متى يكون المدعي علي حق ؟

هل كل مدع على حق أم أن الحق عنده نسبياً وهل المدعى عليه على باطل أم أن الباطل في نظر المدعي حق، سؤال كثيراً ما يتردد على لساني ويجب علينا نحن المحامين التفكير به كثيراً قبل التوكل في أي قضية، ومن حق المدعي أن يتكلم ويفصح ومن واجبي أن أسمع وأتدبر وعندما أسمع شكوى المدعي أضع أمام عيني حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقضي للأول حتى تسمع كلام الآخر ستدري كيف تقضي)، ومن الأمثال الشعبية الدارجة المثل القائل:

(ضربني وبكى وسبقني واشتكى)، ويروي التاريخ أن امرأة جاءت إلى قاضي تشكو خصمها وتبكي وتولول وكان يزور القاضي في مجلسه صديق له عالم ورع وتقي فسمع شكوى المرأة وعبراتها فقال للقاضي: إنها مظلومة فقال له القاضي: وكيف عرفت أنها مظلومة قال: عبراتها وبكاؤها، فقال له القاضي:

إن إخوة يوسف “وجاءوا أباهم عشاءً يبكون”. والمحامي الفهيم المستقيم الأمين واجبه مساعدة القضاء في تحقيق العدالة ومن هذه القاعدة الأصولية أن يتحرى بواطن الأمور ومواطن الخلل وأن يعمل بقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) فإذا كان ظالماً منعه من الظلم وإن كان مظلوماً ساعده على رفع الظلم عنه وليس كل المتداعيين على حق وليس هما دوماً على باطل فالحق لدى كل منهما يتصور منه أنه على حق وأكثر القضايا ينشأ النـزاع فيها بسبب اختلاف هذه المفاهيم ، فكل طرف يرى من واقع مفهومه للخلاف أن الحق معه فيتمسك به ويصر عليه حتى إذا تحاكما أمام شخص ارتضياه ليفصل بينهما في هذا النزاع وأظهر الحكم فساد هذا المفهوم الخاطئ بالإثبات المقنع الجلي وكانت تقوى الله ومخافته رائدهما سرعان ما تعود النفوس إلى فطرتها ويتقبل المخطئ الرجوع إلى الحق والصواب لأن أساس النـزاع كان على خلاف في مفهوم الحق وليس على المماطلة وأكل أموال الناس بالباطل أما حين يتمادى المفهوم في الباطل ويصر صاحبه عليه فهذا الذي ينطبق عليه حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

(مطل الغني ظلم) وأكبر دليل على ذلك قصة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ويروي التاريخ أن سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ أخذ فرساً من أعرابي لتجربته قبل شرائه فحمل عليه سيدنا عمر وعطب الفرس وقال لصاحبه خذ فرسك فرفض هذا وطالبه بالثمن فقال سيدنا عمر:

(اجعل بيني وبينك حكماً) فقال الرجل صاحب الفرس: بيني وبينك شريح بن الحارث الكندي، فتحاكما إليه فقضى شريح بتضمين سيدنا عمر ثمن الفرس قائلاً: ( يا أمير المؤمنين خذ بما ابتعت أو رد كما أخذته سليماً صحيحاً) فأعجب سيدنا عمر بحكمه وقال: (وهل القضاء إلا هذا)؟ وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسـلم ـ القائل (إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار).

ومن هنا كان لزاماً على المحامي أن يتفحص قضية موكله وألا ينظر إليها كقضية ذات عائد مادي بقدر ما ينبغي له أن يتحرى فيها الحق بغض النظر عن طرفي النزاع وأن يعمل جاهداً في تحقيق العدالة ومن أهم واجبات المحامي حين تعرض عليه قضية وتطلب منه المرافعة والمدافعة عنها أن يسعى للصلح بين أطراف النزاع وأن يعمل بقول الحق ـ سبحانه وتعالى ـ: “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس” ولا خير في محام لا يبدأ بالصلح بين الخصوم أطـــراف النـزاع (والصلح خير).

بقلم :- حسام لطفي توفيق