ان الشرط المألوف لايعمل به الا اذا توافق مع النية المشتركة للمتعاقدين ، والتي هي عبارة عما اتفق المتعاقدان عليه وتقابل بشأنه ارادتهما الحقيقية ، فعبرا عنها بتعبيرات متطابقة تكشف عن مضمونها ، وهي اساس وجود العقد (1). ولمعرفته مدى توافق الشرط المألوف مع النية المشتركة ينبغي اولاً الكشف عن هذه النية ، ثم البحث عن مدى توافق الشرط معها ثانياً .اما بالنسبة لمسألة الكشف عن النية المشتركة ، فيمكن استخلاصها من الارادة الظاهرة متى ماكانت متطابقة مع الارادة الباطنة (2)، اما اذا قام الدليل على كون الارادة الظاهرة المستخلصة من الشروط والعبارات الواردة في العقد لاتعبر عن الارادة الباطنة ، فيجب عندئذ الكشف عن النيه المشتركة للمتعاقدين (3)، من ثم نبحث عن توافق الشرط المألوف معها ، هذا يعني ان القاضي لايقف عند حدود الارادة الظاهرة التي قد لاتعبر عن النية المشتركة للمتعاقدين بوضوح ، وانما عليه ان يبحث عن قصد المتعاقدين الحقيقي(4)، والذي قد يتضح توافقه مع الشرط المألوف ، فيعمل به وذلك استناداً الى نص م (155 /1 ) من القانون المدني العراقي والتي نصت ( العبرة في العقود للمقاصد والمعاني للالفاظ والمباني) (5).

وقد نص القانون المدني المصري على ذلك في م (150 /2 ) منه والتي جاء فيها ( اذا كان هناك محل للتفسير ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للالفاظ مع الاستهداء بطبيعة التعامل وبما ينبغي ان يتوافر من امانة وثقة بين المتعاقدين ، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات )(6). اما القانون المدني الفرنسي فقد نص في المادة( 1156) على وجوب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين(7). ومما تجدر الاشارة اليه بهذا الصدد ، ان على المحكمة عند استجلاء ارادة المتعاقدين، اللجوء الى الوسائل المادية وهي الالفاظ التي يعبر عن طريقها المتعاقدان عن ارادتهما المشتركة او ما يقوم مقام الالفاظ من كتابة او اشارة او كل ما من شأنه ان يوصل الى الارادة المقصودة اذا كان في التعبير ابهام او غموض ، وليس للمحكمة ان تعتمد في استخلاص الارادة المشتركة على قناعتها فقط دون الركون الى الوسائل المادية والاستدلال على الارادة منها، والاستعانة ايضاً بوسائل التفسير وهي قواعد لغويه وقضايا مسلم بها وعرف وتعامل (8). فطبيعة التعامل(9)، والامانة والثقة الواجب توافرهما لدى المتعاقدين(10). والعرف الجاري في المعاملات(11). كلها معايير يمكن من خلالها الكشف عن النية المشتركة والتي يمكن بعد التوّصل اليها ان نبحث مسالة توافق الشرط المألوف معها ، وبالتالي اعماله.

وعلى ذلك فانه في حالة تنازع المتعاقدين حول مضمون أي شرط من شروط العقد وجب ان نبحث بدأ عن مدى توافق هذا الشرط مع عبارات وشروط العقد الاخرى والتي بعضها يفسر البعض الاخر (12)، في بلوغ المقصود من العقد المتكون من مجموعها ، فكل عباره او شرط وارد فيه ، يشكل جزء منه ، فلا يجوز للقاضي عند البحث عن النية المشتركة ان يقف عند المعنى الوارد في عبارة من عباراته، او بعض عباراته ، بل لابد ان يحيط بمعنى عباراته وشروطه جميعها ، اذ ان هذه الشروط بأجمعها تمثل النية المشتركة للمتعاقدين ، وبعضها يفسر البعض الاخر ، فاذا اتضح توافق الشرط المألوف معها وعدم معارضته لها، يعمل به ، على ان لايعتد القاضي عند اعمال الشرط المألوف ، بالمعنى المستمد من الشرط فقط دون النظر الى بقية الشروط والعبارات المدرجة في العقد . اما اذا تبين عند البحث عن مدى توافق الشرط المألوف مع شروط وعبارات العقد وجود تعارض بين الشرط المالوف وشرط آخر، في هذه الحالة يجب على القاضي ان يحاول التوفيق مابين الشرطين ، فاذا تمكن من ذلك يعمل بهما معاً، واذا لم يستطيع التوفيق بينهما ، يعمل بالشرط الاكثر تعبير عن النية المشتركة للمتعاقدين ، سواء أكان الشرط المألوف أم غيره مثال ذلك الشرط المألوف الوارد ضمن الشروط العامة ، ثم يرد بالعقد نفسه شرط خاص ، فعند التعارض بينهما يعمل بالشرط المعبر عن النية المشتركة ، وبما ان العبارات الخاصة تقيد العبارات العامة الواردة فيها سواء أكانت سابقة ام لاحقه(13)، فالشرط الخاص يعمل به ، لتعبيره عن النية المشتركة ، في حين اذا كان اعمال الشرط الخاص لايؤثر على الشرط العام او لايوجد في الشرط الخاص ما يلغي حكم الشرط العام المألوف، فيعمل بهما معاً ، وذلك على اعتبار ان كلا الشرطين يمثل النية ، بعبارة اخرى ان أعمال الشرط المألوف العام الى جانب الشرط الخاص يستند الى النية المشتركة ، لانه لو كان في نية الطرفين عدم اعماله لاشارة الى ذلك في الشرط الخاص من خلال تضمينه حكم يتعارض مع حكم الشرط العام المألوف .

وبالرغم من عدم وجود نص في القانون المدني العراقي والقانون المدني المصري على القاعدة ، الا ان ذلك لم يمنع القضاء في العراق ومصر من تطبيق هذه القاعدة(14).اذ ذهبت محكمة التمييز في قرار لها ( بان الشروط العامة والخاصة للمقاولة بعضها يكمل البعض الاخر ، وكلها ملزمة للطرفين ، فالنص الوارد في الشروط العامة بلزوم توجيه رب العمل انذار للمقاول في حالة اخلاله ، لم يبلغ بما ورد في الشروط الخاصة من جواز قيام رب العمل ، بالعمل على حساب المقاول ، مادام النص الخاص لم يعف رب العمل من توجيه الانذار) (15). وكما قضت في قرار آخر ( بان شروط العقد المبرم بين الطرفين كلها عاملة وملزمة لطرفي العقد)(16). اما محكمة النقض المصرية فقد قضت في قرار لها ( اذا كان لايجوز للمحكمة وهي تعالج التفسيرات ، ان تعتد بما تفيده عبارة معينة دون غيرها من عبارات المحرر ، بل يجب عليها ان تأخذ بما تفيده العبارات بأكملها وفي مجموعها ، فان الحكم المطعون فيه ، اذا وقف عند البندين 17و18 وفسر عباراتها دون اعتبار لما يكملها من عبارات البنود الاخرى ومنها البند (3) فانه يكون قد مسخ نصوص العقد وخالف قواعد التفسير) (17).

اما القانون المدني الفرنسي ، فقد نص في م (1161) منه ، على قاعدة عبارات العقد وشروطه بعضها يفسر البعض الاخر ، أي ان شروط العقد متكاملة ومتفاعلة ويشرح البعض منها البعض الاخر ، وبالتالي يصعب فهم أي شرط لوحده في حالة عزله عن مجموع التصرف ، حتى لو كان واضحاً في ذاته طالما انه عند تقريبه من شرط أخر يحدث التعارض ، وبناء على ذلك قضت محكمة النقض الفرنسية في قضية تتلخص وقائعها ( بان شخصاً أمن على سياراته من خطر السرقة ، وبعد سرقتها اقام دعوى على شركة التأمين مطالباً بالتعويض ، عرضت القضية على محكمة الاستئناف، فرفضت دعوى المطالبه بالتعويض ، على سند القول ان خطر السرقة كان منصوصاً عليه في الشروط العامة للوثيقة ، ولكن الشروط الخاصة قصرت الضمان على الحوادث ، واذ عرض النزاع على محكمة النقض انتهت الى ان الشروط الخاصة وان كانت قد قصرت الضمان على خطر الحوادث ، الا انها لم تذكر اية مخالفة صريحة لخطر السرقة الوارد ضمن الشروط العامة ، وان ما انتهت اليه محكمة الاستئناف يعد تحريفاً للشروط الواضحة والصريحة في العقد)(18). مع الاخذ بنظر الاعتبار ، اذا كان الشرط المألوف المتعارض مع الشروط الاخرى يحمل اكثر من معنى وكان بالامكان حمله على المعنى الذي ينتج معه اثراً ، فمن الاجدر حمله على هذا المعنى وأهمال المعنى الاخر ، لان المفروض ان المتعاقدين لايدرجان شروط ليست لها معنى ، كما انهما يهدفان من وراء ايراد هذه الشروط تحقيق نتيجة قانونية (19).

بعبارة اخرى يحمل الشرط على المعنى غير المتعارض مع شروط العقد ، أي المتفق مع نية وارادة المتعاقدين الحقيقية(20)، بحيث يمكن معه ان ينتج اثراً قانونياً(21). اما بالنسبة لموقف الفقه الاسلامي من مسألة توافق الشرط المألوف من النية المشتركة ، فان العبارات والالفاظ لايؤخذ بها الا اذا كانت معبرة عن قصد المتعاقدين، اما اذا لم يكن اللفظ معبراً عنه ، فوجوده وعدمه سواء ، وقد عبر الجعفرية عن ذلك بقولهم ( الصيغة انما تسمى عقداً بضميمة المقصود منها ايجاباً وقبولاً)(22). كما قال ابن قيم الجوزية بهذا الصدد ( ان القصود في العقود معتبره دون الالفاظ المحررة التي لم يقصد بها معانيها او حقائقها او قصد غيرها)(23). وقد ذهب الحنفية الى القول بان عبارات العقد لايعتد بها مالم يتحقق الرضا والاختيار(24). باستثناء الشافعية الذين يأخذون بالفاظ العقد وعباراته الظاهرة سواء أَعبرت ام لم تعبر عن القصد ، بغض النظر عن خفايا النفس التي لايعلمها الا الله (25). من موقف الفقه الاسلامي يتضح ، انهم لايعتدون بالعبارات الواردة في العقد الا اذا عبرت عن قصد المتعاقدين ، باستثناء الشافعية الذين يأخذون بظواهر العقود ، وهذا يعني ان الشرط المألوف اذا كان معبراً عن قصد المتعاقدين يعمل به طبقاً لقاعدة ( اعمال الكلام اولى من أهماله )(26).

_____________________

1- انظر د. احمد شوقي عبد الرحمن –تفسير العقد ومضمونه وفقاً لقواعد الاثبات – الاسكندرية – منشأة المعارف -2003 ص83.

2- د. عبد الرزاق احمد السنهوري-الوسيط في شرح القانون المدني-ج –مصادر الالتزام –القاهرة – دار النشر للجامعات المصرية – 1952، ص 676 –د. طارق كاظم عجيل – الوسيط في عقد البيع – ج1 – ط1 – بغداد – مكتبة السنهوري – 2008 – ص5.

3- د. عبد الرزاق السنهوري- مصادر الحق في الفقه الاسلامي – ج4 ، بيروت – المجمع العلمي العربي الاسلامي – بلا تاريخ نشر – ص 9 . د. عبد المنعم فرج الصده – مصدر سابق – ص319 ، وانظر ايضاً د.محي الدين اسماعيل – نظرية العقد – بلا مكان ولا تاريخ نشر – ص 152 وما بعدها .

4- د. سليمان بو ذياب – مبادئ القانون المدني الاردني – الاردن –المؤسسة الجامعية للنشر – 2003-ص132.

5- انظر (م 214 /1) مدني اردني ، م (6) مدني يمني – م (111) مدني جزائري .

6- اذا تبين ان الارادة الظاهرة هي مجرد دليل على الارادة الباطنة ، فمثل هذا الدليل قابل للاثبات العكس – انظر د. سليمان مرقس – شرح القانون المدني – الالتزامات – ج2- القاهرة – المطبعة العالمية – 1964 – ص211 ، د. توفيق حسن فرج – النظرية العامة للالتزام – نظرية العقد- الاسكندرية – المكتب المصري الحديث – 1969 – ص 260 .

7- انظر ايضاً المواد (1157) و ( 1159 ) و (1160 ) و 1161 ) من القانون المدني الفرنسي.

8- أ.منير القاضي – ملتقى البحرين -الشرح الموجز للقانون المدني العراقي –مج1- بغداد – مطبعة العاني-1952- ص 257 و258.

9- ان طبيعة التعامل قد تفرض اوضاع معينة لبعض العقود ، فتسري على الكافة دون تميز ، وتفترض بالتالي ارادة مشتركة يتعين التسليم بقيامها ، رغم انها قد لاتكون قائمة بالفعل. انظر د. عبد الحكم فودة – تفسير العقد في القانون المدني المصري والمقارن – اطروحة دكتوراه – حقوق الاسكندرية – منشأة المعارف – ط1 – 1985 – ط2 – 2002 – ص228و229.

10- انظر م(150) مدني عراقي – م(150/2) مدني مصري – م( 239/ف2) مدني اردني – م( 215) مدني يمني م (111 )مدني جزائري ، م( 1134 و1135) مدني فرنسي .

11- انظر د. عبد الحكم فوده – مصدر سابق – ص 236 . د. عدنان السرحان –د.نوري حمد خاطر –شرح القانون المدني-مصادرالحقوق الشخصية-الالتزامات –دارالثقافه للنشر-2005 – ص 246و247 . د. عبد المنعم فرج الصده – مصادر الالتزام – مصدر سابق – ص320 . د. نبيل ابراهيم سعد – مصدر سابق – ص 267 .

12- د. عبد الفتاح عبد الباقي – مصادر الالتزام في القانون المدني الكويتي – نظرية العقد – والارادة المنفردة – بلا مكان طبع – 1983 – ص 501 .

13- د. عبد الرزاق السنهوري –الوسيط-ج1- مصدرسابق-ص610-د. عبد المجيد الحكيم – الموجز في القانون المدني – مصادر الالتزام مقارنة بالفقة الاسلامي – ط2 – بغداد – شركة الطبع والنشر الاهلية – 1963- ص334.

14- كما ان القانون المدني الاردني واليمني والجزائري قد خلو من الاشارة الى هذه النصوص .

15- رقم القرار 43/ هيئه عامه / 71- بتاريخ 26/6/1971- منشور في المبادئ القانونية لقضاء محكمة التمييز – اعداد ابراهيم المشاهدي – 1988 -ص 642 .

16- رقم القرار 2044/964 – بتاريخ 20/4/1965، منشور في مجلة ديوان التدوين القانوني – سنة 5 – ع5 – بغداد – مطبعة الحكومة – 1969 – ص 228 .

17- الطعن رقم 169 لسنة 37 ق، جلسة 7/5/1974 -ص 25 – ص808 . وانظر ايضا ًالطعن 213 -سنة 39 ق- جلسة 26/11/1974 – س 25 ، ص 1291 – حسن الفكهاني – الموسوعة الذهبية – ج8- القاهرة – الدار العربية للموسوعات – 1982 – ص 829 .

18– Civ- I،116 none 1976، B،1976 ،no، 344،p273.

نقلاً عن د. عبد الحكم فوده ، مصدر سابق ، ص 342 .

19- انظر تفصيل ذلك د. عبد الحكم فوده مصدر سابق ، ص 105 ومابعدها.

20- د. عبد الفتاح محمد حجازي – تفسير العقد في القانون المدني العراقي والمقارن – رسالة ماجستير مقدمة الى جامعة الدول العربية – 1988- ص348.

21- د. حسن علي الذنون – النظرية العامة للالتزام – ج1 ، بغداد – 1949 – ص213.

22- محمد جواد مغنيه ، فقه الامام جعفر الصادق (ع) – ط1-ج3- بيروت – دار العلم للملايين، 1965 – ص 65و66 .

23- ابن قيم الجوزيه – اعلام الموقعين عن رب العالمين –مج3- مصر –مطبعة فرج الله الكردي – بلا تاريخ نشر – – ص 99 .

24- المقصود بالاختيار ( ارادة التعبير ) ، والرضا ( ارادة الاثر) . انظر تفصيل ذلك ابن عابدين – حاشيه رد المحتار المسماة رد المحتار على الدر المختار – ج4 – بلا مكان طبع ولا تاريخ نشر – ص 8 .

25- ابي عبد الله محمد بي ادريس الشافعي ، كتاب الام ، ط1، ج6 ، دار الفكر العربي للطباعة ، 1400 هـ ، ص 215 .

26- انظر المادة (12)، (60) ، (61) ، (62) من مجلة الاحكام العدلية .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .