مدى جواز اختصام رئيس الجمهورية بدلاً من الوزير المختص أو رئيس مجلس الوزراء – القانون المصري .

القضية رقم 40 لسنة 19 ق “دستورية ” جلسة 6 / 1 / 2001

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 يناير سنة 2001 الموافق 11 شوال سنة 1421هـ .
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى
وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 40 لسنة 19 قضائية “دستورية “
المقامة من
السيد رئيس مجلس إدارة شركة النصر للملابس والمنسوجات
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الشعب
3- السيد وزير المالية
4- السيد رئيس مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي

” الإجراءات “
بتاريخ الخامس من مارس سنة 1997، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طلباً للحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 بإنشاء هيئة عامة باسم “بنك ناصر الاجتماعي “، وكذلك عدم دستورية البند (1) من المادة (6) منه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها أصلياً: الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة واحتياطياً: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
وبعد حجز الدعوى للحكم قدم المدعى عليه الرابع طلباً لإعادة الدعوى إلى المرافعة ، رأت المحكمة الالتفات عنه.

” المحكمة “
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل في أن المدعى عليه الرابع، كان قد أقام الدعوى رقم 3529 لسنة 1996 مدنى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعى ابتغاء القضاء بإلزام الشركة التي يمثلها بأن تؤدى لبنك ناصر الاجتماعي مبلغ 981238 جنيهاً، قولاً منه بأن هذا المبلغ يمثل نسبة الاثنين بالمائة من أرباح الشركة المدعية عن السنتين الماليتين 1990/89 و1991/90 المستحقة للبنك قبلها عملاً بحكم البند (1) من المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 المعدل بالقانون رقم 21 لسنة 1978، وأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 137 لسنة 1974، وأثناء نظرها دفع الحاضر عن الشركة المدعى عليها بعدم دستورية ذلك القانون وكذا البند (1) من المادة (6) منه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة دعواه الدستورية ، فقد أقامها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة ، دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها على غير ذي صفة ؛ تأسيساً على أن اختصام الهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي في الدعوى ، لا يغنى عن اختصام الحكومة ممثلة في رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص.
وحيث إن المادة (35) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 اعتبرت الحكومة من ذوى الشأن في الدعوى الدستورية الواجب إعلانهم بصحيفتها؛ وكان هذا الإجراء قد تحقق فعلاً باختصام رئيس الجمهورية في الدعوى الماثلة بحكم كونه- إلى جانب رئاسة الدولة – متوليا للسلطة التنفيذية عملاً بالمادة (137) من الدستور؛ وبإعلان هيئة قضايا الدولة بحسبانها النائبة قانوناً عن الدولة بجميع سلطاتها بصحيفة هذه الدعوى ، كما تحققت الغاية من هذا الإجراء بإبداء تلك الهيئة دفاعها رداً على المطاعن الدستورية المثارة فيها، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى يكون في غير محله متعيناً رفضه.
وحيث إن المدعى ينعى على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 صدوره بالمخالفة لحكم المادتين (108، 147) من الدستور، قولاً بأنه قد صدر في غيبة مجلس الشعب، ودون توافر ضرورة ملجئة أو ظروف استثنائية تستوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، إذ لا يعدو الهدف من إنشاء بنك ناصر الاجتماعي – كما جاء بالمذكرة الإيضاحية لذلك القرار بالقانون- أن يكون تكريم اسم زعيم راحل، واستثمار الأموال، وخدمة المجتمع.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقاً للمادة (86) من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلاً، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه في غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوى في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً بصورة عاجلة لا تحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة السلطة التنفيذية هذا الاختصاص استثناءً من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعى ، إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية ، ذلك أن توفر حالة الضرورة – بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها- هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة ، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – وهى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وإنحرافها.
وحيث إن الدستور قد بين ضوابط ممارسة السلطة التنفيذية – ممثلة في رئيس الجمهورية – لجانب من الوظيفة التشريعية في أحوال الضرورة أثناء غياب مجلس الشعب، وذلك في المادة (147) منه التي تنص على أنه “إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون.
ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر”.
وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص حدوداً ضيقة فرضتها طبيعته الاستثنائية ، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استناداً إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التى تسوّغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب.
وحيث إن البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (147) من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً أو قائماً، فإذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه في أول اجتماع له، فور انعقاده، وإن كان قائماً تعين دعوته للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هى خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها. وعلة ذلك تمكين المجلس- باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية – من مراجعة التشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبته عند الضرورة ، والنظر في شأنها في أسرع وقت ممكن، وإلا زال ما لهذه التشريعات من قوة القانون بأثر رجعى دون حاجة لاتخاذ أى إجراء في هذا الشأن.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 المشار إليه صدر بتاريخ 23/9/1971 غداة إقرار الدستور القائم في 11/9/1971، وما تلاه من الإعداد لإجراء انتخابات مجلس الشعب الجديد إثر حل مجلس الأمة السابق في 8/9/1971، وقد تزامن صدوره- في ظروف إعداد البلاد لحرب التحرير والخلاص من هزيمة سنة 1967- مع بدء العام الجامعي ، فبدت الحاجة ماسة لدى فئة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا إلى صرف الإعانات والقروض التي لم تكن موارد صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا المنشأ بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 56 لسنة 1968 تفى بمتطلباتها على الوجه المرجو، ومن ثم رؤى إنشاء “بنك ناصر الاجتماعي ” وإسناد هذه المهمة – ضمن مهام أخرى – إليه، توكيداً للتضامن الاجتماعي الذى يقوم عليه المجتمع بنص الدستور؛ وتوافر- بالتالي – حالة الضرورة التي سوغت لرئيس الجمهورية الإسراع في إصدار ذلك القرار بقانون، والتى لم تكن تحتمل التأخير إلى أن يبدأ مجلس الشعب دور انعقاده العادى بعد انقضاء فترة زمنية يكون العام الجامعي معها قد شارف على الانتصاف، لتفوت بذلك الغاية من إسناد هذه المهمة الجليلة إلى البنك الوليد، ليقوم عليها خيراً من سابقه.
وحيث إن القرار بالقانون المشار إليه، قد أحيل إلى مجلس الشعب في الحادي عشر من نوفمبر سنة 1971 أى في ذات تاريخ الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد العادى الأول من الفصل التشريعى الأول- وفقاً لما ورد بكتاب الأمانة العامة لمجلس الشعب رقم 344 المؤرخ 1/3/2000- فأحاله إلى اللجنة الاقتصادية لبحثه وتقديم تقرير عنه، وبعد أن قدمته وافق المجلس على ذلك القرار بقانون بجلسته المنعقدة بتاريخ 27/12/1971، دون اعتراض أحد عليه. لما كان ماتقدم؛ فإن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 المشار إليه، يكون قد انتصب سوياً على قدميه، بمفازة من أى عوار شكلى ، ويضحى النعى عليه بصدوره من رئيس الجمهورية في غير حالة ضرورة ، فاقد الأساس.
وحيث إن نطاق الدعوى – على ضوء ارتباط النصوص المطعون فيها بالطلبات المطروحة في النزاع الموضوعى – بات محدداً بنص البند (1) من المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971 بانشاء هيئة عامة باسم “بنك ناصر الاجتماعى ” وبإلغاء القانون رقم 56 لسنة 1968 بإنشاء وتنظيم صندوق مساعدة طلاب الجامعات والمعاهد العليا، المعدل بالقانون رقم 21 لسنة 1978- قبل إلغاء هذا البند بنص المادة (7) من القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام المعمول به اعتباراً من 19 يوليه 1991- والذى كان يجرى على النحو الآتى :
“تتكون موارد الهيئة من:
(1) نسبة من صافى أرباح وحدات القطاع العام تحسب قبل التوزيع وقبل خصم الضرائب النوعية المستحقة ، وتحدد هذه النسبة بقرار من رئيس الجمهورية “.
وحيث إن المدعى ينعى على النص الطعين خروجه على الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية وحرمانه العاملين بالشركة التى يمثلها من كامل نصيبهم في الأرباح بالمخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الدستور ينص في المادة (29) على أن ” تخضع الملكية لرقابة الشعب؛ وتحميها الدولة ، وهى ثلاثة أنواع: الملكية العامة ، والملكية التعاونية ، والملكية الخاصة ” وفى المادة (30) على أن “الملكية العامة هى ملكية الشعب “وفى المادة (34) على أن “الملكية الخاصة مصونة …” دالاً بذلك على احتفائه بحق الملكية ، بالنظر إلى دقة المصالح التى يمثلها، وانعكاسها على القيم الاقتصادية والاجتماعية التى تؤمن بها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها؛ ومن ثم فقد أخضعها لرقابة الشعب؛ وعهد إلى الدولة بحمايتها-أياً كان صاحبها- وأعقب الدستور ذلك، بتنظيم صور هذه الحماية ، ومداها؛ بحسب دور كل نوع منها.
وحيث إن الملكية لم تعد حقاً مطلقاً يستعصى على التنظيم التشريعى ، ومن ثم غدا سائغاً- على ما أطرد عليه قضاء هذه المحكمة – تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التى يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التى يجريها المشّرع- في ضوء أحكام الدستور- بين طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها على النحو الذى يحقق الصالح العام للمجتمع، تقديراً بأن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه، لا تعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة ، مما مؤداه: أن الدستور يكفل الحماية للملكية الخاصة التى لا تقوم في جوهرها على الاستغلال، ويرد إنحرافها كلما كان استخدامها متعارضاً مع الخير العام للشعب؛ ويؤكد دعمها بشرط قيامها على أداء الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها، مراعياً أن تعمل في خدمة الاقتصاد القومى ؛ وفى إطار خطة التنمية .
وحيث إن البند (1) من المادة (6) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1971- المطعون فيه- قد إلتزم هذا الإطار الدستورى ، فهيأ لمشروعات القطاع العام-كالشركة المدعية – وهى مملوكة للدولة ملكية خاصة -الفرصة لأداء وظيفتها الاجتماعية ، بأن جعل لبنك ناصر الاجتماعى ، نسبة من صافى أرباحها، إسهاماً منها في تحقيق الخير العام للجماعة ، سواء في المجال الاقتصادى أو في المجال الاجتماعى ، وضماناً لاستمرار المشروعات التى يقوم البنك على تمويلها في إطار من التأمين التعاونى ؛ بما لا مخالفة فيه لنص المادة (26) من الدستور التى تكفل للعمال نصيباً من الأرباح، فهى لاتجعلها وقفاً خالصاً عليهم، إذ لا تناقض بين حق العمال في الحصول على جزء من عائد أعمالهم؛ وبين حق المجتمع- وهو القائم بنص الدستور على التضامن الاجتماعى – في أن تكون جميع قواه وموارده حية وفاعلة ، وأن يبقى دورها دائباً في خدمة الأغراض التى أرادها لها الدستور.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .