التوظيف حسب الجدارة في الجزائر :

يعتبر مبدأ الجدارة من المبادئ الهامة التي تكفل اختيار أفضل العناصر القادرة على تحمل مسؤولياتها فهو يجعل من الصلاحية والكفاءة أساسا لاختيار الموظف العام . وعليه اتجهت مختلف قوانين الوظيفة العامة في الدول لا سيّما الجزائر إلى إقرار هذا المبدأ . حيث كان نقطة انطلاق نظرية الكفاية في الوظيفة العامة . ونظرا لهذه الأهمية نبحث في مضمون المبدأ وخصائصه ( الفرع الأول ) ، وكذلك تقييمه من خلال علاقته بالحياد الوظيفي ( الفرع الثاني ) .

الفرع الأول : مضمون مبدأ الجدارة وخصائصه

يعرّف فقهاء الإدارة مبدأ الجدارة على أنه ” ذلك المبدأ الذي يجعل اختيار الموظفين والاحتفاظ بهم على أساس الصلاحية وليس على أساس المحاباة (1) و التي قد تنحرف بولاء الموظفين نحو المصالح الخاصة و الشخصية على حساب المصلحة العامة من جهة و كذا الولاء السياسي للدولة و لبعض القادة و الرؤساء الإداريين من جهة أخرى (2) . و يتميز النظام القائم على أساس هذا المبدأ بخصائص متعددة يمكن أن نجملها فيما يلي :

– اقتصار التعيين في الوظيفة العامة على الأشخاص ذوي المقدرة .

– تقدير صلاحية المتقدمين لشغل الوظائف يعهد به إلى لجنة محايدة و مستقلة .

– اعتماد امتحانات التسابق لاختيار الموظفين .

– عدم إجراء أي تمييز على أساس ولاء حزبي أو سياسي .

محاولة تكريس مبدأ حياد الإدارة في النصوص الخاصة بالوظيفة العامة

– التعيين في الوظيفة العامة على أساس الصلاحية و ليس كمكافأة على خدمة سياسية أو حزبية .

– حياد الموظفين المدنيين سياسيا .

– الأخذ بمبدأ دائمية الوظيفة العامة و عدم ارتباطها بالحزب السياسي .

– الترقية تكون على أساس الجدارة .

فهذا النظام القائم على المسابقات العامة كأسلوب للتوظيف من شأنه تحقيق رقابة شعبية للتأكد من اختيار العناصر المؤهلة والكفئة لشغل هذه الوظائف(3) . و انطلاقا من ذلك نجد أن بعض الدول اعتمدته كوسيلة وقائية لتحقيق الكفاية في الوظيفة العامة كما اتجه هذا النظام القائم على الجدارة بولاء الموظفين الوجهة السليمة نحو الدولة و رعاية مصالحها ، عكس نظام المحاباة . و عليه نطرح السؤال حول الدور الذي لعبه هذا المبدأ في نظام الوظيفة العامة الجزائري .

الفرع الثاني : تقييم مبدأ التوظيف حسب الجدارة

إن تقييم مبدأ الجدارة في التوظيف من خلال مبدأ الحياد الوظيفي يقتضي طرح السؤال التالي : إذا كان إقرار مبدأ الجدارة في أي نظام للوظيفة العامة يهدف إلى حياد أو تحييد الموظف العام و من ثم الإدارة . و ذلك من خلال تجنب المحاباة فما هي المكانة التي يحتلها في نصوص الوظيفة العامة عندنا ؟ خاصة و أن المشرع ومن خلال نصوص الوظيفة العامة اعتمد أسلوب المسابقة كأداة للتوظيف من جهة وربط إلزامية الحفاظ على المنصب بمدى احترام الموظف العام واجب الالتزام من جهة أخرى. وبالرجوع إلى نص الميثاق الوطني نجد أن المناضلين هم الذين يتولون مناصب المسؤولية في الإدارة و معايير الانضمام هي المكافحة بإصرار من أجل انتصار الاختيار الاشتراكي المحدد في الميثاق الوطني و الاقتناع بسلامة مبادئ جبهة التحرير الوطني (4) محاولة تكريس مبدأ حياد الإدارة في النصوص الخاصة بالوظيفة العامة كما أن التركيز على هذه الاعتبارات يظهر من خلال دستور 1976 الذي يراعي في عملية الالتحاق بالوظيفة العامة ، الاعتبارات السياسية الحزبية بالدرجة الأولى . حيث تنص المادة ( 38 ) على أنه يوّلى المسؤوليات في الدولة لمن تتوفر فيه الكفاءة والنزاهة والالتزام . بالإضافة إلى ذلك فإن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية لسنة 1966 ينص في المادة ( 20 ) منه على ضرورة احترام الموظف لسلطة الدولة والعمل على احترامها . في حين أن القانون الأساسي النموذجي الخاص بعمال المؤسسات والإدارات العمومية لسنة 1985 في المادة ( 21 ) منه نص على ضرورة التزام الموظف بخدمة الحزب والدولة والمساهمة بكفاءة وفعالية في الأعمال التي تباشرها القيادة السياسية واحترام ومراعاة مصالح الأمة والدفاع عن مكاسب الثورة . وهذا ما لا ينسجم مع المبدأين معا ، الجدارة والمساواة حيث كان الولاء هو المعيار الأساسي للتعيين ، مما دفع بالموظفين إلى الولاء للرؤساء المنتمون إلى الحزب والتخوف على مناصبهم جراء مخالفة رأي الرئيس ، وهذا نتج عنه نقص فعالية الإدارة وعدم حيادها خاصة عند ما طغت المصالح الخاصة على المصلحة العامة . من خلال المواد (31) (34) (38) (56) من المرسوم رقم 85 – 59 المشار إليه نجد أن هناك إشارة إلى اعتماد مبدأ الجدارة . وعليه يمكن القول أن هناك تردد من طرف المشرع يظهر في محاولة تكريس مبدأ الحياد الوظيفي من خلال مبدأ المساواة والذي لا يقتصر على المساواة في التوظيف بل يتعداه إلى المساواة بين المواطنين أمام سير المرافق العامة والمساواة في الالتزامات والأعباء . فالمساواة في الالتزامات والأعباء تختلف تبعا لاختلاف المجالات المتعددة في الدولة كما أن مساواة جميع الأفراد أمام سير المرافق العامة في الدولة يقتضي أن تقدم نفس محاولة تكريس مبدأ حياد الإدارة في النصوص الخاصة بالوظيفة العامة المنافع لجميع المرتفقين الذين يوجدون في وضع متشابه دون محاباة وبأيّ شكل كان(5) لكن وعلى الرغم كذلك من تبني مبدأ الجدارة في التوظيف في نصوصنا القانونية هناك إطار سياسي غير ملائم .حيث يظهر الحياد مجرد رغبة محصورة على مستوى هذه النصوص ليس إلا . وذلك لأن مبدأ الحياد في حدّ ذاته لا يقوم على الولاء الذي يدين به الموظف العام للدولة إلا بصفة ثانوية فهو يشترط قيام نظام سياسي قائم على التنافس بين الآراء المتعارضة (6) ويكون عندئذ دوره هو إبعاد الصراع السياسي عن الحياة الإدارية .لكن وفي ظل النظام السائد في هذه الفترة والقائم على نظام الحزب الواحد الذي يعتبر الممثل الوحيد للمنظمة السياسية التي تتحكم بمفردها ولا تترك مجالا للتكتلات السياسية الحزبية التي تخلق التناقض ، كان مفهوم الحياد عندئذ حياد في أداء الخدمة العامة فقط ( 7) .هذا الأخير الذي يعتبر جزءا هاما من نظرية الحياد ككل .

_______________________

1- السيد محمد يوسف، المعدّاوي ، ” دراسة في الوظيفة العامة في النظم المقارنة والتشريع الجزائري ” الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية ، 1984 ، ص7

2- سامي، جمال الدين، “التنظيم الإداري للوظيفة العامة”،(الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة للنشر، 1990 )، ص 143

3- عبد الهادي ، حمدي أمين ، ” إدارة شؤون موظفي الدولة ، أصولها وأساليبها وإصلاحها ” ، الطبعة الثالثة . القاهرة : دار الفكر العربي ، 1976 ، ص 58 و ما بعدها .

4- الميثاق الوطني ، 1976 ص 56 وما بعدها .

5- أحمد ، محيو ، ” محاضرات في المؤسسات الإدارية ” ، ترجمة محمد عرب صاصيلا ، ( الجزائر ، ) ديوان المطبوعات الجامعية ، 1996 ملحق 1990 ، ص ص 481

6- بن صالح ، حافظ ، ” خواطر حول مسألة حياد الموظف العمومي في تونس ” ، مجلة إندماج ، العدد 15 ، 1981 ص 24.

7- عزيزة ، الشريف ، ” مبدأ الحياد الوظيفي ” ، مجلة العلوم الإدارية ، (العدد 1982 ، 1 )، ص 66

التوظيف بصفة دائمة في الجزائر :

عرف مبدأ دائمية الوظيفة العامة في الحضارات القديمة حيث كان يقتضي أن يسخر الموظف حياته للوظيفة لحماية مصالح الأشراف ورجال الدّين الذين كانوا ينفردون بالوظائف العامة . لكن بعد ذلك أصبح هذا المبدأ يخدم سير الوظيفة العامة بانتظام و اطراد، حيث يعد من الضمانات الأساسية للموظف العام ، خاصة بعد ظهور نظرية جاكسون في تأقيت الوظيفة العامة ( الفرع الأول ) والتي على غرارها يتضح مضمون مبدأ الدائمية في التوظيف وخصائصه ( الفرع الثاني ) .

الفرع الأول : تأقيت الوظيفة العامة

نتناول مضمون هذه النظرية وفقا للتصور الأمريكي الذي يعد الأكثر تمسكا بها فيرى أنصار هذه النظرية و على رأسهم ” جاكسون ” الذي عرفت سياسته في تأّقيت الوظيفة العامة و تقنينه لسياسة الغنائم الحزبية ” بالديموقراطية الجاكسونية ” فحسب أنصار هذه النظرية فإن دائمية الوظيفة العامة تجعل الموظفين ينظرون إليها على أنها ملكيتهم الخاصة . و بالتالي يستغلونها لحسابهم الخاص كما أن مبدأ المساواة في التوظيف يقتضي تأقيت الوظائف حتى تتاح لكل المواطنين فرصة التقدم لشغلها. وذلك يشعر الموظف أن وجوده رهن بمشيئة الشعب فيحرص على خدمة الصالح العام . كما أن أصول الديموقراطية تقتضي مساواة الوظائف السياسية مع الوظائف الادارية و ذلك في تأقيت مدة الخدمة ( 1) .و كما يرى الأستاذ ” حمدي أمين عبد الهادي “على الرغم من المبررات التي جاء بها ” جاكسون ” هذا لا ينفي القول بأنها لا تتماشى مع أصول الإدارة العامة ذلك أن مبدأ دائمية الوظيفة العامة لا يؤدي بالضرورة إلى استغلالها لصالحه الخاص ما دام الموظف ملزم بالتحلي بأخلاقيات الوظيفة العامة . كما أن مبدأ المساواة يقتضي توظيف كل مواطن تتوفر فيه الشروط التي تتطلبها الوظيفة العامة وهذا يضمن شغل الوظائف العامة من طرف العناصر المؤهلة لذلك. أما المساواة بين الوظيفة السياسية و الإدارية لا مبرر لها فتأقيت الوظيفة العامة يصلح في الوظائف السياسية دون الوظائف الإدارية و ذلك بالنظر إلى طابعها المتقّلب (2)

الفرع الثاني : مفهوم دائمية الوظيفة العامة و خصائصه

يعرّف مبدأ الدائمية على أنه ” اتخاذ الخطوات لجعل التوظيف العام عملا له قيمة مدى الحياة مع فتح باب دخول الوظيفة العامة لاجتذاب الرجال و النساء ذوي المقدرة و الخلق في مراحل الشباب و إتاحة فرصة الترقي و التقدم للوظائف الممتازة المشرّفة (3) . و تتمثل خصائص هذا المبدأ في أنه يفتح المجال أمام المواطنين للالتحاق بالوظائف العامة حيث يتم التوظيف على أساس المسابقة دون أي اعتبارات أخرى . يضمن حياة مهنية مستقرة للمواطنين خاصة و أن هذا المبدأ يأخذ بنظام التقاعد كنوع من التأمين الاجتماعي للموظفين ، كما يتيح فرصة التنمية الذاتية للموظف من خلال تنظيم التدريب في الوظيفة العامة و يؤدي الأخذ بهذا النظام إلى تزويد الإدارة بمجموعة من الموظفين المختصين (4) و بالتالي فإن قيام الوظيفة العامة على هذا المبدأ يؤدي إلى تنمية روح العمل الجماعي و استمرارية الإدارة كما أنه يعمل على استقطاب أفضل العناصر إلى محاولة تكريس مبدأ حياد الإدارة في النصوص الخاصة بالوظيفة العامة الوظيفة العامة ويؤدي إلى ضمان حقوقه خلال مدة الخدمة و التقاعد كما يفتح للمواطنين فرص متساوية للالتحاق بالوظيفة العامة . من خلال النصوص القانونية السابقة المشرع الجزائري أخذ بمبدأ دائمية التوظيف فالدولة كانت حديثة الاستقلال و نموها الاقتصادي و الاجتماعي كان مرتبط بتطور و نمو الإدارة هذه الأخيرة التي لا يمكن أن تحقق الهدف المرجو منها إلا إذا عرف موظفوها نوعا من الاستقرار و الثبات في حياتهم المهنية بالإضافة إلى المؤهلات العلمية و التخصصات الفنية العالية.

كما تبين معظم مواد المرسوم رقم 85- 59 المتضمن القانون النموذجي الخاص بعمال المؤسسات و الإدارات العمومية أن المشرع الجزائري قد أخذ بهذا المبدأ فالموظف يخضع في البداية لشروط معينة لابد أن تتوفر فيه ثم يقضي مدة تجريبية لاختبار قدراته ليثبت بعد ذالك بقرار تتخذه السلطة أو الهيئة التي لها صلاحية التعيين و بعد مرور فترة من العمل في خدمة المؤسسات والإدارات العمومية يرقى الموظف العام إلى منصب عمل أعلى من المنصب السابق . وهذا ما يرتكز عليه مبدأ الدائمية. وعليه فإن اعتماد مبدأ دائمية التوظيف كان مكمّلا لمبدأي المساواة والجدارة . حيث فتح المجال واسعا لاستخدام عدد كبير من الموظفين في شتى الإدارات ، إذ يضمن المحافظة على سير الإدارة بانتظام و اطراد .كما لا يكون التوظيف لصالح فئة دون الأخرى وذلك بالنظر إلى مبدأ التأقيت الذي يترتب عنه إفساد الحياة الإدارية .لكن وعلى الرغم من ذلك عرفت الإدارة الجزائرية توظيف الأشخاص الذين لا تتوفر محاولة تكريس مبدأ حياد الإدارة في النصوص الخاصة بالوظيفة العامة فيهم الكفاءة والصلاحية وكان المجال مفتوحا لمساوئ المحسوبية والرّشوة فكانت الوظيفة العامة مجالا لمفاسد البيروقراطية . لكن يبقى مع ذلك أن إقرار هذه المبادئ الثلاثة باعتبارها أحد أهم مقومات الحياد الوظيفي نلتمس فيه محاولة لتكريس حياد الموظف العام ومن ثم حياد الإدارة .

_______________

1- مصطفى، الشريف ” أعوان الدولة و توظيفهم للإدارة الجزائرية : دراسة مقارنة “،( بحث للحصول على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ، معهد الحقوق و العلوم السياسية و الإدارية ، 1977 ) ، ص88

2- عبد الهادي ، حمدي أمين ، ” إدارة شؤون موظفي الدولة ، أصولها وأساليبها وإصلاحها ” ، الطبعة الثالثة . القاهرة : دار الفكر العربي ، 1976 ، ص 68 .

3- و هو التعريف الذي قدمته لجنة دراسة شؤون الوظيفة العامة بالولايات المتحدة الأمريكية و التي شكلت بمعرفة مجلس أبحاث الخدمة الاجتماعية سنة 1933 أنظر : حمدي أمين عبد الهادي ، مرجع سابق ، ص 71 .

4- حمدي أمين، عبد الهادي ، مرجع سابق ص 72 و ما بعدها .

المؤلف : فيرم فاطمة الزهراء
الكتاب أو المصدر : الموظف العمومي ومبدأ حياد الادارة في الجزائر

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .