متى يتم حجب الميراث

أ/ أحمد أبو زنط

موانع الإرث

الموانع في اللغة : جمع مانع ، وهو الحائل . ومنه قولهم : هذا مانع بين كذا وكذا : أي حائل بينهما ؛ فكلّ أمرٍ يحول بين شيء وشيء آخر يُسمَّى مانعاً .

وفي الاصطلاح : هو أمرٌ خارجٌ عن الحكم ، يستلزم وجوده عدم الحكم مع وجود سببه ؛ فهو يؤثر من جانب وجوده ؛ فينعدم الحكم بوجود المانع ، بخلاف الشرط ؛ فإنَّ تأثيره من جانب العدم .

أو هو : ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته .

ـ والموانع من الإرث تنقسم إلى قسمين :

(1)- قسمٌ مجمعٌ عليه ، وقسمٌ مختلف فيه .

* فالقسـم المجمـع عليـه ثلاثـة أنواع : رق ، وقتل ، واختلاف الدين .

* والقسـم المختلف فيه على أنواع ، أهمها : الارتداد ، واختلاف الدار .

موانع من الإرث مجمعٌ عليها

اختلاف دين قتل رق

ناقص الرق كامل الرق

المكاتَب المبعَّض

من موانع الإرث :

(1)- الرق :

= تعريفه : في اللغة : العبودية .

: في الاصطلاح : عجز حكمي يقوم بالإنسان بسبب الكفر فيمنعه من التصرُّف .

= تفسير التعريف :

: عجز حكمي : ليس العجز أصلياً في العبد ؛ كعجز الصبيّ والمجنون ، بل عجزه حكمي طارئ عليه .

: التصرُّف : الملك ، الحرية ، الشهادة ، تولِّي الحكم أو القضاء .

= الدليل من الكتاب والسنَّة على عجز العبد الحكمي :

قول الله I : ) ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه ..( الآية [النحل : 75] .

س : هل الرق على درجة واحدة ، أم هو على درجات متفاوتة ؟

ج : بل هو على درجات متفاوتة :

-1- رقيق كامل الرق : وهو القِنّ ؛ الخالص العبودية ، المملوك بكليته .

-2- المكاتَب : وهو الذي كاتب سيده على أقساط يدفعها إليه ، فيُصبح حراً عند آخِر قسط يدفعه .

-3- أمّ الولد : وهي المملوكة التي وطئها سيّدها ، فحملت منه ، وأتت بولد . فهذه لا تباع ولا توهب، وتُصبح حرة بمجرّد موت السيّد .

-4- المبعَّض : من كان بعضه حراً ، وبعضه مملوكاً ؛ كما لو كان مشتركاً بين اثنين ، فأعتق أحدهما نصيبه منه .

-5- المُدْبَر ، أو المدَبَّر : وهو الذي يقول له سيده : أنت حر بعد وفاتي ، فيُصبح حراً بمجرد وفاة سيده .

-6- المعلَّق على صفة : كالعبد الذي يقول له سيده : أنت حرّ إن أتاني ذكر ، أو نجحت ، أو تولّيت ولاية ، أو إذا جاء شهر رمضان فأنت حرّ .. إلخ .

-7- الموصى بعتقه (تنفيذ عتقه موقوف على الورثة) ؛ إذ قد يكون العبد أكثر من الثلث ، فيتوقف عتقه على موافقة الورثة .

مسألة :

ما رأي العلماء في إرث الرقيق الكامل الرق ، والناقص الرق ؟

أولاً ـ كاملوا الرق : لا يرثون من الغير ، ولا يرث الغير منهم ، ولا يحجبون أحداً باتفاق الفقهاء .

ثانياً ـ ناقصوا الرق : (محلّ خلاف) :

-1- المبعَّـض : تقدّم أنَّ المبعَّض من كان بعض جزئه حراً ، والباقي عبداً .

س : ما رأي العلماء في توريث المبعَّض ، والإرث منه ، وحجبه ؟

ج : =أ= الحنفية والمالكية قالوا : لا يرث ، ولا يُورِّث ، ولا يحجب، وحكمه حكم القنّ تماماً . (وهؤلاء قد غلَّبوا منه جانب العبودية) .

=ب= الشعبي والأوزاعي : يرث ، ويورِّث ، ويحجب كالحرّ تماماً . (وهؤلاء قد غلَّبوا منه جانب الحرية) .

=ج= الحنابلة : يرث ويورِّث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية ؛ فيُعامل جزؤه الحرّ بحكم الأحرار ، وجزؤه الرقيق بحكم الأرقاء .

=د= الشافعية : لا يرث ، ولكن يورِّث ، ولا يحجب .

مســألة :

مات أبٌ حرّ عن ابنٍ عبدٍ مبعَّض بالنصف ، وأخ شقيق :

الشافعية الحنابلة الشعبي الحنفية مات عن :

لا يرث له النصف يرث وهو عصبة لا يرث ابن عبد مبعَّض

عصبة له النصف محجوب عصبة أخ شقيق

مســألة :

ماتت عن زوج ، وابن مبعَّض بالنصف ، وأخ شقيق :

الحنابلة (مبعَّض) الحنفية (عبودية) الشعبي (حرية) ماتت عن:

¼ + 1/8 ½ ¼ زوج

¼ + 1/8 الباقي للابن م ع ¾ ابن مبعَّض

¼ ع ½ م أخ ش

الحنابلة قالوا : الباقي يُعطى للابن ؛ إذ هو أقرب فرع وارث غير أصحاب الفروض

= صور العبد المبعَّض :

-1- المهايأة : كأن يخدم سيِّده بنسبة ملكه ، ويكتسب بنسبة حريته .

-2- المخارجة : كأن يقول له سيده : اعمل لنفسك ، وكلّ يوم تأتيني بـ(10) ريالات مثلاً .

-3- المقاسمة : كأن يقول له سيده : ما أتيت به ، فهو مناصفة بيني وبينك .

وهناك صورة رابعة ، وهي : أن يتركه يعمل لنفسه ، ولا يأخذ منه شيئاً .

مسألة :

مات عبدٌ مبعَّض بالنصف عن زوجة ، وابن :

الشافعية الحنابلة الشعبي الحنفية مات عن :

1/8 فرضاً 1/16 فرضاً 1/8 فرضاً لا ترث زوجة

7/8 عصبة 7/16 عصبة 7/8 عصبة لا يرث ابن

والباقي للسيِّد

-2- المكاتب :

س : هل يرث العبد المكاتب من غيره ، وهل يرث غيره منه ؟

ج :

أولاً : العبد المكاتب لا يرث من غيره بالاتفاق .

ثانياً : هل يرث غيره منه ؟ المسألة محل خلاف ، وسبب اختلافهم في ذلك ، هو اختلافهم في الذي يموت عليه المكاتب ؛ أيموت مكاتَباً ، أم حراً ، أم عبداً :

=أ= الشافعية والحنابلة : إذا مات ولم يف بمال الكتابة ، وكان لديه مالٌ قدر الكتابة ، أو أقلّ ، أو أزيد ، يُعتبر عقداً لاغياً ، وتُفسخ الكتابة ، ويكون المال لسيده ؛ إذ المكاتبة عقد معاوضة على المكاتب ، وقد تلف قبل التسليم ، فبطل العقد ، فيئول المال الذي تركه إلى سيده ، والمكاتب عبدٌ ما بقي عليه شيء :

كذا قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : “هو عبدٌ ما بقي عليه شيء” ، وقال زيد بن ثابت t : “ما بقي عليه درهم” ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما : “هو عبدٌ إن عاش ، وإن مات ، وإن جَنَى ، ما بقي عليه شيء” .

وعلى ذلك أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r وَغَيْرِهِمُ ؛ “أنّ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ” . وَهـُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ .

=ب= الحنفية قالوا : العبد المكاتب إذا كان لديه مال يفي بالكتابة ، فإنَّ الكتابة تُعتبر سارية ، ولا تنفسخ ، ويوفي من المال الذي تركه دين الكتابة ، ويُحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته . وما زاد عن الكتابة ـ ما بقي بعد وفاء سيِّده ـ يكون لورثته مطلقاً (سواء أدخلوا معه في عقد المكاتبة أم لا ، وسواء أكانوا أحراراً أم عبيداً) .

=ج= المالكية قالوا : الكتابة لا تنفسخ ، ولكن لا يرث المال إلا ورثة العبد الذين دخلوا معه في الكتابة ، شريطة أن يكونوا أصله أو فرعه .

فإذا مات المكاتب قبل أداء مال الكتابة ، وترك مالاً ، يؤدِّي منه مال كتابته ، فإنَّه يؤدى منه ، وما بقي يكون لورثته مـمَّن كان معه في عقد الكتابة ـ مـمَّن يُعتق عليه لو ملكه ؛ كأصله وفرعه ـ .

ومن موانع الإرث :

(2)- القتـل :

والقتل : هو فعل ما يكون سبباً لإزهاق الروح .

ولا خلاف بين العلماء في أنّ القتل مانعٌ من موانع الإرث ، ولكنّ الخلاف في نوع القتل الذي يمنع منه .

أنواع القتل :

مع اتفاق العلماء على أنّ القتل مانع للإرث ، إلا إنهم اختلفوا في نوع القتل المانع ؛ وذلك أن القتل قسمان : قتل بغير حق ، وقتل بحق .

أولاً = القتل بغير حق : وهذا تحته أنواع :

(1)- قتل عمد : وهو ما كان بآلة قاتلة على سبيل القصد والتصميم ، فهو يُوجب القصاص ، والإثم ، دون الكفارة .

والآلة القاتلة ـ كما عرَّفها الإمام أبو حنيفة ـ هي التي لها حدّ تُفرِّق الأجزاء ؛ كسلاح ، أو ما يجري مجراه في تفريق الأجزاء ؛ كالنار ، والمحدّد من الخشب ، أو الحجر ، أو الزجاج .

وعرَّف صاحباه ـ أبو يوسف ، ومحمد ـ القتل العمد : بأن يتعمَّد ضربه بما يُقتل به غالباً ؛ وهو ما لا تطيقه البنية ؛ سواء أكان محدَّداً كالسيف أو السكين ، أم غير محدَّد ؛ كحجر عظيم ، وخشب عظيم . ومثله القتل بالقنبلة .

وهذا القتل ـ كمـا قدّمنـا ـ يُوجب القصـاص ، والإثم ؛ لقوله تعالى : ) كتب عليكم القصاص في القتلى ( [البقرة : 178] ، ولقوله عزّ وجلّ : ) ومن يقتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤه جهنَّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً ( [النساء : 93] . ولكونه فاحشة وجريمة آثمة ، لم تُشرع فيه الكفَّارة التي فيها معنى العبادة .

(2)- قتل شبه عمد : كأن يتعمَّد ضرب شخص بما لا يقتل عادة ؛ كالضرب بيده ، أو سوطه ، أو حجر صغير ، أو عصا ليّنة ، أو ما أشبهها ، فيموت منه . فهذا القتل يُوجب الدية على العاقلة ، والكفارة ، مع الإثم .

وسُمِّي هذا النوع “شبه عمد” ؛ لأنَّ فيه معنى العمدية ، باعتبار قصد الفاعل إلى الضرب ، ومعنى الخطأ ، باعتبار عدم قصده إلى القتل ؛ لأنَّ الآلة التي استعملت فيه ليست آلة قتل ، فكان خطأً يُشبه العمد ، فلم يجب فيه القصاص ، ووجبت فيه الكفارة ، والدية المغلَّظة على العاقلة ، ودخل تحت قوله تعالى : ) ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلَّمة إلى أهله ( ـ إلى قوله ـ ) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ( [النساء : 92] . وفي هذا النوع إثم الضرب ؛ لوجود القصد إليه ، وارتكاب ما هو محرَّم شرعاً ، لا إثم القتل ؛ لأنَّه لم يقصده .

(3)- قتل خطأ : وهو إمّا أن يكون خطأ في القصد ؛ كأن يرمي شبحاً يظنّه حيواناً ، فإذا هو إنسان . وإمَّا أن يكون خطأ في الفعل ؛ كأن يرمي طائراً فيُصيب إنساناً ، فيقتله . فهذا القتل يُوجب الدية على العاقلة ، والكفارة ، ولا إثم عليه .

(4)- قتل شبه خطأ ، أو جار مجرى الخطأ ، أو ملحق به ؛ كأن ينقلب النائم على إنسان فيقتله . وهذا القتل يُوجب الدية على العاقلة ، والكفارة ، وفيه إثم ترك التحرُّز والمبالغة في التثبُّت ، وهو دون إثم قصد القتل .

(5)- قتل بالتسـبُّب ؛ كأن يضع السمّ في الطعام ، أو يحفر بئراً فيتردّى فيه ، أو يُشارك القاتل برأي ، أو إعانة ، أو تحريض ، أو يشهد شهادة زور تؤدي إلى الحكم بالإعدام ، أو يكون ربيئة (وهو من يُراقب المكان أثناء مباشرة القتل) . فهذا القتل يُوجب الدية على العاقلة ، ولا كفارة ، ولا قصاص فيه .

ثانياً = القتل بحق ، أو بعذر : وهذا على أنواع أيضاً :

(1)- القتل قصاصاً : كالجلاد يُنفِّذ حكم الإعدام بالقاتل .

(2)- القتل بالحدّ : كقتل المرتدّ .

(3)- القتل دفاعاً عن النفس ، أو المال .

(4)- قتل الزوج زوجته الزانية ، أو قتل المحرم لقريبته الزانية ، وقتل الزاني بها أيضاً .

(5)- القتل مبالغة في الدفاع عن النفس ؛ كأن يكون بحيث يستطيع ردّ هجوم الصائل عليه بما دون القتل ، لكنه يقتله .

س : ما هو القتل الذي يُعتبر مانعاً من موانع الإرث ؟

ج : اختلف العلماء في القتل الذي يُعتبر مانعاً من موانع الإرث :

=1= فقالت الشافعية : مجرّد القتل بجميع أنواعه السابقة ؛ سواء أكان بحق (مثل قاض حكم على أبيه بالقتل ، فلا يرث من باب سدّ الذرائع) ، أو بغير حقّ سـواء أكان بمباشرة ، أو بتسبّب (فلا يرث ، لتُهمة الاستعجال بالإرث) . وسواء كان القاتل عاقلاً بالغاً ، أو صبياً ، أو مجنوناً ؛ فالقاتل خطأ ، والقاضي الذي حكم بالقتل، والجلاد الذي نفَّذ القتل ، والمدافع عن نفسه ، والمنتقم لشرفه ، والأب يضرب ولده للتأديب فيقتله ؛ كلّ هؤلاء يُمنعون من الميراث أخذاً بعموم قوله r : “ليس للقاتل شيء ، وإن لم يكن لـه وارث ، فـوارثه أقرب الناس إليه ، ولا يرث القاتل شـيئاً” ، وعملاً بقاعدة من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه .

إذاً : الشافعية جعلوا مجرّد القتل مانعاً من موانع الإرث .

=2= وقالت المالكية : القاتل له حالتان ؛ إمَّا أن يكون قتل مورِّثه عمداً عدواناً ـ فلا يرث من مال مورثه ولا من ديته ـ ؛ وإمَّا أن يكون قتله خطأ ـ فيرث من ماله ، ولا يرث من ديته ـ .

فالقتل المانع من الإرث ـ عند المالكية ـ هو القتل العدوان العمد المقصود بغير حقّ ، وبدون عذر ؛ سواء أكان مباشــرة ، أو من طريق التســبُّب . فمتى كان القتل قصداً مع العدوان ، منع من الإرث . أمَّا القتل الخطأ ، أو بحق ، أو بعذر ، أو الذي وقع من صبي أو مجنون ، فلا يمنع من إرث المال ، وإنّما يمنع من إرث الدية ؛ لأنَّ الدية واجبة عليه ، فكيف يرث شيئاً قد وجب عليه .

=3= وقالت الحنفية : كلّ قتل أوجب قصاصاً ، أو كفارةً مع الدية ، يمنع من الإرث ؛ وهو القتل بغير حقّ ، شريطة أن يكون بالمباشرة ، سواء أكان عمداً ، أو شبه عمد ، أو خطأ ، أو جارياً مجرى الخطأ . وأمَّا القتل بالتسبُّب (كما لو حفـر بئـراً ، أو وضع حجراً في الطريق ، فقتل مورّثـه) ، أو القتـل بحق ، أو بعذر ، فلا يمنع من الميراث .

=4= وقالت الحنابلـة : إنّ القتل المانع هو ما أوجب عقوبة على القاتل ؛ سواء أكانت عقوبة جسمية (كما في القتل العمد)، أو ماليَّة (كما في القتل الخطأ)، والقتل بالتسبُّب . فكلّ قتلٍ مضمون بقصاص ، أو دية ، أو كفارة ، يمنع الإرث ؛ فالقتل بغير حقّ ، سواء بمباشرة، أو بتسبّب ، يكون مانعاً من الإرث عند الحنابلة ؛ تعميماً لسدّ الذريعة ، ولئلا يدّعي العامِد أنه قَتَل خطأً .

ومن موانع الإرث :

(3)- اختلاف الدين :

واختلاف الدين : هو أن يكون المورِّث على دين ، والوارث على دين آخر .

وله صورتان :

= أن يكون المورِّث مسلماً والوارث كافراً ، أو العكس .

= أن يكون المورِّث يهودياً والوارث نصرانياً ، أو العكس .

س : هل يرث المسلم من الكافر ، أو الكافر من المسلم ؟

ج :

=1= مذهب الجمهور ـ وهو الراجح ـ : أنّ المسلم لا يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم ؛ لقوله r : “لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم” .

=2= وقيل : المسلم يرث الكافر ، دون العكس ؛ لأنَّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه ، ويزيد ولا ينقص . واستدلّ أصحاب هذا القول بحديث : “الإسلام يزيد ولا ينقص” .

أخرج الإمام أبو داود في سننه عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَنَّ أَخَوَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ؛ يَهُودِيٌّ وَمُسْلِمٌ ، فَوَرَّثَ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا ، وَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الأسْوَدِ أَنَّ رَجُلاً حَدَّثَهُ أَنَّ مُعَاذًا حَدَّثَهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : “الإسْلامُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ” ، فَوَرَّثَ الْمُسْلِمَ .

وأخرج الإمام أبو داود أيضاً في السنن : أَنَّ مُعَاذ بن جبل t أُتِيَ ـ وهو باليمن ـ بِمِيرَاثِ يَهُودِيٍّ وَارِثُهُ مُسْلِمٌ ، فورَّث المسلم ، وذكر الحديث بِمَعْنَاهُ عَنِ النَّبِيِّ r .

=3= وقيل : الكافر يرث من المسلم شريطة أن يُسلم قبل تقسيم التركة ترغيباً له في الإسلام . (وهذه رواية ثانية عن الإمام أحمد) .

ومستند أصحاب هذا القول : قوله r : “كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ لَهُ ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الإسْلامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الإسْلامِ” . وهـو يدلّ على أنّ الكافر لو أسلم قبل قسم ميراث مورِّثه المسلم ، ورث منه .

=4= وقيل : المسلم يرث الكافر ، والكافر يرث المسلم بالولاء ؛ لقوله r : “لا يرث المسلم من النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته” .

أما توارث ملَّة الكفر من بعضهم : فكلّ ملَّة ترث نفسها .

ومفهوم قوله r : “لا يرث المسلم الكافر ..” : أنَّ الكفَّار يرث بعضهم من بعض .

ولكنّ السؤال :

س : هل يرث اليهودي من النصراني ؟ وهل يرث النصراني من المجوسيّ ؟

=1= الشافعية والحنفية : ملة الكفر مهما تعدَّدت فهي واحدة ؛ بدليل قول الله تعالى : ) فماذا بعد الحق إلا الضلال ( [يونس : 32] .

فالنصراني يرث اليهودي ، واليهودي يرث المجوسيّ ، .. إلخ ، بشرط اتحاد الدار . والله I يقول والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ( [الأنفال : 73] .

=2= المالكية قالوا : ملل الكفر ثلاث : يهودية ، ونصرانية ، وما عداهما من ملل الكفر فملة واحدة . فلا يرث اليهودي من النصراني ، ولا النصراني من اليهودي ، وما عداهما لا يرثون من اليهودي ولا النصرانيّ .

=3= الحنابلة قالوا : ملة الكفر ملل شتّى ، فلا يرث أهل كلّ ملة من أهل الملل الأخرى .

ودليلهم أنّ الله I دلّ على تعدّدهم بقوله عنهم ، وعن أهل الإيمان : ) إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إنَّ الله يفصل بينهم يوم القيامة ..( [الحج : 17] ؛ فكلّ ملَّة ترث من ملَّتها ، ولا ترث من الأخرى . وعليه حملوا قوله r : “لا يتوارث أهل ملَّتين شتّى” .

من موانع الإرث المختلف فيها :

(1)= الارتداد :

المرتـدّ في اللغة هو : الراجع .

والردة معناها الشرعي : الرجوع عن الإســـلام إلى غيره ؛ وهو الكفر بعد الإسلام . قال الله تعالى : ) ولا ترتدوا على أدباركم ( [المائدة : 21] .

فالـردة إذاً : خروج المسلم عن دينه ، وإعلانه الكفر به ، وبتشريعه . والمرتدّ هو : الراجع عن الدين طوعاً .

ولا خلاف بين العلماء في أنّ المرتد لا يحجب غيره .

ولكن السـؤال : هل يرث من مورِّثه المسلم ؟ وهل يرث غيره منه ؟

= إرث المرتد :

س : هل يرث المرتدّ من مورِّثه المسلم ؟

=1= الجمهور (وهم الحنفية ، والمالكية ، والشافعية) ، قالوا بعدم توريث المرتدّ .

=2= الحنابلة : قـالوا بتوريث المرتدّ إذا أسلم قبل تقسيم التركة .

ولا منافاة بين القولين ؛ إذ المرتد الباقي على ردته لا يرث بإجماع علماء المسلمين .

= الوراثة من المرتدّ :

س : هل يرث غيره منه ؟

=1= الجمهور (وهم المالكية ، والشافعية ، والحنابلة) : قالوا بعدم توريث غيره منه ، وماله يعتبر فيئاً للمسلمين ، يُوضع في بيت المال ، سواء اكتسبه في حال إسلامه ، أو حال ردَّته ، وسواء كان ذكراً أو أنثى .

=2= الحنفية : قالوا بتوريث ورثته المسلمين ، على اختلاف فيما بينهم .

والراجح في مذهبهم : أنَّ المال الذي كسبه في حال الإسلام ، والذي كسبه في حال الردّة هو مال واحد ، ويرثه ورثته المسلمون . وهو قول أبي يوسف ، ومحمد من تلاميذ أبي حنيفة .

والمرجوح في مذهبهم : أنّهم فرَّقوا بين المال الذي كسبه الرجل الذكر في حال إسلامه ، والذي كسبه في حال ردّته ؛ فالذي اكتسبه في حال الإسلام يرثه ورثته المسلمون . أما الذي اكتسبه في حال الردَّة ، فلا يرثوه .

أمَّا المرأة المرتدة : فيرثها ورثتها المسلمون في كلّ الأحوال . وهو أحد قولي أبي حنيفة رحمه الله .

من موانع الإرث المختلف فيها :

(2) = اختلاف الدار :

وهذا يكون بين غير المسلمين ؛ إذ ” لا خلاف بين العلماء في أنّ المسلمين مهمـا تباينت أوطانهم ، وتعدّدت ممالكهم ، وتميّزت حدود دولهم بعضها عن بعض ، فهم أبناء وطن واحد ، تجمعهم راية الإسلام ، ووحدة تشريعه ونظامه ؛ فالمسلم العربي يرث من المسلم الباكستاني أو التركي ، كما لو كانا من بلدة واحدة ؛ لأنّ من مبـادئ الإسلام أنّ الوطن الإسلامي وطن واحد ، وأنّ المسلمين أمة : ) وأنّ هذه أمتكم أمة واحدة ( [الأنبياء : 92] ، ) إنّما المؤمنون إخوة ( [الحجرات : 10] . ولا خلاف بين العلماء أيضاً في أنّ المسلم يرث من المسلم ، ولو كان أحدهمـا تحت سـلطة الأعـداء ، أو من رعية دولة غير إسلامية ؛ فالمســلم العربي يرث من قريبه المسلم الأمريكي ، أو الإنكليزي ، أو الروسي ؛ لأنّ ولاية المســلم للإســلام ، مهما اختلفت جنســــيته وقوميته . أمَّـا غير المسلمين : فإن كانوا من رعايا دول إسلامية ، توارثوا فيما بينهم ، ولو تميَّزت حدود هذه الدول بعضها عن بعض” ؛ فالنصراني السوري يرث من النصراني المصري أو الإيراني .

أما إن كان أحدهما من رعايا دولة إسلامية ، والآخر من رعايا دولة غير إسلامية ، فلا توارث بينهما لاختلاف الدار .

والمراد باختلاف الدار : اختلاف المنعة ، والحوزة (الحدود) ، والسلطان ، والملك . وبتعبير العصر الحاضر : اختلاف الجنسيَّة .

س : هل يُعتبر اختلاف الدار مانعاً من موانع الإرث بين غير المسلمين ؟

=1= الحنابلة والمالكية : لا يعتبرونه مانعاً من موانع الميراث ؛ لعدم ورود نص فيه ؛ فالرسول قال : “لا يتوارث أهل ملتين شتى” ، وهؤلاء ملة واحدة ؛ فلا يمنع اختلاف الدارين من الإرث بينهم .

=2= الشافعية والحنفية : يُعتبر مانعاً .

س : ما العلة في اعتبارهم اختلاف الدار من موانع الإرث ؟

ج : قالوا : لانعدام النصرة والتآزر بين المتوارثين .

وقد قسَّموا هذا الاختلاف إلى ثلاثة أقسام :

=1= اختلاف الدارين حقيقة وحكماً ؛ كالحربي المقيم في بلده ، بالنسبة لقريبه الذمِّي المقيم في بلاد الإسلام .

مثال : نصراني أمريكي ، له أخ نصراني سوري ، وكلّ واحد منهما يُقيم في دولتـه ، (فلا توارث بينهما لاختلاف الدار) ؛ فهذا السوري ذمِّي في دار الإسلام ، وقريبه الأمريكي حربي في دار الحرب ، والعصمة بين البلدين منقطعة ، والاختلاف بين الدارين موجود حقيقة وحكماً .

=2= اختلاف الدارين حكماً لا حقيقة ؛ كالذمِّي الذي يعيش في بلد الإسلام ، بالنسبة لقريبه المستأمن الذي دخل بلاد الإسلام بأمان ، ليعيش فيها فترة من الزمن ؛ فإنَّهما في دار واحدة حقيقة ، من جهة أنّهما يعيشان في دار الإسلام وقت وفاة أحدهما ، لكنهما من حيث المعنى والحكم في دارين مختلفين ؛ لأنّ المستأمن لا تزول جنسيته عنه بإقامته المؤقتة في بلد المسلمين ، وهو من أهل دار الحرب حكماً لتمكنه من الرجوع إليها، بينما قريبه الذمي يعتبر من دار المسلمين .

مثال : نصراني ألماني مقيم في سوريا ، وله أخ نصراني سوري يعيش في سوريا أيضاً .

=3= اختلاف الدارين حقيقة لا حكماً ؛ كالمستأمن الذي دخل بلاد المسلمين بأمان ، وهو من دار الحرب ، بالنسبة لقريبه الذي يعيش في دار الحرب ؛ فإنّ الدار مختلفة وقت وفاة أحدهما حقيقة ، لكنها لا تختلف في الحكم ؛ نظراً إلى أنَّ المستأمن على وشك الرجوع إلى وطنه الأصلي ، وهما من دار واحدة حكماً .

مثال : نصراني روسي دخل بلاد المسلمين مستأمناً ، وله أخ روسي يُقيم في دار الحرب .