مدى اعتبار حماية الطرف الضعيف في العلاقات الخاصة الدولية من قواعد النظام العام العبر دولي

عموما إذا كنا نتحدث في إطار العلاقات الخاصة الدولية بين أشخاص خصوصيين عن مسالة قرينة الاحترافية وبامتياز، إلا أن هذه النظرة الأفلاطونية للمسائل تتجاوز هاته الحدود إلى حد الحديث عن استغلال المركز الاقتصادي إلى حد يشكل مساسا جوهريا بأخلاقيات التجارة الدولية، والتي يجب على المحكمين أخدها في الحسبان من أجل حماية هذا الطرف الضعيف في العلاقات التعاقدية[1].
أما بالنسبة لحماية الدول النامية في علاقاتها التعاقدية فقد اتيرت هذه المسائل ومدى إمكانية اعتبار حمايتها من النظام العام العبر دولي مع وجود الإعلانات الصادرة عن الأمم المتحدة على التوالي في سنة 1984[2]، والتي استهدفت إقامة نظام اقتصادي جديد يأخذ يعين الاعتبار حقوق مصالح الدول النامية والذي أساسه أو قوامه المساواة في العلاقات الاقتصادية.هذا وقدانقسم الفقه[3] بصدد هذه المسألة إلى قسمين، الأول chapelle والذي يرى أن ثمة إمكانية للقول بوجود نظام عام حمائي خاص بالدول النامية، والثانيMarty والذي اتخذ موقفا معارضا لذلك، هذا وقد تبنى المحكمون بدورهم موقفا سلبا تجاه هذه المسألة فالمحكم في قضية Texaco اعتبر أن حق الدولة بالتأميم لايعد قاعدة من القواعد القانونية الدولية الآمرة، أي قاعدة من قواعد القانون الدولي، ورفض بالتالي اعتبار القرار المتعلق بالنظام العام الاقتصادي الجديد ولاسيما ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول متمتعا بصفة القانون الدولي الوضعي[4] ولا يشكل تخفيفا من هده السلبية اعتبار المحكم في قضية limaco[5] إن القرارات ذات الطابع الاقتصادي الصادرة عن الأمم المتحدة وان لم تشكل مصدرا مجمعا عليه قانون فإنها تقدم على الأقل دليلا على اتجاه جديد مسيطر يتعلق بحق الدولة السيادي على مواردها الطبيعية، وأن هذا الحق يمارس في حدود احترام الاتفاقيات التعاقدية والالتزام بالتعويض، فهذه الوجهة لاتسمح باعتبار قرارات الأمم المتحدة جزء من النظام العام العبر دولي، كون إعمالها موقوف على عدم وجود اتفاقية عقدية تخالفها، فالصعوبة في اعتبار قرارات الأمم المتحدة جزءا من النظام العام العبر دولي في ضوء هذا القرار، تأتي من كون طبيعة وإعمال النظام العام العبر دولي لايستقيمان مع الإعتراف للإرادة الفردية بخرقه، إذ من المعروف أن النظام العام هو الذي يحد من الإرادة الفردية وليس العكس .
ومما تقدم يطرح التساؤل حول القيمة القانونية لقرارات الأمم المتحدة والمواثيق الصادرة عنها سنة 1984 بخصوص حماية الدول النامية.
يرى البعض[6] إن هذه القرارات لاتتمتع بأي قيمة قانونية إنما تعد مجرد التزام أدبي أو سياسي، لا بل العكس حين يوجد خلاف أو تنافر بين مواقف الدول الغنية ومواقف الدول الفقيرة بهذا الشأن. فلئن ناصرت الدول الفقيرة إقرار مشاريع هذه القرارات أتناء التصويت عليها، فقد عملت الدول الصناعية الغنية إلى اتخاذ موقف التنكر منها، عن طريق رفضها وامتناعها عن التصويت[7].
وإذا وضعنا جانبا مسألة إلزامية هذه التوصية والقرارات والنظر إليها من زاوية القانون الدولي العام[8]، وقصرنا البحث في مدى اعتبار هذه القرارات ذات قيمة قانونية إلزامية أو ذات طبيعة قواعد نظام عام عبر دولي، فبإمكاننا أن نخلص إلى القول بأنها تتمتع بهذه الصفة من وجهة نظرنا، والدليل على ذلك هو أن هذه القرارات والتوصيات الصادرة عن الأمم المتحدة، وإن كانت غير ملزمة، فيمكن أن تكون مع ذلك قاعدة من قواعد النظام العام العبر دولي التي يتوجب على المحكمين تطبيقها كلما أتيحت لهم فرصة ذلك، والقول بعكس ذلك يعني تقدير اعتبار توصيات أو مقررات الأمم المتحدة من مصادر النظام العبر دولي يخضع لمعيار غير موحد حسب الأهواء السياسية والمصالح الاقتصادية لمختلف الدول، والتي تصب بكاملها في تكريس هيمنة القوي على الضعيف

[1] للمزيد من التوسع يمكن الرجوع إلى كل من
أحمد محمد الهواري ، حماية العاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص دار النهضة العربية الطبعة الثانية 2000
وكذلك أطروحة الأستاذ محمد بوزلافة ، الحماية القانونية للعاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص – دراسة في العقد الدولي السنة الجامعية 2001/2002 مقدمة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس .
Jacques Ghestin et Marcel Fontaine . la Protection de la partie faible dans les rapports contractuels . Bibliothèque de droit privé p513 est s
[2] القرار رقم 3201 في سنة 1984 المتعلق بالإعلان عن إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد .
والقرار رقم 3281 في غشت 1984 والمعروف بميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول .
[3] هذا الفقه وارد في كتاب الاستاد أياد بردان السابق الإشارة إليه ص 666 ومايليها .
[4] Pour voir la sentence voir ( clunet ) 1984 p 409 est s.
[5] Sentence arbitral rendu a Genève 12 avril 1977 Rev arb 1980 p 132 .
[6] B-Gerard; peut on parler d’un droit du développement ( clunet ) 1991 p 903 est s .
[7] على سبيل المثال صوت لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة المتعلق بشرعية الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول 120 دولة لصالحه و6 ضده وامتنع 10 دول عن التصويت واغلب المصوتين معه هم من الدول الفقيرة .
[8] حفيظة السيد الحداد المرجع السابق الإشارة إليه ص 446 .