أدت المادة (77) لعدم استقرار واضح في سوق العمل على الأقل نفسياً في جانب العاملين وتهرب لكثير من السعوديين من التوجه للعمل بالقطاع الخاص، وفرحة عامره للمنشآت. إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحَمدُلِله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العليّ العظيم لوالديّ ولي ولزوجتي وذريتي وإخواني والمسلميّن ونتوب إليه ..

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

عبدالعزيز بن عبدالله الخريجي
محامي مستشار